المهدى
12-22-2007, 12:12 PM
22/12/2007
كتبت منى فرح - القبس
انسحبت القوات البريطانية من البصرة (جنوب بغداد) وسلمت أمن ثاني اكبر مدن العراق للقوات العراقية. ومع الانسحاب الشامل والتمركز في قاعدة عسكرية أعدت للمناسبة (قرب المطار)، تتجه الأنظار صوب مرحلة ما بعد الاحتلال، في وقت يتشح بفوضى أمنية محبطة وبتناحر عنيف على النفوذ وبتغلغل إيراني.
فالبريطانيون لم يسلموا مدينة تنعم بالسلام، مما يثير أسئلة عديدة حول مستقبل هذه المدينة الغنية بالسكان والنفط، كما يثير المخاوف والتشاؤم والحذر، خصوصا ما يتعلق بالفراغ الأمني المتوقع بسبب عدم توفر البديل المناسب.
فقد أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ بان العراق سيحتاج القوات الأجنبية لمدة عشر سنوات أخرى. وقبل ذلك كان التقرير البريطاني الذي حذر من أن خفض القوات سيجعل السيطرة على جنوب العراق 'أمرا مستحيلا'. كما أن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور توقعت في سبتمبر الماضي 'الأسوأ للبصرة بعد الانسحاب البريطاني'.
في 16 ديسمبر الجاري، أنهت بريطانيا، فعليا، سيطرتها على الجزء الجنوبي من العراق التي استمرت قرابة خمس سنوات. والبصرة منطقة حيوية، حيث تفتح المطاعم أبوابها حتى وقت متأخر ولا تشهد الحصار الذي تشهده العاصمة بغداد.
ورغم ذلك، لا نستطيع القول إن البريطانيين قد سلموا مدينة تنعم بالسلام، وقد عنونت صحيفة 'الاندبندنت' افتتاحيتها الاثنين 'لم نسلم أرض اللبن والعسل'، مشيرة إلى أن مراسم التسليم تمت في المطار لأسباب أمنية 'حيث باتت الميليشيات تتحدى قوات الأمن'.
تشهد البصرة صراعا طائفيا ليس سببه الدين بل المصالح والثروات وغياب قانون للنفط أو خطط لتحقيق الاندماج في قوات الأمن العراقية، أو حتى خطط لتحقيق الفدرالية التي تتلاءم والطموحات الاثنية والإقليمية للحفاظ على وحدة البلاد.
لقد شهدت البصرة الكثير من العنف في شكل حروب دامية بين ميليشيات متناحرة ومجرمين ومهربين، أي أن الأوضاع بالنسبة للعراقيين 'أصبحت صعبة'، والشرطة بدورها تتهم المسلحين بفرض نمط متشدد من التعاليم الإسلامية وقتل النساء في جرائم 'شرف'.
الميليشيات تحكم
القوات البريطانية التي تكبدت، 174 قتيلا ومليارات الجنيهات منذ العام2003، توقفت فعليا عن القيام بأية مهمة أمنية في مدينة البصرة منذ أكثر من 3 أشهر.
وكانت الحكومة البريطانية تقول في البداية إنها شاركت في الغزو بحثا عن أسلحة الدمار الشامل. ثم قالت لاحقا إنها حررت العراق وجلبت الديموقراطية له. ثم خفضت توقعاتها أكثر، وقالت إن تحقيق الأمن في الجنوب 'أمر مستحيل'. الميليشيات هي التي تحكم البصرة على ارض الواقع اليوم. وقد استطاعت هذه الميليشيات، وعددها 28، فرض سطوتها وقوانينها. ومنعت السكان من ممارسة العديد من النشاطات التي كانوا يقومون بها في السابق مثل الموسيقى والرقص.
فخلال الشهور الثلاثة الماضية، قتلت 42 امرأة بسبب استخدامهن مساحيق التجميل أو عدم التزامهن بالحجاب. كما أن بعض الإحصائيات الرسمية تفيد بأن نصف السكان المسيحيين قد غادروا المدينة، ولعل الحقيقة أسوأ من ذلك. وكان هجوم بثلاث سيارات ملغومة قتل 40 شخصا في محافظة ميسان المجاورة قبل أسبوعين قد أعاد إلى الأذهان احتمال أن ينشب العنف في المناطق التي انسحبت منها القوات البريطانية.
وفي أكتوبر الماضي، سيطر عناصر جيش المهدي على مركز الأمن الرئيسي في المدينة في محاولة للإفراج عن أحد زملائهم الذي كان معتقلا هناك. ورغم أن قوات الأمن المحلية والجيش العراقي تمكنوا من استعادة السيطرة على ذلك المركز خلال ساعة من الزمن، لكن ذلك لا يعني أن القوات العراقية جاهزة تماما لتولي امن ثاني اكبر محافظة في العراق بغياب القوات البريطانية.
أذى متعمد
هذا ما يؤكده تصريح لقائد شرطة البصرة اللواء جليل خلف الذي اتهم بريطانيا بتسليمه وضعا في البصرة وصفه بأنه 'قريب من الأذى المتعمد'، وتركته وحيدا يتعامل مع الميليشيات والعصابات، مشيرا إلى أن الميليشيات اشد تسليحا من قواته، وهي تسيطر على الميناء الذي يدر عليهم مبالغ طائلة ويفرضون اتاوات حتى على صادرات النفط ويجلبون السلاح من إيران عبر الحدود.
وميناء البصرة هو المنفذ الرئيسي لتصدير النفط العراقي، وسيكون تسليمه أكبر اختبار حتى الآن لقدرة حكومة بغداد على الحفاظ على الأمن. حتى أن مسؤولا عراقيا أوفد من العاصمة للتحقيق في ما يجرى في الميناء تم خطفه وتعرض للتعذيب ولم يفرج عنه إلا بعد دفع فدية.
أمن الجنوب يتداعى
كذلك اقر قائد القوات البريطانية بالفشل في تحقيق الأمن ، قائلا 'لقد فشلنا في تحقيق طموحات العراقيين'. وأقر الضابط أن البصرة وقعت فريسة لأفراد المليشيات والعصابات المتنافسة. لكنه استدرك، قائلا إن التغيير الذي حصل هو أن قوات الأمن العراقية جهزت بالعتاد للتعامل مع الوضع.
لكن تقرير لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، الاثنين قبل الماضي، رأى أنه على الرغم من التقدم المحرز في تدريب وتجهيز قسم جديد من الجيش العراقي للاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية، فإن قوات الشرطة العراقية في البصرة 'مخترقة من القتلة والميليشيات المسلحة والفساد'.
وحذر التقرير من مغبة المغالاة في مدى نجاح إرسال قوات أميركية إضافية إلى بغداد في مطلع العام الحالي، لأنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت هذه الخطة ستنجح على المدى الطويل.
وأضافت اللجنة 'إذا كان لا يزال هناك دور لقوات بريطانية في العراق، فإنه يتعين أن تكون هذه القوات قادرة على فعل ما هو أكثر من مجرد حماية نفسها في قاعدة البصرة الجوية. إذا كانت القوات البريطانية غير قادرة على القيام بأكثر من ذلك، فالأمر برمته سيفتح تساؤلا بشأن وجود القوات البريطانية في جنوب شرقي العراق'.
العنف ليس طائفيا فقط
هل يصح القول إن العنف في البصرة طائفيا؟
الأصح هو القول انه ليس طائفيا فقط، بل أيضا 'وليد منافسة سياسية وقبلية راسخة، وتهافت عنيف على السلطة'.
فانطلاقا من انتشار النفوذ الإيراني، انذر تقرير 'كريستيان ساينس مونيتور' بان ما سيحل بالبصرة هو صورة مصغرة لما سيلحق بالعراق ككل بعد أي انسحاب أميركي مماثل. فالصراع على النفوذ يهيمن بعنف على المحافظة بين الأحزاب والميليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية، حتى إن الحديث يسري في المدينة، وفق الصحيفة الأميركية، عن خلايا نائمة لكن متأهبة ومدربة من إيران، في وقت لم يتم التوصل بعد على قانون للنفط.
وباستعراض أهم القوى الموجودة على الساحة البصراوية ومعرفة مدى علاقاتها وإمداداتها بالجمهورية الإسلامية المجاورة، يعتبر التيار الصدري التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأنه القوة الأعظم بين الفصائل الشيعية المتناحرة، حيث يصل تعداد عناصره إلى 17 ألف مقاتل، يتوزعون على 40 وحدة عسكرية ويأتمرون بقائد محلي هو منصر المالكي ويسيطرون على العديد من وحدات الشرطة المؤلفة من 14500 عنصر، وعلى مستشفيات المحافظة والمدارس والجامعات والمرافئ والمنتجات النفطية وشركات توزيع الكهرباء والماء. ونقلت الصحيفة عن قائد في جيش المهدي تأكيده أن ميليشياته تملك صواريخ بعيدة المدى ومخازن أسلحة 'تكفينا إلى الأبد'، في حين نقلت الصحيفة عن باحث عراقي قوله: إن 'العراقة مع إيران موجودة وتشمل التسليح والتموين'، واصفا جيش المهدي بأنه 'دولة داخل دولة..لا احد يعرف من يقف وراءها'.
القوة الثانية في البصرة هي المجلس الأعلى الإسلامي الذي ولد في إيران أبان النظام السابق وتلقى جناحه العسكري (فيلق بدر) التدريب من قبل الإيرانيين. ويسيطر 'البدريون' على جميع المنافذ العراقية- الإيرانية إضافة إلى جهاز الاستخبارات التابع للشرطة. وتجدر الإشارة إلى أن 300 عنصر على الأقل من 'فيلق بدر' والأجنحة الأخرى في المجلس الأعلى تم اغتيالهم منذ مطلع العام في البصرة وحدها، ومن المتوقع أن تزداد الاغتيالات المتبادلة بعد البريطانيين.
إضافة إلى 'جيش المهدي' و'فيلق بدر' هناك حزب 'ثأر الله' الذي يقول أهالي البصرة انه إيراني ويصفونه ب'قنبلة موقوتة'. وهناك أيضا حزب الفضيلة و'شهيد المحراب' وسيد الشهداء وحزب الله العراقي، وغيرهم.
من يحكم البصرة؟
خلال السنوات الأربع الماضية كان السؤال الأبرز 'من سيستلم الملف الأمني في المدينة ويضع حدا لوتيرة العنف المتصاعدة؟'. فإيران تدعم الأحزاب الإسلامية التي لها علاقات قديمة معها، في حين تدعم الولايات المتحدة قوى محلية وإقليمية قادرة على تحدي النفوذ الإيراني... وهكذا دواليك.
الأحزاب المسلحة وغير المسلحة التي استعرضناها لن تتوانى لحظة في عرض عضلاتها لتثبت وجودها أكثر مما كان عليه في ظل البريطانيين، وستعمل بعد هذا الانسحاب، كل على حدا، لبسط اكبر قدر من السلطة بهدف الحصول على اكبر قدر من المكاسب السياسية والمادية، في وقت يبدي أكثر من طرف شكوكا حول جهورية القوات العراقية لتسلم المهام وحدها.
كثيرون يبدون تفاؤلا بشخص العميد خلف. ولعل حقيقة أنه نجا من أكثر من محاولة اغتيال، دليلا على أن المليشيات تأخذ مساعيه للتصدي لنشاطاتها وإحلال الأمن في البصرة مأخذ الجد.
إلى جانب هذه الإشكالية الأمنية، التي لن تقتصر تداعياتها على العمق العراقي فحسب بل ستطال دول الجوار الخليجي، خصوصا الكويت، هناك إشكالية سياسية تتعلق بصيغة النظام المرتقب والمدى الذي سيذهب إليه من حيث قيام كيانات منفصلة عن الدولة. فمن الصعب تصور استقرار سياسي في الجنوب قبل حل النزاع على السلطة المركزية في بغداد.
كتبت منى فرح - القبس
انسحبت القوات البريطانية من البصرة (جنوب بغداد) وسلمت أمن ثاني اكبر مدن العراق للقوات العراقية. ومع الانسحاب الشامل والتمركز في قاعدة عسكرية أعدت للمناسبة (قرب المطار)، تتجه الأنظار صوب مرحلة ما بعد الاحتلال، في وقت يتشح بفوضى أمنية محبطة وبتناحر عنيف على النفوذ وبتغلغل إيراني.
فالبريطانيون لم يسلموا مدينة تنعم بالسلام، مما يثير أسئلة عديدة حول مستقبل هذه المدينة الغنية بالسكان والنفط، كما يثير المخاوف والتشاؤم والحذر، خصوصا ما يتعلق بالفراغ الأمني المتوقع بسبب عدم توفر البديل المناسب.
فقد أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ بان العراق سيحتاج القوات الأجنبية لمدة عشر سنوات أخرى. وقبل ذلك كان التقرير البريطاني الذي حذر من أن خفض القوات سيجعل السيطرة على جنوب العراق 'أمرا مستحيلا'. كما أن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور توقعت في سبتمبر الماضي 'الأسوأ للبصرة بعد الانسحاب البريطاني'.
في 16 ديسمبر الجاري، أنهت بريطانيا، فعليا، سيطرتها على الجزء الجنوبي من العراق التي استمرت قرابة خمس سنوات. والبصرة منطقة حيوية، حيث تفتح المطاعم أبوابها حتى وقت متأخر ولا تشهد الحصار الذي تشهده العاصمة بغداد.
ورغم ذلك، لا نستطيع القول إن البريطانيين قد سلموا مدينة تنعم بالسلام، وقد عنونت صحيفة 'الاندبندنت' افتتاحيتها الاثنين 'لم نسلم أرض اللبن والعسل'، مشيرة إلى أن مراسم التسليم تمت في المطار لأسباب أمنية 'حيث باتت الميليشيات تتحدى قوات الأمن'.
تشهد البصرة صراعا طائفيا ليس سببه الدين بل المصالح والثروات وغياب قانون للنفط أو خطط لتحقيق الاندماج في قوات الأمن العراقية، أو حتى خطط لتحقيق الفدرالية التي تتلاءم والطموحات الاثنية والإقليمية للحفاظ على وحدة البلاد.
لقد شهدت البصرة الكثير من العنف في شكل حروب دامية بين ميليشيات متناحرة ومجرمين ومهربين، أي أن الأوضاع بالنسبة للعراقيين 'أصبحت صعبة'، والشرطة بدورها تتهم المسلحين بفرض نمط متشدد من التعاليم الإسلامية وقتل النساء في جرائم 'شرف'.
الميليشيات تحكم
القوات البريطانية التي تكبدت، 174 قتيلا ومليارات الجنيهات منذ العام2003، توقفت فعليا عن القيام بأية مهمة أمنية في مدينة البصرة منذ أكثر من 3 أشهر.
وكانت الحكومة البريطانية تقول في البداية إنها شاركت في الغزو بحثا عن أسلحة الدمار الشامل. ثم قالت لاحقا إنها حررت العراق وجلبت الديموقراطية له. ثم خفضت توقعاتها أكثر، وقالت إن تحقيق الأمن في الجنوب 'أمر مستحيل'. الميليشيات هي التي تحكم البصرة على ارض الواقع اليوم. وقد استطاعت هذه الميليشيات، وعددها 28، فرض سطوتها وقوانينها. ومنعت السكان من ممارسة العديد من النشاطات التي كانوا يقومون بها في السابق مثل الموسيقى والرقص.
فخلال الشهور الثلاثة الماضية، قتلت 42 امرأة بسبب استخدامهن مساحيق التجميل أو عدم التزامهن بالحجاب. كما أن بعض الإحصائيات الرسمية تفيد بأن نصف السكان المسيحيين قد غادروا المدينة، ولعل الحقيقة أسوأ من ذلك. وكان هجوم بثلاث سيارات ملغومة قتل 40 شخصا في محافظة ميسان المجاورة قبل أسبوعين قد أعاد إلى الأذهان احتمال أن ينشب العنف في المناطق التي انسحبت منها القوات البريطانية.
وفي أكتوبر الماضي، سيطر عناصر جيش المهدي على مركز الأمن الرئيسي في المدينة في محاولة للإفراج عن أحد زملائهم الذي كان معتقلا هناك. ورغم أن قوات الأمن المحلية والجيش العراقي تمكنوا من استعادة السيطرة على ذلك المركز خلال ساعة من الزمن، لكن ذلك لا يعني أن القوات العراقية جاهزة تماما لتولي امن ثاني اكبر محافظة في العراق بغياب القوات البريطانية.
أذى متعمد
هذا ما يؤكده تصريح لقائد شرطة البصرة اللواء جليل خلف الذي اتهم بريطانيا بتسليمه وضعا في البصرة وصفه بأنه 'قريب من الأذى المتعمد'، وتركته وحيدا يتعامل مع الميليشيات والعصابات، مشيرا إلى أن الميليشيات اشد تسليحا من قواته، وهي تسيطر على الميناء الذي يدر عليهم مبالغ طائلة ويفرضون اتاوات حتى على صادرات النفط ويجلبون السلاح من إيران عبر الحدود.
وميناء البصرة هو المنفذ الرئيسي لتصدير النفط العراقي، وسيكون تسليمه أكبر اختبار حتى الآن لقدرة حكومة بغداد على الحفاظ على الأمن. حتى أن مسؤولا عراقيا أوفد من العاصمة للتحقيق في ما يجرى في الميناء تم خطفه وتعرض للتعذيب ولم يفرج عنه إلا بعد دفع فدية.
أمن الجنوب يتداعى
كذلك اقر قائد القوات البريطانية بالفشل في تحقيق الأمن ، قائلا 'لقد فشلنا في تحقيق طموحات العراقيين'. وأقر الضابط أن البصرة وقعت فريسة لأفراد المليشيات والعصابات المتنافسة. لكنه استدرك، قائلا إن التغيير الذي حصل هو أن قوات الأمن العراقية جهزت بالعتاد للتعامل مع الوضع.
لكن تقرير لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، الاثنين قبل الماضي، رأى أنه على الرغم من التقدم المحرز في تدريب وتجهيز قسم جديد من الجيش العراقي للاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية، فإن قوات الشرطة العراقية في البصرة 'مخترقة من القتلة والميليشيات المسلحة والفساد'.
وحذر التقرير من مغبة المغالاة في مدى نجاح إرسال قوات أميركية إضافية إلى بغداد في مطلع العام الحالي، لأنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت هذه الخطة ستنجح على المدى الطويل.
وأضافت اللجنة 'إذا كان لا يزال هناك دور لقوات بريطانية في العراق، فإنه يتعين أن تكون هذه القوات قادرة على فعل ما هو أكثر من مجرد حماية نفسها في قاعدة البصرة الجوية. إذا كانت القوات البريطانية غير قادرة على القيام بأكثر من ذلك، فالأمر برمته سيفتح تساؤلا بشأن وجود القوات البريطانية في جنوب شرقي العراق'.
العنف ليس طائفيا فقط
هل يصح القول إن العنف في البصرة طائفيا؟
الأصح هو القول انه ليس طائفيا فقط، بل أيضا 'وليد منافسة سياسية وقبلية راسخة، وتهافت عنيف على السلطة'.
فانطلاقا من انتشار النفوذ الإيراني، انذر تقرير 'كريستيان ساينس مونيتور' بان ما سيحل بالبصرة هو صورة مصغرة لما سيلحق بالعراق ككل بعد أي انسحاب أميركي مماثل. فالصراع على النفوذ يهيمن بعنف على المحافظة بين الأحزاب والميليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية، حتى إن الحديث يسري في المدينة، وفق الصحيفة الأميركية، عن خلايا نائمة لكن متأهبة ومدربة من إيران، في وقت لم يتم التوصل بعد على قانون للنفط.
وباستعراض أهم القوى الموجودة على الساحة البصراوية ومعرفة مدى علاقاتها وإمداداتها بالجمهورية الإسلامية المجاورة، يعتبر التيار الصدري التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأنه القوة الأعظم بين الفصائل الشيعية المتناحرة، حيث يصل تعداد عناصره إلى 17 ألف مقاتل، يتوزعون على 40 وحدة عسكرية ويأتمرون بقائد محلي هو منصر المالكي ويسيطرون على العديد من وحدات الشرطة المؤلفة من 14500 عنصر، وعلى مستشفيات المحافظة والمدارس والجامعات والمرافئ والمنتجات النفطية وشركات توزيع الكهرباء والماء. ونقلت الصحيفة عن قائد في جيش المهدي تأكيده أن ميليشياته تملك صواريخ بعيدة المدى ومخازن أسلحة 'تكفينا إلى الأبد'، في حين نقلت الصحيفة عن باحث عراقي قوله: إن 'العراقة مع إيران موجودة وتشمل التسليح والتموين'، واصفا جيش المهدي بأنه 'دولة داخل دولة..لا احد يعرف من يقف وراءها'.
القوة الثانية في البصرة هي المجلس الأعلى الإسلامي الذي ولد في إيران أبان النظام السابق وتلقى جناحه العسكري (فيلق بدر) التدريب من قبل الإيرانيين. ويسيطر 'البدريون' على جميع المنافذ العراقية- الإيرانية إضافة إلى جهاز الاستخبارات التابع للشرطة. وتجدر الإشارة إلى أن 300 عنصر على الأقل من 'فيلق بدر' والأجنحة الأخرى في المجلس الأعلى تم اغتيالهم منذ مطلع العام في البصرة وحدها، ومن المتوقع أن تزداد الاغتيالات المتبادلة بعد البريطانيين.
إضافة إلى 'جيش المهدي' و'فيلق بدر' هناك حزب 'ثأر الله' الذي يقول أهالي البصرة انه إيراني ويصفونه ب'قنبلة موقوتة'. وهناك أيضا حزب الفضيلة و'شهيد المحراب' وسيد الشهداء وحزب الله العراقي، وغيرهم.
من يحكم البصرة؟
خلال السنوات الأربع الماضية كان السؤال الأبرز 'من سيستلم الملف الأمني في المدينة ويضع حدا لوتيرة العنف المتصاعدة؟'. فإيران تدعم الأحزاب الإسلامية التي لها علاقات قديمة معها، في حين تدعم الولايات المتحدة قوى محلية وإقليمية قادرة على تحدي النفوذ الإيراني... وهكذا دواليك.
الأحزاب المسلحة وغير المسلحة التي استعرضناها لن تتوانى لحظة في عرض عضلاتها لتثبت وجودها أكثر مما كان عليه في ظل البريطانيين، وستعمل بعد هذا الانسحاب، كل على حدا، لبسط اكبر قدر من السلطة بهدف الحصول على اكبر قدر من المكاسب السياسية والمادية، في وقت يبدي أكثر من طرف شكوكا حول جهورية القوات العراقية لتسلم المهام وحدها.
كثيرون يبدون تفاؤلا بشخص العميد خلف. ولعل حقيقة أنه نجا من أكثر من محاولة اغتيال، دليلا على أن المليشيات تأخذ مساعيه للتصدي لنشاطاتها وإحلال الأمن في البصرة مأخذ الجد.
إلى جانب هذه الإشكالية الأمنية، التي لن تقتصر تداعياتها على العمق العراقي فحسب بل ستطال دول الجوار الخليجي، خصوصا الكويت، هناك إشكالية سياسية تتعلق بصيغة النظام المرتقب والمدى الذي سيذهب إليه من حيث قيام كيانات منفصلة عن الدولة. فمن الصعب تصور استقرار سياسي في الجنوب قبل حل النزاع على السلطة المركزية في بغداد.