2005ليلى
01-15-2008, 06:12 PM
المفكر والفيلسوف ومنسق حركة كفاية د.عبدالوهاب المسيري لـ الوطن
http://www.alwatan.com.kw/Data/site1/News/Issues200801/lc50-011508.pc.jpg
حاوره في القاهرة حسن عبدالله:
الحوار مع المفكر والفيلسوف د.عبدالوهاب المسيري اصبح من الاولويات الآن. ففي الوقت الذي تتطاول فيه الصهيونية وتتجبر وتقوى قبضتها، ويطنطن البعض- بداية من الرئيس الامريكي وحتى أصغر صهيوني في العالم- بضرورة أن تكون إسرائيل «دولة يهودية نقية»، وأن تتم أي تسوية على أساس الأمر الواقع، يقدم د.المسيري رؤية واضحة لفهم الشخصية الصهيونية واليهودية والمسيحية الصهيونية، ويطرح حلا للقضية الفلسطينية قد يبدو مثاليا لكنه الحل الوحيد لإقامة سلام دائم وعادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أيضا يتولى د.عبدالوهاب المسيري «69عاماً» منصب المنسق العام لحركة كفاية المعارضة للنظام والتي قامت بأنشطة مهمة على صعيد تفعيل مبدأ التداول السلمي للسلطة في مصر، ويتعرض المسيري بسبب نشاطه هذا إلى ضغوط أمنية وحصار من قبل أجهزة الأمن التي تتبع ندواته فتلغيها، وتفرض طوقا أمينا على محاضراته حتى أنها تمنع الحوارات التي يديرها مع طلابه بعد المحاضرة.
حصل د. المسيري على دكتوراه في الأدب الانجليزي والامريكي المقارن من جامعة رنجرز بنيوجيرسي بالولايات المتحدة الامريكية عام 1969، وقام بالتدريس في جامعات عربية عدة في مصر والسعودية والكويت وماليزيا وتولى العديد من المناصب الاكاديمية والفكرية كباحث ومستشار لعدد من الهيئات والمعاهد والحوليات والجامعات في انحاء العالم المختلفة.
بدأ د. عبدالوهاب المسيري رحلته الفكرية مفكرا ماركسيا يؤمن بالمادية الجدلية لأكثر من ثلاثين سنة وحينما اكتشف ان «الانسان ظاهرة مركبة متعددة العناصر والابعاد ولا يمكن حصره في التفسير المادي»، تحول بشكل هادئ وناعم إلى المناداة بالطرح الاسلامي كحل عاجل لأمراض الحداثة الغربية، بل وأصبح من كبار المفكرين الإسلاميين الآن، وهو عضو مؤسس لحزب الوسط الاسلامي تحت التأسيس المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين.
وللدكتور المسيري أكثر من 70 مؤلفاً تغطي مساحات واسعة من الأدب والفكر وقصص الاطفال والسيرة الذاتية، إلا أن أهم هذه الأعمال هو «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، التي صدرت في ثمانية مجلدات عام 1999، وترصد كل ما له علاقة بالفكر والمصطلحات اليهودية والصهيونية.
وبعد حوالي ربع قرن من العمل الشاق والمضني في الموسوعة اليهودية اصيب د. عبدالوهاب المسيري بجلطة في المخ ثم بشلل نصفي ثم بسرطان الدم، وأجريت له عملية جراحية خطيرة ومكلفة جداً لزرع نخاع في الولايات المتحدة ليعاود المفكر والفيلسوف العربي د.عبدالوهاب المسيري نشاطاته الاكاديمية والسياسية والفكرية رافعا شعار «أن أموت شهيداً خيرا لي من أن أموت مريضا»،.
التقيت د.عبدالوهاب المسيري في بيته وحاورته حواراً مطولاً وهذا نصه:
¼ ماذا عن حالتك الصحية الآن؟
- د.عبدالوهاب المسيري: حالتي مستقرة الآن والحمد لله هل تتصور أنني لم أعرف المرض طيلة حياتي، وفي اليوم الذي سلمت فيه «دسكات» الموسوعة للناشر توفي زوج ابنتي، وأصابني ما يشبه الجلطة المعروفة باسم «فوكاي» في منطقة النطق لكنني توقفت عن تعاطي الدواء عندما قابلت مهاجرة مصرية في سويسرا اصيبت بنفس الجلطة، وأخبرتني بأنها شفيت عندما اخبرتها شقيقتها الطبيبة بألا تتناول أي أدوية، وبالفعل شفيت. وبعد شهرين شعرت بآلام في ظهري واستيقظت في أحد الأيام لأجد نصفي السفلي مشلولا تماما، فأجريت عملية جراحية واكتشف الاطباء انني مصاب ايضا بسرطان الدم وبدأت رحلة العلاج.
وكان من الضروري ان أقوم بعملية زرع نخاع تكلفت ما يقرب من مليوني جنيه مصري، وتولى تكاليف هذه المسألة كلها العاهل السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، لأن الحكومة المصرية مع الاسف لاتزال تنظر في حالتي حتى الآن. كنت أجرى العملية في امريكا بعد سنتين من تقديمي خطاباً للدكتور أسامة الباز، ثم قابل د. زكريا عزمي إحدى الصحفيات القريبات مني وقال لها: «ما زلنا نبحث في حالة د. المسيري حتى الآن!»، بعد ذلك دخلنا في رحلة علاج مستمرة والأمور مستقرة بفضل الله، واكتشفت أن الأطباء في مصر رائعون، وعلى درجة كبيرة من الذكاء والمعرفة العلمية.
ثمن غال
¼ يبدو أنك دفعت ثمنا غاليا لإنجاز أغلى وهو الموسوعة؟
- (ضاحكا) الموسوعة أحدثت أثراً غير عادي في فكر الناس، ولعل أكبر دليل على أهميتها أن الإسرائيليين تجاهلوها تماما، فلم يكتبوا عنها حرفاً واحداً، رغم انني كتبت عن المفاهيم الأساسية باللغة الانجليزية في الأهرام ويكلي.
¼ ولماذا تجاهلوها في رأيك؟
- لأنهم لا يريدون الدخول في حوار نقدي عقلاني، فهم اعتادوا دائما على أن عداء العرب للصهيونية يأخذ شكلاً عنصرياً يتجلى في الحديث عن إبادة إسرائيل وتدميرها، لكنني أقول بإنني مؤمن بأن إسرائيل ستنتهي، وأن هذه النهاية لن تكون بإلقائها في البحر، وإنما بتفكيك الإطار العنصري، القائمة عليه كما حدث في جنوب افريقيا، ويتحول المستوطنون إلى مواطنين في الدولة الجديدة التي ستكون أيضا على شاكلة جنوب افريقيا التي استوعبت المستوطنين البيض ولم تطردهم، وإنما قامت على الديموقراطية والعدل والمساواة والحرية.
¼ أليس هذا صعباً بل وربما خياليا؟
- لا أبداً، الأمر ببساطة أن تكون هناك فترة انتقالية، فتأتي قوات دولية لحفظ السلام إلى أن يكونوا مصالح مشتركة، وهذه ليست مسألة صعبة خاصة وأن المنطقة العربية مليئة بالأقليات العرقية والدينية، وهو ما يجب أن يكون مبعث فخر لنا، ورغم أن الاستعمار يوظف هذا ضدنا لكن لابد أن نطور أشكالاً لدولة يمكنها استيعاب كل هذه الأمور.
كفاية
¼ سنعود إلى الموسوعة مرة أخرى ولكن إلى أين وصلت حركة كفاية في ظل تراجع أنشطتها وانقساماتها؟
- الحركة لم تتراجع ولا تعاني من انقسامات، لكن الضغوط الأمنية تمادت كثيراً في الآونة الأخيرة، أشعر أن أجهزة الأمن تتعامل معي منذ أن توليت مهمة المنسق العام لكفاية، على أني «عبدالوهاب بن لادن» ولست المفكر عبد الوهاب المسيري، فالتضييق يتزايد على وجودي في المحاضرات العامة بين طلاب الجامعات، وألغت بعض الكليات الحوارات المفتوحة التي تعودت على إدارتها مع الشباب عقب المحاضرات، كما ألغيت بعض اللقاءات التي كنت متفقا عليها مع بعض القنوات التلفزيونية الحكومية، بناء على «أوامر عليا» ويبدو أن لعنة «كفاية» تطاردني في كل مكان، لكني لن أتراجع عن القيام بدوري في إحياء الروح الوطنية والعمل ضد كل ما يتم التخطيط له لتحويل مصر إلى ملكية أو عزبة خاصة.
وسنواصل النضال ضد من يعودون بمصر إلى الوراء، من خلال الأفكار والتوجهات الخاصة باللجنة التنسيقية للحركة التي تسعى إلى تطوير ودعم التحرك من خلال المحافظات.
ففي ظل حركة القمع الرهيبة ضد المعارضة، فإن حركة «كفاية» هي الأمل الوحيد للتغيير بطرق سلمية، وان تم القضاء عليها أو محاصرتها، فسيتم التغيير بالعنف، وهذا ما لانريده.
تحولات فكرية
¼ بدأت حياتك ماركسيا ثم ليبراليا والآن إسلامياً، فما هذه التحولات الفكرية؟
- أنا أومن بالإنسان، ومع ذلك فأرى أنه ليس مركز الكون، وإنما مستخلف من الله كنت ماركسيا وماديا وحاولت تطبيق النموذج المادي على الإنسان أخفقت، لأن هناك أشياء مثل التراحم، والخير والأم التي تفني حياتها من أجل طفلها المعوق، لايمكن تفسيرها ماديا أو بعناصر اقتصادية وما شابه ذلك.
وقد توصلت إلى أن الإنسان منفصل عن عالم الطبيعة والمادة، أي أنه مؤشر على وجود شيء وراء الطبيعة وهو الله، وهو ما قادني في نهاية الأمر إلى الإسلام عبر قصة طويلة ذكرتها في كتاب «رحلتي الفكرية»، فأنا مفكر عربي إنساني إسلامي، وأعتقد أن المنظومة الإسلامية لها توجه إنساني عام، حيث تضع الإنسان في المركز لا باعتباره سيداً للكون، ولكنه مستخلف من الله سبحانه وتعالى، فالإسلام عقيدة بالنسبة للمسلمين لكنه إطار حضاري لكل من يعيش في هذه المنطقة، كما أرى أن هناك قاعدة أخلاقية مشتركة بين الإسلام والمسيحية بل واليهودية، وأن علينا اكتشاف هذه القاعدة لتأسيس عقد اجتماعي جيد.
¼ كنت ملحداً؟
- (ضاحكا) كنت أقول لرفاقي الماركسيين : «أنا ماركسي ولكن على سنة الله ورسوله» لأنني كنت أبحث عن صيغة انسانية شاملة، وهو ما لم اجده في الاطار الماركسي الذي لم يكن وافيا لتوفير دوافعي ودوافع الاخرين. الى جانب انني ملتزم اخلاقيا فكنت اتساءل: ما الذي يجعلني افعل الخير واتجنب الشر؟ وهو ما كان يجعلني ابحث عن اساس فلسفي يفسر هذا الجانب في شخصيتي وشخصية الاخرين. واخذت هذه المرحلة ما يقترب من ربع قرن الى ان توصلت الى عجز النموذج المادي.
قصيدة دينية
¼ ومتى حدثت لحظة التحول؟
- لم تحدث هذه اللحظة فجأة، بل لا يمكن الحديث عن لحظة تحول فدائما ما كنت اتصور انني ارتدي ثوبا ماديا وارقع فيه.. رقعة رقعة. فعندما ولدت ابنتي عام 1964 كتبت قصيدة اكتشفت انها دينية في مواجهة لحظة الولادة. انا وزوجتي عشنا قصة حب اثناء الدراسة وكانت قصة حبنا معروفة في الاسكندرية ثم تزوجنا بعدها، وفوجئت بعد الولادة بأنها تبتعد عني لانها دخلت في علاقة مع الطفلة لست طرفا فيها، وهذا ليس له علاقة بالجانب المادي.
¼ هل يمكن ان نطلق على توجهك الجديد «اسلامي ليبرالي»؟
- بل اسلامي انساني. كل ما افعله الآن هو تعميق مفاهيم مثل التوحيد والاستخلاف، لتصبح رؤية انسانية عالمية، نقدمها كحل لمشاكل الحداثة.
الكثير من الملحدين حينما يتحدثون عن الانسان يستخدمون لغة تعبر عن الايمان بشيء وراء الطبيعة واسميه «الاله الخفي».
ولذلك فان الملحدين غير مدركين لاشياء كثيرة، فالنموذج المادي عاجز عن تفسير كثير من جوانب الوجود الانساني، والطبيعة الانسانية الامينة تدفع الانسان الملحد الى التوقف والتساؤل عن هذا الكون والقيم التي تحكم الانسان، واعتقد ان كثيرا منهم سيراجعون مواقفهم وبالنسبة لي فان الرؤية الاسلامية جعلتني اكثر تسامحا وقبولا للضعف الانساني، واضافت لي طمأنينة وتوازنا.
فمشكلة الحداثة الغربية انها جعلت معيار التقدم هو تصاعد معدلات الاستهلاك، بينما اطرح مفهوما اسلاميا للتقدم يهدف الى التوازن مع الذات، والطبيعة والعدل الاجتماعي اي قيم اسلامية محددة، في حين ان التقدم الغربي سيؤدي بنا الى نتائج سيئة وخطيرة فالحديث الغربي الآن عن نتائج الانبعاث الحراري اصبح يوميا، لان الامر اصبح واقعا متجسدا في الثلوج التي تذوب وتهدد بغرق كثير من المناطق.
الاسلام السياسي
¼ جماعات الاسلام السياسي لها اهدافها الخاصة بعيدا عن رؤيتك الاسلامية الفلسفية فلماذا ارتبطت بها؟
- مصطلح الاسلام السياسي اختراع غربي تبنته المؤسسة العلمانية في بلادنا، فمثلا في حزب الوسط نقول اننا نريد تأسيس دولة مدنية ذات مرجعية نهائية اسلامية اساسها ا لمواطنة فلا مشكلة ابدا ان يكون رئيس الجمهورية مسيحيا. كل دولة لها مرجعيتها النهائية. فالدولة الصهيونية مثلا مرجعيتها النهائية هي الرؤية الصهيونية التى ترى ان فلسطين هي اسرائيل التي هي الوطن القومي لليهود، وهذا يعطيهم حقوقا مطلقة، وباسم هذه الرؤية يضربون الفلسطينيين وينشئون المستوطنات والجدار العازل.
اما نحن المسلمين فان لم يكن الاسلام هو مرجعيتنا النهائية فإلى ماذا نتحاكم؟ هل نستورد مرجعية من موزمبيق مثلا!
الحريات والمواطنة
¼ هناك رؤية تتحدث عن المواطنة والحريات كمرجعية نهائية؟
- اوافق على هذا لكن من اين سنولد معايير اخلاقية. كيف سنصنف الاشياء ان هذا اباحي وذاك خلاف ذلك وعلى اي اساس سنقول ان اسرائيل هي العدو، ولماذا نتاجر مع سورية وليبيا ولا نتاجر مع مالطة واسرائيل، لماذا نحتج على ان مصر تعطي الغاز الطبيعي لاسرائيل؟ لان هناك مرجعية عربية اسلامية، ترتب لنا الاولويات، انا ارى ان المواطنة مسألة اساسية في ادارة المجتمع في بعض جوانبه السياسية لكن تظل هناك قضية: ما مصدر القيم الاخلاقية؟ بعض الدول ترى ان المسيحية مرجعيتها الاخلاقية وهذا حقها، وبالتالي فمن حقنا ان تكون لنا مرجعية اسلامية نهائية تتعامل مع المنظومة المسيحية كمرجعية للبعض.
الوسط والإخوان
¼ المسافة التي بين فكر الإخوان المسلمين الآن وتوجهات حزب الوسط ضاقت وتقاربت فهل سنشهد اندماجا بين الرؤيتين؟
ـ عندما انفصل أبو العلا ماضي عن جماعة الاخوان واسس حزب الوسط، كان الخطاب الاخواني لايزال مغلقا الى حد ما، لكن يجب ان ندرك انه خلال العشرة اعوام الماضية، تطور الخطاب الاخواني يكاد يكون بشكل جوهري، وهذه مسألة يجب رصدها حتى يمكن استيعاب الاخوان في الجسد السياسي من خلال القنوات الشرعية وبطرق سلمية ستحدث انفجارات لن تفيد لا الحكومة ولا الشعب ولا المعارضة. فالفكر الانقلابي الذي سيطر على العالم خلال الخمسينيات وحتى السبعينيات أتى بنتائج عسكية، فقد ثبت عقمه، علما ان هذا التفكير لم يكن خاصا بالاسلاميين وحدهم، وانما سيطر على الرؤية الماركسية والليبراليين ايضا.
الدولة الحديثة لا تدار بهذه الطريقة، فلابد من المشاركة مع كل قوى الشعب، عن طريق تفعيل المجتمع المدني بمعناه العريض: النقابات والاحزاب وجماعات حقوق الانسان، وفي هذا الاطار يمكن للجماعات الدينية والعرقية ان تشارك هي الاخرى، فالدولة المركزية خلقت مشكلة اقليات، انظر ماذا حدث في فرنسا، فبعد الثورة الفرنسية تمت تصفية جيوب إثنية وعرقية كثيرة، بما في ذلك اليهود، لدرجة ان فرنسا كان يطلق عليها «الدولة التي تأكل اليهود» لانهم كانوا يختفون نتيجة للدمج والدم. نسعى الى تفعيل مؤسسات المجتمع المدني كي تستفيد الدولة من عقول الامة وترتبط بنبض الشارع.
الاخوان المسلمون ادركوا هذا تماما ونحن نعمل معا من اجل تفعيل مفهوم المواطنة.
¼ هل ما زلتم مصرين على اشهار حزب الوسط رغم رفض لجنة الاحزاب له 4 مرات؟
ـ يجب الا نترك الساحة، فالنظام يريد ان ينقي الاجواء من كل جيوب المعارضة، وحتى لو وقف رجل واحد وقال لا فهذا مهم للغاية بالنسبة للشعب والاجيال القادمة.
هم والأردوغانية
¼ هل تعتبرون انفسكم «إخوانا مهدلين» أم تمثلون «الأردوغانية» المصرية (نسبة الى رجب طيب أردوغان الزعيم التركي الإصلاحي الإسلامي)؟
ـ كل هذه الحركات تنبع من إدراك ان الدولة المركزية القومية هذه اصبحت اداة غير سليمة لإدارة المجتمع، وانه لابد من مرجعية نهائية. الغرب يدعى ان الحداثة منفصلة عن القيمة، وان الامور كلها نسبية وهو مايؤدي بالضرورة الى «الداروينية» بمعنى أنه لا يوجد منظومة قيمية خارجي وخارجك نحتكم إليها. ومن هنا جاء تمسك هذه الحركات بالاسلام كمرجعية نهائية رغم اختلاف البرامج والوسائل باختلاف الجمهور والموقع والجغرافيا والتاريخ، فمثلا تحت شعار حماية العلمانية يقوم الجيش في تركيا بعمليات بطش ليس لها مثيل، والاخوان المسلمون عندهم تراثهم القديم.
اما حزب الوسط فليست عنده هذه المشكلة فجماهيرنا هي مجموعة من الباحثين عن خطاب سياسي إسلامي يتوجه إلى كل افراد الامة، واعتقد ان الإخوان المسلمين يتحركون نحو هذا الأمر بخطى حثيثة وينبغي تشجيعهم.
¼ ما تفسيرك للضربات التي توجهها السلطة في مصر للإخوان المسلمين بشكل منتظم؟
ـ الإخوان المسلمون قادرون على تحريك الجماهير أنا حضرت جزءاً من الحملة الانتخابية للدكتور حشمت في البحيرة (نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والسجين حاليا) ورأيت ألوفا مؤلفة من المؤيدين في السرادقات، وكان خطاب د. حشمت مستنيراً تقدميا، تحدث فيه عن الفساد والديموقراطية وتداول السلطة، وهو ما لا يثلج صدور العلمانيين، ويصيب الكثيرين منهم بالاكتئاب ويجعلهم يتهموننا بسرقة هذه الشعارات.
وكنت اتصور ان هذا سيفرحهم لاننا نتبنى شعاراتهم ونستنير مثلهم، والحقيقة ان الإسلاميين هم الذين يرفعون راية المقاومة للهيمنة الغربية، للتوحش الرأسمالي، ، وليس اليساريون أو الليبراليون.
دولة مدنية
¼ المشكلة ان الإسلاميين متهمون بتهديد الطابع المدني للدولة العربية الحديثة بطرحهم للدولة الدينية فمارأيك؟
- الرد على ذلك بأن توضع قوانين تمنع مثل هذا، ولا أفهم ما تقوله عن الدولة الدينية فهل المقصود تصدي الإسلاميين للفيديو كليب مثلا، فالحجاب على سبيل المثال ليس من ضمن أولوياتهم، وأكثر من مرة أكد قادة الإسلاميين أنه لن يُفرض على أحد، لكن يجب أن نتذكر أنه في كل المجتمعات الإنسانية هناك ما يسمى «شفرة الملابس» بمعنى أنني يجب أن أرتدي الملابس الرسمية واللون الأسود مثلا إذا ذهبت إلى العزاء، والعكس إذا ذهبت إلى «عرس»، فهناك ضغوط اجتماعية، فالفتاة الأمريكية، تستطيع الآن أن تذهب إلى الجامعة بالشورت، لكنها كانت إذا ارتدت شورتاً في الستينيات أثناء الدراسة كان المجتمع يشمئز منها وهذا نتيجة لتغير «شفرة الملابس» والضغوط الاجتماعية.
ونفس الشيء بالنسبة للحجاب فالضغوط هنا اجتماعية وليست دينية، فإذا قرر مجتمع ما أن تغطية الشعر واجبة فيجب أن يُغطى، وبشكل عام تم تطهير الخطاب الإسلامي مما أسميته بالمزج بين الإسلام والإسلاميين ويجب أن يدرك العلمانيون أن الخطاب الإسلامي تغير، الليبرالي يؤمن بالتغير الدائم وبالسوق الحرة وحركة رأس المال أما المنظومة الإسلامية فتؤمن أساساً بالعدل وبحد الكفاية للجميع.
تهديد إسلامي
¼ إذن فأنت تتفق مع الغرب في أن الإسلام يهدد القيم الغربية؟
- نعم الإسلام يهدد قيم الحداثة المنفصلة عن القيمة ويهدد الداروينية الغربية، والانفلات والتسيب الخلقي، ويهدد المصالح الغربية التي تحاول أن تهيمن علينا.
الغرب كان متصالحا مع الإسلام حينما كان يطوعه لخدمته في الهجوم على القومية العربية والشيوعية الملحدة، لكن حينما رفع الإسلام علم المقاومة للهيمنة وللرأسمال الغربي تحول فجأة إلى الخطر الأخضر، علماً أن هذا العداء ليس للإسلام فحسب وإنما لكل القوى المقاومة في العالم، فهناك عداء لأحزاب الخضر، ولهوجو شافيز في فنزويلا وللصين، فالغرب ضد كل من يتصدى لرؤيته العولمية التي تحاول أن تحول العالم إلى سوق لسلعة، بمعنى أن يتحول الإنسان من كائن مركب كريم إلى إنسان اقتصادي ينتج ليستهلك ويستهلك لينتج.
http://www.alwatan.com.kw/Data/site1/News/Issues200801/lc50-011508.pc.jpg
حاوره في القاهرة حسن عبدالله:
الحوار مع المفكر والفيلسوف د.عبدالوهاب المسيري اصبح من الاولويات الآن. ففي الوقت الذي تتطاول فيه الصهيونية وتتجبر وتقوى قبضتها، ويطنطن البعض- بداية من الرئيس الامريكي وحتى أصغر صهيوني في العالم- بضرورة أن تكون إسرائيل «دولة يهودية نقية»، وأن تتم أي تسوية على أساس الأمر الواقع، يقدم د.المسيري رؤية واضحة لفهم الشخصية الصهيونية واليهودية والمسيحية الصهيونية، ويطرح حلا للقضية الفلسطينية قد يبدو مثاليا لكنه الحل الوحيد لإقامة سلام دائم وعادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أيضا يتولى د.عبدالوهاب المسيري «69عاماً» منصب المنسق العام لحركة كفاية المعارضة للنظام والتي قامت بأنشطة مهمة على صعيد تفعيل مبدأ التداول السلمي للسلطة في مصر، ويتعرض المسيري بسبب نشاطه هذا إلى ضغوط أمنية وحصار من قبل أجهزة الأمن التي تتبع ندواته فتلغيها، وتفرض طوقا أمينا على محاضراته حتى أنها تمنع الحوارات التي يديرها مع طلابه بعد المحاضرة.
حصل د. المسيري على دكتوراه في الأدب الانجليزي والامريكي المقارن من جامعة رنجرز بنيوجيرسي بالولايات المتحدة الامريكية عام 1969، وقام بالتدريس في جامعات عربية عدة في مصر والسعودية والكويت وماليزيا وتولى العديد من المناصب الاكاديمية والفكرية كباحث ومستشار لعدد من الهيئات والمعاهد والحوليات والجامعات في انحاء العالم المختلفة.
بدأ د. عبدالوهاب المسيري رحلته الفكرية مفكرا ماركسيا يؤمن بالمادية الجدلية لأكثر من ثلاثين سنة وحينما اكتشف ان «الانسان ظاهرة مركبة متعددة العناصر والابعاد ولا يمكن حصره في التفسير المادي»، تحول بشكل هادئ وناعم إلى المناداة بالطرح الاسلامي كحل عاجل لأمراض الحداثة الغربية، بل وأصبح من كبار المفكرين الإسلاميين الآن، وهو عضو مؤسس لحزب الوسط الاسلامي تحت التأسيس المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين.
وللدكتور المسيري أكثر من 70 مؤلفاً تغطي مساحات واسعة من الأدب والفكر وقصص الاطفال والسيرة الذاتية، إلا أن أهم هذه الأعمال هو «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، التي صدرت في ثمانية مجلدات عام 1999، وترصد كل ما له علاقة بالفكر والمصطلحات اليهودية والصهيونية.
وبعد حوالي ربع قرن من العمل الشاق والمضني في الموسوعة اليهودية اصيب د. عبدالوهاب المسيري بجلطة في المخ ثم بشلل نصفي ثم بسرطان الدم، وأجريت له عملية جراحية خطيرة ومكلفة جداً لزرع نخاع في الولايات المتحدة ليعاود المفكر والفيلسوف العربي د.عبدالوهاب المسيري نشاطاته الاكاديمية والسياسية والفكرية رافعا شعار «أن أموت شهيداً خيرا لي من أن أموت مريضا»،.
التقيت د.عبدالوهاب المسيري في بيته وحاورته حواراً مطولاً وهذا نصه:
¼ ماذا عن حالتك الصحية الآن؟
- د.عبدالوهاب المسيري: حالتي مستقرة الآن والحمد لله هل تتصور أنني لم أعرف المرض طيلة حياتي، وفي اليوم الذي سلمت فيه «دسكات» الموسوعة للناشر توفي زوج ابنتي، وأصابني ما يشبه الجلطة المعروفة باسم «فوكاي» في منطقة النطق لكنني توقفت عن تعاطي الدواء عندما قابلت مهاجرة مصرية في سويسرا اصيبت بنفس الجلطة، وأخبرتني بأنها شفيت عندما اخبرتها شقيقتها الطبيبة بألا تتناول أي أدوية، وبالفعل شفيت. وبعد شهرين شعرت بآلام في ظهري واستيقظت في أحد الأيام لأجد نصفي السفلي مشلولا تماما، فأجريت عملية جراحية واكتشف الاطباء انني مصاب ايضا بسرطان الدم وبدأت رحلة العلاج.
وكان من الضروري ان أقوم بعملية زرع نخاع تكلفت ما يقرب من مليوني جنيه مصري، وتولى تكاليف هذه المسألة كلها العاهل السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، لأن الحكومة المصرية مع الاسف لاتزال تنظر في حالتي حتى الآن. كنت أجرى العملية في امريكا بعد سنتين من تقديمي خطاباً للدكتور أسامة الباز، ثم قابل د. زكريا عزمي إحدى الصحفيات القريبات مني وقال لها: «ما زلنا نبحث في حالة د. المسيري حتى الآن!»، بعد ذلك دخلنا في رحلة علاج مستمرة والأمور مستقرة بفضل الله، واكتشفت أن الأطباء في مصر رائعون، وعلى درجة كبيرة من الذكاء والمعرفة العلمية.
ثمن غال
¼ يبدو أنك دفعت ثمنا غاليا لإنجاز أغلى وهو الموسوعة؟
- (ضاحكا) الموسوعة أحدثت أثراً غير عادي في فكر الناس، ولعل أكبر دليل على أهميتها أن الإسرائيليين تجاهلوها تماما، فلم يكتبوا عنها حرفاً واحداً، رغم انني كتبت عن المفاهيم الأساسية باللغة الانجليزية في الأهرام ويكلي.
¼ ولماذا تجاهلوها في رأيك؟
- لأنهم لا يريدون الدخول في حوار نقدي عقلاني، فهم اعتادوا دائما على أن عداء العرب للصهيونية يأخذ شكلاً عنصرياً يتجلى في الحديث عن إبادة إسرائيل وتدميرها، لكنني أقول بإنني مؤمن بأن إسرائيل ستنتهي، وأن هذه النهاية لن تكون بإلقائها في البحر، وإنما بتفكيك الإطار العنصري، القائمة عليه كما حدث في جنوب افريقيا، ويتحول المستوطنون إلى مواطنين في الدولة الجديدة التي ستكون أيضا على شاكلة جنوب افريقيا التي استوعبت المستوطنين البيض ولم تطردهم، وإنما قامت على الديموقراطية والعدل والمساواة والحرية.
¼ أليس هذا صعباً بل وربما خياليا؟
- لا أبداً، الأمر ببساطة أن تكون هناك فترة انتقالية، فتأتي قوات دولية لحفظ السلام إلى أن يكونوا مصالح مشتركة، وهذه ليست مسألة صعبة خاصة وأن المنطقة العربية مليئة بالأقليات العرقية والدينية، وهو ما يجب أن يكون مبعث فخر لنا، ورغم أن الاستعمار يوظف هذا ضدنا لكن لابد أن نطور أشكالاً لدولة يمكنها استيعاب كل هذه الأمور.
كفاية
¼ سنعود إلى الموسوعة مرة أخرى ولكن إلى أين وصلت حركة كفاية في ظل تراجع أنشطتها وانقساماتها؟
- الحركة لم تتراجع ولا تعاني من انقسامات، لكن الضغوط الأمنية تمادت كثيراً في الآونة الأخيرة، أشعر أن أجهزة الأمن تتعامل معي منذ أن توليت مهمة المنسق العام لكفاية، على أني «عبدالوهاب بن لادن» ولست المفكر عبد الوهاب المسيري، فالتضييق يتزايد على وجودي في المحاضرات العامة بين طلاب الجامعات، وألغت بعض الكليات الحوارات المفتوحة التي تعودت على إدارتها مع الشباب عقب المحاضرات، كما ألغيت بعض اللقاءات التي كنت متفقا عليها مع بعض القنوات التلفزيونية الحكومية، بناء على «أوامر عليا» ويبدو أن لعنة «كفاية» تطاردني في كل مكان، لكني لن أتراجع عن القيام بدوري في إحياء الروح الوطنية والعمل ضد كل ما يتم التخطيط له لتحويل مصر إلى ملكية أو عزبة خاصة.
وسنواصل النضال ضد من يعودون بمصر إلى الوراء، من خلال الأفكار والتوجهات الخاصة باللجنة التنسيقية للحركة التي تسعى إلى تطوير ودعم التحرك من خلال المحافظات.
ففي ظل حركة القمع الرهيبة ضد المعارضة، فإن حركة «كفاية» هي الأمل الوحيد للتغيير بطرق سلمية، وان تم القضاء عليها أو محاصرتها، فسيتم التغيير بالعنف، وهذا ما لانريده.
تحولات فكرية
¼ بدأت حياتك ماركسيا ثم ليبراليا والآن إسلامياً، فما هذه التحولات الفكرية؟
- أنا أومن بالإنسان، ومع ذلك فأرى أنه ليس مركز الكون، وإنما مستخلف من الله كنت ماركسيا وماديا وحاولت تطبيق النموذج المادي على الإنسان أخفقت، لأن هناك أشياء مثل التراحم، والخير والأم التي تفني حياتها من أجل طفلها المعوق، لايمكن تفسيرها ماديا أو بعناصر اقتصادية وما شابه ذلك.
وقد توصلت إلى أن الإنسان منفصل عن عالم الطبيعة والمادة، أي أنه مؤشر على وجود شيء وراء الطبيعة وهو الله، وهو ما قادني في نهاية الأمر إلى الإسلام عبر قصة طويلة ذكرتها في كتاب «رحلتي الفكرية»، فأنا مفكر عربي إنساني إسلامي، وأعتقد أن المنظومة الإسلامية لها توجه إنساني عام، حيث تضع الإنسان في المركز لا باعتباره سيداً للكون، ولكنه مستخلف من الله سبحانه وتعالى، فالإسلام عقيدة بالنسبة للمسلمين لكنه إطار حضاري لكل من يعيش في هذه المنطقة، كما أرى أن هناك قاعدة أخلاقية مشتركة بين الإسلام والمسيحية بل واليهودية، وأن علينا اكتشاف هذه القاعدة لتأسيس عقد اجتماعي جيد.
¼ كنت ملحداً؟
- (ضاحكا) كنت أقول لرفاقي الماركسيين : «أنا ماركسي ولكن على سنة الله ورسوله» لأنني كنت أبحث عن صيغة انسانية شاملة، وهو ما لم اجده في الاطار الماركسي الذي لم يكن وافيا لتوفير دوافعي ودوافع الاخرين. الى جانب انني ملتزم اخلاقيا فكنت اتساءل: ما الذي يجعلني افعل الخير واتجنب الشر؟ وهو ما كان يجعلني ابحث عن اساس فلسفي يفسر هذا الجانب في شخصيتي وشخصية الاخرين. واخذت هذه المرحلة ما يقترب من ربع قرن الى ان توصلت الى عجز النموذج المادي.
قصيدة دينية
¼ ومتى حدثت لحظة التحول؟
- لم تحدث هذه اللحظة فجأة، بل لا يمكن الحديث عن لحظة تحول فدائما ما كنت اتصور انني ارتدي ثوبا ماديا وارقع فيه.. رقعة رقعة. فعندما ولدت ابنتي عام 1964 كتبت قصيدة اكتشفت انها دينية في مواجهة لحظة الولادة. انا وزوجتي عشنا قصة حب اثناء الدراسة وكانت قصة حبنا معروفة في الاسكندرية ثم تزوجنا بعدها، وفوجئت بعد الولادة بأنها تبتعد عني لانها دخلت في علاقة مع الطفلة لست طرفا فيها، وهذا ليس له علاقة بالجانب المادي.
¼ هل يمكن ان نطلق على توجهك الجديد «اسلامي ليبرالي»؟
- بل اسلامي انساني. كل ما افعله الآن هو تعميق مفاهيم مثل التوحيد والاستخلاف، لتصبح رؤية انسانية عالمية، نقدمها كحل لمشاكل الحداثة.
الكثير من الملحدين حينما يتحدثون عن الانسان يستخدمون لغة تعبر عن الايمان بشيء وراء الطبيعة واسميه «الاله الخفي».
ولذلك فان الملحدين غير مدركين لاشياء كثيرة، فالنموذج المادي عاجز عن تفسير كثير من جوانب الوجود الانساني، والطبيعة الانسانية الامينة تدفع الانسان الملحد الى التوقف والتساؤل عن هذا الكون والقيم التي تحكم الانسان، واعتقد ان كثيرا منهم سيراجعون مواقفهم وبالنسبة لي فان الرؤية الاسلامية جعلتني اكثر تسامحا وقبولا للضعف الانساني، واضافت لي طمأنينة وتوازنا.
فمشكلة الحداثة الغربية انها جعلت معيار التقدم هو تصاعد معدلات الاستهلاك، بينما اطرح مفهوما اسلاميا للتقدم يهدف الى التوازن مع الذات، والطبيعة والعدل الاجتماعي اي قيم اسلامية محددة، في حين ان التقدم الغربي سيؤدي بنا الى نتائج سيئة وخطيرة فالحديث الغربي الآن عن نتائج الانبعاث الحراري اصبح يوميا، لان الامر اصبح واقعا متجسدا في الثلوج التي تذوب وتهدد بغرق كثير من المناطق.
الاسلام السياسي
¼ جماعات الاسلام السياسي لها اهدافها الخاصة بعيدا عن رؤيتك الاسلامية الفلسفية فلماذا ارتبطت بها؟
- مصطلح الاسلام السياسي اختراع غربي تبنته المؤسسة العلمانية في بلادنا، فمثلا في حزب الوسط نقول اننا نريد تأسيس دولة مدنية ذات مرجعية نهائية اسلامية اساسها ا لمواطنة فلا مشكلة ابدا ان يكون رئيس الجمهورية مسيحيا. كل دولة لها مرجعيتها النهائية. فالدولة الصهيونية مثلا مرجعيتها النهائية هي الرؤية الصهيونية التى ترى ان فلسطين هي اسرائيل التي هي الوطن القومي لليهود، وهذا يعطيهم حقوقا مطلقة، وباسم هذه الرؤية يضربون الفلسطينيين وينشئون المستوطنات والجدار العازل.
اما نحن المسلمين فان لم يكن الاسلام هو مرجعيتنا النهائية فإلى ماذا نتحاكم؟ هل نستورد مرجعية من موزمبيق مثلا!
الحريات والمواطنة
¼ هناك رؤية تتحدث عن المواطنة والحريات كمرجعية نهائية؟
- اوافق على هذا لكن من اين سنولد معايير اخلاقية. كيف سنصنف الاشياء ان هذا اباحي وذاك خلاف ذلك وعلى اي اساس سنقول ان اسرائيل هي العدو، ولماذا نتاجر مع سورية وليبيا ولا نتاجر مع مالطة واسرائيل، لماذا نحتج على ان مصر تعطي الغاز الطبيعي لاسرائيل؟ لان هناك مرجعية عربية اسلامية، ترتب لنا الاولويات، انا ارى ان المواطنة مسألة اساسية في ادارة المجتمع في بعض جوانبه السياسية لكن تظل هناك قضية: ما مصدر القيم الاخلاقية؟ بعض الدول ترى ان المسيحية مرجعيتها الاخلاقية وهذا حقها، وبالتالي فمن حقنا ان تكون لنا مرجعية اسلامية نهائية تتعامل مع المنظومة المسيحية كمرجعية للبعض.
الوسط والإخوان
¼ المسافة التي بين فكر الإخوان المسلمين الآن وتوجهات حزب الوسط ضاقت وتقاربت فهل سنشهد اندماجا بين الرؤيتين؟
ـ عندما انفصل أبو العلا ماضي عن جماعة الاخوان واسس حزب الوسط، كان الخطاب الاخواني لايزال مغلقا الى حد ما، لكن يجب ان ندرك انه خلال العشرة اعوام الماضية، تطور الخطاب الاخواني يكاد يكون بشكل جوهري، وهذه مسألة يجب رصدها حتى يمكن استيعاب الاخوان في الجسد السياسي من خلال القنوات الشرعية وبطرق سلمية ستحدث انفجارات لن تفيد لا الحكومة ولا الشعب ولا المعارضة. فالفكر الانقلابي الذي سيطر على العالم خلال الخمسينيات وحتى السبعينيات أتى بنتائج عسكية، فقد ثبت عقمه، علما ان هذا التفكير لم يكن خاصا بالاسلاميين وحدهم، وانما سيطر على الرؤية الماركسية والليبراليين ايضا.
الدولة الحديثة لا تدار بهذه الطريقة، فلابد من المشاركة مع كل قوى الشعب، عن طريق تفعيل المجتمع المدني بمعناه العريض: النقابات والاحزاب وجماعات حقوق الانسان، وفي هذا الاطار يمكن للجماعات الدينية والعرقية ان تشارك هي الاخرى، فالدولة المركزية خلقت مشكلة اقليات، انظر ماذا حدث في فرنسا، فبعد الثورة الفرنسية تمت تصفية جيوب إثنية وعرقية كثيرة، بما في ذلك اليهود، لدرجة ان فرنسا كان يطلق عليها «الدولة التي تأكل اليهود» لانهم كانوا يختفون نتيجة للدمج والدم. نسعى الى تفعيل مؤسسات المجتمع المدني كي تستفيد الدولة من عقول الامة وترتبط بنبض الشارع.
الاخوان المسلمون ادركوا هذا تماما ونحن نعمل معا من اجل تفعيل مفهوم المواطنة.
¼ هل ما زلتم مصرين على اشهار حزب الوسط رغم رفض لجنة الاحزاب له 4 مرات؟
ـ يجب الا نترك الساحة، فالنظام يريد ان ينقي الاجواء من كل جيوب المعارضة، وحتى لو وقف رجل واحد وقال لا فهذا مهم للغاية بالنسبة للشعب والاجيال القادمة.
هم والأردوغانية
¼ هل تعتبرون انفسكم «إخوانا مهدلين» أم تمثلون «الأردوغانية» المصرية (نسبة الى رجب طيب أردوغان الزعيم التركي الإصلاحي الإسلامي)؟
ـ كل هذه الحركات تنبع من إدراك ان الدولة المركزية القومية هذه اصبحت اداة غير سليمة لإدارة المجتمع، وانه لابد من مرجعية نهائية. الغرب يدعى ان الحداثة منفصلة عن القيمة، وان الامور كلها نسبية وهو مايؤدي بالضرورة الى «الداروينية» بمعنى أنه لا يوجد منظومة قيمية خارجي وخارجك نحتكم إليها. ومن هنا جاء تمسك هذه الحركات بالاسلام كمرجعية نهائية رغم اختلاف البرامج والوسائل باختلاف الجمهور والموقع والجغرافيا والتاريخ، فمثلا تحت شعار حماية العلمانية يقوم الجيش في تركيا بعمليات بطش ليس لها مثيل، والاخوان المسلمون عندهم تراثهم القديم.
اما حزب الوسط فليست عنده هذه المشكلة فجماهيرنا هي مجموعة من الباحثين عن خطاب سياسي إسلامي يتوجه إلى كل افراد الامة، واعتقد ان الإخوان المسلمين يتحركون نحو هذا الأمر بخطى حثيثة وينبغي تشجيعهم.
¼ ما تفسيرك للضربات التي توجهها السلطة في مصر للإخوان المسلمين بشكل منتظم؟
ـ الإخوان المسلمون قادرون على تحريك الجماهير أنا حضرت جزءاً من الحملة الانتخابية للدكتور حشمت في البحيرة (نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والسجين حاليا) ورأيت ألوفا مؤلفة من المؤيدين في السرادقات، وكان خطاب د. حشمت مستنيراً تقدميا، تحدث فيه عن الفساد والديموقراطية وتداول السلطة، وهو ما لا يثلج صدور العلمانيين، ويصيب الكثيرين منهم بالاكتئاب ويجعلهم يتهموننا بسرقة هذه الشعارات.
وكنت اتصور ان هذا سيفرحهم لاننا نتبنى شعاراتهم ونستنير مثلهم، والحقيقة ان الإسلاميين هم الذين يرفعون راية المقاومة للهيمنة الغربية، للتوحش الرأسمالي، ، وليس اليساريون أو الليبراليون.
دولة مدنية
¼ المشكلة ان الإسلاميين متهمون بتهديد الطابع المدني للدولة العربية الحديثة بطرحهم للدولة الدينية فمارأيك؟
- الرد على ذلك بأن توضع قوانين تمنع مثل هذا، ولا أفهم ما تقوله عن الدولة الدينية فهل المقصود تصدي الإسلاميين للفيديو كليب مثلا، فالحجاب على سبيل المثال ليس من ضمن أولوياتهم، وأكثر من مرة أكد قادة الإسلاميين أنه لن يُفرض على أحد، لكن يجب أن نتذكر أنه في كل المجتمعات الإنسانية هناك ما يسمى «شفرة الملابس» بمعنى أنني يجب أن أرتدي الملابس الرسمية واللون الأسود مثلا إذا ذهبت إلى العزاء، والعكس إذا ذهبت إلى «عرس»، فهناك ضغوط اجتماعية، فالفتاة الأمريكية، تستطيع الآن أن تذهب إلى الجامعة بالشورت، لكنها كانت إذا ارتدت شورتاً في الستينيات أثناء الدراسة كان المجتمع يشمئز منها وهذا نتيجة لتغير «شفرة الملابس» والضغوط الاجتماعية.
ونفس الشيء بالنسبة للحجاب فالضغوط هنا اجتماعية وليست دينية، فإذا قرر مجتمع ما أن تغطية الشعر واجبة فيجب أن يُغطى، وبشكل عام تم تطهير الخطاب الإسلامي مما أسميته بالمزج بين الإسلام والإسلاميين ويجب أن يدرك العلمانيون أن الخطاب الإسلامي تغير، الليبرالي يؤمن بالتغير الدائم وبالسوق الحرة وحركة رأس المال أما المنظومة الإسلامية فتؤمن أساساً بالعدل وبحد الكفاية للجميع.
تهديد إسلامي
¼ إذن فأنت تتفق مع الغرب في أن الإسلام يهدد القيم الغربية؟
- نعم الإسلام يهدد قيم الحداثة المنفصلة عن القيمة ويهدد الداروينية الغربية، والانفلات والتسيب الخلقي، ويهدد المصالح الغربية التي تحاول أن تهيمن علينا.
الغرب كان متصالحا مع الإسلام حينما كان يطوعه لخدمته في الهجوم على القومية العربية والشيوعية الملحدة، لكن حينما رفع الإسلام علم المقاومة للهيمنة وللرأسمال الغربي تحول فجأة إلى الخطر الأخضر، علماً أن هذا العداء ليس للإسلام فحسب وإنما لكل القوى المقاومة في العالم، فهناك عداء لأحزاب الخضر، ولهوجو شافيز في فنزويلا وللصين، فالغرب ضد كل من يتصدى لرؤيته العولمية التي تحاول أن تحول العالم إلى سوق لسلعة، بمعنى أن يتحول الإنسان من كائن مركب كريم إلى إنسان اقتصادي ينتج ليستهلك ويستهلك لينتج.