الدكتور عادل رضا
12-26-2007, 03:51 PM
التشيع العلوي والتشيع الصفوي.. د. علي شريعتي
26 مارس 2007 كتبت بواسطة علي العُمَري
اسم الكتاب : التشيّع العلوي والتشّيع الصفوي
اسم المؤلف : د. علي شريعتي
اسم المترجم : حيدر مجيد
تصحيح لغوي : نوال سعادة النيحاوي
الطبعة الأولى : 1422 هجرية - 2002 ميلادية
الناشر : دار الأمير للثقافة والعلوم ش . م .
عدد الصفحات الكتاب: 336 صفحة
عرض: ليلى دشتي
نبذة عن الدكتور علي شريعتي:
ولد علي بن محمد تقي شريعتي في “مزينان” وهي قرية من قرى سنروار في منطقة خراسان التي تقع على حافة الصحراء الكبرى المعروفة باسم “دشت كوير” سنة 1312هـش “هجري شمسي” ديسمبر سنة 1933م.
انضم إلى جناح الشباب في الجبهة الوطنية وهو لم يزل بعد صبياً ، انظم إلى حركة المقاومة التي أسسها آية الله زونجاني وآية الله طالقاني ومهدي بازركان ، وتخرج من الجامعة من كلية الآداب بدرجة الامتياز, في السنة التالية أُرسل في بعثة إلى فرنسا (سنة1959).
وفي فرنسا واصل نشاطه السياسي فأسس فرع أوروبا لحركة تحرير إيران التي أنشأها بازركان وطالقاني سنة (1961م) ، وشارك مشاركة فعالة في دعم الثورة الجزائرية.
وفي منتصف الستينات عاد شريعتي إلى إيران ، وعلى الحدود ألقي القبض عليه ثم أطلق سراحه بعد فترة ، عُيّن مدرساً بجامعة مشهد .
في سنة (1969) كانت “حسينية الإرشاد” قد افتتحت لكي تكون مركز إشعاع إسلامي ، ويركز فيها شريعتي كل نشاطه ملقياً محاضرات منتظمة عن الإسلام وتاريخ التشيع، ولا تجد السلطة بداً من إغلاق حسينية الإرشاد (سنة 1973) وتقوم بالقبض على
شريعتي ووالده ، ويبقى في السجن ثمانية عشر شهراً متعرضاً لصنوف العذاب، ويتدخل المسؤولون الجزائريون فيفرج عنه سنة (1975م) ، وتسمح له السلطة بالرحيل عن إيران في مايو سنة 1977 ، ويسافر إلى لندن ، وبعد شهر من إقامته في لندن يعثر عليه ميتاً ، ميتة غامضة تعلن عنها السلطة أنها نوبة قلبية .
تمهيد:
الإسلام دين تجلى للإنسانية في صورة (لا) صدع بها وارث إبراهيم ومظهر دين توحيد الخالق ووحدة الخلق ، النبي محمد (ص) ، (لا) بها يبتدئ شعار التوحيد ، ومنها ينطلق الإسلام في مواجهة الشرك والإلحاد ، دين أصحاب المصالح والسلطة والجاه.
أما التشيّع فهو بمثابة (لا) ثانية صدع بها عليّ وارث محمد ومظهر إسلام الحق والعدالة ، وقد اكتسب التشيع هويته الحقيقية في التاريخ الإسلامي وتحددت ملامح وجهه ووجهته من خلال كلمة الرفض التي أطلقها (عليّ) في الشورى جواباً على عبد الرحمن بن عوف الذي كان يمثل على الجانب الآخر إسلام الجاه والمصالح .
وإلى العهد الصفوي ، ظلت كلمة الرفض (لا) هي المَعْلم الرئيس الذي يميز بين الموالين لأهل البيت وأنصار علي وأتباعه وبين غيرهم.
في خط عليّ يجد الشيعي شعاراته الرئيسية والتي ينطلق فيها في تجسيد آمال وآلام الطبقة المسحوقة ، الواعية والمتمردة في نفس الوقت على طغيان الحاكم ، فهو يهتدي إلى التخلص من ولاية الجور برفع شعار (ولاية علي)!
وهكذا يتبين أن التشيع العلوي لم يكن مجرد حركة ثورية استمرت على مدى ثمانية قرون – إلى أوان العهد الصفوي – ولم يقتصر على ممارسة الجهاد فكراً وسلوكاً بوجه الأنظمة ذات الطابع الاستبدادي والطبقي ، الاستبداد الذي كان يمثل
قاسماً مشتركاً بين اجهزة الخلافة الأموية والعباسية والسلطنة الغزنوية والسلجوقية والمغولية والتيمورية والايلخانية والتي اتخذت المذهب السني مذهباً رسمياً للبلاد آنذاك .
التشيّع العلوي والتشيّع الصفويّ:
إذن للتشيع حقبتان تاريخيتان ، بينهما تمام الاختلاف تبدأ الأولى من القرن الأول الهجري حيث كان التشيع معبراً عن الإسلام الحركي في مقابل الإسلام الرسمي والحكومي الذي كان يتمثل في المذهب السني ، وتمتد هذه الحقبة إلى أوائل العهد الصفوي، حيث تبدأ الحقبة الثانية والتي تحول فيها المذهب الشيعي من تشيع حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام .
لحظة الهجوم الغادر!
وبينما كان العثمانيون منهمكين في دحر القوات الغربية وتحقيق الانتصارات المتوالية ، إذا بقوة جديدة تظهر على حدودهم الشرقية وتباغتهم من الخلف ، ثورة في إيران يقودها رجل من سلالة الشيخ صفي الدين الأردبيلي أحد أقطاب التصوف .
إن للتصوف في التاريخ الإسلامي منحيين متضادين ، أحدهما سلبي وهو العزلة والإنزواء والهروب من مواجهة الحياة بحجة الزهد ، والمنحى الآخر إيجابي يتجلى في صورة ثورة وتمرد على الواقع ودخول في مسرح الأحداث بقوة.
لقد اشتهر علماء الشيعة على مر التاريخ بالانفتاح والتحرر في مجال البحث والمحاججة العلمية وكانوا يحبون الدخول في المناظرات والمناقشات الفكرية والعقائدية وذلك لأن الأجهزة الإعلامية كلها بيد المذهب المخالف والشيعي ليس لديه وسيلة لإثبات حقانية مذهبه سوى اللجوء إلى المحاججة والجدل العلمي الذي كان الشيعة يتمتعون بمهارة فائقة فيه وذلك بخلاف رجل الدين الصفوي الذي كان يتهرب من مواجهة السؤال وإذا أجابك ذات مرة وعاودت عليه طرح سؤال آخر فإن
جوابه سيأتي إليك سيلاً من الشتائم والسباب والاتهام بالفسق والتكفير .
إن رجل الدين الصفوي وإن كان يرتدي في الظاهر نفس الزي الذي يرتديه علماء الشيعة إلا أن المخاطب عنده دائماً هو عوام الناس حتى في مجال البحث العلمي وهو يتهرب من مواجهة العلماء وأهل التخصص ، ومع أنه يزعم أنه عالم شيعي ويدعي أنه مرجع للعوام في معرفة أمور دينهم ، هو في الحقيقة مقلّد لعوام الناس وليس سوى أداة رسمية لإصدار الأحكام على ضوء ما استنبطه مريدوه تبعاً لأهوائهم ومزاجهم.
أما المنطق الذي يتحلى به رجل الدين الشيعي الحقيقي في العالم الإسلامي فما زال يتمتع بمنزلة حضارية وعمق علمي وطابع استدلالي وأدب حوار ومناظرة ، خاصة وأن استقامة العقيدة الإسلامية وسلامة المعتقدات والأصول الخاصة بالشيعة
والفهم الشيعي للتاريخ والمنحى الاجتماعي لهم فيه من حين السقيفة إلى يومنا هذا ، كل ذلك عوامل أغنت الشيعي عن الحاجة إلى اللجوء إلى الأساليب الملتوية والمهاترات في إثبات ما يريد إثباته ، وبالرغم من عدم امتلاكه لجهاز إعلامي فاعل على الصعيد العالمي أو حتى على الصعيد الإسلامي ، إلا أن قوة الحجة لديه ونوع الأسلوب الذي يتبعه في المحاججة جعلته مصدراً مؤثراً في الإقناع ، بحيث لا تكاد تنطلق دعوة من عالم شيعي ذي اتجاه علوي – وليس صفوياً إلا وجدت لها اناً صاغية في صفوف علماء السنة والمستنيرين من غير الشيعة وأحدثت فيها هزة
عنيفة في المجالات الفكرية أو العقائدية أو السياسية .
مونتاج “الدين – القومية”!
إن حذاقة ودهاء الحركة الصفوية تتجلى أكثر شيء في أنها أرست دعائم حكومتها على أساسين محكمين :
1- المذهب الشيعي .
2- القومية الإيرانية .
باختصار :
كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها أن يعملوا كل ما من شأنه
التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي ، ولتبدو الوطنية والقومية
الإيرانية بوشاح ديني أخضر ، وفي هذا الصدد أعلن بين عشية وضحاها أن الصفويين
– أحفاد الشيخ صفيّ – هم (سادةٌ) من حيث النسب 6/6 أي أحفاد للنبي محمد!
وتحول المذهب الصوفي فجأة إلى مذهب شيعي ، وصار الفقيه والمحدث بدائل عن
المرشد والبديل ، وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت .. وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية ، وبعث القومية الإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع .
في ضوء ذلك يمكن أن نفهم سر تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف إلى نقاط خلاف أو يفرغها عن قدرتها على أن تكون أرضية صلبة لموقف مشترك بين الفريقين .. وكنتيجة لهذا الفصل المذهبي حصل فصل اجتماعي وثقافي
تبعه فصل على الصعيدين القومي والسياسي وبشكل بارز جداً .
لقد حرصت الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين .
المذهب : الحركة (الشيعية الشعوبية)!
التشيع إذا كان علوياً!
للإيرانيين الحظ الأوفر بين نوابغ الأمة الإسلامية من العلماء والفقهاء والفلاسفة والمؤرخين ، كما أن أغلب رؤساء ومؤسسي المذاهب الإسلامية المعروفة
هم إيرانيون ، ونفس الكلام ينسحب على الشيعة حيث كانوا دائماً يتمتعون بسمعة حسنة ومعروفين بالورع والتقوى وتوخي العدل والإنصاف ، وفي هذا السياق يقرّ الأستاذ عبدالرحمن بدوي المحقق المصري الكبير بهاتين الحقيقتين مؤكداً أن
الحضارة والتراث الإسلامي مدينان إلى جهود العنصر الإيراني أكثر من سائر الأمم والأقوام التي اعتنقت الإسلام ، ذلك الدور الذي لعبته النهضة الشيعية في صيانة البعد المعنوي للثقافة الإسلامية وفي إثراء الحضارة وإغنائها بالروح
والحيوية وفي منح الرؤية الإسلامية سعة وعمقاً وتكاملاً، وفي ضخ عناصر الحركة والتقدم والنهوض في روح الإنسان المسلم على طول التاريخ.
نصرانية الغرب والتشيع الصفوي ؛ الإفرنجي في كربلاء!
من القضايا الواضحة وجود نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الامبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد
الدولي إبان الحكم العثماني وشكلت خطراً جدياً على أوروبا ، وقد وجد رجالات التشيع الصفوي أنه لابد من توفير غطاء (شرعي) لهذا التضامن السياسي فعملوا
على تقريب التشيع من المسيحية ، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران .
ظاهرة الاغتراب لدى الشيعة:
ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض – وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم
الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك ، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء
بها إلى إيران.
جدير ذكره أن مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الأقفال مازالت تمارس سنوياً في ذكرى (استشهاد) المسيح في منطقة (Lourder) ، وعلى الرغم من أن هذا
المراسيم دخيلة على المذهب وتعتبر مرفوضة من وجهة نظر إسلامية ولم تحظ بتأييد العلماء الحقيقيين بل أن كثيراً منهم عارضوها بصراحة لأنها لا تنسجم مع
موازين الشرع ، مع ذلك فإنها مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين أو ثلاثة ، مما يثير الشكوك أكثر حول منشئها ومصدر الترويج لها ، ويؤكد أن هذا المراسيم
تجري بإرادة سياسية لا دينية وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها ، وقد بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث أن
كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها ويلجأون إلى التقية في هذا المجال!!
الأسس الاعتقادية للمذهبين!
1- العترة :
الإسلام – لدى التشيع يقوم على دعامتين رئيسيتين : القرآن والعترة ، وذلك طبقاً للحديث المروي عن النبي ” إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي” وكما هو واضح فإن التشيع العلوي آمن بالعترة من خلال إيمانه بالسنة ، إن أصل (العترة) ليس في مقابل السنة ولا في مقابل القرآن ، بل ولا في مرتبتهما وإنما هي طريق مباشر ومأمون للوصول إلى القرآن والسنة .
أما التشيع الصفوي فالعترة عنده هي عبارة عن أسرة ، وهي وسيلة لتعطيل العمل بالقرآن وسيرة النبي وتشويه الوجهة الحقيقية للرسالة ولمبادئها الأولى كالتوحيد ، وبالمقابل إرساء قيم مبتدعة تقوم على أساس العنصر والدم والوراثة!
2- العصمة :
هي الأصل الثاني من أصول التشيع العلوي ، وهي هنا بمعنى أن قائد الأمة ومن
بيده أمور الناس والمجتمع ويتحمل أعباءهم الدينية يجب أن يكون بعيداً كل
البعد عن الفساد والخيانة والضعف والخوف والمداهنة على الحق .
أما في التشيع الصفوي ، فإن العصمة كانت عبارة عن حالة فسلجية وبيولوجية وباراسيكولوجية خاصة لدى الأئمة تمنعهم من ارتكاب الذنوب والمعاصي.
3- الوصاية :
إن الوصاية بحسب التشيع العلوي وما نفهمه نحن ليست بتنصيب ولا انتخاب ولا
ترشيح بل هي بمعنى قيام النبي – من منطلق موقعه القيادي للمجتمع – بتحديد
أفضل الأشخاص وأكثرهم جدارة بتحمل عبء مواصلة المسيرة وحمل الرسالة التي جاء بها ، لكي تتخذه الأمة قائداً لها وتنقاد لأوامره وتوجيهاته .
في التشيع الصفوي حيث تكون (الوصاية) عبارة عن نظام وراثي وسلالات حكم تنتقل القيادة فيها من الأب إلى الابن ومن الأخ لأخيه ومن جيل إلى جيل يليه ، وعلى ضوء هذا الفهم الخاطئ للوصاية ، يقال أن الإمام الأول صار إماماً أول لأنه ابن عم النبي وصهره وأول السلسلة ، أما الإمام الثاني فصار إماماً ثانياً
لأنه ابن للإمام الأول والإمام الثالث صار إماماً لأنه أخ الإمام الثاني ومن ثم استمرت الإمامة نسلاً بعد نسل.
4- الولاية :
وهي في التشيع العلوي بمعنى التزام الناس بحكومة علي بكل أبعادها وضوابطها والتبعية له والاقتداء به وقبوله كأسوة حسنة ، والتسليم المطلق لحكومته ونظامه هو فقط لا غير!
أما الولاية عند التشيع الصفوي فهي بمعنى ولاية (مولائية) نجم عنها بالتالي عناصر دخيلة مثل الإسماعيلية والعلي اللهية والباطنية والحلولية والصوفية والهندية .
5- الإمامة :
وهي في قاموس التشيع العلوي عبارة عن الاعتقاد بنظام ثوري قادر على بناء مجتمع ينهض بواجبات نظام دولي مؤهل للوقوف بوجه الأنظمة القائمة ، وأمة تحمل رسالة سامية بحجم الرسالة التي تطرقت لها لدى الحديث عن الوصاية ، ومصاديقها
الخاصة بعد النبي هم الأئمة الذين يتحلون بمقامات ذاتية تؤهلهم لتقلد وسام القيادة للمجتمع وتلبية مستلزمات هذه المهمة .
ولكن التشيع الصفوي ينظر إلى الاعتقاد بالأئمة من زاوية أخرى يكون فيها الاعتقاد بهم ليس سوى اعتقاد بـ (12) شخصية من جنس ما وراء الطبيعة واثني عشر رقماً واسماً مقدساً يجب علينا أن نحب أصحابها ونثني عليهم ونتقرب إليهم دون السعي إلى الالتزام بالتبعية والاقتداء بهم.
6- العدل :
وهو هنا بمعنى الإيمان بأن الله عادل ، وهو في التشيع العلوي بمعنى أن كل موبقة سيكون وراءها حساب شديد كما أن كل منقبة ستكون سبباً للفوز بالثواب
الجزيل.
أما في التشيع الصفوي ، فالعدل معناه أن الله ليس بظالم ، وأن يزيد سيذهب بعد الموت إلى جهنم ، بينما الحسين يذهب إلى الجنة وليس ثمة علاقة لذلك بحياتنا الدنيوية وأوضاعنا الراهنة بل هو مجرد بحث علمي من شأن الفلاسفة الإلهيين ولا علاقة له بالناس!
7- التقية :
إن التقية حسب التصور العلوي هي عامل وحدة وانسجام مع الأخ وكفاح للعدو ، بينما هي في التصور الصفوي مبرر لشل إرادة الرفض والنضال أمام العدو وفي نفس الوقت هي سبب فاعل في إثارة النعرات الطائفية والفرقة والاختلاف بين الأخوة!
التقية ، في التشيع العلوي ، عبارة عن تكتيك عملي يخضع لضوابط وظروف معينة يقدرها القائد ، ولذا قد تجب التقية وقد تحرم ، بينما التقية في المنظار الصفوي هي جزء من عقائد الشيعة الثابتة والملازمة لشخصية الشيعي في كل
الأحوال!
8- السنة ونبذ البدعة :
وفي المفهوم الصحيح للسنة فإن التشيع العلوي يعد أكثر المذاهب والفرق الإسلامية تسنناً! بمعنى أنه أقرب المذاهب وأضبطها في الاعتقاد بالسنة النبوية والالتزام بها عملياً.
بيد أن التشيع الصفوي يرى أن (كتاب الله وعترتي) هي بديل عن (كتاب الله وسنتي) ولا يمكن أن يجتمعا معاً .
9- الغيبة :
فلسفة الغيبة في التاريخ الشيعي والمقطع الزماني الذي حصلت فيه . الغيبة لها فلسفة دقيقة وأبعادها الاجتماعية والسياسية أكبر وأهم بكثير من الجانب الميتافيزيقي فيها.
في التشيع الصفوي يحمل الانتظار مفهوماً سلبياً ويعبر به عن منهج التسليم والتحمل والصبر والسكوت ، وفي يكون الإمام المعصوم غائباً مما يعني ضرورة تعطيل الإسلام ببعده الاجتماعي وعدم إعادته إلى مسرح الحياة إلا بعودة الإمام وظهوره من جديد.
10- الشفاعة :
عند العلويين تعتبر عنصراً فاعلاً وبناءاً في تحقيق التكامل المعنوي والتربوي والثقافي , أما الصفويين فهي طريق لنجاة غير المستحق! .
11- الاجتهاد :
وحقيقة الاجتهاد تكمن في أن القوانين والمقررات العامة للشريعة وأحكام الفقه المدونة قد لا تستوعب جميع الحالات الاجتماعية بالتفصيل نظراً لتعدد خصوصيات الزمان والمكان وتبدلها وتبدل النظر الاجتماعية التي تنبثق عنها ، ما يجعل الحاجة ملحة لفتح باب الاجتهاد المتحرك لكي يلبي المجتهد عبر ذلك المتطلبات
المستجدة أو بتعبير الرواية (الحوادث الواقعة) ، ويتاح هذا العمل للمجتهد المحقق المتفتح في عقله وتفكيره فيعكف على استنباط الأحكام على حسب القواعد العامة ومع الأخذ بعين الاعتبار روح الشريعة السمحاء وأهدافها وخصالها الكلية من العدل والمساواة وذلك استناداً إلى الأصول الأربعة متمثلة بالكتاب والسنة والعقل والإجماع.
في التشيع الصفوي ليس أكثر من ادعاء ضخم ولقب عظيم فارغ من المحتوى ، وهو مجرد منصب رسمي ديني للمجتهد أشبه ما يكون بالبطريرك أو الأسقف أو الكاردينال، خلافاً للمجتهد عند التشيع العلوي .
12- الدعاء :
الدعاء في التشيع العلوي هو دعاء النبي ودعاء القرآن ودعاء علي ومظهر تجليه في دعاء الإمام زين العابدين ، والدعاء بهذا المعنى هو وسيلة لتلقين النفس على أن تظل طامحة دائماً إلى الأهداف والطموحات الإنسانية السامية.
أما الدعاء الصفوي فهو وسيلة لتغليف مواطن الضعف والنقص والمذلة وفي إطار أناني ضيق ووضيع .
13- التقليد :
في التشيع العلوي ، يكون العالم الباحث حراً في اجتهاده ، وعلى العامي أن يقلده ، وهذه منظومة اجتماعية علمية جديرة بالتقدير ، بينما التقليد في التشيع الصفوي يعني أن يكون الناس جميعاً صماً بكماً عمياً بإزاء من يرتدي اللباس الرسمي المعترف به من قبل أجهزة السلطة ، ولا يجوز لغيره ولوج هذا الباب ليس في المجالات الفقهية الفنية وحسب بل حتى في مضمار فهم واستنباط
القضايا الاعتقادية التي يفترض أن كل إنسان يكون مطالباً بنفسه بالاجتهاد فيها.
وأخيراً, حاول شريعتي اطلاع أبناء الجيل الجديد ممن لديهم وعي واحساس بالمسئولية على حقيقة المصائب التي ألحقت بنا وبديننا ومجتمعنا , لإشعارهم بحجم المسئولية التي يتعّين عليهم النهوض بأعبائها وأن وراءهم طريقاً طويلاً
يحتاج إلى همة عالية وبذل المزيد من الجهود والتضحيات.
هذا الكتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي.. د. علي شريعتي
26 مارس 2007 كتبت بواسطة علي العُمَري
اسم الكتاب : التشيّع العلوي والتشّيع الصفوي
اسم المؤلف : د. علي شريعتي
اسم المترجم : حيدر مجيد
تصحيح لغوي : نوال سعادة النيحاوي
الطبعة الأولى : 1422 هجرية - 2002 ميلادية
الناشر : دار الأمير للثقافة والعلوم ش . م .
عدد الصفحات الكتاب: 336 صفحة
عرض: ليلى دشتي
نبذة عن الدكتور علي شريعتي:
ولد علي بن محمد تقي شريعتي في “مزينان” وهي قرية من قرى سنروار في منطقة خراسان التي تقع على حافة الصحراء الكبرى المعروفة باسم “دشت كوير” سنة 1312هـش “هجري شمسي” ديسمبر سنة 1933م.
انضم إلى جناح الشباب في الجبهة الوطنية وهو لم يزل بعد صبياً ، انظم إلى حركة المقاومة التي أسسها آية الله زونجاني وآية الله طالقاني ومهدي بازركان ، وتخرج من الجامعة من كلية الآداب بدرجة الامتياز, في السنة التالية أُرسل في بعثة إلى فرنسا (سنة1959).
وفي فرنسا واصل نشاطه السياسي فأسس فرع أوروبا لحركة تحرير إيران التي أنشأها بازركان وطالقاني سنة (1961م) ، وشارك مشاركة فعالة في دعم الثورة الجزائرية.
وفي منتصف الستينات عاد شريعتي إلى إيران ، وعلى الحدود ألقي القبض عليه ثم أطلق سراحه بعد فترة ، عُيّن مدرساً بجامعة مشهد .
في سنة (1969) كانت “حسينية الإرشاد” قد افتتحت لكي تكون مركز إشعاع إسلامي ، ويركز فيها شريعتي كل نشاطه ملقياً محاضرات منتظمة عن الإسلام وتاريخ التشيع، ولا تجد السلطة بداً من إغلاق حسينية الإرشاد (سنة 1973) وتقوم بالقبض على
شريعتي ووالده ، ويبقى في السجن ثمانية عشر شهراً متعرضاً لصنوف العذاب، ويتدخل المسؤولون الجزائريون فيفرج عنه سنة (1975م) ، وتسمح له السلطة بالرحيل عن إيران في مايو سنة 1977 ، ويسافر إلى لندن ، وبعد شهر من إقامته في لندن يعثر عليه ميتاً ، ميتة غامضة تعلن عنها السلطة أنها نوبة قلبية .
تمهيد:
الإسلام دين تجلى للإنسانية في صورة (لا) صدع بها وارث إبراهيم ومظهر دين توحيد الخالق ووحدة الخلق ، النبي محمد (ص) ، (لا) بها يبتدئ شعار التوحيد ، ومنها ينطلق الإسلام في مواجهة الشرك والإلحاد ، دين أصحاب المصالح والسلطة والجاه.
أما التشيّع فهو بمثابة (لا) ثانية صدع بها عليّ وارث محمد ومظهر إسلام الحق والعدالة ، وقد اكتسب التشيع هويته الحقيقية في التاريخ الإسلامي وتحددت ملامح وجهه ووجهته من خلال كلمة الرفض التي أطلقها (عليّ) في الشورى جواباً على عبد الرحمن بن عوف الذي كان يمثل على الجانب الآخر إسلام الجاه والمصالح .
وإلى العهد الصفوي ، ظلت كلمة الرفض (لا) هي المَعْلم الرئيس الذي يميز بين الموالين لأهل البيت وأنصار علي وأتباعه وبين غيرهم.
في خط عليّ يجد الشيعي شعاراته الرئيسية والتي ينطلق فيها في تجسيد آمال وآلام الطبقة المسحوقة ، الواعية والمتمردة في نفس الوقت على طغيان الحاكم ، فهو يهتدي إلى التخلص من ولاية الجور برفع شعار (ولاية علي)!
وهكذا يتبين أن التشيع العلوي لم يكن مجرد حركة ثورية استمرت على مدى ثمانية قرون – إلى أوان العهد الصفوي – ولم يقتصر على ممارسة الجهاد فكراً وسلوكاً بوجه الأنظمة ذات الطابع الاستبدادي والطبقي ، الاستبداد الذي كان يمثل
قاسماً مشتركاً بين اجهزة الخلافة الأموية والعباسية والسلطنة الغزنوية والسلجوقية والمغولية والتيمورية والايلخانية والتي اتخذت المذهب السني مذهباً رسمياً للبلاد آنذاك .
التشيّع العلوي والتشيّع الصفويّ:
إذن للتشيع حقبتان تاريخيتان ، بينهما تمام الاختلاف تبدأ الأولى من القرن الأول الهجري حيث كان التشيع معبراً عن الإسلام الحركي في مقابل الإسلام الرسمي والحكومي الذي كان يتمثل في المذهب السني ، وتمتد هذه الحقبة إلى أوائل العهد الصفوي، حيث تبدأ الحقبة الثانية والتي تحول فيها المذهب الشيعي من تشيع حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام .
لحظة الهجوم الغادر!
وبينما كان العثمانيون منهمكين في دحر القوات الغربية وتحقيق الانتصارات المتوالية ، إذا بقوة جديدة تظهر على حدودهم الشرقية وتباغتهم من الخلف ، ثورة في إيران يقودها رجل من سلالة الشيخ صفي الدين الأردبيلي أحد أقطاب التصوف .
إن للتصوف في التاريخ الإسلامي منحيين متضادين ، أحدهما سلبي وهو العزلة والإنزواء والهروب من مواجهة الحياة بحجة الزهد ، والمنحى الآخر إيجابي يتجلى في صورة ثورة وتمرد على الواقع ودخول في مسرح الأحداث بقوة.
لقد اشتهر علماء الشيعة على مر التاريخ بالانفتاح والتحرر في مجال البحث والمحاججة العلمية وكانوا يحبون الدخول في المناظرات والمناقشات الفكرية والعقائدية وذلك لأن الأجهزة الإعلامية كلها بيد المذهب المخالف والشيعي ليس لديه وسيلة لإثبات حقانية مذهبه سوى اللجوء إلى المحاججة والجدل العلمي الذي كان الشيعة يتمتعون بمهارة فائقة فيه وذلك بخلاف رجل الدين الصفوي الذي كان يتهرب من مواجهة السؤال وإذا أجابك ذات مرة وعاودت عليه طرح سؤال آخر فإن
جوابه سيأتي إليك سيلاً من الشتائم والسباب والاتهام بالفسق والتكفير .
إن رجل الدين الصفوي وإن كان يرتدي في الظاهر نفس الزي الذي يرتديه علماء الشيعة إلا أن المخاطب عنده دائماً هو عوام الناس حتى في مجال البحث العلمي وهو يتهرب من مواجهة العلماء وأهل التخصص ، ومع أنه يزعم أنه عالم شيعي ويدعي أنه مرجع للعوام في معرفة أمور دينهم ، هو في الحقيقة مقلّد لعوام الناس وليس سوى أداة رسمية لإصدار الأحكام على ضوء ما استنبطه مريدوه تبعاً لأهوائهم ومزاجهم.
أما المنطق الذي يتحلى به رجل الدين الشيعي الحقيقي في العالم الإسلامي فما زال يتمتع بمنزلة حضارية وعمق علمي وطابع استدلالي وأدب حوار ومناظرة ، خاصة وأن استقامة العقيدة الإسلامية وسلامة المعتقدات والأصول الخاصة بالشيعة
والفهم الشيعي للتاريخ والمنحى الاجتماعي لهم فيه من حين السقيفة إلى يومنا هذا ، كل ذلك عوامل أغنت الشيعي عن الحاجة إلى اللجوء إلى الأساليب الملتوية والمهاترات في إثبات ما يريد إثباته ، وبالرغم من عدم امتلاكه لجهاز إعلامي فاعل على الصعيد العالمي أو حتى على الصعيد الإسلامي ، إلا أن قوة الحجة لديه ونوع الأسلوب الذي يتبعه في المحاججة جعلته مصدراً مؤثراً في الإقناع ، بحيث لا تكاد تنطلق دعوة من عالم شيعي ذي اتجاه علوي – وليس صفوياً إلا وجدت لها اناً صاغية في صفوف علماء السنة والمستنيرين من غير الشيعة وأحدثت فيها هزة
عنيفة في المجالات الفكرية أو العقائدية أو السياسية .
مونتاج “الدين – القومية”!
إن حذاقة ودهاء الحركة الصفوية تتجلى أكثر شيء في أنها أرست دعائم حكومتها على أساسين محكمين :
1- المذهب الشيعي .
2- القومية الإيرانية .
باختصار :
كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها أن يعملوا كل ما من شأنه
التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي ، ولتبدو الوطنية والقومية
الإيرانية بوشاح ديني أخضر ، وفي هذا الصدد أعلن بين عشية وضحاها أن الصفويين
– أحفاد الشيخ صفيّ – هم (سادةٌ) من حيث النسب 6/6 أي أحفاد للنبي محمد!
وتحول المذهب الصوفي فجأة إلى مذهب شيعي ، وصار الفقيه والمحدث بدائل عن
المرشد والبديل ، وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت .. وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية ، وبعث القومية الإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع .
في ضوء ذلك يمكن أن نفهم سر تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف إلى نقاط خلاف أو يفرغها عن قدرتها على أن تكون أرضية صلبة لموقف مشترك بين الفريقين .. وكنتيجة لهذا الفصل المذهبي حصل فصل اجتماعي وثقافي
تبعه فصل على الصعيدين القومي والسياسي وبشكل بارز جداً .
لقد حرصت الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين .
المذهب : الحركة (الشيعية الشعوبية)!
التشيع إذا كان علوياً!
للإيرانيين الحظ الأوفر بين نوابغ الأمة الإسلامية من العلماء والفقهاء والفلاسفة والمؤرخين ، كما أن أغلب رؤساء ومؤسسي المذاهب الإسلامية المعروفة
هم إيرانيون ، ونفس الكلام ينسحب على الشيعة حيث كانوا دائماً يتمتعون بسمعة حسنة ومعروفين بالورع والتقوى وتوخي العدل والإنصاف ، وفي هذا السياق يقرّ الأستاذ عبدالرحمن بدوي المحقق المصري الكبير بهاتين الحقيقتين مؤكداً أن
الحضارة والتراث الإسلامي مدينان إلى جهود العنصر الإيراني أكثر من سائر الأمم والأقوام التي اعتنقت الإسلام ، ذلك الدور الذي لعبته النهضة الشيعية في صيانة البعد المعنوي للثقافة الإسلامية وفي إثراء الحضارة وإغنائها بالروح
والحيوية وفي منح الرؤية الإسلامية سعة وعمقاً وتكاملاً، وفي ضخ عناصر الحركة والتقدم والنهوض في روح الإنسان المسلم على طول التاريخ.
نصرانية الغرب والتشيع الصفوي ؛ الإفرنجي في كربلاء!
من القضايا الواضحة وجود نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الامبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد
الدولي إبان الحكم العثماني وشكلت خطراً جدياً على أوروبا ، وقد وجد رجالات التشيع الصفوي أنه لابد من توفير غطاء (شرعي) لهذا التضامن السياسي فعملوا
على تقريب التشيع من المسيحية ، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران .
ظاهرة الاغتراب لدى الشيعة:
ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض – وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم
الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك ، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء
بها إلى إيران.
جدير ذكره أن مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الأقفال مازالت تمارس سنوياً في ذكرى (استشهاد) المسيح في منطقة (Lourder) ، وعلى الرغم من أن هذا
المراسيم دخيلة على المذهب وتعتبر مرفوضة من وجهة نظر إسلامية ولم تحظ بتأييد العلماء الحقيقيين بل أن كثيراً منهم عارضوها بصراحة لأنها لا تنسجم مع
موازين الشرع ، مع ذلك فإنها مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين أو ثلاثة ، مما يثير الشكوك أكثر حول منشئها ومصدر الترويج لها ، ويؤكد أن هذا المراسيم
تجري بإرادة سياسية لا دينية وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها ، وقد بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث أن
كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها ويلجأون إلى التقية في هذا المجال!!
الأسس الاعتقادية للمذهبين!
1- العترة :
الإسلام – لدى التشيع يقوم على دعامتين رئيسيتين : القرآن والعترة ، وذلك طبقاً للحديث المروي عن النبي ” إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي” وكما هو واضح فإن التشيع العلوي آمن بالعترة من خلال إيمانه بالسنة ، إن أصل (العترة) ليس في مقابل السنة ولا في مقابل القرآن ، بل ولا في مرتبتهما وإنما هي طريق مباشر ومأمون للوصول إلى القرآن والسنة .
أما التشيع الصفوي فالعترة عنده هي عبارة عن أسرة ، وهي وسيلة لتعطيل العمل بالقرآن وسيرة النبي وتشويه الوجهة الحقيقية للرسالة ولمبادئها الأولى كالتوحيد ، وبالمقابل إرساء قيم مبتدعة تقوم على أساس العنصر والدم والوراثة!
2- العصمة :
هي الأصل الثاني من أصول التشيع العلوي ، وهي هنا بمعنى أن قائد الأمة ومن
بيده أمور الناس والمجتمع ويتحمل أعباءهم الدينية يجب أن يكون بعيداً كل
البعد عن الفساد والخيانة والضعف والخوف والمداهنة على الحق .
أما في التشيع الصفوي ، فإن العصمة كانت عبارة عن حالة فسلجية وبيولوجية وباراسيكولوجية خاصة لدى الأئمة تمنعهم من ارتكاب الذنوب والمعاصي.
3- الوصاية :
إن الوصاية بحسب التشيع العلوي وما نفهمه نحن ليست بتنصيب ولا انتخاب ولا
ترشيح بل هي بمعنى قيام النبي – من منطلق موقعه القيادي للمجتمع – بتحديد
أفضل الأشخاص وأكثرهم جدارة بتحمل عبء مواصلة المسيرة وحمل الرسالة التي جاء بها ، لكي تتخذه الأمة قائداً لها وتنقاد لأوامره وتوجيهاته .
في التشيع الصفوي حيث تكون (الوصاية) عبارة عن نظام وراثي وسلالات حكم تنتقل القيادة فيها من الأب إلى الابن ومن الأخ لأخيه ومن جيل إلى جيل يليه ، وعلى ضوء هذا الفهم الخاطئ للوصاية ، يقال أن الإمام الأول صار إماماً أول لأنه ابن عم النبي وصهره وأول السلسلة ، أما الإمام الثاني فصار إماماً ثانياً
لأنه ابن للإمام الأول والإمام الثالث صار إماماً لأنه أخ الإمام الثاني ومن ثم استمرت الإمامة نسلاً بعد نسل.
4- الولاية :
وهي في التشيع العلوي بمعنى التزام الناس بحكومة علي بكل أبعادها وضوابطها والتبعية له والاقتداء به وقبوله كأسوة حسنة ، والتسليم المطلق لحكومته ونظامه هو فقط لا غير!
أما الولاية عند التشيع الصفوي فهي بمعنى ولاية (مولائية) نجم عنها بالتالي عناصر دخيلة مثل الإسماعيلية والعلي اللهية والباطنية والحلولية والصوفية والهندية .
5- الإمامة :
وهي في قاموس التشيع العلوي عبارة عن الاعتقاد بنظام ثوري قادر على بناء مجتمع ينهض بواجبات نظام دولي مؤهل للوقوف بوجه الأنظمة القائمة ، وأمة تحمل رسالة سامية بحجم الرسالة التي تطرقت لها لدى الحديث عن الوصاية ، ومصاديقها
الخاصة بعد النبي هم الأئمة الذين يتحلون بمقامات ذاتية تؤهلهم لتقلد وسام القيادة للمجتمع وتلبية مستلزمات هذه المهمة .
ولكن التشيع الصفوي ينظر إلى الاعتقاد بالأئمة من زاوية أخرى يكون فيها الاعتقاد بهم ليس سوى اعتقاد بـ (12) شخصية من جنس ما وراء الطبيعة واثني عشر رقماً واسماً مقدساً يجب علينا أن نحب أصحابها ونثني عليهم ونتقرب إليهم دون السعي إلى الالتزام بالتبعية والاقتداء بهم.
6- العدل :
وهو هنا بمعنى الإيمان بأن الله عادل ، وهو في التشيع العلوي بمعنى أن كل موبقة سيكون وراءها حساب شديد كما أن كل منقبة ستكون سبباً للفوز بالثواب
الجزيل.
أما في التشيع الصفوي ، فالعدل معناه أن الله ليس بظالم ، وأن يزيد سيذهب بعد الموت إلى جهنم ، بينما الحسين يذهب إلى الجنة وليس ثمة علاقة لذلك بحياتنا الدنيوية وأوضاعنا الراهنة بل هو مجرد بحث علمي من شأن الفلاسفة الإلهيين ولا علاقة له بالناس!
7- التقية :
إن التقية حسب التصور العلوي هي عامل وحدة وانسجام مع الأخ وكفاح للعدو ، بينما هي في التصور الصفوي مبرر لشل إرادة الرفض والنضال أمام العدو وفي نفس الوقت هي سبب فاعل في إثارة النعرات الطائفية والفرقة والاختلاف بين الأخوة!
التقية ، في التشيع العلوي ، عبارة عن تكتيك عملي يخضع لضوابط وظروف معينة يقدرها القائد ، ولذا قد تجب التقية وقد تحرم ، بينما التقية في المنظار الصفوي هي جزء من عقائد الشيعة الثابتة والملازمة لشخصية الشيعي في كل
الأحوال!
8- السنة ونبذ البدعة :
وفي المفهوم الصحيح للسنة فإن التشيع العلوي يعد أكثر المذاهب والفرق الإسلامية تسنناً! بمعنى أنه أقرب المذاهب وأضبطها في الاعتقاد بالسنة النبوية والالتزام بها عملياً.
بيد أن التشيع الصفوي يرى أن (كتاب الله وعترتي) هي بديل عن (كتاب الله وسنتي) ولا يمكن أن يجتمعا معاً .
9- الغيبة :
فلسفة الغيبة في التاريخ الشيعي والمقطع الزماني الذي حصلت فيه . الغيبة لها فلسفة دقيقة وأبعادها الاجتماعية والسياسية أكبر وأهم بكثير من الجانب الميتافيزيقي فيها.
في التشيع الصفوي يحمل الانتظار مفهوماً سلبياً ويعبر به عن منهج التسليم والتحمل والصبر والسكوت ، وفي يكون الإمام المعصوم غائباً مما يعني ضرورة تعطيل الإسلام ببعده الاجتماعي وعدم إعادته إلى مسرح الحياة إلا بعودة الإمام وظهوره من جديد.
10- الشفاعة :
عند العلويين تعتبر عنصراً فاعلاً وبناءاً في تحقيق التكامل المعنوي والتربوي والثقافي , أما الصفويين فهي طريق لنجاة غير المستحق! .
11- الاجتهاد :
وحقيقة الاجتهاد تكمن في أن القوانين والمقررات العامة للشريعة وأحكام الفقه المدونة قد لا تستوعب جميع الحالات الاجتماعية بالتفصيل نظراً لتعدد خصوصيات الزمان والمكان وتبدلها وتبدل النظر الاجتماعية التي تنبثق عنها ، ما يجعل الحاجة ملحة لفتح باب الاجتهاد المتحرك لكي يلبي المجتهد عبر ذلك المتطلبات
المستجدة أو بتعبير الرواية (الحوادث الواقعة) ، ويتاح هذا العمل للمجتهد المحقق المتفتح في عقله وتفكيره فيعكف على استنباط الأحكام على حسب القواعد العامة ومع الأخذ بعين الاعتبار روح الشريعة السمحاء وأهدافها وخصالها الكلية من العدل والمساواة وذلك استناداً إلى الأصول الأربعة متمثلة بالكتاب والسنة والعقل والإجماع.
في التشيع الصفوي ليس أكثر من ادعاء ضخم ولقب عظيم فارغ من المحتوى ، وهو مجرد منصب رسمي ديني للمجتهد أشبه ما يكون بالبطريرك أو الأسقف أو الكاردينال، خلافاً للمجتهد عند التشيع العلوي .
12- الدعاء :
الدعاء في التشيع العلوي هو دعاء النبي ودعاء القرآن ودعاء علي ومظهر تجليه في دعاء الإمام زين العابدين ، والدعاء بهذا المعنى هو وسيلة لتلقين النفس على أن تظل طامحة دائماً إلى الأهداف والطموحات الإنسانية السامية.
أما الدعاء الصفوي فهو وسيلة لتغليف مواطن الضعف والنقص والمذلة وفي إطار أناني ضيق ووضيع .
13- التقليد :
في التشيع العلوي ، يكون العالم الباحث حراً في اجتهاده ، وعلى العامي أن يقلده ، وهذه منظومة اجتماعية علمية جديرة بالتقدير ، بينما التقليد في التشيع الصفوي يعني أن يكون الناس جميعاً صماً بكماً عمياً بإزاء من يرتدي اللباس الرسمي المعترف به من قبل أجهزة السلطة ، ولا يجوز لغيره ولوج هذا الباب ليس في المجالات الفقهية الفنية وحسب بل حتى في مضمار فهم واستنباط
القضايا الاعتقادية التي يفترض أن كل إنسان يكون مطالباً بنفسه بالاجتهاد فيها.
وأخيراً, حاول شريعتي اطلاع أبناء الجيل الجديد ممن لديهم وعي واحساس بالمسئولية على حقيقة المصائب التي ألحقت بنا وبديننا ومجتمعنا , لإشعارهم بحجم المسئولية التي يتعّين عليهم النهوض بأعبائها وأن وراءهم طريقاً طويلاً
يحتاج إلى همة عالية وبذل المزيد من الجهود والتضحيات.
هذا الكتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي.. د. علي شريعتي