مقاتل
12-23-2007, 11:04 PM
قالت الدكتورة سعاد الصباح في كتابها المسمى ( مبارك الكبير ...أسد جزيرة العرب ) والمنشور في جريدة الراي الكويتيةفي الحلقة الثالة والعشرون ، ان الشيخ مبارك كان يكتب تقارير سياسية عن لقاءاته التي كان يجريها مع زوار الكويت من المسؤولين الاجانب للدول الاخرى ، وبذلك جعلت منه عميلا للإنجليز ...اقرؤوا هذه الفقره الواردة بالحلقة المذكورة بالاسفل باللون الاحمر وايضا الفقرة ضمن المقال في سياقه الطبيعي وباللون الاحمر ....
بلغ جلالة الامبراطور في بطرسبورغ أنني صديق للروس وأعتبرهم اخوانا لي». وجدير بالذكر أن الشيخ سارع في اليوم التالي لوصول بوجويافلينسكي بارسال معلومات موجزة عن الزائر الروسي وصورة من خطاب توصية أوسنيكو عليه للوكيل السياسي البريطاني.
الحلقة 23 كاملة
(الحلقة الثالثة والعشرون) سكان الخليج على سطح أقوى طراد في العالم
http://www.alraialaam.com/Applications/NewsPaper/Images/Img1__45.jpg
الشيخ مبارك مع ضباط السفينة الروسية «فارياج» عام 1901
بقلم أميرة الكلمة الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح
مبارك الكبير... أسد جزيرة العرب قصة باني الكويت الحديثة
لا يحفظ تاريخ الأوطان إلا رجالها العظماء، ولا يضيء مشعل الأجيال القادمة إلا أولئك الأحرار، ولا يخلد الذكرى الا قلم رشيق البيان تتراص حروفه من لجين عذب سكبته مشاعل الأنامل رحيقاً لمن فتش عن أريج الماضي وعبق الحاضر وروح المستقبل.
«مبارك الصباح... مؤسس دولة الكويت الحديثة»، كان كتاب صاحبة القلم الرقيق والمرهف الشيخة الشاعرة الدكتورة سعاد محمد الصباح عن هذا الحاكم الكبير الذي أوصل سفينة البلاد الى الأمان وسط اعادة تشكيل خارطة قلب العالم، والفارس الذي استل سيفه أسداً في جزيرة الرمال المتحركة، رفع علم البلاد وتحدى اعصار التغيير على الجبهات كلها في ما كانت امبراطورية «الرجل المريض» تشارف على الزوال.
أميرة الكلمة رصدت حياة الراحل وانجازاته والنهضة التي شهدتها الكويت في عهده، وقضت أعواماً في تأليف كتابها الممنهج عن هذا الرجل الاستثنائي الذي تنشر «الراي» سيرته المليئة بالأحداث التي غيّرت مجرى تاريخ الكويت.
(الحلقة الثالثة والعشرون) سكان الخليج على سطح أقوى طراد في العالم
كان كروجلوف متحمساً لدور روسي أكبر في الكويت. وكتب الى رؤسائه تقريراً في يونيو ١٩٠١ ورد فيه «نحن أمام أمر واقع وحقيقة تاريخية جديدة تطرح أمام سياستنا طلباً يستوجب تقييمه الفوري والرد عليه، يطالبنا بذلك الشيخ مبارك، الأمير الحر الثري، المالك العربي لجون القرين، المفتاح الى صحراء الجزيرة العربية، والى وادي دجلة والفرات، الأمير الذي دافع حتى الآن بكل هذا النجاح عن بلاده وحريته من تطاول أعدائه: سواء الانكليز أو الأتراك الذين قدروا من زمن طويل أهمية الكويت». وحض كروجلوف حكومته على التخلي عن دور المراقب لما يحدث في الخليج والكويت، وضرورة اتباع ديبلوماسية نشطة لمواجهة الخطط الانكليزية والألمانية والتركية للسيطرة على الكويت.
دار حوار واسع داخل وزارة الخارجية الروسية بشأن طلب الشيخ، ومدى جديته، والعواقب المترتبة على قبوله. ووصل مسؤولو الوزارة الى نتيجة مؤداها أنه لا يفضل التدخل في موضوع الكويت بأي شكل من الأشكال، وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف الوضع هناك. ويمكن تفسير هذا الموقف بعدم رغبة روسيا في الدخول في مواجهة صريحة مع بريطانيا في الخليج، علاوة على شكوك الروس بشأن جدية طلب الشيخ، وذلك على ضوء معرفتهم بالاتفاقية المبرمة مع بريطانيا. مع ذلك، لم تشأ
روسيا أن تقطع كل صلة لها بالشيخ، فكلفت أداموف القنصل الروسي في البصرة بأن يبلغ الشيخ رسمياً أننا «سوف نستخدم نفوذنا في الآستانة من أجل أن نكون مستعدين دائماً للدفاع عن مصالحه المشروعة وعن مطالبه من الحكومة التركية، وسوف نمنع الأخيرة من التطاول على الاستقلال الذي تتمتع به الكويت». وانتهزت الديبلوماسية الروسية هذه الفرصة لتوجه النصيحة للشيخ بعدم افساد علاقاته مع تركيا، وحذرته من السياسة الانكليزية التي تسعى لفرض الهيمنة على ساحل الخليج بأسره.
وفي سبتمبر عام ١٩٠١، وصل الطراد «فارياج» وذلك ضمن جولة في عدد من موانئ الخليج. وكان فارياج، الذي بُني في العام نفسه، يعتبر من أحدث السفن ومن أقو الطرادات في العالم. فقد بلغت حمولته ٦٥٠٠ طن، وكان مسلحاً بـ ٣٤ مدفعاً سريع الطلقات وستة أجهزة لاطلاق الطوربيد، وبلغ عدد أفراد طاقمه ٥٧٠ شخصاً ما جعله رمزاً للتقدم التكنولوجي والقوة البحرية الروسية. وأشار اوسنيكو، الذي رافق الطراد في جولته، الى أن ظهوره أبهر أهالي الخليج بسبب حجمه الضخم، وقوة اضاءة مصابيحه، وروعة أداء الفرقة الموسيقية المرافقة له، والتي لم يظهر مثيل لها في المنطقة من قبل. وكان أكثر ما أعجب به سكان الخليج هو سماح السلطات الروسية لهم بالصعود الى سطح الطراد، وتفقده من الداخل، وحسن استقبال البحارة الروس لهم.
وحسب الوثائق الروسية، فقد كان الهدف من ارسال هذا الطراد «أن نبين للسلطات الأجنبية والمحلية، بظهور العلم الروسي في هذه المياه، أننا نعتبر هذه المياه سهلة المنال تماما على ملاحة جميع الأمم خلافاً لمطامع الحكومة البريطانية في تحويل الخليج العربي الى بحر مغلق داخل في دائرة مصالحها فقط». وتضمن أمر رئيس الأركان البحرية لقائد الطراد ضرورة التحلي بالحذر والحصافة، وأوصاه بضرورة كسب صداقة السكان المحليين، وأن يشرح لهم أن روسيا ليس لها أهداف عدوانية أو أنها تسعى للاستيلاء على الأرض.
وصل الطراد الكويت في الثامن من ديسمبر ١٩٠١. وحسب تقرير قائد الطراد، فقد صعد اليه الشيخ جابر للترحيب بطاقمه، ومعه هدية من عشرة خراف، وأخبرهم بأن الشيخ مبارك خارج الكويت مع قواته لمواجهة هجوم عبدالعزيز بن رشيد الذي كان قد قدم بقواته الى الجهراء، ورابط على حدود الكويت بتحريض من الدولة العثمانية.
وفي اليوم التالي، سافر أوسنيكو ومرافقوه على ظهور الجياد للقاء الشيخ مبارك في الجهراء «حيث استقبلهم الشيخ بنفسه بحفاوة وترحاب بالغين، وأراهم قواته في المعسكر، وأقام بمناسبة مجيء الضيوف رقصات وألعاب فروسية عسكرية. علاوة على ذلك، طلب منا أن ننقل على لسانه أنه سيكون مبسوطاً جداً اذا صارت السفن الروسية تزور ممتلكاته بتكرار متزايد قدر الامكان. وأنه يفضل، اذا حلت أوقات عصيبة بالكويت، طلب المساعدة من الروس وليس من أي بلد أخر». وعندما سألوه عن موضوع مد خط سكة حديد الى الكويت، قال الشيخ إنه لم تجر أي أعمال تنفيذية بشأن هذا المشروع، وأنه ضد ذلك.
ولاحظ كاتب التقرير وجود خنادق محفورة يحتمي بها الجنود، وأنها شبيهة بالخنادق التي تحفرها قوات المشاة الروسية. ولعل هذه الملاحظة تشير الى اعجاب الضباط الروس بالفن العسكري المستخدم، الذي يشابه ما تقوم به الجيوش الأوربية خصوصا أنه «لم يكن هناك مستشارون أوربيون على ما يبدو». كما لاحظ التقرير عدم وجود مظاهر واضحة للنفوذ الانكليزي فيما عدا قيام أحد أهالي الكويت، وهو ايراني، بانشاء فرن للخبز بمساعدة الانكليز، وذلك للبيع لركاب السفن البريطانية التي تزور الكويت، ووجود وكيل تجاري لشركة الملاحة الهندية البريطانية عينته الشركة في يوليو ١٩٠١، وذلك للاشراف على استقبال سفنها التي كانت تقوم برحلات منتظمة الى الكويت مرة كل أسبوعين وحسب التقرير، فان القنصل عرف أن وكيل هذه الشركة نصب سارية في فناء منزله لمقابلة العاملين مع السفن التابعة لها، ولكن تلك السارية مزقت بفعل مجهول، وألقى الشيخ باللوم على البدو الرحل. وعلق القنصل الروسي على ذلك، بأن الأرجح أن تمزيق السارية جاء بأمر من الشيخ نفسه الذي لم يرغب في أن تتم مثل هذه اللقاءات بعيداً عنه. والدليل على ذلك، أنه أمر باعادة نصب السارية في فناء قصره حتى تجرى أي محادثات تحت اشرافه.
وفي تقرير أوسنيكو عن حديثه مع حاكم الكويت، أشار الى أن مبارك «طلب منا بأسلوب وكلمات مؤثرة للغاية أن ننقل للحكومة الروسية امتنانه العميق على منحه هذا الشرف العظيم المتمثل في ارسال السفينة العسكرية الى الكويت، ورغبته في أن يرى الروس في الكويت في زيارات أكثر بقدر الامكان... وعند الوداع ذكرني الشيخ مبارك مرة أخرى برغبته التي أعرب عنها أكثر من مرة في أحاديثه معي، في أن يرى السفن التجارية محملة بالبضائع والسلع الروسية في الكويت». وأشار أوسنيكو الى حسن استقبال الشيخ وأسرته للبحارة الروس، وحسن مشاعر الأهالي تجاههم. وكان تقديره أن مشاعر الشيخ صادقة، وأنه يتطلع فعلا الى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع روسيا.
أما الوثائق البريطانية فانها تقدم صورة مخالفة لذلك. كان البريطانيون حريصين على معرفة ماذا يدور بين الشيخ وزائريه من الأجانب، وكان الشيخ حريصاً هو الآخر على عدم الكشف عن أوراقه وأفكاره. فبمجرد مغادرة فارياج التقى القبطان سيمونز قائد البحرية البريطانية في الخليج بمبارك لمعرفة ما حدث خلال زيارة السفينة الروسية. ولم يكن ذلك كافياً، فقد زار المقيم السياسي في الخليج كمبال الكويت في ٣١ ديسمبر ١٩٠١ للتعرف على مزيد من التفاصيل.
وأخبره مبارك بأن القنصل الروسي عرض عليه استعداد حكومته عقد اتفاق أكثر ملاءمة من الاتفاق المعقود بينه وبين الحكومة البريطانية، وأنه رفض العرض بسبب موقف روسيا المؤيد للحكومة البلجيكية في فارس ومساعدتها لها لبسط سيطرتها على الجمارك الفارسية، وبالذات في المحمرة. ولما ذكر أوسنيكو أن ما تفعله الحكومة البلجيكية في المحمرة لا يختلف عما تقوم به في سائر المدن الفارسية، أجابه الشيخ مبارك بأن الشيخ خزعل حاكم المحمرة ليس كأي حاكم (وهو ما سبق تفصيله في الفصل الرابع). وأن أوسنيكو قد أخبره خلال زيارته بأن الحكومة الروسية تعتبره حاكما مستقلا، وأنه اذا احتاج لمساعدة، فان عليه أن يكتب اليه في بوشهر. وأنه رد عليهم بتفضيله استمرار الحماية البريطانية. وأضاف أن أوسنيكو اقترح عليه ارسال خطاب شكر الى القيصر، وأنه لم يوافق على الفكرة.
لابد من التوقف هنا أمام هذا الاختلاف البيّن بين ما ورد في الوثائق الروسية والبريطانية من معلومات. ذلك أن جميع التقارير التي كتبها المشاركون الروس في اللقاء مع الشيخ، من عسكريين وديبلوماسيين، لم تتضمن على الاطلاق الوقائع التي أشارت اليها الوثائق البريطانية والتي كان مصدرها الشيخ أيضا، ويمكن تفسير ذلك الاختلاف برغبة الشيخ في استغلال الخلافات القائمة بين بريطانيا وروسيا والدولة العثمانية لصالح بلاده واستقلال حكمه.
وفي النصف الأول من عام ١٩٠٢، قام العالم الروسي بوجويافلينسكي المتخصص في علم الحيوان وعضو جمعية موسكو لخبراء الطبيعة بزيارة لمنطقة الخليج شملت المحمرة والكويت والبحرين ومسقط. وكان أوسنيكو قد أرسل خطاباً الى مبارك في ٢٣ مارس يبلغه فيه بزيارة هذا العالم الروسي، وأنه يجري دراسة للحيوانات البحرية في الخليج، وطلب من الشيخ مساعدة الزائر على القيام بعمله البحثي، واستئجار بيت له خلال فترة اقامته بالكويت، والتي يتوقع أن تكون لمدة ٤- ٥ أيام.
وصل بوجويافلينسكي الى الكويت في ١٨ أبريل ١٩٠٢ للقيام ببحوثه. وكالعادة، استقبله الشيخ جابر «بأعلى درجات الحفاوة»، وأسكنه في قصر الضيافة، وأبلغ والده الذي كان في الصحراء عن قدومه. وحرص الشيخ مبارك على الالتقاء به، كما حرص على الحضور مرة أخرى بعد أربعة أيام لتوديعه.
وحسب التقرير الذي رفعه بوجويافلينسكي الى أوسنيكو في ١٤ يونيو، فان الشيخ مبارك ذكر له «انني أعتبر الروس اخواناً لي وأغتبط كثيراً عندما يزورونني، وأنا على استعداد دائم لأن أقدم لهم كل ما أستطيع. بلغوا القنصل العام الروسي في بوشهر السيد أوسنيكو الذي أعتبره أخا لي سلامي ورغبتي في التراسل معه».
وفي اللقاء الثاني مع الشيخ مبارك، شكر الباحث الروسي الشيخ على اهتمامه به، وسأله كيف يمكن أن يقوم برد الجميل على حسن ضيافته، فأجابه الشيخ «شيء واحد فقط افعله لي ان استطعت: بلغ جلالة الامبراطور في بطرسبورغ أنني صديق للروس وأعتبرهم اخوانا لي». وجدير بالذكر أن الشيخ سارع في اليوم التالي لوصول بوجويافلينسكي بارسال معلومات موجزة عن الزائر الروسي وصورة من خطاب توصية أوسنيكو عليه للوكيل السياسي البريطاني.
وعلى الرغم من عدم نجاح الروس في كسب تأييد الشيخ لمشروع سكة حديد بغداد، الا أن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في الاتصال به. فزار القناصل الروس في بوشهر والبصرة وبغداد الكويت وقابلوا شيخها بشكل دوري، ما دعا السلطات البريطانية الى متابعة هذه التحركات للتعرف على أهدافها ومضمونها.
فتابعت السفن البريطانية تحركات البحرية الروسية في مياه الخليج أولاً بأول، وأشارت تقارير قباطنة السفن الروسية التي زارت الكويت الى أنه عند وصولها وجدت سفينة بريطانية راسية في الميناء، أو أن البحرية البريطانية كانت على علم بتحركاتهم. كما تابع البريطانيون زيارة الباحث بوجويافلينسكي ونشاطه. وفي أحد التقارير التي رفعت للورد كيرزون حاكم الهند، ورد فيه أن بوجويافلينسكي شوهد وهو يقوم بالتصوير الفوتوغرافي في الكويت.
واستمرت زيارات السفن الحربية الروسية للكويت، فوصل الطراد البحري «اسكولد» في ٢٨ نوفمبر ١٩٠٢ يستقله أداموف القنصل الروسي في البصرة. واستقبله مندوب عن الشيخ لتقديم التحية، وأخبرهم أن الشيخ كان قد أزمع على السفر الى الجهراء، ولكنه عدل عن ذلك بعد علمه بوصول الطراد. ثم وصل الشيخ جابر ونجله أحمد للترحيب ببحارة الطراد، وقاموا بالاطلاع على أسلحة الطراد ومدافعه.
وبمناسبة الزيارة، أرسل الشيخ مبارك هدية تتكون من ثلاثة عجول وعشرة خراف، وقدم الروس من جانبهم للشيخ ونجله مسدساً وبندقية صيد.
ومن الغريب ما ورد في تقرير راتسلاو القنصل البريطاني في البصرة - نقلا عن مصادره السرية في الكويت - حول أن مبارك رفض دعوة قبطان اسكولد للصعود عليها وتفقدها. فقد كان ذلك غير صحيح، اذ تشير الوثائق الروسية الى أن الضباط الروس لم يقوموا أصلا بدعوة مبارك لزيارة السفينة لمعرفتهم أنه يتحاشى ذلك.
استقبل الشيخ مبارك طاقم الطراد الذين سجلوا في تقريرهم الحفاوة والترحاب التي أحاطهم الشيخ بها، والذي عبر عن سروره برؤية الطراد الروسي في ميناء الكويت، «وأنه سيقدم في المستقبل أيضاً أوسع أسباب الضيافة لجميع سفننا الحربية والتجارية على السواء». وأعرب عن أسفه لعدم تردد السفن التجارية الروسية بشكل منتظم على الكويت أسوة بما تقوم به مع عدد من موانئ الخليج الأخرى. ولاحظ التقرير أن الشيخ يعلم جيداً «أي قيمة تتحلى بها مدينة الكويت بوصفها أفضل وأقرب ميناء بالنسبة لخط سكك حديد بغداد الجاري تصميمه، ولن يتوانى عن استغلال هذا الوضع لدى الحل النهائي للمسألة».
ويضيف أداموف أن مبارك ا أظهر اهتماما كبيراً بموضوع مد خط سكة حديد بغداد، وسأل عن آخر الأخبار المنشورة عن هذا الموضوع في الصحف الأوروبية.
فأجابه أداموف بأن الصحف نشرت أخباراً بشأن اعتزام الحكومة البريطانية التنازل لألمانيا عن ميناء كاظمة حتى يمكن استخدامه كمحطة نهائية للخط الحديدي. ووفقاً للتقرير، استشاط مبارك غضباً، وقال انه هو وحده الذي يتخذ القرار في شؤون الكويت، وأكد اهتمامه بتطوير العلاقات مع روسيا من كافة النواحي.
وعبر البريطانيون عن دهشتهم من أن الشيخ مبارك لم يُشر على الاطلاق لهذه الزيارة عندما التقى، أيام عدة، مع قائد المدمرة الانكليزية «أسايي» التي وصلت الى الكويت لمعرفة أخبار زيارة الطراد الروسي ولقاء طاقمه مع الشيخ.
كان هذا الصمت مقصوداً لاثارة الغموض حول ما دار بين مبارك وضيوفه الروس. واستخدم الشيخ هذه المناسبة كورقة تأثير على البريطانيين، فأرسل الى مساعد المقيم السياسي في يناير 1903 رسالة يشكو فيها من تباطؤ السلطات البريطانية في تقديم الدعم العسكري اللازم للكويت في مواجهتها مع ابن الرشيد والعثمانيين.
وعلى الرغم من أن مناقشات الشيخ مع الروس خلال زيارة الطراد لم تتضمن بحث أي موضوعات سياسية محددة، فقد سرب مبارك وأعوانه شائعة بأن المفاوضات ناقشت اقتراحات مهمة. وبلغ الأمر مسامع الانكليز الذين سعوا للتأكد من صحة هذه المعلومات، وذلك من خلال عملائهم في الكويت، وباءت تلك الجهود بالفشل ولم يصل البريطانيون وعملاؤهم الى أي شيء، وذلك بسبب التزام الشيخ وابنه جابر الصمت. لذلك، سارع كمبال بالسفر الى الكويت في ١٨ يناير ١٩٠٣ للتحقق من الأمر بنفسه.
وفي ٥ مارس ١٩٠٣، زار الطراد الروسي «بويارين» الكويت (تصحبه السفينة الفرنسية انفرييه)، وهو الأمر الذي عكس التنسيق الروسي - الفرنسي في المنطقة خلال هذه الفترة.
وصعد الى الطراد الشيخ صباح بن مبارك يرافقه الشيخ أحمد بن جابر للترحيب بهم باسم الشيخ، وللاتفاق على موعد زيارة القنصل والضباط له. واستقبلهم مبارك في قصره بالمدينة، وعندما أثير موضوع خط سكة حديد بغداد، أوضح الشيخ بجلاء معارضته لوصول الخط الى الكويت.
وعندما سألوه عن موقفه ازاء الخطة البريطانية لشق طريق من بورسعيد الى الكويت «أجاب بطريقة ديبلوماسية أنه لو جرى بناء هذا الطريق من جانب بريطانيا وروسيا وفرنسا لما كان، على الأرجح، عارض ذلك». ولاحظ أحد أعضاء الوفد الذي كان قد التقى بالشيخ من قبل بأنه لم يتغير كثيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة «فهو يثير في النفوس الانطباع عن شخص يعرف قيمة نفسه ومكانته معرفة جيدة».
وبالطبع، لم يرتح البريطانيون لهذه الاتصالات. وزاد من قلقهم اقدام الروس على الاتصال بكل من الأمير عبدالعزيز الرشيد، والأمير عبدالعزيز بن سعود بعد سيطرته على الرياض. وكان ذلك جزءاً من «لعبة الأمم» التي عاشتها الكويت - ومنطقة الخليج كلها - في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي شهدت مختلف أشكال التحالفات والصراعات والمنافسات بين الدول الأوروبية الكبرى الساعية لتوطيد نفوذها، وبين الدولة العثمانية التي كان لها الولاية الاسمية على هذه المناطق. وسعى الشيخ مبارك الى ادارة علاقات بلاده مع كل هذه الأطراف بما يحمي استقلال الكويت ويصون حدودها.
http://www.alraialaam.com/Templates/frNewsPaperSupplementArticleDetail.aspx?npsaId=45
بلغ جلالة الامبراطور في بطرسبورغ أنني صديق للروس وأعتبرهم اخوانا لي». وجدير بالذكر أن الشيخ سارع في اليوم التالي لوصول بوجويافلينسكي بارسال معلومات موجزة عن الزائر الروسي وصورة من خطاب توصية أوسنيكو عليه للوكيل السياسي البريطاني.
الحلقة 23 كاملة
(الحلقة الثالثة والعشرون) سكان الخليج على سطح أقوى طراد في العالم
http://www.alraialaam.com/Applications/NewsPaper/Images/Img1__45.jpg
الشيخ مبارك مع ضباط السفينة الروسية «فارياج» عام 1901
بقلم أميرة الكلمة الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح
مبارك الكبير... أسد جزيرة العرب قصة باني الكويت الحديثة
لا يحفظ تاريخ الأوطان إلا رجالها العظماء، ولا يضيء مشعل الأجيال القادمة إلا أولئك الأحرار، ولا يخلد الذكرى الا قلم رشيق البيان تتراص حروفه من لجين عذب سكبته مشاعل الأنامل رحيقاً لمن فتش عن أريج الماضي وعبق الحاضر وروح المستقبل.
«مبارك الصباح... مؤسس دولة الكويت الحديثة»، كان كتاب صاحبة القلم الرقيق والمرهف الشيخة الشاعرة الدكتورة سعاد محمد الصباح عن هذا الحاكم الكبير الذي أوصل سفينة البلاد الى الأمان وسط اعادة تشكيل خارطة قلب العالم، والفارس الذي استل سيفه أسداً في جزيرة الرمال المتحركة، رفع علم البلاد وتحدى اعصار التغيير على الجبهات كلها في ما كانت امبراطورية «الرجل المريض» تشارف على الزوال.
أميرة الكلمة رصدت حياة الراحل وانجازاته والنهضة التي شهدتها الكويت في عهده، وقضت أعواماً في تأليف كتابها الممنهج عن هذا الرجل الاستثنائي الذي تنشر «الراي» سيرته المليئة بالأحداث التي غيّرت مجرى تاريخ الكويت.
(الحلقة الثالثة والعشرون) سكان الخليج على سطح أقوى طراد في العالم
كان كروجلوف متحمساً لدور روسي أكبر في الكويت. وكتب الى رؤسائه تقريراً في يونيو ١٩٠١ ورد فيه «نحن أمام أمر واقع وحقيقة تاريخية جديدة تطرح أمام سياستنا طلباً يستوجب تقييمه الفوري والرد عليه، يطالبنا بذلك الشيخ مبارك، الأمير الحر الثري، المالك العربي لجون القرين، المفتاح الى صحراء الجزيرة العربية، والى وادي دجلة والفرات، الأمير الذي دافع حتى الآن بكل هذا النجاح عن بلاده وحريته من تطاول أعدائه: سواء الانكليز أو الأتراك الذين قدروا من زمن طويل أهمية الكويت». وحض كروجلوف حكومته على التخلي عن دور المراقب لما يحدث في الخليج والكويت، وضرورة اتباع ديبلوماسية نشطة لمواجهة الخطط الانكليزية والألمانية والتركية للسيطرة على الكويت.
دار حوار واسع داخل وزارة الخارجية الروسية بشأن طلب الشيخ، ومدى جديته، والعواقب المترتبة على قبوله. ووصل مسؤولو الوزارة الى نتيجة مؤداها أنه لا يفضل التدخل في موضوع الكويت بأي شكل من الأشكال، وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف الوضع هناك. ويمكن تفسير هذا الموقف بعدم رغبة روسيا في الدخول في مواجهة صريحة مع بريطانيا في الخليج، علاوة على شكوك الروس بشأن جدية طلب الشيخ، وذلك على ضوء معرفتهم بالاتفاقية المبرمة مع بريطانيا. مع ذلك، لم تشأ
روسيا أن تقطع كل صلة لها بالشيخ، فكلفت أداموف القنصل الروسي في البصرة بأن يبلغ الشيخ رسمياً أننا «سوف نستخدم نفوذنا في الآستانة من أجل أن نكون مستعدين دائماً للدفاع عن مصالحه المشروعة وعن مطالبه من الحكومة التركية، وسوف نمنع الأخيرة من التطاول على الاستقلال الذي تتمتع به الكويت». وانتهزت الديبلوماسية الروسية هذه الفرصة لتوجه النصيحة للشيخ بعدم افساد علاقاته مع تركيا، وحذرته من السياسة الانكليزية التي تسعى لفرض الهيمنة على ساحل الخليج بأسره.
وفي سبتمبر عام ١٩٠١، وصل الطراد «فارياج» وذلك ضمن جولة في عدد من موانئ الخليج. وكان فارياج، الذي بُني في العام نفسه، يعتبر من أحدث السفن ومن أقو الطرادات في العالم. فقد بلغت حمولته ٦٥٠٠ طن، وكان مسلحاً بـ ٣٤ مدفعاً سريع الطلقات وستة أجهزة لاطلاق الطوربيد، وبلغ عدد أفراد طاقمه ٥٧٠ شخصاً ما جعله رمزاً للتقدم التكنولوجي والقوة البحرية الروسية. وأشار اوسنيكو، الذي رافق الطراد في جولته، الى أن ظهوره أبهر أهالي الخليج بسبب حجمه الضخم، وقوة اضاءة مصابيحه، وروعة أداء الفرقة الموسيقية المرافقة له، والتي لم يظهر مثيل لها في المنطقة من قبل. وكان أكثر ما أعجب به سكان الخليج هو سماح السلطات الروسية لهم بالصعود الى سطح الطراد، وتفقده من الداخل، وحسن استقبال البحارة الروس لهم.
وحسب الوثائق الروسية، فقد كان الهدف من ارسال هذا الطراد «أن نبين للسلطات الأجنبية والمحلية، بظهور العلم الروسي في هذه المياه، أننا نعتبر هذه المياه سهلة المنال تماما على ملاحة جميع الأمم خلافاً لمطامع الحكومة البريطانية في تحويل الخليج العربي الى بحر مغلق داخل في دائرة مصالحها فقط». وتضمن أمر رئيس الأركان البحرية لقائد الطراد ضرورة التحلي بالحذر والحصافة، وأوصاه بضرورة كسب صداقة السكان المحليين، وأن يشرح لهم أن روسيا ليس لها أهداف عدوانية أو أنها تسعى للاستيلاء على الأرض.
وصل الطراد الكويت في الثامن من ديسمبر ١٩٠١. وحسب تقرير قائد الطراد، فقد صعد اليه الشيخ جابر للترحيب بطاقمه، ومعه هدية من عشرة خراف، وأخبرهم بأن الشيخ مبارك خارج الكويت مع قواته لمواجهة هجوم عبدالعزيز بن رشيد الذي كان قد قدم بقواته الى الجهراء، ورابط على حدود الكويت بتحريض من الدولة العثمانية.
وفي اليوم التالي، سافر أوسنيكو ومرافقوه على ظهور الجياد للقاء الشيخ مبارك في الجهراء «حيث استقبلهم الشيخ بنفسه بحفاوة وترحاب بالغين، وأراهم قواته في المعسكر، وأقام بمناسبة مجيء الضيوف رقصات وألعاب فروسية عسكرية. علاوة على ذلك، طلب منا أن ننقل على لسانه أنه سيكون مبسوطاً جداً اذا صارت السفن الروسية تزور ممتلكاته بتكرار متزايد قدر الامكان. وأنه يفضل، اذا حلت أوقات عصيبة بالكويت، طلب المساعدة من الروس وليس من أي بلد أخر». وعندما سألوه عن موضوع مد خط سكة حديد الى الكويت، قال الشيخ إنه لم تجر أي أعمال تنفيذية بشأن هذا المشروع، وأنه ضد ذلك.
ولاحظ كاتب التقرير وجود خنادق محفورة يحتمي بها الجنود، وأنها شبيهة بالخنادق التي تحفرها قوات المشاة الروسية. ولعل هذه الملاحظة تشير الى اعجاب الضباط الروس بالفن العسكري المستخدم، الذي يشابه ما تقوم به الجيوش الأوربية خصوصا أنه «لم يكن هناك مستشارون أوربيون على ما يبدو». كما لاحظ التقرير عدم وجود مظاهر واضحة للنفوذ الانكليزي فيما عدا قيام أحد أهالي الكويت، وهو ايراني، بانشاء فرن للخبز بمساعدة الانكليز، وذلك للبيع لركاب السفن البريطانية التي تزور الكويت، ووجود وكيل تجاري لشركة الملاحة الهندية البريطانية عينته الشركة في يوليو ١٩٠١، وذلك للاشراف على استقبال سفنها التي كانت تقوم برحلات منتظمة الى الكويت مرة كل أسبوعين وحسب التقرير، فان القنصل عرف أن وكيل هذه الشركة نصب سارية في فناء منزله لمقابلة العاملين مع السفن التابعة لها، ولكن تلك السارية مزقت بفعل مجهول، وألقى الشيخ باللوم على البدو الرحل. وعلق القنصل الروسي على ذلك، بأن الأرجح أن تمزيق السارية جاء بأمر من الشيخ نفسه الذي لم يرغب في أن تتم مثل هذه اللقاءات بعيداً عنه. والدليل على ذلك، أنه أمر باعادة نصب السارية في فناء قصره حتى تجرى أي محادثات تحت اشرافه.
وفي تقرير أوسنيكو عن حديثه مع حاكم الكويت، أشار الى أن مبارك «طلب منا بأسلوب وكلمات مؤثرة للغاية أن ننقل للحكومة الروسية امتنانه العميق على منحه هذا الشرف العظيم المتمثل في ارسال السفينة العسكرية الى الكويت، ورغبته في أن يرى الروس في الكويت في زيارات أكثر بقدر الامكان... وعند الوداع ذكرني الشيخ مبارك مرة أخرى برغبته التي أعرب عنها أكثر من مرة في أحاديثه معي، في أن يرى السفن التجارية محملة بالبضائع والسلع الروسية في الكويت». وأشار أوسنيكو الى حسن استقبال الشيخ وأسرته للبحارة الروس، وحسن مشاعر الأهالي تجاههم. وكان تقديره أن مشاعر الشيخ صادقة، وأنه يتطلع فعلا الى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع روسيا.
أما الوثائق البريطانية فانها تقدم صورة مخالفة لذلك. كان البريطانيون حريصين على معرفة ماذا يدور بين الشيخ وزائريه من الأجانب، وكان الشيخ حريصاً هو الآخر على عدم الكشف عن أوراقه وأفكاره. فبمجرد مغادرة فارياج التقى القبطان سيمونز قائد البحرية البريطانية في الخليج بمبارك لمعرفة ما حدث خلال زيارة السفينة الروسية. ولم يكن ذلك كافياً، فقد زار المقيم السياسي في الخليج كمبال الكويت في ٣١ ديسمبر ١٩٠١ للتعرف على مزيد من التفاصيل.
وأخبره مبارك بأن القنصل الروسي عرض عليه استعداد حكومته عقد اتفاق أكثر ملاءمة من الاتفاق المعقود بينه وبين الحكومة البريطانية، وأنه رفض العرض بسبب موقف روسيا المؤيد للحكومة البلجيكية في فارس ومساعدتها لها لبسط سيطرتها على الجمارك الفارسية، وبالذات في المحمرة. ولما ذكر أوسنيكو أن ما تفعله الحكومة البلجيكية في المحمرة لا يختلف عما تقوم به في سائر المدن الفارسية، أجابه الشيخ مبارك بأن الشيخ خزعل حاكم المحمرة ليس كأي حاكم (وهو ما سبق تفصيله في الفصل الرابع). وأن أوسنيكو قد أخبره خلال زيارته بأن الحكومة الروسية تعتبره حاكما مستقلا، وأنه اذا احتاج لمساعدة، فان عليه أن يكتب اليه في بوشهر. وأنه رد عليهم بتفضيله استمرار الحماية البريطانية. وأضاف أن أوسنيكو اقترح عليه ارسال خطاب شكر الى القيصر، وأنه لم يوافق على الفكرة.
لابد من التوقف هنا أمام هذا الاختلاف البيّن بين ما ورد في الوثائق الروسية والبريطانية من معلومات. ذلك أن جميع التقارير التي كتبها المشاركون الروس في اللقاء مع الشيخ، من عسكريين وديبلوماسيين، لم تتضمن على الاطلاق الوقائع التي أشارت اليها الوثائق البريطانية والتي كان مصدرها الشيخ أيضا، ويمكن تفسير ذلك الاختلاف برغبة الشيخ في استغلال الخلافات القائمة بين بريطانيا وروسيا والدولة العثمانية لصالح بلاده واستقلال حكمه.
وفي النصف الأول من عام ١٩٠٢، قام العالم الروسي بوجويافلينسكي المتخصص في علم الحيوان وعضو جمعية موسكو لخبراء الطبيعة بزيارة لمنطقة الخليج شملت المحمرة والكويت والبحرين ومسقط. وكان أوسنيكو قد أرسل خطاباً الى مبارك في ٢٣ مارس يبلغه فيه بزيارة هذا العالم الروسي، وأنه يجري دراسة للحيوانات البحرية في الخليج، وطلب من الشيخ مساعدة الزائر على القيام بعمله البحثي، واستئجار بيت له خلال فترة اقامته بالكويت، والتي يتوقع أن تكون لمدة ٤- ٥ أيام.
وصل بوجويافلينسكي الى الكويت في ١٨ أبريل ١٩٠٢ للقيام ببحوثه. وكالعادة، استقبله الشيخ جابر «بأعلى درجات الحفاوة»، وأسكنه في قصر الضيافة، وأبلغ والده الذي كان في الصحراء عن قدومه. وحرص الشيخ مبارك على الالتقاء به، كما حرص على الحضور مرة أخرى بعد أربعة أيام لتوديعه.
وحسب التقرير الذي رفعه بوجويافلينسكي الى أوسنيكو في ١٤ يونيو، فان الشيخ مبارك ذكر له «انني أعتبر الروس اخواناً لي وأغتبط كثيراً عندما يزورونني، وأنا على استعداد دائم لأن أقدم لهم كل ما أستطيع. بلغوا القنصل العام الروسي في بوشهر السيد أوسنيكو الذي أعتبره أخا لي سلامي ورغبتي في التراسل معه».
وفي اللقاء الثاني مع الشيخ مبارك، شكر الباحث الروسي الشيخ على اهتمامه به، وسأله كيف يمكن أن يقوم برد الجميل على حسن ضيافته، فأجابه الشيخ «شيء واحد فقط افعله لي ان استطعت: بلغ جلالة الامبراطور في بطرسبورغ أنني صديق للروس وأعتبرهم اخوانا لي». وجدير بالذكر أن الشيخ سارع في اليوم التالي لوصول بوجويافلينسكي بارسال معلومات موجزة عن الزائر الروسي وصورة من خطاب توصية أوسنيكو عليه للوكيل السياسي البريطاني.
وعلى الرغم من عدم نجاح الروس في كسب تأييد الشيخ لمشروع سكة حديد بغداد، الا أن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في الاتصال به. فزار القناصل الروس في بوشهر والبصرة وبغداد الكويت وقابلوا شيخها بشكل دوري، ما دعا السلطات البريطانية الى متابعة هذه التحركات للتعرف على أهدافها ومضمونها.
فتابعت السفن البريطانية تحركات البحرية الروسية في مياه الخليج أولاً بأول، وأشارت تقارير قباطنة السفن الروسية التي زارت الكويت الى أنه عند وصولها وجدت سفينة بريطانية راسية في الميناء، أو أن البحرية البريطانية كانت على علم بتحركاتهم. كما تابع البريطانيون زيارة الباحث بوجويافلينسكي ونشاطه. وفي أحد التقارير التي رفعت للورد كيرزون حاكم الهند، ورد فيه أن بوجويافلينسكي شوهد وهو يقوم بالتصوير الفوتوغرافي في الكويت.
واستمرت زيارات السفن الحربية الروسية للكويت، فوصل الطراد البحري «اسكولد» في ٢٨ نوفمبر ١٩٠٢ يستقله أداموف القنصل الروسي في البصرة. واستقبله مندوب عن الشيخ لتقديم التحية، وأخبرهم أن الشيخ كان قد أزمع على السفر الى الجهراء، ولكنه عدل عن ذلك بعد علمه بوصول الطراد. ثم وصل الشيخ جابر ونجله أحمد للترحيب ببحارة الطراد، وقاموا بالاطلاع على أسلحة الطراد ومدافعه.
وبمناسبة الزيارة، أرسل الشيخ مبارك هدية تتكون من ثلاثة عجول وعشرة خراف، وقدم الروس من جانبهم للشيخ ونجله مسدساً وبندقية صيد.
ومن الغريب ما ورد في تقرير راتسلاو القنصل البريطاني في البصرة - نقلا عن مصادره السرية في الكويت - حول أن مبارك رفض دعوة قبطان اسكولد للصعود عليها وتفقدها. فقد كان ذلك غير صحيح، اذ تشير الوثائق الروسية الى أن الضباط الروس لم يقوموا أصلا بدعوة مبارك لزيارة السفينة لمعرفتهم أنه يتحاشى ذلك.
استقبل الشيخ مبارك طاقم الطراد الذين سجلوا في تقريرهم الحفاوة والترحاب التي أحاطهم الشيخ بها، والذي عبر عن سروره برؤية الطراد الروسي في ميناء الكويت، «وأنه سيقدم في المستقبل أيضاً أوسع أسباب الضيافة لجميع سفننا الحربية والتجارية على السواء». وأعرب عن أسفه لعدم تردد السفن التجارية الروسية بشكل منتظم على الكويت أسوة بما تقوم به مع عدد من موانئ الخليج الأخرى. ولاحظ التقرير أن الشيخ يعلم جيداً «أي قيمة تتحلى بها مدينة الكويت بوصفها أفضل وأقرب ميناء بالنسبة لخط سكك حديد بغداد الجاري تصميمه، ولن يتوانى عن استغلال هذا الوضع لدى الحل النهائي للمسألة».
ويضيف أداموف أن مبارك ا أظهر اهتماما كبيراً بموضوع مد خط سكة حديد بغداد، وسأل عن آخر الأخبار المنشورة عن هذا الموضوع في الصحف الأوروبية.
فأجابه أداموف بأن الصحف نشرت أخباراً بشأن اعتزام الحكومة البريطانية التنازل لألمانيا عن ميناء كاظمة حتى يمكن استخدامه كمحطة نهائية للخط الحديدي. ووفقاً للتقرير، استشاط مبارك غضباً، وقال انه هو وحده الذي يتخذ القرار في شؤون الكويت، وأكد اهتمامه بتطوير العلاقات مع روسيا من كافة النواحي.
وعبر البريطانيون عن دهشتهم من أن الشيخ مبارك لم يُشر على الاطلاق لهذه الزيارة عندما التقى، أيام عدة، مع قائد المدمرة الانكليزية «أسايي» التي وصلت الى الكويت لمعرفة أخبار زيارة الطراد الروسي ولقاء طاقمه مع الشيخ.
كان هذا الصمت مقصوداً لاثارة الغموض حول ما دار بين مبارك وضيوفه الروس. واستخدم الشيخ هذه المناسبة كورقة تأثير على البريطانيين، فأرسل الى مساعد المقيم السياسي في يناير 1903 رسالة يشكو فيها من تباطؤ السلطات البريطانية في تقديم الدعم العسكري اللازم للكويت في مواجهتها مع ابن الرشيد والعثمانيين.
وعلى الرغم من أن مناقشات الشيخ مع الروس خلال زيارة الطراد لم تتضمن بحث أي موضوعات سياسية محددة، فقد سرب مبارك وأعوانه شائعة بأن المفاوضات ناقشت اقتراحات مهمة. وبلغ الأمر مسامع الانكليز الذين سعوا للتأكد من صحة هذه المعلومات، وذلك من خلال عملائهم في الكويت، وباءت تلك الجهود بالفشل ولم يصل البريطانيون وعملاؤهم الى أي شيء، وذلك بسبب التزام الشيخ وابنه جابر الصمت. لذلك، سارع كمبال بالسفر الى الكويت في ١٨ يناير ١٩٠٣ للتحقق من الأمر بنفسه.
وفي ٥ مارس ١٩٠٣، زار الطراد الروسي «بويارين» الكويت (تصحبه السفينة الفرنسية انفرييه)، وهو الأمر الذي عكس التنسيق الروسي - الفرنسي في المنطقة خلال هذه الفترة.
وصعد الى الطراد الشيخ صباح بن مبارك يرافقه الشيخ أحمد بن جابر للترحيب بهم باسم الشيخ، وللاتفاق على موعد زيارة القنصل والضباط له. واستقبلهم مبارك في قصره بالمدينة، وعندما أثير موضوع خط سكة حديد بغداد، أوضح الشيخ بجلاء معارضته لوصول الخط الى الكويت.
وعندما سألوه عن موقفه ازاء الخطة البريطانية لشق طريق من بورسعيد الى الكويت «أجاب بطريقة ديبلوماسية أنه لو جرى بناء هذا الطريق من جانب بريطانيا وروسيا وفرنسا لما كان، على الأرجح، عارض ذلك». ولاحظ أحد أعضاء الوفد الذي كان قد التقى بالشيخ من قبل بأنه لم يتغير كثيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة «فهو يثير في النفوس الانطباع عن شخص يعرف قيمة نفسه ومكانته معرفة جيدة».
وبالطبع، لم يرتح البريطانيون لهذه الاتصالات. وزاد من قلقهم اقدام الروس على الاتصال بكل من الأمير عبدالعزيز الرشيد، والأمير عبدالعزيز بن سعود بعد سيطرته على الرياض. وكان ذلك جزءاً من «لعبة الأمم» التي عاشتها الكويت - ومنطقة الخليج كلها - في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي شهدت مختلف أشكال التحالفات والصراعات والمنافسات بين الدول الأوروبية الكبرى الساعية لتوطيد نفوذها، وبين الدولة العثمانية التي كان لها الولاية الاسمية على هذه المناطق. وسعى الشيخ مبارك الى ادارة علاقات بلاده مع كل هذه الأطراف بما يحمي استقلال الكويت ويصون حدودها.
http://www.alraialaam.com/Templates/frNewsPaperSupplementArticleDetail.aspx?npsaId=45