yasmeen
12-20-2007, 07:07 AM
جمال البنا- المصري اليوم
«إلي الشيخ الذي أخذ يصول ويجول ويبدئ ويعيد ويستعرض عضلاته أمام المذيعة الحسناء في (دريم)».
صدَّع الأزهريون آذاننا بتكرار دعوتهم أنهم أهل الذكر، فلا يفتأون في كل ندوة، وفي كل مناسبة يقولون إنهم أهل الذكر، وعلي الناس أن يتوجهوا إليهم بالسؤال، لأنهم الذين يعلمون الجواب،
وأنه لا يجوز لأحد آخر غيرهم أن يتحدث عن الإسلام، ويضربون المثل بأنه ما من محام يتدخل في الطب، وما من طبيب يتدخل في الهندسة.. إلخ،
كأن الإسلام حرفة ومهنة، وهم أصحابها، فلا يجوز لأحد أن يفتات عليهم أو يشاركهم «السبوبة».
أقول إنكم أيها السادة أوشكتم أن تلحقوا بالذين يحرفون الكلم عن مواضعه، أو بـ «الذين يفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيحِبُّونَ أَنْ يحْمَدُوا بِمَا لَمْ يفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (آل عمران: ١٨٨).
الجملة التي تتبجحون بها «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» هي جزء من آية انتزع من سياقها حتي لا تعرف دلالتها فيفوت ما أرادوه.
والآية كاملة هي «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (الأنبياء: ٧)، وهي آية من سورة تتحدث عن الأنبياء وتحمل اسم الأنبياء.
تذكر الآية أن كفار قريش أنكروا أن يكون سيدنا محمد رسولاً، لأنهم تصوروا أن الله لا يرسل رسوله رجلاً من الرجال ومن عامة البشر، وهو أمر أشار إليه القرآن أكثر من مرة:
* «ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَينَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَي اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِي حَمِيدٌ» (التغابن: ٦).
* «وَمَا مَنَـــعَ النَّاسَ أَنْ يؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَي إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً» (الإسراء : ٩٤ـ٩٥).
رفض الكفار فكرة أن الله تعالي يرسل سيدنا محمد، وهو بشر منهم فجاءت الآية تؤكد أن الله تعالي لم يرسل إلا رجالاً، ثم وجهت القول لهم «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (الأنبياء: ٧).
من هم أهل الذكر الذي طلب الله من قريش أن يسألونهم.
ليس إلا اليهـود ـ أهل الكتاب ـ الذين اصطفي الله رجالاً منهم جعلهم أنبياء مثل إسحق، ويعقوب، وموسي، وعيسي، فهؤلاء أنبياؤهم، وهم رجال، فلا عجب إذا أرسل ألله رجلاً هو سيدنا محمد، ليبشر بدين الإسلام.
أهل الذكر هنا هم اليهود والموضوع يتعلق بإثبات نبوة الرسول، فهل فات هذا علي علمائنا الأجلاء وفقهائنا الأذكياء.
ليس لكم أن تتحججوا بهذه الآية، التي لا تدل أبدًا علي ما توهمون الناس به.
وإنما طلب القرآن أن يسألوا اليهود علي وجه التحديد، لأنهم أهل الكتاب الذين كان رسلهم رجالاً، وليس هناك غيرهم كان يمكن أن يسأل، لأن المسيحية تعطي للمسيح صفة إلهية.
إن من غير المعقول أن يكون المقصود بأهل الذكر علماء وفقهاء الإسلام، لأن القصة كلها تدور حول إنكار نبوة الرسول، نفسه.
ولا ينطبق علي هذه الآية ما يقال إن «العبرة بعموم النص وليس بخصوص السبب»، لأن النص نفسه مخصوص، فلا يمكن أن يعمم وإذا عمم فعلي أنبياء، وليس علي شيوخ الأزهر.
صحيح أن القرآن قد استخدم كلمة الذكر بمعني القرآن، ولكن في آية سورة الأنبياء لا يمكن أن يكون المراد بها القرآن، لأن الكفار يرفضون نبوة النبي، فكيف يسألون أهل القرآن.
نرجوكم ألا تغالطوا أو توهموا الناس عندما تقولون نحن «أَهْلَ الذِّكْرِ» الذين أشار إليهم القرآن، لأن هذا استغلال للقرآن وتحويله عما يعنيه.
***
في حالات أخري يستشهد الشيوخ بالآية «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِينفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِينذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يحْذَرُونَ» (التوبة : ١٢٢).
ولكن هل «نفرتم؟» إن نـَفـَرَ يعني تطوع، أي نذر نفسه وإذا تسامحنا فيمكن أن تخصص كل فرقة طائفة منهم لكي يتدارسوا في الدين.
فهل نفرتم بوحي الإيمان والتطوع؟ أو هل اختارتكم أي فرقة من فرق المسلمين لتتفقهوا في الدين؟
لو حدث هذا لكان من الممكن أن تقولوا نحن من هذه «الطائفة».
ولكن الحقيقة أن الدولة عينتكم في مناصب ودفعت لكم رواتب سخية، وجعلتكم الذين تتحدثون عن الإسلام، وأسبغت علي الأزهر لقب الشريف وعلي شيخه «شيخ الإسلام»، كما عينت وزارة العدل «المفتي»، وهذه كلها مناصب حكومية، فضلاً عن أنها من محدثات الأمور التي لم تعرف علي عهد الرسول، أو صحابته.
***
في أواخر عهد المماليك (مراد، وإبراهيم، والبرديسي) وفي مواجهة سياساتهم الغاشمة، وفرضهم ضرائب عشوائية، اختار الشعب شيوخ الأزهر قادة له، فعندما كانت تحدث مظلمة لهم كانوا يستغيثون بهم، فيأمرون بإغلاق الأبواب، والمسير معهم إلي هؤلاء البكوات الذين عندما يرون الشعب وراء شيوخه لا يملكون إلا الخضوع، وترفع الضرائب وتكتب وثيقة عند القاضي.
ووصلوا من القوة درجة خلعوا فيها والي السلطان (خورشيد) واختاروا محمد علي وألبسوه خلعة الولاية بعد أن تعهد أن يحكم بالعدل وإلا أقالوه وحاربوا الوالي وجيشه حتي هزموه.
كان الأزهر يفتح أبوابه للجميع، وكان هو الملاذ للعميان والمعوقين، ولم يكن يأخذ مصروفات، بل كان يدفع «جراية»، وكان الشيوخ يقومون بدراساتهم بطرق حرة تفضل أحدث الوسائل التعليمية وكانوا يتقاضون من أوقاف الأزهر قروشاً.
ولكنهم كانوا ملء العين.. وملء القلب.
وما كانوا في حاجة لأن يقولوا «نحن أهل الذكر»، لأنهم كانوا قادة الشعب وحماته.
فأين هم من هؤلاء، موظفون لدي الدولة، ما كانوا ليقولوا كلمة واحدة عن الإسلام لولا الوظيفة، والماهية، ولأنهم موظفون عند الدولة فلا يملكون نقدها أو تقويمها، أو أن يصدعوا عند كلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أعظم المنكرات التي يتولاها عهد يقوم علي الاستبداد، ويحمي الفساد، ويتحكم فيه حفنة من رجال الأعمال والمحتكرين.
* هل فعلوا مع باشوات العصر ما فعله أسلافهم مع باكوات المماليك؟
* هل يمكن أن يجابهوا المحتكرين الذين جعلوا حياة الشعب كربًا وعذابًا؟
<هل ىمكن أن ىنددوا بالتعذىب الذى ىنتهك الكرامات فى أقسام البولىس؟>* هل يمكن أن ينقدوا الانتخابات المزورة والحريات المهدرة وقوانين الإرهاب.
هل لهم أن يقولوا للحكومة أنتم تشغلون مليون فرد في الأمن المركزي، ولو حكمتم بالعدل لما كنتم في حاجة إلي واحد منهم، ولاستطاع الرئيس حسني مبارك أن ينام في المسجد آمناً مطمئناً كما كان عمر بن الخطاب ينام مطمئناً، وكانت مصر بأسرها جزءًا من إمبراطوريته.
* أين أنتم من الجياع العراة في هذا البرد القارص في مصر وفي غزة؟
* أين أنتم من المرضي الذين لا يجدون مستشفي يعالجهم؟
* أين أنتم من جيش العاطلين نتيجة لسياسة الاستثمار وتكثيف رأس المال.. وطرد العمال؟
لقد قال الرسول: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، فكيف تكونون أهل الذكر ثم تهملون أمر المسلمين؟ وهل تظنون أن رسالتكم هي قضايا النكاح والحيض والنفاس وإصدار الفتاوي التي تثير التقزز، وتنفر الناس من الإسلام.
***
عندما بدأت دعوة الإحياء الإسلامي مع بداية القرن الواحد والعشرين لم أتعرض للأزهر وإن كنت قد نقدت منهج التقليد وفهم السلف.
ولكن الأزهر لم يتصور أن يظهر كاتب من غير زمرته، ويكتب عن الإسلام كأنهم قد ملكوا رحمة الله، وكان قوام صيحتهم أنه «غير مختص»، مع أن غير المختص هذا كتب عن الإسلام من سنة ١٩٤٦، أي عندما كانوا أطفالاً رضع (إذا كانوا قد ولدوا).
يا ليت الأزهر يعلم كيف استقبل السيد رشيد رضا صاحب المنار كتابًا أصدره محمد فريد وجدي في عشرينات عمره، فقال عنه «هذا الشاب الذي فاقت حكمته حكمة الشيوخ»، ووضع كتابه بعد «رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبده التي كان يمنحها الأولوية المطلقة في الكتابات الإسلامية.
فعل السيد رشيد رضا هذا لأنه ليس موظفاً، ولا يعتمد علي راتب حكومة، ولكن كان مؤمناً بفكر إسلامي جديد، وكان يحمل رسالة تجديد الشيخ محمد عبده، فلم يجد الحرص والأنانية مكاناً، ولم يقل كيف يمكن لشاب في العشرين من عمره أن يكتب ويؤلف عن الإسلام، بل رأي فيه مكسبًا للدعوة الإسلامية.
إن القرآن لم يمدح أبدًا الحريصين، الذاتيين، الأنانيين، ولكن امتدح الذين يؤثرون علي أنفسهم ولوكان بهم خصاصة.
فمتي يتعلم شيوخ الأزهر؟
***
ليس بيني وبين الأزهر خصومة علي مركز أو وظيفة، كل ما بيننا اختلاف في المناهج يجعل تلاقينا صعباً، فهم يؤمنون بإسلام الفقهاء، ويرون أنه ما من أحد يمكن أن يصل إلي نصف أو ربع ما وصل إليه مالك، وهم يأخذون بفقه الأسلاف كما يأخذون تصنيف الحديث بما وضعه أحمد بن حنبل، وما من واحــد يشك في أمانته وإخلاصه وورعه، ولكن ما من واحد يمكن أن يدعي أنه فوق البشر، وأنه معصوم، وأنه لا يمكن أن يخطئ،
وبالمثل فإنهم يقبلون، بل ويطبقون أحكام المفسرين من ابن عباس حتي الطبري والقرطبي وابن كثير، ويتقبلون ما يسمونه «علوم القرآن» من ناسخ ومنسوخ، ومن أسباب نزول، هذا هو منهجهم.
أما منهجنا نحن الذين نؤمن بدعوة الإحياء، فإنه ينحي كل هذا التراث الضخم الكبير الذي وضع من ألف عام وكان عندما كتب سابقاً ورائدًا، أما الآن فهو عقبة في سبيل التقدم.
إن التراث أشبه بعرق ذهب في جبل أشم لابد لكي تصل إليه أن تخترق الجبل وأن تبذل أموالاً وجهودًا وأوقاتاً.
ولكن لماذا نبذل كل هذا الجهد، لماذا نعتمد علي الأسلاف؟ لماذا لا نعمل عقولنا حتي لو كان ما تركه الأسلاف ممتازاً ورائعًا؟ فهذا لا يعدل إهمالنا لعقلنا، لأن هذا معناه أن يصدأ هذا العقل، وعندئذ لا ننتفع بحياتنا.
ونحن نؤمن أننا مثل السلف، ومن الناحية العلمية فنحن أقدر منهم بمراحل علي فهم المضامين واستخراج الأحكام، لأن عندنا علمهم، وعندنا ما يفضل علمهم مرارًا وتكرارًا.
فنحن ندعو للعودة إلي القرآن رأسًا، وإطراح كل التفاسير، وضبط السُـنة بمعايير من القرآن وإعلاء جوهر الإسلام وروحه علي شكلياته وقوالبه واستلهام الحكمة التي أنزلها الله تعالي وقرنها بالكتاب، وقد كتبنا في كل ناحية كتابًا أو أكثر نتحدي شيوخ الأزهر أن يكتبوا مثله.
ومثل هذا المنهج يحول دون أي تلاق بمنهج السلف والتقليد ويجعل اللغة التي نتكلم بها تختلف عن اللغة التي يتكلمون بها، ومن ثم فلا تفاهم ولا فائدة من أي حوار.
«إلي الشيخ الذي أخذ يصول ويجول ويبدئ ويعيد ويستعرض عضلاته أمام المذيعة الحسناء في (دريم)».
صدَّع الأزهريون آذاننا بتكرار دعوتهم أنهم أهل الذكر، فلا يفتأون في كل ندوة، وفي كل مناسبة يقولون إنهم أهل الذكر، وعلي الناس أن يتوجهوا إليهم بالسؤال، لأنهم الذين يعلمون الجواب،
وأنه لا يجوز لأحد آخر غيرهم أن يتحدث عن الإسلام، ويضربون المثل بأنه ما من محام يتدخل في الطب، وما من طبيب يتدخل في الهندسة.. إلخ،
كأن الإسلام حرفة ومهنة، وهم أصحابها، فلا يجوز لأحد أن يفتات عليهم أو يشاركهم «السبوبة».
أقول إنكم أيها السادة أوشكتم أن تلحقوا بالذين يحرفون الكلم عن مواضعه، أو بـ «الذين يفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيحِبُّونَ أَنْ يحْمَدُوا بِمَا لَمْ يفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (آل عمران: ١٨٨).
الجملة التي تتبجحون بها «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» هي جزء من آية انتزع من سياقها حتي لا تعرف دلالتها فيفوت ما أرادوه.
والآية كاملة هي «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (الأنبياء: ٧)، وهي آية من سورة تتحدث عن الأنبياء وتحمل اسم الأنبياء.
تذكر الآية أن كفار قريش أنكروا أن يكون سيدنا محمد رسولاً، لأنهم تصوروا أن الله لا يرسل رسوله رجلاً من الرجال ومن عامة البشر، وهو أمر أشار إليه القرآن أكثر من مرة:
* «ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَينَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَي اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِي حَمِيدٌ» (التغابن: ٦).
* «وَمَا مَنَـــعَ النَّاسَ أَنْ يؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَي إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً» (الإسراء : ٩٤ـ٩٥).
رفض الكفار فكرة أن الله تعالي يرسل سيدنا محمد، وهو بشر منهم فجاءت الآية تؤكد أن الله تعالي لم يرسل إلا رجالاً، ثم وجهت القول لهم «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (الأنبياء: ٧).
من هم أهل الذكر الذي طلب الله من قريش أن يسألونهم.
ليس إلا اليهـود ـ أهل الكتاب ـ الذين اصطفي الله رجالاً منهم جعلهم أنبياء مثل إسحق، ويعقوب، وموسي، وعيسي، فهؤلاء أنبياؤهم، وهم رجال، فلا عجب إذا أرسل ألله رجلاً هو سيدنا محمد، ليبشر بدين الإسلام.
أهل الذكر هنا هم اليهود والموضوع يتعلق بإثبات نبوة الرسول، فهل فات هذا علي علمائنا الأجلاء وفقهائنا الأذكياء.
ليس لكم أن تتحججوا بهذه الآية، التي لا تدل أبدًا علي ما توهمون الناس به.
وإنما طلب القرآن أن يسألوا اليهود علي وجه التحديد، لأنهم أهل الكتاب الذين كان رسلهم رجالاً، وليس هناك غيرهم كان يمكن أن يسأل، لأن المسيحية تعطي للمسيح صفة إلهية.
إن من غير المعقول أن يكون المقصود بأهل الذكر علماء وفقهاء الإسلام، لأن القصة كلها تدور حول إنكار نبوة الرسول، نفسه.
ولا ينطبق علي هذه الآية ما يقال إن «العبرة بعموم النص وليس بخصوص السبب»، لأن النص نفسه مخصوص، فلا يمكن أن يعمم وإذا عمم فعلي أنبياء، وليس علي شيوخ الأزهر.
صحيح أن القرآن قد استخدم كلمة الذكر بمعني القرآن، ولكن في آية سورة الأنبياء لا يمكن أن يكون المراد بها القرآن، لأن الكفار يرفضون نبوة النبي، فكيف يسألون أهل القرآن.
نرجوكم ألا تغالطوا أو توهموا الناس عندما تقولون نحن «أَهْلَ الذِّكْرِ» الذين أشار إليهم القرآن، لأن هذا استغلال للقرآن وتحويله عما يعنيه.
***
في حالات أخري يستشهد الشيوخ بالآية «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِينفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِينذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يحْذَرُونَ» (التوبة : ١٢٢).
ولكن هل «نفرتم؟» إن نـَفـَرَ يعني تطوع، أي نذر نفسه وإذا تسامحنا فيمكن أن تخصص كل فرقة طائفة منهم لكي يتدارسوا في الدين.
فهل نفرتم بوحي الإيمان والتطوع؟ أو هل اختارتكم أي فرقة من فرق المسلمين لتتفقهوا في الدين؟
لو حدث هذا لكان من الممكن أن تقولوا نحن من هذه «الطائفة».
ولكن الحقيقة أن الدولة عينتكم في مناصب ودفعت لكم رواتب سخية، وجعلتكم الذين تتحدثون عن الإسلام، وأسبغت علي الأزهر لقب الشريف وعلي شيخه «شيخ الإسلام»، كما عينت وزارة العدل «المفتي»، وهذه كلها مناصب حكومية، فضلاً عن أنها من محدثات الأمور التي لم تعرف علي عهد الرسول، أو صحابته.
***
في أواخر عهد المماليك (مراد، وإبراهيم، والبرديسي) وفي مواجهة سياساتهم الغاشمة، وفرضهم ضرائب عشوائية، اختار الشعب شيوخ الأزهر قادة له، فعندما كانت تحدث مظلمة لهم كانوا يستغيثون بهم، فيأمرون بإغلاق الأبواب، والمسير معهم إلي هؤلاء البكوات الذين عندما يرون الشعب وراء شيوخه لا يملكون إلا الخضوع، وترفع الضرائب وتكتب وثيقة عند القاضي.
ووصلوا من القوة درجة خلعوا فيها والي السلطان (خورشيد) واختاروا محمد علي وألبسوه خلعة الولاية بعد أن تعهد أن يحكم بالعدل وإلا أقالوه وحاربوا الوالي وجيشه حتي هزموه.
كان الأزهر يفتح أبوابه للجميع، وكان هو الملاذ للعميان والمعوقين، ولم يكن يأخذ مصروفات، بل كان يدفع «جراية»، وكان الشيوخ يقومون بدراساتهم بطرق حرة تفضل أحدث الوسائل التعليمية وكانوا يتقاضون من أوقاف الأزهر قروشاً.
ولكنهم كانوا ملء العين.. وملء القلب.
وما كانوا في حاجة لأن يقولوا «نحن أهل الذكر»، لأنهم كانوا قادة الشعب وحماته.
فأين هم من هؤلاء، موظفون لدي الدولة، ما كانوا ليقولوا كلمة واحدة عن الإسلام لولا الوظيفة، والماهية، ولأنهم موظفون عند الدولة فلا يملكون نقدها أو تقويمها، أو أن يصدعوا عند كلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أعظم المنكرات التي يتولاها عهد يقوم علي الاستبداد، ويحمي الفساد، ويتحكم فيه حفنة من رجال الأعمال والمحتكرين.
* هل فعلوا مع باشوات العصر ما فعله أسلافهم مع باكوات المماليك؟
* هل يمكن أن يجابهوا المحتكرين الذين جعلوا حياة الشعب كربًا وعذابًا؟
<هل ىمكن أن ىنددوا بالتعذىب الذى ىنتهك الكرامات فى أقسام البولىس؟>* هل يمكن أن ينقدوا الانتخابات المزورة والحريات المهدرة وقوانين الإرهاب.
هل لهم أن يقولوا للحكومة أنتم تشغلون مليون فرد في الأمن المركزي، ولو حكمتم بالعدل لما كنتم في حاجة إلي واحد منهم، ولاستطاع الرئيس حسني مبارك أن ينام في المسجد آمناً مطمئناً كما كان عمر بن الخطاب ينام مطمئناً، وكانت مصر بأسرها جزءًا من إمبراطوريته.
* أين أنتم من الجياع العراة في هذا البرد القارص في مصر وفي غزة؟
* أين أنتم من المرضي الذين لا يجدون مستشفي يعالجهم؟
* أين أنتم من جيش العاطلين نتيجة لسياسة الاستثمار وتكثيف رأس المال.. وطرد العمال؟
لقد قال الرسول: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، فكيف تكونون أهل الذكر ثم تهملون أمر المسلمين؟ وهل تظنون أن رسالتكم هي قضايا النكاح والحيض والنفاس وإصدار الفتاوي التي تثير التقزز، وتنفر الناس من الإسلام.
***
عندما بدأت دعوة الإحياء الإسلامي مع بداية القرن الواحد والعشرين لم أتعرض للأزهر وإن كنت قد نقدت منهج التقليد وفهم السلف.
ولكن الأزهر لم يتصور أن يظهر كاتب من غير زمرته، ويكتب عن الإسلام كأنهم قد ملكوا رحمة الله، وكان قوام صيحتهم أنه «غير مختص»، مع أن غير المختص هذا كتب عن الإسلام من سنة ١٩٤٦، أي عندما كانوا أطفالاً رضع (إذا كانوا قد ولدوا).
يا ليت الأزهر يعلم كيف استقبل السيد رشيد رضا صاحب المنار كتابًا أصدره محمد فريد وجدي في عشرينات عمره، فقال عنه «هذا الشاب الذي فاقت حكمته حكمة الشيوخ»، ووضع كتابه بعد «رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبده التي كان يمنحها الأولوية المطلقة في الكتابات الإسلامية.
فعل السيد رشيد رضا هذا لأنه ليس موظفاً، ولا يعتمد علي راتب حكومة، ولكن كان مؤمناً بفكر إسلامي جديد، وكان يحمل رسالة تجديد الشيخ محمد عبده، فلم يجد الحرص والأنانية مكاناً، ولم يقل كيف يمكن لشاب في العشرين من عمره أن يكتب ويؤلف عن الإسلام، بل رأي فيه مكسبًا للدعوة الإسلامية.
إن القرآن لم يمدح أبدًا الحريصين، الذاتيين، الأنانيين، ولكن امتدح الذين يؤثرون علي أنفسهم ولوكان بهم خصاصة.
فمتي يتعلم شيوخ الأزهر؟
***
ليس بيني وبين الأزهر خصومة علي مركز أو وظيفة، كل ما بيننا اختلاف في المناهج يجعل تلاقينا صعباً، فهم يؤمنون بإسلام الفقهاء، ويرون أنه ما من أحد يمكن أن يصل إلي نصف أو ربع ما وصل إليه مالك، وهم يأخذون بفقه الأسلاف كما يأخذون تصنيف الحديث بما وضعه أحمد بن حنبل، وما من واحــد يشك في أمانته وإخلاصه وورعه، ولكن ما من واحد يمكن أن يدعي أنه فوق البشر، وأنه معصوم، وأنه لا يمكن أن يخطئ،
وبالمثل فإنهم يقبلون، بل ويطبقون أحكام المفسرين من ابن عباس حتي الطبري والقرطبي وابن كثير، ويتقبلون ما يسمونه «علوم القرآن» من ناسخ ومنسوخ، ومن أسباب نزول، هذا هو منهجهم.
أما منهجنا نحن الذين نؤمن بدعوة الإحياء، فإنه ينحي كل هذا التراث الضخم الكبير الذي وضع من ألف عام وكان عندما كتب سابقاً ورائدًا، أما الآن فهو عقبة في سبيل التقدم.
إن التراث أشبه بعرق ذهب في جبل أشم لابد لكي تصل إليه أن تخترق الجبل وأن تبذل أموالاً وجهودًا وأوقاتاً.
ولكن لماذا نبذل كل هذا الجهد، لماذا نعتمد علي الأسلاف؟ لماذا لا نعمل عقولنا حتي لو كان ما تركه الأسلاف ممتازاً ورائعًا؟ فهذا لا يعدل إهمالنا لعقلنا، لأن هذا معناه أن يصدأ هذا العقل، وعندئذ لا ننتفع بحياتنا.
ونحن نؤمن أننا مثل السلف، ومن الناحية العلمية فنحن أقدر منهم بمراحل علي فهم المضامين واستخراج الأحكام، لأن عندنا علمهم، وعندنا ما يفضل علمهم مرارًا وتكرارًا.
فنحن ندعو للعودة إلي القرآن رأسًا، وإطراح كل التفاسير، وضبط السُـنة بمعايير من القرآن وإعلاء جوهر الإسلام وروحه علي شكلياته وقوالبه واستلهام الحكمة التي أنزلها الله تعالي وقرنها بالكتاب، وقد كتبنا في كل ناحية كتابًا أو أكثر نتحدي شيوخ الأزهر أن يكتبوا مثله.
ومثل هذا المنهج يحول دون أي تلاق بمنهج السلف والتقليد ويجعل اللغة التي نتكلم بها تختلف عن اللغة التي يتكلمون بها، ومن ثم فلا تفاهم ولا فائدة من أي حوار.