المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكايا جزائرية مع الكباش



yasmeen
12-20-2007, 07:04 AM
مواقف الغرابة وأحيانا الطرافة والصداقة


كامل الشيرازي من الجزائر



تتنّوع حكايا الشباب في الجزائر مع الكباش، وتكون مناسبة عيد الأضحى من كل عام فرصة لاستذكار بعض السيناريوهات الطريفة، "إيلاف" تقدم ثلاثة نماذج في هذه الوقفة.

هروب

يحكي محمد (26 سنة) خريج كلية هندسة، ما حصل له قبل سنوات مع كبش فريد كان يطلق عليه اسم (دينو)، يقول:" كان ذلك عام 2000، اقتنى والدي كبشا ضخما بمبلغ كبير، انفرد عن باقي كباش حارتنا وكنت أباهي تقوّس قرنيه العتيدين بين الناس، وبقيت أسبوعا كاملا وأنا أشرف على إطعامه و(مناغاته) والإمعان في تدليله، إلى أن اقترب اليوم الموعود، وكأني به أحسّ باقتراب نحره، ففضّل تنفيذ خطته والهروب بعيدا".

يضيف محمد:" ليته فعلها لبضع الوقت على سبيل التسلية (..)، لكنّ الأمر بدا واضحا، وظهر أنّ كبشي الذي أغرمت بفضائله عزم على فرار فعلي، وظلّ محل عملية بحث حثيثة استمرت 96 ساعة، انتشرت أثناءها تحاليل بالجملة عن كبشنا (دينو)، كثير من الأشخاص تصوروا أنّ دينو هرب لأنّه اعتبر أنّ التضحية بمعشر الكباش بمثابة (مجازر بشعة) و(مسالخ إرهاب) يذهب ضحيتها الملايين من إخوانه عبر أنحاء العالم، ويبدو أنّ هروب الكبش المذكور استهوى الصحف المحلية وقتئذ ودفع البعض من محرريها للخوض مطوّلا في تفاصيل مشروع (كبشي) رفع إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن يقترح تعميم الديمقراطية على أمة الكباش، واستبعادها عن تسلّط البشر (..).
وينتهي محمد إلى أنّه في أعقاب أربعة أيام طويلة بلياليها تجنّد خلالها أبناء الحارة لاسترجاع الكبش الميمون، تمّ العثور على الأخير بإحدى السفوح المحاذية بعد أن نجح أحد الرعاة في استمالته وضمّه إلى قطيعه،:"لنقوم بنحر الكبش المتمرد في اليوم الموالي، لكن بعد إيه".

نطحة

سفيان 29 سنة تاجر، يروي بمرارة فصول (مأساته) مع كبش كانت له معه ثمة مغامرة غير مأمونة كادت أن تودي بحياته، يقول سفيان:" حصل ذلك عام 1991، كان سني لا يتجاوز الرابعة عشر، عندما تلقيت نطحة مميتة من كبش هائل، قرناه من النوع الذي يظهران كحرف الهاء لكن في صورة عكسية،.. كنت سعيدا جدا عندما أحضر والدي ذاك الخروف، وأوصاني بالاعتناء به وبعلفه، وأحسست في الأيام الأولى شيئا من (المودّة) مع ذاك الخروف، فشجعني ذلك على التقرب منه أكثر والإفراط في إطعامه من أجود العلف وأعواد البرسيم، وأحسست بأنّه صار يكنّ لي عاطفة خاصة عندما كنت "أملّس" رقبته وأدلك ظهره".

يوضح سفيان:" لم يكن قد تبقى سوى ليلتان عن عيد الأضحى، أردت مشاغبة كبشي قليلا، فرحت أعبث بقرنيه غير مدرك للعواقب، وبينما كنت أستمتع بفعل ذلك وتطويق عنقه، إذا به ينتفض ويخلص رأسه من الحبل الذي لم يُحكم ربطه، وفي لمح البصر نطحني في صدري نطحة آلمتني بشدة وطرحتني أرضا، ، وبصعوبة كبيرة نجحت في النهوض، لكنه عاجلني بنطحة أخرى أصابتني في وجهي وأحسست بدماء دافئة تغشاني وتسيل بقوة، كنت وقتها أرتعش رعبا وعيناي معلقتان بالكبش الجاحد المعتدي، إلى أن قدم عمي ورآني على تلك الحالة، فهبّ لنجدتي، بينما لم أتمالك دموعي".

المثير، أنّ الكبش المذكور الذي استلزم ذبحه ستة اشخاص للسيطرة عليه، كاد ان يفعلها ثانية مع والد سفيان، ومنذ ذاك الوقت كره محدثنا الكباش صاحبة القرون الضخمة، كما لم تعد له الشجاعة للاقتراب منها أو مجرد الاحتكاك بها.

صديقي الكبش

ناصر 28 سنة، بائع أثاث، له حكاية نادرة مع كبشه (الصوري)، هذه الحكاية لا تزال مستمرة للعام الثالث على التوالي، حيث من فرط تعلق ناصر بهذا الكبش، يصر على رفض التضحية به، والغريب أنّ ناصر ربى الكبش المذكور منذ كان صغيرا، ولقّنه أبجديات التعامل مع المحيط.
يقول ناصر:" تعرّفت على كبشي (الصوري) في شتاء 2005، كان حينئذ خروفا صغيرا، أعجبني كثيرا فاقتنيته بثمن معقول، جلبته إلى حارتي بحي باب الوادي الشهير وسط العاصمة الجزائرية، وهنالك علّمته البحث عن مختلف الأشياء وطريقة الدفاع عن نفسه، وكذا مصارعة خصومه من الكباش، ومن نتائج ذلك أنّه صار يستوعب أوامري عن طريق توجيهي إشارات معيّنة إليه".

ناصر الذي أحجم عن نحر كبشه في عيد الأضحى الماضي، ويرفض أن يفعل ذلك أيضا في هذا العيد رغم الضغوط الممارسة عليه من طرف عائلته، يركّز على أنّه يشعر بطمأنينة غامرة وهو برفقة كبشه، ويعدّد مزايا الأخير بكونه على عهده هادئا، وقورا، و(كلما أملأ كفي اليمني بحفنات العلف، فيتناولها، احس بالرضاء والفرح يشع من عينيه).

وعلى غرار ما هو حاصل في الجزائر من موضة (مصارعة الكباش)، دفع ناصر بكبشه إلى حلبات المبارزة قبل فترة، وحقّق نجاحات كبيرة، حيث حطّم الكبش "الصوري" الرقم القياسي في عدد الضربات التي وجّهها إلى أقرانه وبلغت 82 ضربة، بعيدا عن الوصيف وهو كبش تونسي بـ 65 ضربة في جولة مصارعة انتهت لصالح الأول.

هذا (الإنجاز) أفرح ناصر كثيرا وزاد من أسهم (الصوري) في السوق، لكنّ صاحبه عارض ولا يزال التخلي عنه بأي ثمن، ويقرّ أنّه عندما يأوي إلى فراشه يستشعر السعادة، ولا يفارق كبشه مخيلته وهو يتمايل في وقار وزهو وفخار.