JABER
12-21-2007, 12:31 AM
تعود الى مطلع القرن السابع عشر ...
خالد عزب الحياة - 15/12/07//
الحج من الشعائر المقدسة عند المسلمين، فهو ركن من أركان الاسلام الخمسة الاساسية، لذا نجده من اكثر الاحداث التي تناولها المؤرخون والرحالة والجغرافيون. فكم من الكتب والمدونات التي تناولت شعائر الحج ومشقة الطرق التي يسلكها الحجاج من أجل الوصول الى مكة، لتأدية هذه الفريضة المحببة الى قلب كل مسلم، حتى أصبح من الطبيعي ان نقرأ في كتب التاريخ والرحلات عن الحج وشعائره.
الا اننا اليوم نتناول طرق الحج من خلال وثيقة مختلفة من حيث الشكل والمضمون، فنحن أمام خريطة عثمانية نادرة من اقدم الخرائط الطوبوغرافية لمنطقة الخليج العربي وبلاد ما بين النهرين، ترجع الى الثلث الاول من القرن السابع عشر الميلادي، وهي عبارة عن 8 قطع من الورق مجمعة على شكل لفافة، أبعادها 343.5 x34 سم، أي ما يزيد على ثلاثة أمتار طولاً وما يقرب من النصف متر عرضاً، وهي محفوظة في مجموعة الشيخ حسن بن علي آل ثاني في المكتبة التراثية بالدوحة.
رسمت هذه الخريطة المخطوطة بالحبر الأسود والألوان المائية لتوضيح المعالم والتضاريس الجغرافية. وقد وفق الرسام في استخدام اللون الأزرق لتمييز المسطحات المائية من خلال خلجان وبحيرات وأنهار. أما اليابسة فقد تركت من دون تلوين أي بلون الورق الأصلي، في حين استخدم اللونين الأصفر والأخضر لتلوين الجبال والمرتفعات، كما لونت الطرق باللون الاصفر المحدد بالأسود. وقد كتبت بيانات الخريطة باللغة التركية، بالخط العربي (الرقعة) بالحبر الاسود.
انها بالفعل وثيقة مصورة تقص لنا من خلال الصورة طريق الحج من اسطنبول الى مكة، نجح واضعها في ان ينقل لنا تأثير السائح الجغرافي، وكأنه قام بالسير في هذه الأراضي متتبعاً معالمها، مسجلاً بياناتها، فجاءت الخريطة وقد اشتملت على مشهد جغرافي متكامل.
ترصد هذه الخريطة المنطقة الممتدة من أعالي دجلة والفرات مروراً بالأراضي التركية والعراقية فشط العرب والخليج العربي الى بحر العرب جنوباً، متتبعة في ذلك طريق الملاحة البحري على محور واحد، حيث تبدأ الخريطة من شمال شرقي تركيا بدءاً من قلعة «أرض روم» وعبر سلسلة جبال الأناضول، حيث تنتشر بعض القلاع ذات الطراز التركي: قلعة سلاطين وعينتاب ومرعش، وعلى المحور نفسه قلعة «أخلاط» حيث تبدأ سلسلة الجبال التي ينبع منها نهر الفرات ومعه تبدأ رحلة الشريان النهري مندفعاً الى الجنوب، حيث يبدأ دجلة من مرتفعات «كورستاه» بموازاة قلعة ديار بكر، وعلى المحور نفسه تبدو قلعة حلب التي تتصل بشبكة الطرق البرية التي تتعامد على النهرين من خلال الجسور.
وفي الطريق من ديار بكر الى الموصل تقع العديد من القلاع والأضرحة والمساجد والمقامات وغيرها من الأبنية. وقد وفق الرسام في توضيح المعالم الرئيسة لمدينة الموصل حيث أحاطها بالأسوار والأبراج على شكل نصف دائرة. ومن جنوب الموصل يبدأ نهر دجلة ذو التفريعات الكثيرة التي تبدو كشبكة متصلة، وبامتداد الحدود الشرقية مع بلاد فارس نلاحظ استمرار سلسلة الجبال العملاقة كحدود طبيعية تفصل بينهما وقد لونت باللونين الأصفر والأخضر، وتتوالى الابنية المتنوعة الاغراض والأشكال على طول الطريق، وهنا نجد ان الرسام كان يتمتع بخلفية ثقافية، حيث استطاع التمييز بين الشكل والاسم بين الابنية المتناثرة على طول الطريق من قلاع وحصون ومساجد ومقامات، إضافة الى وجود بعض الأبنية التي كتب عليها «وقف حرمين شريفين»، كما أشار الى بئر للبترول يقع في نطاق الاراضي العراقية أشار اليه بوصفه «نبع زفت». ومن أجمل اجزاء هذه الخريطة النادرة وأكثرها اتقاناً تلك البقعة التي احتلتها مدينة بغداد بحصونها وأسوارها، متوسطة نهري دجلة والفرات. ولم يكتف الرسام بالشكل الخارجي للأسوار بل اعتمد الدقة أسلوباً مميزاً له حيث أدرج كثيراً من التفاصيل المعمارية المهمة داخل هذه الاسوار منها الجامع الكبير، وقلعة عقرقوف وغيرها من المزارات والمقامات المهمة داخل بغداد.
وتتوالى الأبنية والأنهار والجبال على طول الطريق وصولاً الى شبه الجزيرة العربية التي جاءت بمقاييس مختلفة عما هو معروف لدينا الآن. الا ان أهم ما نلاحظه في هذا الجزء هو قلة المعلومات الجغرافية مقارنة مع بقية اجزاء الخريطة، وربما يرجع السبب في ذلك الى عدم توافر معرفة كافية بجغرافية شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت.
وفي النهاية، نحن أمام وثيقة مهمة مصورة وشيقة يمكن من خلالها تخيل الطرق والمسالك التي كان على الحاج ان يسلكها من اسطنبول الى مكة المكرمة في القرن السابع عشر الميلادي. لندرك مدى الرفاهية التي نتمتع بها اليوم اثناء رحلاتنا مهما كان نوع الوسيلة المؤدية الى المكان المنشود سواء كان ذلك براً أو بحراً أو جواً.
خالد عزب الحياة - 15/12/07//
الحج من الشعائر المقدسة عند المسلمين، فهو ركن من أركان الاسلام الخمسة الاساسية، لذا نجده من اكثر الاحداث التي تناولها المؤرخون والرحالة والجغرافيون. فكم من الكتب والمدونات التي تناولت شعائر الحج ومشقة الطرق التي يسلكها الحجاج من أجل الوصول الى مكة، لتأدية هذه الفريضة المحببة الى قلب كل مسلم، حتى أصبح من الطبيعي ان نقرأ في كتب التاريخ والرحلات عن الحج وشعائره.
الا اننا اليوم نتناول طرق الحج من خلال وثيقة مختلفة من حيث الشكل والمضمون، فنحن أمام خريطة عثمانية نادرة من اقدم الخرائط الطوبوغرافية لمنطقة الخليج العربي وبلاد ما بين النهرين، ترجع الى الثلث الاول من القرن السابع عشر الميلادي، وهي عبارة عن 8 قطع من الورق مجمعة على شكل لفافة، أبعادها 343.5 x34 سم، أي ما يزيد على ثلاثة أمتار طولاً وما يقرب من النصف متر عرضاً، وهي محفوظة في مجموعة الشيخ حسن بن علي آل ثاني في المكتبة التراثية بالدوحة.
رسمت هذه الخريطة المخطوطة بالحبر الأسود والألوان المائية لتوضيح المعالم والتضاريس الجغرافية. وقد وفق الرسام في استخدام اللون الأزرق لتمييز المسطحات المائية من خلال خلجان وبحيرات وأنهار. أما اليابسة فقد تركت من دون تلوين أي بلون الورق الأصلي، في حين استخدم اللونين الأصفر والأخضر لتلوين الجبال والمرتفعات، كما لونت الطرق باللون الاصفر المحدد بالأسود. وقد كتبت بيانات الخريطة باللغة التركية، بالخط العربي (الرقعة) بالحبر الاسود.
انها بالفعل وثيقة مصورة تقص لنا من خلال الصورة طريق الحج من اسطنبول الى مكة، نجح واضعها في ان ينقل لنا تأثير السائح الجغرافي، وكأنه قام بالسير في هذه الأراضي متتبعاً معالمها، مسجلاً بياناتها، فجاءت الخريطة وقد اشتملت على مشهد جغرافي متكامل.
ترصد هذه الخريطة المنطقة الممتدة من أعالي دجلة والفرات مروراً بالأراضي التركية والعراقية فشط العرب والخليج العربي الى بحر العرب جنوباً، متتبعة في ذلك طريق الملاحة البحري على محور واحد، حيث تبدأ الخريطة من شمال شرقي تركيا بدءاً من قلعة «أرض روم» وعبر سلسلة جبال الأناضول، حيث تنتشر بعض القلاع ذات الطراز التركي: قلعة سلاطين وعينتاب ومرعش، وعلى المحور نفسه قلعة «أخلاط» حيث تبدأ سلسلة الجبال التي ينبع منها نهر الفرات ومعه تبدأ رحلة الشريان النهري مندفعاً الى الجنوب، حيث يبدأ دجلة من مرتفعات «كورستاه» بموازاة قلعة ديار بكر، وعلى المحور نفسه تبدو قلعة حلب التي تتصل بشبكة الطرق البرية التي تتعامد على النهرين من خلال الجسور.
وفي الطريق من ديار بكر الى الموصل تقع العديد من القلاع والأضرحة والمساجد والمقامات وغيرها من الأبنية. وقد وفق الرسام في توضيح المعالم الرئيسة لمدينة الموصل حيث أحاطها بالأسوار والأبراج على شكل نصف دائرة. ومن جنوب الموصل يبدأ نهر دجلة ذو التفريعات الكثيرة التي تبدو كشبكة متصلة، وبامتداد الحدود الشرقية مع بلاد فارس نلاحظ استمرار سلسلة الجبال العملاقة كحدود طبيعية تفصل بينهما وقد لونت باللونين الأصفر والأخضر، وتتوالى الابنية المتنوعة الاغراض والأشكال على طول الطريق، وهنا نجد ان الرسام كان يتمتع بخلفية ثقافية، حيث استطاع التمييز بين الشكل والاسم بين الابنية المتناثرة على طول الطريق من قلاع وحصون ومساجد ومقامات، إضافة الى وجود بعض الأبنية التي كتب عليها «وقف حرمين شريفين»، كما أشار الى بئر للبترول يقع في نطاق الاراضي العراقية أشار اليه بوصفه «نبع زفت». ومن أجمل اجزاء هذه الخريطة النادرة وأكثرها اتقاناً تلك البقعة التي احتلتها مدينة بغداد بحصونها وأسوارها، متوسطة نهري دجلة والفرات. ولم يكتف الرسام بالشكل الخارجي للأسوار بل اعتمد الدقة أسلوباً مميزاً له حيث أدرج كثيراً من التفاصيل المعمارية المهمة داخل هذه الاسوار منها الجامع الكبير، وقلعة عقرقوف وغيرها من المزارات والمقامات المهمة داخل بغداد.
وتتوالى الأبنية والأنهار والجبال على طول الطريق وصولاً الى شبه الجزيرة العربية التي جاءت بمقاييس مختلفة عما هو معروف لدينا الآن. الا ان أهم ما نلاحظه في هذا الجزء هو قلة المعلومات الجغرافية مقارنة مع بقية اجزاء الخريطة، وربما يرجع السبب في ذلك الى عدم توافر معرفة كافية بجغرافية شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت.
وفي النهاية، نحن أمام وثيقة مهمة مصورة وشيقة يمكن من خلالها تخيل الطرق والمسالك التي كان على الحاج ان يسلكها من اسطنبول الى مكة المكرمة في القرن السابع عشر الميلادي. لندرك مدى الرفاهية التي نتمتع بها اليوم اثناء رحلاتنا مهما كان نوع الوسيلة المؤدية الى المكان المنشود سواء كان ذلك براً أو بحراً أو جواً.