المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اهم العوامل التي تبث الفتن........بقلم السيد فضل الله



فاتن
12-22-2007, 01:08 AM
السيد محمد حسين فضل الله


اكد العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله انه مع مواجهة الأخطار الكبرى المحيطة بالإسلام والمسلمين من خلال الكفر العالمي والاستكبار الدولي؛ يفرض على المسلمين الالتزام بوحدة الأمة والحفاظ على وجودها ودورها في القيادة في الواقع الإسلامي.

واشار العلامة فضل الله في حوار مع الوكالة الأنباء الطلابية الإيرانية الي اهم العوامل التي تبث الفتن في الامة الاسلامية وكيفية مواجهتها مصرحا: لعلّ أهم هذه العوامل هي التراكمات التاريخية المتمثّلة لدى بعض أتباع المذاهب الإسلامية من التعرّض بالسبّ واللعن لبعض الشخصيات من الصحابة، التي يقدّسها أتباع مذهب آخر، ويرون في ذلك ما يشبه الكفر، لأن القرآن الكريم من جهة، والنبي الأعظم من جهة أخرى، يؤكدان على احترام كل الصحابة، ومنهم هؤلاء، كما أن بعض الالتزامات العقيدية في التفاصيل قد يراها البعض مخالفة للعقيدة الإسلامية من حيث مخالفتها لما ثبت عندهم من نصوص الكتاب والسنّة...

واضاف سماحة العلامة فضلالله: أما في الجانب الآخر، فقد يرى بعض العلماء من المسلمين الشيعة أن عدم الالتزام بالولاية لأئمة أهل البيت(ع) يعتبر ضلالاً على أساس فهمهم لبعض الروايات الواردة في هذا المجال، ما أدخل مسألة الخلافة التي أبعد عنها علي(ع) في إطار تلك الآراء، وأدّى تالياً إلى المزيد من التعقيدات التي ساهم فيها التضييق التاريخي الذي كانت تمارسه السلطات القائمة في الواقع الإسلامي على المسلمين الشيعة.

وحول كيفية مواجهة هذه الخطورات قال: فقد يتمثّل حلّه بالحوار العلمي الموضوعي الذي قد يؤدّي إلى تحريم اللعن أو السبّ على الطريقة التي بشّر بها الأئمة من أهل البيت(ع)، ولاسيما في السيرة التي سار عليها الإمام علي أمير المؤمنين(ع) في سلوكه مع الصحابة الذين أبعدوه عن الخلافة، من أجل الحفاظ على سلامة الإسلام والمسلمين، حيث أشار عليهم ونصحهم وحفظ حياتهم، وقد اشتهرت كلمته:"لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة". هذا من كون الحكم بالتكفير أو التضليل المتبادل ينطلق من اجتهادات معيّنة في توثيق النصوص وفي دلالتها.

واردف قائلا: هناك نقطة مهمة، وهي ضرورة الدراسة العلمية الموضوعية في كل مذهب من خلال مجتهديه لإعادة النظر فيما قد يعتبره الآخرون غلوّاً أو كفراً، وإثبات عدم ابتعاده عن الخط الإسلامي الأصيل أو تصحيح بعض مواضعه... مع مواجهة الأخطار الكبرى المحيطة بالإسلام والمسلمين من خلال الكفر العالمي والاستكبار الدولي مما يكيدون به في الحرب على ثقافة الإسلام وأمنه واقتصاده وسياسته؛ الأمر الذي يفرض على المسلمين الالتزام بوحدة الأمة والحفاظ على وجودها ودورها في القيادة في الواقع الإسلامي.

و في معرض رده حول سئوال، ما هو أصل التعصّب الديني المفرط في العالم الإسلامي، وكيف يمكن مواجهته قال سماحة العلامة فضل الله: إن أصل التعصّب ينطلق من فقدان الذهنية العلمية المتحركة التي تدرس مفردات العقيدة من دون الانفتاح على نقاط الضعف فيها في الداخل، تقليداً لما درج عليه المذهب من التزامات الشخصيات التاريخية في الماضي، بحيث أصبحت من المسلّمات التي لا يسمح لأحد، حتى في داخل المذهب، بمناقشتها وإثارة علامات الاستفهام حولها. كما أن هذه العصبية تتحرك في رفض كل ما يلتزمه أتباع المذهب الآخر من مبادىء أفكار كلامية أو فقهية أو ما يقدّسونه، بحيث لا يسمح ببيان الجوانب الإيجابية التي تتمثّل في الشخصيات التي يحترمونها، حتى لو كانت حقيقية أو كانت إثارتها في الخط الإسلامي العام تؤدي إلى إعطاء صورة مشرقة للإسلام، باعتبار أنّ هؤلاء يمثّلون رموزاً إسلامية في تجاربهم العملية.

واضاف: هكذا قد يصل البعض في ارتباطهم بالشخصيات التاريخية المقدسة إلى درجة الغلوّ الذي يمنعهم من الحوار حول بعض الأمور المنسوبة إليهم، وهو قد يكون مكذوباً عليهم، لأن القضية المطروحة في هذا الواقع المتعصّب هي الجمود على القضايا الموروثة، بحيث يكون تحريكها موجباً للاتهام بالضلال والانحراف من دون حجّة بل لمجرد التساؤل عنها. هذا إضافةً إلى التخلّف في الذهنية الإسلامية التي لا تنفتح على الحوار ولا تنظر إلى الأمور بعقلية الاتجاه إلى تأصيل التفكير الإسلامي في اتجاه القبول بما هو حقّ ورفض ما هو باطل من خلال الدراسة الواعية الدقيقة، وعدم الالتزام بما جاء في قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول)

واكد سماحة السيد فضل الله: أما كيف نواجه ذلك، فالعمل على تغيير الشخصية الإسلامية، وتحويلها من شخصية تتحرك في خط الجمود الفكري والانفعال الذاتي والحب الأعمى وتقديس الماضي حتى على المستوى الفكري، إلى شخصية متحركة تأخذ بأسباب العقل وتنفتح على الآخر بأساليب الحوار بالتي هي أحسن، كما هو المنهج القرآني في الدعوة إلى الحوار واللقاء على القواسم المشتركة والانفتاح على الحكمة والموعظة الحسنة. إنّ القضية ناشئة من الانغلاق في الشخصية الإسلامية فكراً وحركةً والتزاماً، الأمر الذي يفرض إيجاد شخصية منفتحة على الآخر والاعتراف به.

وفي اجابة علي سئوال آخر حول ما هو دور حوار الأديان في حلّ خلافات الدول وهل يوجد في العالم الإسلامي شروط للحوار بين الأديان،قال سماحة السيد فضل الله: إن حوار الأديان يرتكز على الجانب الثقافي في دراسة مواضع اللقاء التي عبّر عنها القرآن بالكلمة السواء التي تركّز على الاتفاق في المبادىء بعيداً عن التفاصيل، إضافة إلى تناول مواضع الخلاف بالطريقة العلمية المجرّدة التي تعتمد على الموضوعية في طرح الأفكار وتقويمها، ولاسيما أن هناك الكثير مما تلتقي عليه الأديان في عقيدة التوحيد من حيث الخط العام والقيم الروحية والأخلاقية، ما يفسح في المجال لتأكيد المنهج الفكري الذي يتابع الخلاف في بعض المبادىء وفي التفاصيل. وربما كانت قيمة الحوار أنها تقرّب الفهم في وجهات النظر مما قد يختلف فيه أتباع هذا الدين في معرفة الدين الذي يلتزم به أتباع الدين الآخر، كما نلاحظه في اتهام بعض النصارى للإسلام باعتبار العنف وسيلة للتغيير ويمثل تشجيعاً للإرهاب وإكراهاً للناس على اعتناقه بالسيف وبالقوة، انطلاقاً من فهمهم الخاطىء لكلمة الجهاد.

واضاف: قد ينسب إليه ابتعاده عن العقل كوسيلة للتفكير وللإيمان، في الوقت الذي يؤكد الكتاب والسنة على العقل كقيمة للفكر وميزان لتصحيح الأخطاء الثقافية وحجّة بين الله وعباده, كما أنّ العنف في الإسلام لم يكن عدوانياً بل كان دفاعياً ووقائياً وانتصاراً للمستضعفين المقهورين، بينما قد نقرأ في بعض النصوص الثقافية الدينية لدى المسيحيين أن الإيمان فوق العقل، وبذلك يفلسفون الجمع بين التثليث والتوحيد، ونتابع العنف في تعامل النصارى مع بعضهم البعض في بعض المواقع عندما تختلف مذاهبهم، وفي حربهم للمسلمين من خلال الدعوة الدينية التي تنطلق من رؤساء الدين، كما هو الحال في الحرب التي خاضها الغرب تحت عنوان استرجاع القدس.

وقال سماحة العلامة فضل الله: هكذا نجد الجدل في قضايا المرأة والحرية وغير ذلك، مما يمكن للحوار أن يوضح الأمور في ذلك كله، ويؤدي إلى التفاهم والتقارب. وربما يصل إلى الاتحاد في المبادىء العامة والقيم المشتركة في الجانب الروحي والأخلاقي، وهذا ما يمثله المنهج القرآني الذي يطلق الحوار بين الأديان بالوسائل الحضارية الإنسانية، بل إنه يتجاوز ذلك إلى الحوار الإنساني الإنساني، فيما يختلف فيه التوحيد مع الشرك والإيمان مع الكفر، لأنه يدعو إلى عقلنة الانتماء في الالتزام العقيدي... ولكن ذلك كله لا يحلّ الخلافات بين الدول، لأن منطق الدول الاستكبارية التي تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية هو استخدام القوة للضغط على الدول المستضعفة لمصادرة أوضاعها في كل شؤونها العامة وقضاياها الحيوية، وهذا ما نلاحظه في الدول الغربية التي كانت تستعمر الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث، وفي احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان، واستغلال مجلس الأمن الذي تهيمن عليه لإصدار القرارات بالعقوبات الاقتصادية للدول غير الخاضعة لها، وهذا الذي يتمثّل في الضغط على إيران في ملفها النووي السلمي بالعقوبات المتنوعة الصادرة بقرار من مجلس الأمن الذي تسيطر عليه أمريكا وحلفاؤها الغربيون.

واضاف: أما قضية الشروط المقررة في الحوار بين الأديان، فقد أكدها القرآن الكريم بالانطلاق من القواسم المشتركة التي تلتقي عليها الأديان، والاعتراف بالآخر واحترام التزاماته بالطريقة الإنسانية، واعتبار الحوار تعاوناً بين الأطراف لاكتشاف الحقيقة الضائعة، كما توحي به الآية الكريمة: (وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبين)، فلم يحكم مسبقاً على الآخرين بالضلال وعلى فريقه بالهدى، بل اعتبر القضية مناسبة للبحث العلمي الجدي، يحدد الضال من المهتدي بالوسائل الإنسانية... هذا من جهة.ومن جهةٍ أخرى، أن يكون المحاور في حال نفسية ثقافية تجعله على أتمّ الاستعداد للقبول بما يطرحه الآخر إذا قُدّم إليه البرهان القوي على صحة رأيه، لا أن يكون في وضع يؤكد فيه رأيه على أساس التعصّب والعناد ما يمنعه من الاقتناع بالطرق العلمية، وهذا ما يفرضه المنطق العقلي الحضاري في حركية الحوار بين الأديان أو بين المذاهب أو بين العلمانية والدين، بحيث يكون العنوان الكبير يتلخّص في الحوار الإنساني ـ الإنساني في كل ما يختلف فيه الناس.

واجاب علي سئوال آخر حول مكانة الإسلام في العالم الحاضر من وجهة نظر سياده، والموانع التي تمنع من نشر الإسلام قائلا: إنني أتصور أن الإسلام يملك موقعاً كبيراً في العالم المعاصر من خلال كونه شاغلاً للناس على مستوى الجدل الدائر حوله ثقافياً، وفي حالات الصراع مع المستكبرين في خط المواجهة للدفاع عن وجوده وفي الحركة السياسية التي تحكم الواقع كله في الأوضاع العامة ضد هذا المحور الاستكباري أو ذاك، وفي قضايا العنف الذي تمارسه بعض التيارات الإسلامية بطريقة خاطئة أو صائبة، وفي الحرب الشاملة التي تثيرها الجهات المعادية المضادة التي تمنع الإسلام من الامتداد في نشر مفاهيمه الأصيلة وشريعته القانونية وأساليبه الحضارية ومنطقه الإنساني في حقوق الإنسان، وذلك من خلال الحصار الذي تتحرك به الدول الاستكبارية المتحالفة مع منظمات التبشير في إثارة الأوضاع السلبية ضده، هذا إضافة إلى التخلّف الثقافي الذي لا يزال يسيطر على كثير من البلدان والمجتمعات الإسلامية.لذلك لا بد من القيام بعملية ردّ فعل مدروس لمواجهة تلك الأوضاع الضاغطة داخلياً وخارجياً من أجل استعادة موقع الإسلام القيادي في العالم ورفض الهزيمة النفسية والسياسية التي قد يخطط لها بعض مواقع الضعف من هنا وهناك.

وحول كيفية تقيِّم الوحدة في العالم الإسلامي، وكيفية الوصول الي هذه الوحدة قال: لعلّ قضية الوحدة الإسلامية الشاملة في العالم الإسلامي من أكثر القضايا صعوبةً، وذلك من خلال العناصر الداخلية التي أشرنا إليها في أجوبتنا السابقة من النظرات المتخلفة التي تركز على مواقع النزاع ونقاط الخلاف وتصادر قضايا الوفاق، ومن الأحكام التكفيرية التي يكفر فيها المسلمون بعضهم بعضاً، بحيث يحكمون عليهم بالكفر وبالشرك والارتداد، حتى أن هذا الواقع لا يرى هناك جامعاً بين هذا المذهب الإسلامي وذاك المذهب الإسلامي، بما يفسح في المجال لتجربة الوحدة، لأن القضية تتمثل ـ من خلال هذا الوضع ـ كالوحدة بين الكفر والإيمان، والتوحيد والشرك. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تجارب التقريب بين المذاهب الإسلامية قد أصيب الكثير منها بالفشل، لأنها لم ترتكز على الحلول الواقعية في دراسة عناصر اللقاء والافتراق بطريقة علمية يصل بها الحوار إلى نتائج حاسمة، ما يجعلها تبقى في حال استعراضية احتفالية تجعل كل فريق واقفاً عند موقعه من دون أن يتحرك خطوة نحو الآخر أو يفكر بالاعتراف بإسلام الآخر.ولكن القضية ـ بالرغم من ذلك ـ ربما منحت الوضع الإسلامي مناخاً وحدوياً اجتماعياً بفعل اللقاء الشخصي والنجاح الجزئي في بعض المواقع، الأمر الذي قد يؤسّس لحركة تقريبية مستقبلية تنفتح على حال توحيدية واقعية عندما تزول بعض التحديات الموجّهة من الخارج.

واضاف سماحة العلامة فضل الله: من جهة ثالثة، فإن مسألة الوحدة الإسلامية قد دخلت في مشاكل الصراع السياسي بين الاستكبار العالمي والعالم الإسلامي من خلال تخطيط المستكبرين بتحريك الفتن المذهبية والعرقية والإقليمية بين المسلمين لإيجاد الكثير من التعقيدات بين مجتمع إسلامي ومجتمع إسلامي آخر، بحيث قد تصل المسألة إلى حال الحرب بين المسلمين في البلد الواحد أو في البلدان المتعددة، كما يحدث في العراق أو في أفغانستان أو في إثارة المخاوف لدى دول الخليج وشعوبه من الجمهورية الإسلامية في إيران، أو في استغلال مسألة الحرب على الإرهاب في إرباك الأوضاع الداخلية في المجتمع الواحد من خلال استخدام بعض الأنظمة المحسوبة على الإسلام الخاضعة لأمريكا في تمزيق الواقع الإسلامي المعارض لسياسة الاستكبار العالمي باتهامه بالإرهاب والدعوة إلى إعلان الحرب عليه ظلماً وعدواناً.ولعلّ هذه القضية هي من أكثر الأمور تأثيراً في وحدة العالم الإسلامي في الانفتاح على قضاياه المصيرية وأوضاعه الحيوية. حتى إننا نرى أن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضمّ الدول الإسلامية لا تتحرك بطريقة فاعلة لمواجهة المشاكل الصعبة التي تحيط بالمسلمين، لأن أكثر هذه الدول خاضع للولايات المتحدة الأمريكية وسائر في خط مصالحها الاستراتيجية. حتى إن بعض هذه الدول يرى في إسرائيل صديقاً وفي بعض الدول الإسلامية عدواً، لأن أمريكا فرضت عليهم ذلك.