hsein_iran
07-19-2004, 08:55 PM
* سماحة السيد، عندما تُحاط قضية معينة بالغموض، لمن ترجع إلى العقل أم إلى النص؟
العقل ومحاورة النص
ـ بسم الله الرحمن الرحيم, إنني أؤمن بأن العقل هو عمق إنسانية الإنسان حتى في إيمانه بالنص؛ لأن العقل هو الذي يشق الطريق إلى معرفة الله، وإلى معرفة الإنسان نفسه، وإلى معرفة الحياة. وعندما أسأل العقل فقد يشير لي في المجالات التي لا أملك فيها خبرة تفصيلية أن أسأل الذين يملكون عقل الخبرة, لأستمع إليهم لا لأتعبد بما يقولون ولكن لأفهم وأحاور. إنني أحاور حتى النص، لأن النص قد يكون جامداً في حروفه، ولكنه أفق واسع في معانيه، وأنا أنفذ إلى المعنى ولا أتجمد عند اللفظ.
* سماحة السيد، هل من سؤال يحيرك الآن؟
ـ إن كل الأسئلة تحيّرني لا لتجمّد موقفي، ولكن لتحركه نحو الآفاق الواسعة للقضايا التي تهز كل علامات الاستفهام في عقلي. إنني أعتقد أنه عندما يتجمد سؤال في عقلك أو يبحث عن زاوية محدودة فإنك تتجمد. لذلك كل يومٍ يعيش ألف سؤال في عقلي لأن ألف قضية تنتظرني لأفكر فيها.
* سؤالي سماحة السيد هو، هل أنّ الشك هو دلالة من دلالات إشغال العقل؟
ـ في البداية الإيمان يمثل بالنسبة للإنسان معنى أصالة إنسانيته التي تجعله يعيش في أكثر من فترة ليتطلع إلى معاني الإيمان؛ لأنه يبحث عن شيء, شيء غامض عندما يشعر الإنسان بأن هناك ظلمات تعيش في كثير من آفاقه ولهذا فإنه يلتقي ببعض اللمعات التي تشير إليه أن هناك حقيقةً لابد لك أن تنفتح عليها، أما مسألة الشك فإنّه سرّ المعرفة للذين لا يشكون بل يتجمدون, لأنّ الشك يفتح لك كل الآفاق. تشك فتبحث, وتبحث فتفكر, وتفكر لتناقش ولتصل إلى الحقيقة أو إلى ما يقاربها, إننا نعتبر أن الدين قال لنا: إن عليكم أن تشكّوا، ولكن لا تتوقفوا عند الشك, ولكن أكملوا الرحلة فإن الشك المثقّف الواعي هو الذي يضيء الطريق إلى اليقين.
* بهذا السياق سماحة السيد، ألا تعتقد أن بعض مظاهر السكونية في أنساقنا الثقافية هو سبب لتخلّفنا، ومظهر من مظاهر الاستبداد؟
التمرّد طريق الحقيقة
ـ إن مسألة السكونية تعني أن عقلك يختبئ في داخل ذاتك لينام، وأن قلبك يسكت في نبضاته ليموت، وأن حياتك تدخل في ألف كهف وكهف. السكون يعني الموت، والحركة تعني الحياة، تحرّك لتتمرّد على الكثير مما ألفته أو ورثته أو فَرَض نفسه عليك. تمرد حتى تكتشف أن فكرك قد يكون خطأً وأنت ترى أنه الصواب, وأن واقعك قد يكون طاغياً وأنت ترى أنه العدالة، لذلك كلما تمردت أكثر كلما استطعت أن تحرك كل أعماق ذاتك وكل حركة عقلك وقلبك وتطلعاتك أكثر؛ لذلك أن تتمرّد ليس معنى ذلك أن تنطلق مع الفوضى, ولكن أن تعرف كيف تنتج الحياة.
* هذا التمرّد على شتى الأنساق, هل يعني أيضاً التمرد على النص؟
ـ إننا نعتبر أن العقل يحاكم النص؛ لأن النص لا يمكن أن يخالف العقل, إذا خالف العقل فإن عليك أن تبحث في ثقافتك اللغوية عن التأويل.. والعقل لا أقصد به هو ما قرأتَه، ولكن هو ما يندفع ليمثل فطرتك الإنسانية. لهذا فإن العقل لا يطرح النص بالكلية عندما يختلف معه فطرياً, ولكنه يبحث عن الثقافة اللغوية التي لا تقتصر على الحقيقة في القاموس ولكنها تلجأ إلى الفن اللغوي في المجاز والاستعارة والكناية لتقول: إن النص يشير ويكنّى ويستعير فلا يختلف معي ولا أختلف معه؛ لأن النص ينطلق من قلب الحقيقة والعقل الفطري هو الذي يؤصل الحقيقة.
* سماحة السيد بتقديرك انشغال المجتمع الإسلامي بمظاهر الطقوس والسجالات التي تدور حولها هنا وهناك ألا يؤثر على حركية التطور, وحركية الإنتاج ووعي الناس؟
حرية العقل ومسؤوليته
ـ أن تكون منتمياً إلى كيان في حجم الإسلام هو أن تكون منتمياً إلى الكون كله؛ لأن الانتماء إلى الإسلام هو انتماء إلى الله المطلق, فأنت تسبح في بحار المطلق عندما تسبح في بحار الإيمان. وعندما تشعر بأن الله خلقك وخلق في إنسانيتك معنى العقل وقال للعقل: كن حراً, ليست هناك أية حواجز تحجزك عن أي مفردة من مفردات المعرفة, ولكن وأنت تمارس حريتك المطلقة كن مسؤولاً, ولذلك فإن قصة الذين ينتمون إلى الإسلام هي قصة حجم الثقافة التي يتحركون فيها. فهناك الذين يحبسون أنفسهم في دائرة العبادات كطقوس, ولا ينفذون إلى امتداد هذه العبادة في معنى الإنسان, في انفتاحه على الله وعلى حياته, الصلاة عبادة ولكنها ليست طقساً, إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, عندما نفهم أن العقل هو الأساس في الإسلام ونفهم حرية العقل, ونفهم أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة, فكيف يمكن أن يكون الإسلام جهلاً أو يكون الانتماء هو اللاعقل.
* كيف تقرأ سماحة السيد ظاهرة العنف الدموي الذي يمارس الآن وسابقاً, وهل هذا العنف هو فقط نتيجة ردة فعل على الظلم وفقدان العدالة، أم أن الإنسان حتى هذه اللحظة لم يستطع أن يحقق إنسانيته ويسيطر على القاتل الذي فيه؟
ـ مشكلة العنف تبرز في الفكر الذي يبتعد عن مسار الحياة الطبيعية ومشكلة الواقع, وربما يستعجل هؤلاء الناس الذين يجدون حل المشكلة في العنف ربما يستعجلون هذا الحل، ونقرأ في النص النبوي الشريف: "إن الرفق ما وُضع على شيء إلا زانه, ولا رُفع عن شيء إلا شانه", و"أن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف". ولكن الناس يخلطون بين مواقع العنف ومواقع الرفق, فيستبدلون هذا بهذا وذاك بذاك, ثم إن حركة الواقع قد تحاصر الإنسان في بعض الحالات سياسياً وأمنياً فتفرض عليه ذلك, إننا نجد أن هذا العنف الذي يهز العالم والذي يلتقي فيه المسلمون وغير المسلمين, إن هذا العنف يمثل حالةً من حالات انحراف الإنسان في تصوراته لحل المشاكل, إنهم يتحدثون الآن عن الأصولية ويحاربون الأصولية, والأصولية تتمظهر في أمرين:
- الأمر الأول: هو عدم الاعتراف بالآخر.
- والأمر الثاني: هو اعتبار العنف الوسيلة الفضلى لحل المشكلة.
ونحن نرى أن كل هذا العالم الطاغي الذي يمارس الاحتلال ومصادرة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في العالم هو أصولي, أي فرق بين أصولية أميركا أو أوروبا أو أصولية هؤلاء الذين يقتلون الناس لأنهم يحبسون أنفسهم في دائرة ضيقة في فهم كلمة الجهاد أو ما إلى ذلك؟ أو أي فرق بين الدول الكبرى التي تلغي الشعوب - عندما تصادر كل قضاياها وتصادر كل ثرواتها - وبين هؤلاء الذين يعملون على إلغاء شخص يختلفون معه في الفكر أو لا؟ العالم عالم أصولي، ولكنه يغلّف هذه الأصولية بالديمقراطية وحقوق الإنسان, التي تبقى في دائرة العناوين الكبرى، ولكن الواقع شيء آخر.
لا قطع الرأس ولا الرؤوس
* سماحة السيد، هل أنت مع الشخص الذي يقطع رأس ويستعرضها على شاشة التلفزة؟
ـ لقد تحدثت في أكثر من مداخلة، أنني ضد كل هذا الأسلوب في محاولة عقاب أي إنسان لا علاقة له بكل هذا الصراع الذي يقتل الناس فيه بعضهم بعضاً في إطار الحرب, إن المسألة ليست مسألة قطع الرأس، ولكنها مسألة الإنسان الذي نحمّله وزر هويته أو وزر دولته في هذا المقام, إننا نتساءل عن قطع رؤوس الشعوب في هذا المجال تحت أي تأثير من التأثيرات, وهل نستحضر قول الشاعر:
قتل امرئٍ في غابة جريمة لا تغتفرْ وقتل شعب آمنٍ مسألة فيها نظرْ
إن أميركا تقطع رؤوس الناس شعوباً، وتقطع رؤوس اقتصادها وما إلى ذلك ولا ينظر في الأمر.
* سماحة السيد، هل تعرضت أكثر من مرة لمحاولات اغتيال جسدية وربما فكرية أحياناً تقريباً. تقديرك هل مردّ تلك المحاولات إلى عقلك المنفتح، أي إلى جرأتك في طرح بعض الأمور التي قد تلغي بعض الأدوار؟
ـ إنني أتصور أولاً أن أي إنسان في العالم لا يستطيع أن يلغي إنساناً آخر, أيّاً كان, لأنك في حضورك وفي وجودك تتأصل في الواقع من حيث يتأصل فكرك ومن حيث يتأصل دورك, ولكن ربما تنطلق بعض المسائل لتحاصر بعض ساحاتك, لتضع الحواجز بين الآخرين الذين يقتربون من الساحة وبين الساحة، ولكن هذه الحواجز غالباً ما تكون حواجز تطير مع الهواء, مع كل هواء ينطلق, لذلك حتى وأنت تريد أن تغتال دوراً أو تغتال خطاً سياسياً أو موقفاً إنك قد تغتال شيئاً مادياً فيه, ولكنك عندما تغتال هذه العناصر المادية في الشخص فإنها تتحول إلى بذورٍ قد تصنع الكثير من الأدوار حيث الفكر وحيث الخط وحيث التيار الذي ينطلق في الحياة, ولهذا فنحن نعتقد أن الذين اغتالهم الظالمون في التاريخ أصبحوا يمثلون أشجاراً باسقةً أصلها ثابت وفرعها في السماء.
العقل ومحاورة النص
ـ بسم الله الرحمن الرحيم, إنني أؤمن بأن العقل هو عمق إنسانية الإنسان حتى في إيمانه بالنص؛ لأن العقل هو الذي يشق الطريق إلى معرفة الله، وإلى معرفة الإنسان نفسه، وإلى معرفة الحياة. وعندما أسأل العقل فقد يشير لي في المجالات التي لا أملك فيها خبرة تفصيلية أن أسأل الذين يملكون عقل الخبرة, لأستمع إليهم لا لأتعبد بما يقولون ولكن لأفهم وأحاور. إنني أحاور حتى النص، لأن النص قد يكون جامداً في حروفه، ولكنه أفق واسع في معانيه، وأنا أنفذ إلى المعنى ولا أتجمد عند اللفظ.
* سماحة السيد، هل من سؤال يحيرك الآن؟
ـ إن كل الأسئلة تحيّرني لا لتجمّد موقفي، ولكن لتحركه نحو الآفاق الواسعة للقضايا التي تهز كل علامات الاستفهام في عقلي. إنني أعتقد أنه عندما يتجمد سؤال في عقلك أو يبحث عن زاوية محدودة فإنك تتجمد. لذلك كل يومٍ يعيش ألف سؤال في عقلي لأن ألف قضية تنتظرني لأفكر فيها.
* سؤالي سماحة السيد هو، هل أنّ الشك هو دلالة من دلالات إشغال العقل؟
ـ في البداية الإيمان يمثل بالنسبة للإنسان معنى أصالة إنسانيته التي تجعله يعيش في أكثر من فترة ليتطلع إلى معاني الإيمان؛ لأنه يبحث عن شيء, شيء غامض عندما يشعر الإنسان بأن هناك ظلمات تعيش في كثير من آفاقه ولهذا فإنه يلتقي ببعض اللمعات التي تشير إليه أن هناك حقيقةً لابد لك أن تنفتح عليها، أما مسألة الشك فإنّه سرّ المعرفة للذين لا يشكون بل يتجمدون, لأنّ الشك يفتح لك كل الآفاق. تشك فتبحث, وتبحث فتفكر, وتفكر لتناقش ولتصل إلى الحقيقة أو إلى ما يقاربها, إننا نعتبر أن الدين قال لنا: إن عليكم أن تشكّوا، ولكن لا تتوقفوا عند الشك, ولكن أكملوا الرحلة فإن الشك المثقّف الواعي هو الذي يضيء الطريق إلى اليقين.
* بهذا السياق سماحة السيد، ألا تعتقد أن بعض مظاهر السكونية في أنساقنا الثقافية هو سبب لتخلّفنا، ومظهر من مظاهر الاستبداد؟
التمرّد طريق الحقيقة
ـ إن مسألة السكونية تعني أن عقلك يختبئ في داخل ذاتك لينام، وأن قلبك يسكت في نبضاته ليموت، وأن حياتك تدخل في ألف كهف وكهف. السكون يعني الموت، والحركة تعني الحياة، تحرّك لتتمرّد على الكثير مما ألفته أو ورثته أو فَرَض نفسه عليك. تمرد حتى تكتشف أن فكرك قد يكون خطأً وأنت ترى أنه الصواب, وأن واقعك قد يكون طاغياً وأنت ترى أنه العدالة، لذلك كلما تمردت أكثر كلما استطعت أن تحرك كل أعماق ذاتك وكل حركة عقلك وقلبك وتطلعاتك أكثر؛ لذلك أن تتمرّد ليس معنى ذلك أن تنطلق مع الفوضى, ولكن أن تعرف كيف تنتج الحياة.
* هذا التمرّد على شتى الأنساق, هل يعني أيضاً التمرد على النص؟
ـ إننا نعتبر أن العقل يحاكم النص؛ لأن النص لا يمكن أن يخالف العقل, إذا خالف العقل فإن عليك أن تبحث في ثقافتك اللغوية عن التأويل.. والعقل لا أقصد به هو ما قرأتَه، ولكن هو ما يندفع ليمثل فطرتك الإنسانية. لهذا فإن العقل لا يطرح النص بالكلية عندما يختلف معه فطرياً, ولكنه يبحث عن الثقافة اللغوية التي لا تقتصر على الحقيقة في القاموس ولكنها تلجأ إلى الفن اللغوي في المجاز والاستعارة والكناية لتقول: إن النص يشير ويكنّى ويستعير فلا يختلف معي ولا أختلف معه؛ لأن النص ينطلق من قلب الحقيقة والعقل الفطري هو الذي يؤصل الحقيقة.
* سماحة السيد بتقديرك انشغال المجتمع الإسلامي بمظاهر الطقوس والسجالات التي تدور حولها هنا وهناك ألا يؤثر على حركية التطور, وحركية الإنتاج ووعي الناس؟
حرية العقل ومسؤوليته
ـ أن تكون منتمياً إلى كيان في حجم الإسلام هو أن تكون منتمياً إلى الكون كله؛ لأن الانتماء إلى الإسلام هو انتماء إلى الله المطلق, فأنت تسبح في بحار المطلق عندما تسبح في بحار الإيمان. وعندما تشعر بأن الله خلقك وخلق في إنسانيتك معنى العقل وقال للعقل: كن حراً, ليست هناك أية حواجز تحجزك عن أي مفردة من مفردات المعرفة, ولكن وأنت تمارس حريتك المطلقة كن مسؤولاً, ولذلك فإن قصة الذين ينتمون إلى الإسلام هي قصة حجم الثقافة التي يتحركون فيها. فهناك الذين يحبسون أنفسهم في دائرة العبادات كطقوس, ولا ينفذون إلى امتداد هذه العبادة في معنى الإنسان, في انفتاحه على الله وعلى حياته, الصلاة عبادة ولكنها ليست طقساً, إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, عندما نفهم أن العقل هو الأساس في الإسلام ونفهم حرية العقل, ونفهم أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة, فكيف يمكن أن يكون الإسلام جهلاً أو يكون الانتماء هو اللاعقل.
* كيف تقرأ سماحة السيد ظاهرة العنف الدموي الذي يمارس الآن وسابقاً, وهل هذا العنف هو فقط نتيجة ردة فعل على الظلم وفقدان العدالة، أم أن الإنسان حتى هذه اللحظة لم يستطع أن يحقق إنسانيته ويسيطر على القاتل الذي فيه؟
ـ مشكلة العنف تبرز في الفكر الذي يبتعد عن مسار الحياة الطبيعية ومشكلة الواقع, وربما يستعجل هؤلاء الناس الذين يجدون حل المشكلة في العنف ربما يستعجلون هذا الحل، ونقرأ في النص النبوي الشريف: "إن الرفق ما وُضع على شيء إلا زانه, ولا رُفع عن شيء إلا شانه", و"أن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف". ولكن الناس يخلطون بين مواقع العنف ومواقع الرفق, فيستبدلون هذا بهذا وذاك بذاك, ثم إن حركة الواقع قد تحاصر الإنسان في بعض الحالات سياسياً وأمنياً فتفرض عليه ذلك, إننا نجد أن هذا العنف الذي يهز العالم والذي يلتقي فيه المسلمون وغير المسلمين, إن هذا العنف يمثل حالةً من حالات انحراف الإنسان في تصوراته لحل المشاكل, إنهم يتحدثون الآن عن الأصولية ويحاربون الأصولية, والأصولية تتمظهر في أمرين:
- الأمر الأول: هو عدم الاعتراف بالآخر.
- والأمر الثاني: هو اعتبار العنف الوسيلة الفضلى لحل المشكلة.
ونحن نرى أن كل هذا العالم الطاغي الذي يمارس الاحتلال ومصادرة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في العالم هو أصولي, أي فرق بين أصولية أميركا أو أوروبا أو أصولية هؤلاء الذين يقتلون الناس لأنهم يحبسون أنفسهم في دائرة ضيقة في فهم كلمة الجهاد أو ما إلى ذلك؟ أو أي فرق بين الدول الكبرى التي تلغي الشعوب - عندما تصادر كل قضاياها وتصادر كل ثرواتها - وبين هؤلاء الذين يعملون على إلغاء شخص يختلفون معه في الفكر أو لا؟ العالم عالم أصولي، ولكنه يغلّف هذه الأصولية بالديمقراطية وحقوق الإنسان, التي تبقى في دائرة العناوين الكبرى، ولكن الواقع شيء آخر.
لا قطع الرأس ولا الرؤوس
* سماحة السيد، هل أنت مع الشخص الذي يقطع رأس ويستعرضها على شاشة التلفزة؟
ـ لقد تحدثت في أكثر من مداخلة، أنني ضد كل هذا الأسلوب في محاولة عقاب أي إنسان لا علاقة له بكل هذا الصراع الذي يقتل الناس فيه بعضهم بعضاً في إطار الحرب, إن المسألة ليست مسألة قطع الرأس، ولكنها مسألة الإنسان الذي نحمّله وزر هويته أو وزر دولته في هذا المقام, إننا نتساءل عن قطع رؤوس الشعوب في هذا المجال تحت أي تأثير من التأثيرات, وهل نستحضر قول الشاعر:
قتل امرئٍ في غابة جريمة لا تغتفرْ وقتل شعب آمنٍ مسألة فيها نظرْ
إن أميركا تقطع رؤوس الناس شعوباً، وتقطع رؤوس اقتصادها وما إلى ذلك ولا ينظر في الأمر.
* سماحة السيد، هل تعرضت أكثر من مرة لمحاولات اغتيال جسدية وربما فكرية أحياناً تقريباً. تقديرك هل مردّ تلك المحاولات إلى عقلك المنفتح، أي إلى جرأتك في طرح بعض الأمور التي قد تلغي بعض الأدوار؟
ـ إنني أتصور أولاً أن أي إنسان في العالم لا يستطيع أن يلغي إنساناً آخر, أيّاً كان, لأنك في حضورك وفي وجودك تتأصل في الواقع من حيث يتأصل فكرك ومن حيث يتأصل دورك, ولكن ربما تنطلق بعض المسائل لتحاصر بعض ساحاتك, لتضع الحواجز بين الآخرين الذين يقتربون من الساحة وبين الساحة، ولكن هذه الحواجز غالباً ما تكون حواجز تطير مع الهواء, مع كل هواء ينطلق, لذلك حتى وأنت تريد أن تغتال دوراً أو تغتال خطاً سياسياً أو موقفاً إنك قد تغتال شيئاً مادياً فيه, ولكنك عندما تغتال هذه العناصر المادية في الشخص فإنها تتحول إلى بذورٍ قد تصنع الكثير من الأدوار حيث الفكر وحيث الخط وحيث التيار الذي ينطلق في الحياة, ولهذا فنحن نعتقد أن الذين اغتالهم الظالمون في التاريخ أصبحوا يمثلون أشجاراً باسقةً أصلها ثابت وفرعها في السماء.