المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبور الصالحين ليست أوثاناً



جمال
01-14-2008, 01:12 PM
كتب د. صلاح الفضلي


قبل أيام نشر في جريدة «عالم اليوم» في صفحة «الشريعة والمنهاج» التي يشرف عليها الزميل د. حمد العثمان سلسلة مقالات يشرح فيها كاتبها رأي الشيخ ابن تيمية في مسألة تعظيم قبور الصالحين، وابن تيمية -كما هو معلوم- يعتبر أن تعظيم قبور الصالحين بمن فيهم رسول الله يعد شركاً، ويعتبر أن الدعاء عند قبور هؤلاء الصالحين هو عبادة لغير الله مما يحول هذه القبور إلى«أوثان» تعبد من دون الله، وأن تعظيم هذه القبور والدعاء عندها غير ذي جدوى لأن هؤلاء الصالحين بعد موتهم لا يضرون ولا ينفعون كما يقول ابن تيمية.

ليس هناك غريب في هذا الأمر، فموقف ابن تيمية وبقية علماء السلف في هذا الموضوع أمر معروف ومعلوم، وهو موقف يقابله موقف آخر من فقهاء وعلماء آخرين يعتبر أن تعظيم قبور الأولياء والصالحين ليس غلواً ولا شركاً، وإنما هو أمر مستحب من باب الاستشفاع والتقرب إلى الله من خلال هؤلاء الصالحين، وهو مفهوم موجود في الإسلام.

حتى الآن لا غرابة في الموضوع، لكن الغريب في الأمر هو إصرار البعض على إثارة هذا الموضوع الحساس الذي يتعلق بالعقيدة بين حين وآخر، وتبدو هذه الغرابة أكبر والحساسية أشد أن يترافق إعادة طرح هذا الموضوع المثير للجدل مع بداية شهر محرم وما يرافقه من ارتفاع درجة الحساسية والاستثارات الطائفية التي نحن في غنى عنها.

قد يقول قائل أن الحديث عن تعظيم قبور الصالحين أمر في صميم العقيدة وخاصة فيما يتعلق بالتوحيد الذي هو الركن الأول في الإسلام، وبالتالي لابد للمسلم أن يعرف موقف الإسلام الصحيح منها. من حيث المبدأ هذا أمر صحيح، لكن الاختلاف هو حول التفاصيل وليس حول المبدأ، فالاختلاف ليس في أن التوحيد ركن في الإسلام أم لا، وإنما الاختلاف حول مفهوم التوحيد والشرك ومصادقيه، وبالتالي فإن هذه التفاصيل ليست من المسلمات التي أجمع عليها المسلمون، وإنما هي من الأمور التي وقع فيه اختلاف كبير بين العلماء قديماً وحديثاً، بل أن البعض منها –كما هو حال موضوع تعظيم قبور الصالحين- أصبح طرحه على الملأ يثير حساسية كبيرة، وأصبح مدعاة للفتنة وتأجيج المشاعر، وبالتالي فإن الابتعاد عن طرق هذه المواضيع هو الأصح، إلا إذا أراد أن يتمسك كل طرف بنشر ما يعتقده بحيث يستفز الآخرين فإن ذلك يعد مدخلا لما لا تحمد عقباه لا سمح الله.

ان عرض آراء علماء فرقة معينة من موضوع زيارة القبور وتعظيمها وتصوير الأمر على أنه من المسلمات والثوابت عند المسلمين هو أمر مجاف للحقيقة إن لم يكن تدليسا صريحا، بل أنه يدخل في باب ممارسة الإرهاب الفكري على الآخرين، فكما أن لعلماء هذه الفرقة رأي في هذا الموضوع، فإن للآخرين أيضاً رأي فيه، وبالتالي ليس من المقبول أن يتطرف أحد فيسعى لإجبار الآخرين على الاعتقاد بما يعتقده هو وتصوير المعارضين له في الرأي على أنهم خارجون عن الملة. في ظل العدد الكبير من الأمور المتعلقة بمفهوم التوحيد، يبدو غريباً جداً إصرار البعض على إثارة الجزئيات المختلف عليها بشدة والإعراض عن طرح ما هو متفق عليه.

خلاصة القول أن إعادة اجترار موضوع تعظيم قبور الصالحين وغيره من المواضيع المختلف فيها أمر غير صحيح، وهو يمثل استفزازا ويفتح لباب الفتنة التي نحن في غنى عنها، وعسى أن يتعظ ويرعوي من يصر على ذلك فيكف عنه. أما إذا كان ولابد من طرق هذه المواضيع فليفتح الباب أمام الجميع ليدلوا بدلوهم في هذا الموضوع وغيره.

salahma@yahoo.com