فاتن
12-08-2007, 05:41 PM
كانت الساعة تشير إلى تمام الساعة الخامسة من مساء اليوم الذي يسبق أعياد الميلاد 2003، كان جورج بيرو يحاول التسوق لتلك الأعياد في اللحظات الأخيرة، حينما أحس أن (البلاك بيري) في جيبه قد بدأ يهتز دليلاً على ان اتصالاً قد ورده... وكان على الجانب الآخر فرانك باتل احد الرؤساء العاملين في قسم ملاحقة الإرهاب ضمن الأف بي اي.. باتل أخبر بيرو أن الجهاز بحاجة إلى خدماته في العراق لمقابلة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين... الذي تم إلقاء القبض عليه قبل أحد عشر يومًا من ليلة عيد الميلاد...
بيرو البالغ من العمر 36 عامًا هو أميركي من أصل لبناني... كان الرجل الأنسب لهذه المهمة حيث كان يجيد الحديث بالعربية وولد في بيروت قبل أن ينتقل مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية حينما بلغ الثالثة عشرة... حيث وقتها لم يكن يجيد كلمة واحدة من اللغة التي يجب ان يتعامل بها مع محيطه وهي الانكليزية .. فاستقر مع العائلة في كاليفورنيا ليخدم ابنها (بيرو) في الجيش ثم عمل محققًا في الشرطة ومن ثم إنتقل للعمل في الأف بي اي عام 1999.
كان بيرو قد تواجد في العراق قبل هذا التاريخ... حيث كان من بين عملاء الاف بي اي الاوائل الذين وصلوا الى العراق بعيد نجاح الغزو الاميركي لهذا البلد لدعم جهود الوكالة في التوسع على المستوى العالمي .. يقول ارت كامينيغز "كنا نبحث عن الرجال الذين تتوفر فيهم صفات معينة تناسب هذه المهمة، كان علينا معرفة ايضًا من يقف وراء المقابر الجماعية ومن اصدر القرارات الفعلية بارتكابها..."
وكجزء من مهمته في العراق كان على بيرو التعامل مع (السي اي ايه) التي وجدت فيه عنصرًا جيدًا حيث وافقت على اختياره باعتباره الشخص الذي سيجري لقاءات مع الرئيس العراقي المعتقل صدام حسين ...
حينما وصل بيرو الى بغداد في الاسبوع الاول من عام 2004 لم تكن لديه فكرة اذا كان الرئيس العراقي المخلوع سيلقي التحية عليه حتى، فلذلك كان الحديث مع الرئيس العراقي صدام حسين عن الغزو او حملة الانفال واسلحة الدمار الشامل اشياء من المستبعد الحصول على نتائج عنها من صدام.. رغم ذلك كله كان بيرو قد وصل الى صورة عن صدام حسين من خلال قراءته لقصة حياته كاملة..
يقول بيرو في كتاب (ذ تيروريست وتش) للكاتب رونليد كاسلر والذي صدر في نوفمبر الماضي ويصور في جزء منه حياة الرئيس العراقي صدام حسين في المعتقل "ما يزيد من احتمالية النجاح عادة في مثل هذه المواضيع هو اختيار الوقت المناسب لها"، مضيفًا "حينما تأتي لمقابلة شخص وان اعددت لذلك بصورة جيدة فإنك تنجح حتمًا في الحصول على معلومات من اللا وعي للشخص المقابل ، لذلك كانت طريقتي في كل مقابلة اجريها ان اجعل من نفسي خبيراً بالموضوع قبل ان ادخل الى الغرفة التي تجري فيها المقابلة" ...
في تلك اللحظة من عام 2004 لم يكن من الواضح متى واين ستقام محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين ، كانت السي اي ايه تدعو ان تقوم هي بهذه المهمة او اختيار مكان المحاكمة في العراق او الولايات المتحدة الاميركية، لأن الاف بي اي كان عليها استحصال الاستجوابات التي ستستخدم في المحاكمة لذلك كانت السي اي ايه قد طلبت من الاف بي اي ان تقوم بمهمة الاستجواب للرئيس العراقي المخلوع...
كان صدام حسين وقتها معزولاً عن بقية السجناء في سجن اميركي اقيم في مطار بغداد الدولي (مطار صدام الدولي سابقاً) ، كان صدام في السابعة والستين من العمر لا يشكو من اي امراض وكانت الولايات المتحدة غير مستعدة لتقبل اي ملاحظات سلبية قد تاتي من هنا او هناك اذا تدهورت صحته في اي وقت من الاوقات لذلك كان على سجنائه القيام بفحصه مرتين في اليوم في مكان خاص..
وكجزء من خطة العمليات التي وضعها بيرو قرر اخبار صدام انه سيكون مسؤولا عن جميع احتياجاته وسيقوم بالترجمة حينما يقوم الطبيب الاميركي بفحصه ، اما صدام حسين لم يعلم ان بيرو كان عميلاً للاف بي اي واعتقد انه سيكون مع احد ضباط الامن الاميركيين لا اكثر..
"اعتقد ان صدام حسين توصل الى استنتاج معين من خلال تصرفاتي امامه، انني كنت عضو مهم في جهاز الامن ، ولم يتوقع ان اكون شخص بمرتبة متدنية في الاف بي اي والذي عليه متابعة ما سيقوله عن الماضي ، لو كان عرف حقيقتي لم اكن لاحصل على كل ما حصلت عليه من معلومات منه فيما بعد"..
حينما كان بيرو يقوم بترجمة حديث الرئيس العراقي الى الطبيب كان يحاول الحصول على صورة للرئيس العراقي "كنت اريد ان اعرف ما المهم بالنسبة اليه وما هي عاداته التي اكتسبها خلال حياته، كان مهووسًا بالنظافة، ولم يكن يقبل ان يسلم على احد باليد وان حصل فإنه يغسل يديه بصورة متواصلة لوقت طويل"..
كان صدام حسين مولعًا بمساحات الاطفال التي تستخدم في تنظيف جلد الاطفال لدى استبدال حفاظاتهم ، فان كانت لديه الكمية الكافية منها فانه يقوم بتنظيف الفواكه بها قبل ان يأكلها واعتقد بيرو ان هذا الامر كان يمكن ان يشكل طريقة جيدة للتحكم بالرئيس العراقي.
كانت من بين ملاحظات بيرو على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أن هذا الرئيس هو أفضل مستمع للناس "كان يفضل أن تقوم أنت بالكلام كله، لأن ذلك يمكنه من دراستك وايجاد الطريقة التي يتغلب فيها عليك، كان جيدًا جدًا في قراءة الناس"... هذا ما يقوله جورج بيرو في كتاب (ذي تيروريست وتش) للكاتب (رونليد كاسلر) والذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ويصور في جزء منه حياة الرئيس العراقي صدام حسين في المعتقل حيث كان بيرو مسؤولاً عن استجواب الرئيس الراحل في المعتقل...
كان صدام يعتبر آنذاك سجين حرب، وقد اعطته السلطات العسكرية الاميركية نسخة من وثيقة جنيف لحقوق الأسرى مطبوعة باللغة العربية لتقدم له صورة عن حقوقه كافة وبعد فترة وجيزة علم صدام ان بيرو سيكون الرجل الذي سيقوم بالمقابلات معه، كان على الرجلين انتظار فترة اسبوع لكي تبدأ الحكاية من اجل ان يتسأل الرئيس العراقي لماذا لم يقابله اي شخص طوال تلك الفترة بين اعتقاله واول استجواب جرى له في 13 يناير 2004 حيث بدأ اللقاء الرسمي بالرئيس العراقي..
كان على بيرو تحضير غرفة الاستجواب ، حيث كان يريد من تلك الغرفة ان تبدو بسيطة ، كان هناك كرسي للرئيس المعتقل وكرسي لبيرو و كرسي لعميل اف بي اي ثاني في ما يعد استجواب تقليدي من الجهاز، كان على عميل الاف بي اي (تود اريناغا) اخذ الملاحظات عن الحديث الذي يدور .. في نفس الوقت كان هناك تصوير سري لعملية الاستجواب..
يقول بيرو "كنت اريد منه ان يعلم انه مهما كان في الماضي ، فالبنسبة إلى كان الرجل في عهدتي وانا مسؤول عنه، كنت اريج منه ان يعرف انني لست معنياً بما كان عليه حاله في السابق" ..
بيرو وضع كرسي صدام حسين بحيث يكون ظهره في مقابل الجدار فيما كان كرسي بيرو يضع ظهر الاخير في مواجهة الباب " رسالتي كانت انني انا من اقف بينه وبين الحرية!" ...
في نفس الوقت كان بيرو يعامل صدام حسين بكل احترام، "كانت المقابلة قد خصصت لاقامة علاقة من نوع ما بيني وبينه، انها طريقة اعتمدناها في الاف بي اي وهي الاكثر تأثيرًا خصوصًا في مثل هذه الحالات لان الوقت كان في صالحنا ولم يكن علينا ان نسرع كثيرًا ولم يخبرني احد ان لدي يوم واحد او شهر واحد او سنة واحدة لانتهي من عملي"..
في اليوم الاول من المقابلات كان امام بيرو هدف واحد هو ان يجعل صدام حسين راغباً في مقابلته للمرة الثانية .. في ذلك اليوم بالذات كان الرئيس العراقي يعاني من معدته حيث قضى بيرو معظم وقته يشرح للطبيب الاعراض التي يعاني منها الدكتاتور السابق حيث اكتشف بيرو ان طعام الجيش الامريكي يسبب مشاكل في معدته حيث كان بيرو نفسه يتحاشى اكل البيرغر المتبل..
بعد انتهاء الفحص، سال بيرو الرئيس العراقي عن رواياته الاربع وركز على الرواية الاولى التي حملت عنوان (زبية والملك) ، اكتشف بيرو ان الزبيبة وهي امرأة عراقية جميلة تمثل العراق تزوجت من رجل كان يبتزها وكان هذا الرجل هو الولايات المتحدة الاميركية .. كان صدام يجيب على اسئلة بيرو بينما بيرو كان يدرس ردود الرئيس العراقي والكيفية التي كانت تأتي بها.. كان بيرو يريد من وراء ذلك دراسة ردود افعال صدام على هذه الاسئلة ومقارنتها على ردود افعاله على اسئلة اكثر حساسية..
كان بيرو يريد استذكار ردود الافعال تلك، لكي يقارنها مع ردود افعال صدام على اسئلة لاحقة يمكنه معرفة ان كان الديكتاتور يخادع في اجوبته " اذا اختلفت الطريقة التي يجيب من خلالها على اسئلتي عن تلك التي اجاب بها على اسئلتي حول الكتاب فان ذلك يعد مؤشرًا انه يخادعني"..
كان بيرو يعلم ان الرئيس العراقي كان يعتبر نفسه قائدًا عراقيًا عظيمًا وهو يعد امتداد للتاريخ العظيم للعراق والذي كان يدعى (بلاد ما بين النهرين) حيث عرفت تلك البقعة من الارض الحضارة بصورة مبكرة عن اي بقعة اخرى على وجه الارض حيث وجدت بلاد سومر واكد واشور وعرفت بقادتها العظام كحمورابي ونبوخذنصر .. كان صدام يعتبر نفسه من هذا الطراز من القادة اما بيرو فقد درس التاريخ العراقي حيث كان طالباً تخصص في ذلك وهو الامر الذي اعجب صدام..
"حينما عرف انني مطلع على التاريخ العراقي قال لي ارجو منك الرجوع لنتحدث مرة اخرى، اريد ان اتكلم معك.. بهذه الكلمات كنت اعلم انني قد حصلت على رضاه في اول مقابلة بيننا"
خلال الاشهر السبعة التالي كانت جسور الثقة تبنى بين بيرو والرئيس العراقي ، كان يجري المقابلات مع صدام حسين كل يوم تقريبًا، حيث كان يقضي الاثنان بين خمس الى سبع ساعات معًا، وحيث لم يكن هناك امام بيرو اي عطلة يستمتع بها كما كان يقوم في نفس الوقت باستجواب اركان النظام العراقي السابق الاخرين كعلي حسن المجيد المعروف بعلي كيمياوي ..
خلال الأشهر السبعة التي قضاها بيرو مع الرئيس العراقي وصل المحقق الأميركي من أصل لبناني إلى استنتاج أن الرئيس العراقي لن يكذب عليه بل سيتخذ طريقًا أخرى تتمثل في رفض الاجابة على السؤال " حينما يكون صادقًا يعطيك ادق التفاصيل ويمعن في الشرح" بهذه الكلمات يصف بيرو الرئيس العراقي على سبيل المثال .. امعن صدام في شرح تفاصيل محاولة اغتيال الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم وكيف هرب من بغداد، على الرغم من إصابته في الساق اثناء العملية، واصفًا عملية الهرب بالـ "جريئة" حيث ركب الدراجة الهوائية من بغداد ثم انتقل على ظهر حصان وقطع نهر دجلة سباحة والسكينة في فمه " حينما كان يصل الى نقطة لا يريد الحديث عنها سرعان ما يلتفت يمينًا وشمالاً، حيث يعد ذلك أمرًا غريبًا على الثقافة العربية، او قد يبدأ في رفع اصابع يده الواحدة بالأخرى أو يهتم بملابسه والتي كانت الدشداشة العربية"..
بيرو سأل صدام عن استخدامه للأسلحة الكيمياوية في عام 1988 اثناء حملة الانفال ضد قرية حلبجة الكردية في شمال العراق والتي اسفرت عن مقتل 5000 مدني في الحملة التي شهدت اختفاء أكثر من 180 الف كردي او اعتبارهم في عداد الموتى ..
صدام حسين لم يكن يريد الدخول فى التفاصيل على الرغم من اعترافه انه هو الذي اتخذ القرار "قال صدام انه قد اتخذ القرار، ولكنه لم يكن يريد مواصلة الحديث، لم يقل ان هناك عشرات الالف من الناس قتلوا، بل قال هذه كانت تعليماتي وهذا ما كانوا يريدون مني ان افعله وهذا ما حصل... وحصل لأنني قلت لهم ان عليهم فعل ذلك".
صدام حسين اخبر بيرو انه كان يخاف ان يقوم اي شبيه بقيادة انقلاب عليه لذلك كان قد قرر عدم استخدام اي شبيه له " لقد قال لي إن ما من شخص يستطيع ان يقلده" ...
يقول بيرو "كان صدام حسين يفخر انه ما يزال يحتفظ بشعره وان شعره لا يزال اسود " كما كان صدام حسين يتحدث عن النساء خصوصًا حينما كانت ممرضة اميركية تقوم بسحب عينات من دمه في كل مرة، وفي احدى المرات طلب من بيرو ان يقول للمرضة الاميركية انها "لطيفة" لكن بيرو رفض ذلك... وعلى الرغم من ذلك لم يبخل الدكتاتور العراقي في اعطاء النصائح حول العاطفة والعلاقات مع النساء...
في احدى المرات، قال الرئيس العراقي " يجب عليك الزواج في سن مبكر، النساء الاميركيات يتمتعن باستقلالية اكبر، يمكنهن العيش بدونك، اذا تزوجت امرأة عربية بين العشرين والثانية والعشرين فانك ستكون الاساس بالنسبة إليها امام المرأة الاميركية خصوصاً الاكبر سناً ..
وعلى الرغم من اختلافه مع السياسة الاميركية، الا ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يحترم اميركا بحسب جورج بيرو في كتاب (ذ تيروريست وتش) للكاتب (رونليد كاسلر) والذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ويصور في جزء منه حياة الرئيس العراقي صدام حسين في المعتقل حيث كان بيرو مسؤولا عن استجواب الاخير في المعتقل... وعلى الرغم من كره للرئيس الاميركي جورج بوش ووالده، إلا انه كان يحترم الرئيس ريغان والرئيس كلينتون ..
في احدى محطات سجنه في ذلك الوقت ان ارسلت له زوجته (ساجدة طلفاح) طرد بريدي كان بيرو غير عازم على الدخول الى هذه المنطقة الحساسة من حياة الرئيس العراقي والتي يصفها الكتاب بأنها (غير واردة في المهمة الاساسية التي ارسل اليها بيرو) لذلك تحاشى السؤال عنها كما لم يفتح صدام حسين اي موضوع يخصها طوال فترة اعتقاله ، كان بيرو غير عازم على طرح اسئلة (سيئة) على الديكتاتور العراقي السابق الامر الذي قد يحدد من قدرته على الحديث معه في المستقبل...
لكن في واحدة من المرات وجه بيرو سؤالاً حول ابنيه عدي وقصي ، حيث كان عدي الابن الاكبر له معروفًا لدى الشعب العراقي باعتباره قاسيًا يقوم باغتصاب الفتيات الصغيرات في السن لدى خروجهن من المدارس في حال لم تخضع احداهن لرغباته اما الابن الاصغر قصين فإن صدام لم يشعر بالثقة نحوه حيث كان الاخير هو من سيخلفه في الحكم ، صدام اعترف لبيرو انه لم يكن عازمًا ان يدع قصي يصعد في هيكل الحكم بسرعة، لأن ذلك سيعني انه سيتحداه في محطة من المحطات لكن على الرغم من ذلك كان يتحاشى ان يعلق بسلبية مباشرة على ابنيه عدي وقصي صدام حسين ولكن عبر الحاح بيرو فقد رد صدام حسين قائلاً في واحدة من المرات "انظر، اتركني وشأني، ليس لك مجال ان تختار ابنائك، انت تتورط بسبب ما لديك ، وهذين الاثنين هما حظي من هذه الدنيا، فلا اعتراض"...
اعتبر بيرو هذا الجواب بمثابة الانتصار في لعبة القط والفأر التي كان يخوضها ضد الرئيس العراقي الراحل...
كان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يواظب على الصلاة خمس مرات في سجنه، ويقرأ القرآن، ولكن جورج بيرو الرجل الذي قام باستجوابه ايام الإعتقال يظن أن هذا الالتزام كان نابعًا من المحنة التي كان الرئيس العراقي يمر بها. ويقول بيرو "كل الناس يجدون دينهم في السجن، حتى باريس هلتون وجدت الله أثناء فترة سجنها... أليس كلامي صحيحًا؟"...
كان صدام في المقابل يعشق الخمور الجيدة مثل جوني ولكر بلو لايبل، والسيكار الكوبي كما كان يحب الحديث عن النساء الجميلات لذلك كان واضحًا أنه ليس من نوعية المسلمين الملتزمين بأقصى درجات الالتزام، وبعد الحديث عن السيدات كان الرئيس المخلوع يحب الحديث عن الخيول "أفضل صورة بالنسبة إليها كانت تلك التي يركب فيها الفرس الأبيض ويفتتح خلالها ساحة الاحتفالات الكبرى في بغداد، فالأمر يعود إلى طفولته حيث كان يركب الخيول وخلال هروبه من العراق"...
خلال هذه المرحلة من الاستجوابات، كان هدف بيرو أن يجعل من الدكتاتور السابق بحاجة إليه ولو عاطفيًا، حيث كان بيرو الرجل الوحيد الذي يملك القدرة على الوصول إلى صدام حسين إلى جانب اطبائه الاميركيين، ولم يكن يرافق صدام وبيرو اي رجل ثالث خلال هذه الفترة من المقابلات... كانت لديه مساحته الخاصة لكي يقوم بالتمرينات مرتين يوميًا، في بعض تلك المرات كنت اذهب لأطل عليه وكنا نستغرق في الحديث هناك عن مختلف الامور او قد ينتقلان الى زنزانته خارج الغرفة المخصصة للقاءات، حيث كنا نتحدث عن التاريخ والسياسة والفنون والرياضة"..
كان على الجيش الاميركي أن يقوم بنقل الرئيس العراقي صدام حسين بطائرة الهيلكوبتر الى المستشفى ليتم فحصه بين فترة وأخرى، وكان على بيرو مرافقته "كنا نطير قبيل منتصف الليل، في ذلك الوقت كان نقل صدام حسين بالطائرة تحديّا كبيرا بالنسبة إلينا" زود بيرو الرئيس العراقي بالعدة الخاصة بالنوم منها الحاجب الذي يوضع على العينين كان بيرو قد اخذها من احد الفنادق الكبرى في الولايات المتحدة "وضعتها على عينيه وقررت رفعها عن عينيه لاريه بغداد... في منتصف الليل، كانت تبدو كاي مدينة كبيرة في العالم ، بعد ذلك حينما كنا نجلس في المستشفى قال لي .. هل تعلم .. لقد كنت فعلاً اريد ان ارى بغداد ... لقد كنت تقرأ افكاري في تلك اللحظة"...
كان بيرو هو الذي أعطى الرئيس العراقي صدام حسين دفتر ملاحظات صغير ليدون فيه اشعاره، حيث كان الرئيس العراقي يكتب قصيدتين يوميًا، وكان يقرأ اشعاره على عملاء الاف بي اي " كانت اشعار الحب تمثل النسبة الاكبر مما يكتبه الرئيس العراقي، بعض منها كان جيدًا وبعضها الاخر لم يكن بمستوى جيد..."
بيرو البالغ من العمر 36 عامًا هو أميركي من أصل لبناني... كان الرجل الأنسب لهذه المهمة حيث كان يجيد الحديث بالعربية وولد في بيروت قبل أن ينتقل مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية حينما بلغ الثالثة عشرة... حيث وقتها لم يكن يجيد كلمة واحدة من اللغة التي يجب ان يتعامل بها مع محيطه وهي الانكليزية .. فاستقر مع العائلة في كاليفورنيا ليخدم ابنها (بيرو) في الجيش ثم عمل محققًا في الشرطة ومن ثم إنتقل للعمل في الأف بي اي عام 1999.
كان بيرو قد تواجد في العراق قبل هذا التاريخ... حيث كان من بين عملاء الاف بي اي الاوائل الذين وصلوا الى العراق بعيد نجاح الغزو الاميركي لهذا البلد لدعم جهود الوكالة في التوسع على المستوى العالمي .. يقول ارت كامينيغز "كنا نبحث عن الرجال الذين تتوفر فيهم صفات معينة تناسب هذه المهمة، كان علينا معرفة ايضًا من يقف وراء المقابر الجماعية ومن اصدر القرارات الفعلية بارتكابها..."
وكجزء من مهمته في العراق كان على بيرو التعامل مع (السي اي ايه) التي وجدت فيه عنصرًا جيدًا حيث وافقت على اختياره باعتباره الشخص الذي سيجري لقاءات مع الرئيس العراقي المعتقل صدام حسين ...
حينما وصل بيرو الى بغداد في الاسبوع الاول من عام 2004 لم تكن لديه فكرة اذا كان الرئيس العراقي المخلوع سيلقي التحية عليه حتى، فلذلك كان الحديث مع الرئيس العراقي صدام حسين عن الغزو او حملة الانفال واسلحة الدمار الشامل اشياء من المستبعد الحصول على نتائج عنها من صدام.. رغم ذلك كله كان بيرو قد وصل الى صورة عن صدام حسين من خلال قراءته لقصة حياته كاملة..
يقول بيرو في كتاب (ذ تيروريست وتش) للكاتب رونليد كاسلر والذي صدر في نوفمبر الماضي ويصور في جزء منه حياة الرئيس العراقي صدام حسين في المعتقل "ما يزيد من احتمالية النجاح عادة في مثل هذه المواضيع هو اختيار الوقت المناسب لها"، مضيفًا "حينما تأتي لمقابلة شخص وان اعددت لذلك بصورة جيدة فإنك تنجح حتمًا في الحصول على معلومات من اللا وعي للشخص المقابل ، لذلك كانت طريقتي في كل مقابلة اجريها ان اجعل من نفسي خبيراً بالموضوع قبل ان ادخل الى الغرفة التي تجري فيها المقابلة" ...
في تلك اللحظة من عام 2004 لم يكن من الواضح متى واين ستقام محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين ، كانت السي اي ايه تدعو ان تقوم هي بهذه المهمة او اختيار مكان المحاكمة في العراق او الولايات المتحدة الاميركية، لأن الاف بي اي كان عليها استحصال الاستجوابات التي ستستخدم في المحاكمة لذلك كانت السي اي ايه قد طلبت من الاف بي اي ان تقوم بمهمة الاستجواب للرئيس العراقي المخلوع...
كان صدام حسين وقتها معزولاً عن بقية السجناء في سجن اميركي اقيم في مطار بغداد الدولي (مطار صدام الدولي سابقاً) ، كان صدام في السابعة والستين من العمر لا يشكو من اي امراض وكانت الولايات المتحدة غير مستعدة لتقبل اي ملاحظات سلبية قد تاتي من هنا او هناك اذا تدهورت صحته في اي وقت من الاوقات لذلك كان على سجنائه القيام بفحصه مرتين في اليوم في مكان خاص..
وكجزء من خطة العمليات التي وضعها بيرو قرر اخبار صدام انه سيكون مسؤولا عن جميع احتياجاته وسيقوم بالترجمة حينما يقوم الطبيب الاميركي بفحصه ، اما صدام حسين لم يعلم ان بيرو كان عميلاً للاف بي اي واعتقد انه سيكون مع احد ضباط الامن الاميركيين لا اكثر..
"اعتقد ان صدام حسين توصل الى استنتاج معين من خلال تصرفاتي امامه، انني كنت عضو مهم في جهاز الامن ، ولم يتوقع ان اكون شخص بمرتبة متدنية في الاف بي اي والذي عليه متابعة ما سيقوله عن الماضي ، لو كان عرف حقيقتي لم اكن لاحصل على كل ما حصلت عليه من معلومات منه فيما بعد"..
حينما كان بيرو يقوم بترجمة حديث الرئيس العراقي الى الطبيب كان يحاول الحصول على صورة للرئيس العراقي "كنت اريد ان اعرف ما المهم بالنسبة اليه وما هي عاداته التي اكتسبها خلال حياته، كان مهووسًا بالنظافة، ولم يكن يقبل ان يسلم على احد باليد وان حصل فإنه يغسل يديه بصورة متواصلة لوقت طويل"..
كان صدام حسين مولعًا بمساحات الاطفال التي تستخدم في تنظيف جلد الاطفال لدى استبدال حفاظاتهم ، فان كانت لديه الكمية الكافية منها فانه يقوم بتنظيف الفواكه بها قبل ان يأكلها واعتقد بيرو ان هذا الامر كان يمكن ان يشكل طريقة جيدة للتحكم بالرئيس العراقي.
كانت من بين ملاحظات بيرو على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أن هذا الرئيس هو أفضل مستمع للناس "كان يفضل أن تقوم أنت بالكلام كله، لأن ذلك يمكنه من دراستك وايجاد الطريقة التي يتغلب فيها عليك، كان جيدًا جدًا في قراءة الناس"... هذا ما يقوله جورج بيرو في كتاب (ذي تيروريست وتش) للكاتب (رونليد كاسلر) والذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ويصور في جزء منه حياة الرئيس العراقي صدام حسين في المعتقل حيث كان بيرو مسؤولاً عن استجواب الرئيس الراحل في المعتقل...
كان صدام يعتبر آنذاك سجين حرب، وقد اعطته السلطات العسكرية الاميركية نسخة من وثيقة جنيف لحقوق الأسرى مطبوعة باللغة العربية لتقدم له صورة عن حقوقه كافة وبعد فترة وجيزة علم صدام ان بيرو سيكون الرجل الذي سيقوم بالمقابلات معه، كان على الرجلين انتظار فترة اسبوع لكي تبدأ الحكاية من اجل ان يتسأل الرئيس العراقي لماذا لم يقابله اي شخص طوال تلك الفترة بين اعتقاله واول استجواب جرى له في 13 يناير 2004 حيث بدأ اللقاء الرسمي بالرئيس العراقي..
كان على بيرو تحضير غرفة الاستجواب ، حيث كان يريد من تلك الغرفة ان تبدو بسيطة ، كان هناك كرسي للرئيس المعتقل وكرسي لبيرو و كرسي لعميل اف بي اي ثاني في ما يعد استجواب تقليدي من الجهاز، كان على عميل الاف بي اي (تود اريناغا) اخذ الملاحظات عن الحديث الذي يدور .. في نفس الوقت كان هناك تصوير سري لعملية الاستجواب..
يقول بيرو "كنت اريد منه ان يعلم انه مهما كان في الماضي ، فالبنسبة إلى كان الرجل في عهدتي وانا مسؤول عنه، كنت اريج منه ان يعرف انني لست معنياً بما كان عليه حاله في السابق" ..
بيرو وضع كرسي صدام حسين بحيث يكون ظهره في مقابل الجدار فيما كان كرسي بيرو يضع ظهر الاخير في مواجهة الباب " رسالتي كانت انني انا من اقف بينه وبين الحرية!" ...
في نفس الوقت كان بيرو يعامل صدام حسين بكل احترام، "كانت المقابلة قد خصصت لاقامة علاقة من نوع ما بيني وبينه، انها طريقة اعتمدناها في الاف بي اي وهي الاكثر تأثيرًا خصوصًا في مثل هذه الحالات لان الوقت كان في صالحنا ولم يكن علينا ان نسرع كثيرًا ولم يخبرني احد ان لدي يوم واحد او شهر واحد او سنة واحدة لانتهي من عملي"..
في اليوم الاول من المقابلات كان امام بيرو هدف واحد هو ان يجعل صدام حسين راغباً في مقابلته للمرة الثانية .. في ذلك اليوم بالذات كان الرئيس العراقي يعاني من معدته حيث قضى بيرو معظم وقته يشرح للطبيب الاعراض التي يعاني منها الدكتاتور السابق حيث اكتشف بيرو ان طعام الجيش الامريكي يسبب مشاكل في معدته حيث كان بيرو نفسه يتحاشى اكل البيرغر المتبل..
بعد انتهاء الفحص، سال بيرو الرئيس العراقي عن رواياته الاربع وركز على الرواية الاولى التي حملت عنوان (زبية والملك) ، اكتشف بيرو ان الزبيبة وهي امرأة عراقية جميلة تمثل العراق تزوجت من رجل كان يبتزها وكان هذا الرجل هو الولايات المتحدة الاميركية .. كان صدام يجيب على اسئلة بيرو بينما بيرو كان يدرس ردود الرئيس العراقي والكيفية التي كانت تأتي بها.. كان بيرو يريد من وراء ذلك دراسة ردود افعال صدام على هذه الاسئلة ومقارنتها على ردود افعاله على اسئلة اكثر حساسية..
كان بيرو يريد استذكار ردود الافعال تلك، لكي يقارنها مع ردود افعال صدام على اسئلة لاحقة يمكنه معرفة ان كان الديكتاتور يخادع في اجوبته " اذا اختلفت الطريقة التي يجيب من خلالها على اسئلتي عن تلك التي اجاب بها على اسئلتي حول الكتاب فان ذلك يعد مؤشرًا انه يخادعني"..
كان بيرو يعلم ان الرئيس العراقي كان يعتبر نفسه قائدًا عراقيًا عظيمًا وهو يعد امتداد للتاريخ العظيم للعراق والذي كان يدعى (بلاد ما بين النهرين) حيث عرفت تلك البقعة من الارض الحضارة بصورة مبكرة عن اي بقعة اخرى على وجه الارض حيث وجدت بلاد سومر واكد واشور وعرفت بقادتها العظام كحمورابي ونبوخذنصر .. كان صدام يعتبر نفسه من هذا الطراز من القادة اما بيرو فقد درس التاريخ العراقي حيث كان طالباً تخصص في ذلك وهو الامر الذي اعجب صدام..
"حينما عرف انني مطلع على التاريخ العراقي قال لي ارجو منك الرجوع لنتحدث مرة اخرى، اريد ان اتكلم معك.. بهذه الكلمات كنت اعلم انني قد حصلت على رضاه في اول مقابلة بيننا"
خلال الاشهر السبعة التالي كانت جسور الثقة تبنى بين بيرو والرئيس العراقي ، كان يجري المقابلات مع صدام حسين كل يوم تقريبًا، حيث كان يقضي الاثنان بين خمس الى سبع ساعات معًا، وحيث لم يكن هناك امام بيرو اي عطلة يستمتع بها كما كان يقوم في نفس الوقت باستجواب اركان النظام العراقي السابق الاخرين كعلي حسن المجيد المعروف بعلي كيمياوي ..
خلال الأشهر السبعة التي قضاها بيرو مع الرئيس العراقي وصل المحقق الأميركي من أصل لبناني إلى استنتاج أن الرئيس العراقي لن يكذب عليه بل سيتخذ طريقًا أخرى تتمثل في رفض الاجابة على السؤال " حينما يكون صادقًا يعطيك ادق التفاصيل ويمعن في الشرح" بهذه الكلمات يصف بيرو الرئيس العراقي على سبيل المثال .. امعن صدام في شرح تفاصيل محاولة اغتيال الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم وكيف هرب من بغداد، على الرغم من إصابته في الساق اثناء العملية، واصفًا عملية الهرب بالـ "جريئة" حيث ركب الدراجة الهوائية من بغداد ثم انتقل على ظهر حصان وقطع نهر دجلة سباحة والسكينة في فمه " حينما كان يصل الى نقطة لا يريد الحديث عنها سرعان ما يلتفت يمينًا وشمالاً، حيث يعد ذلك أمرًا غريبًا على الثقافة العربية، او قد يبدأ في رفع اصابع يده الواحدة بالأخرى أو يهتم بملابسه والتي كانت الدشداشة العربية"..
بيرو سأل صدام عن استخدامه للأسلحة الكيمياوية في عام 1988 اثناء حملة الانفال ضد قرية حلبجة الكردية في شمال العراق والتي اسفرت عن مقتل 5000 مدني في الحملة التي شهدت اختفاء أكثر من 180 الف كردي او اعتبارهم في عداد الموتى ..
صدام حسين لم يكن يريد الدخول فى التفاصيل على الرغم من اعترافه انه هو الذي اتخذ القرار "قال صدام انه قد اتخذ القرار، ولكنه لم يكن يريد مواصلة الحديث، لم يقل ان هناك عشرات الالف من الناس قتلوا، بل قال هذه كانت تعليماتي وهذا ما كانوا يريدون مني ان افعله وهذا ما حصل... وحصل لأنني قلت لهم ان عليهم فعل ذلك".
صدام حسين اخبر بيرو انه كان يخاف ان يقوم اي شبيه بقيادة انقلاب عليه لذلك كان قد قرر عدم استخدام اي شبيه له " لقد قال لي إن ما من شخص يستطيع ان يقلده" ...
يقول بيرو "كان صدام حسين يفخر انه ما يزال يحتفظ بشعره وان شعره لا يزال اسود " كما كان صدام حسين يتحدث عن النساء خصوصًا حينما كانت ممرضة اميركية تقوم بسحب عينات من دمه في كل مرة، وفي احدى المرات طلب من بيرو ان يقول للمرضة الاميركية انها "لطيفة" لكن بيرو رفض ذلك... وعلى الرغم من ذلك لم يبخل الدكتاتور العراقي في اعطاء النصائح حول العاطفة والعلاقات مع النساء...
في احدى المرات، قال الرئيس العراقي " يجب عليك الزواج في سن مبكر، النساء الاميركيات يتمتعن باستقلالية اكبر، يمكنهن العيش بدونك، اذا تزوجت امرأة عربية بين العشرين والثانية والعشرين فانك ستكون الاساس بالنسبة إليها امام المرأة الاميركية خصوصاً الاكبر سناً ..
وعلى الرغم من اختلافه مع السياسة الاميركية، الا ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يحترم اميركا بحسب جورج بيرو في كتاب (ذ تيروريست وتش) للكاتب (رونليد كاسلر) والذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ويصور في جزء منه حياة الرئيس العراقي صدام حسين في المعتقل حيث كان بيرو مسؤولا عن استجواب الاخير في المعتقل... وعلى الرغم من كره للرئيس الاميركي جورج بوش ووالده، إلا انه كان يحترم الرئيس ريغان والرئيس كلينتون ..
في احدى محطات سجنه في ذلك الوقت ان ارسلت له زوجته (ساجدة طلفاح) طرد بريدي كان بيرو غير عازم على الدخول الى هذه المنطقة الحساسة من حياة الرئيس العراقي والتي يصفها الكتاب بأنها (غير واردة في المهمة الاساسية التي ارسل اليها بيرو) لذلك تحاشى السؤال عنها كما لم يفتح صدام حسين اي موضوع يخصها طوال فترة اعتقاله ، كان بيرو غير عازم على طرح اسئلة (سيئة) على الديكتاتور العراقي السابق الامر الذي قد يحدد من قدرته على الحديث معه في المستقبل...
لكن في واحدة من المرات وجه بيرو سؤالاً حول ابنيه عدي وقصي ، حيث كان عدي الابن الاكبر له معروفًا لدى الشعب العراقي باعتباره قاسيًا يقوم باغتصاب الفتيات الصغيرات في السن لدى خروجهن من المدارس في حال لم تخضع احداهن لرغباته اما الابن الاصغر قصين فإن صدام لم يشعر بالثقة نحوه حيث كان الاخير هو من سيخلفه في الحكم ، صدام اعترف لبيرو انه لم يكن عازمًا ان يدع قصي يصعد في هيكل الحكم بسرعة، لأن ذلك سيعني انه سيتحداه في محطة من المحطات لكن على الرغم من ذلك كان يتحاشى ان يعلق بسلبية مباشرة على ابنيه عدي وقصي صدام حسين ولكن عبر الحاح بيرو فقد رد صدام حسين قائلاً في واحدة من المرات "انظر، اتركني وشأني، ليس لك مجال ان تختار ابنائك، انت تتورط بسبب ما لديك ، وهذين الاثنين هما حظي من هذه الدنيا، فلا اعتراض"...
اعتبر بيرو هذا الجواب بمثابة الانتصار في لعبة القط والفأر التي كان يخوضها ضد الرئيس العراقي الراحل...
كان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يواظب على الصلاة خمس مرات في سجنه، ويقرأ القرآن، ولكن جورج بيرو الرجل الذي قام باستجوابه ايام الإعتقال يظن أن هذا الالتزام كان نابعًا من المحنة التي كان الرئيس العراقي يمر بها. ويقول بيرو "كل الناس يجدون دينهم في السجن، حتى باريس هلتون وجدت الله أثناء فترة سجنها... أليس كلامي صحيحًا؟"...
كان صدام في المقابل يعشق الخمور الجيدة مثل جوني ولكر بلو لايبل، والسيكار الكوبي كما كان يحب الحديث عن النساء الجميلات لذلك كان واضحًا أنه ليس من نوعية المسلمين الملتزمين بأقصى درجات الالتزام، وبعد الحديث عن السيدات كان الرئيس المخلوع يحب الحديث عن الخيول "أفضل صورة بالنسبة إليها كانت تلك التي يركب فيها الفرس الأبيض ويفتتح خلالها ساحة الاحتفالات الكبرى في بغداد، فالأمر يعود إلى طفولته حيث كان يركب الخيول وخلال هروبه من العراق"...
خلال هذه المرحلة من الاستجوابات، كان هدف بيرو أن يجعل من الدكتاتور السابق بحاجة إليه ولو عاطفيًا، حيث كان بيرو الرجل الوحيد الذي يملك القدرة على الوصول إلى صدام حسين إلى جانب اطبائه الاميركيين، ولم يكن يرافق صدام وبيرو اي رجل ثالث خلال هذه الفترة من المقابلات... كانت لديه مساحته الخاصة لكي يقوم بالتمرينات مرتين يوميًا، في بعض تلك المرات كنت اذهب لأطل عليه وكنا نستغرق في الحديث هناك عن مختلف الامور او قد ينتقلان الى زنزانته خارج الغرفة المخصصة للقاءات، حيث كنا نتحدث عن التاريخ والسياسة والفنون والرياضة"..
كان على الجيش الاميركي أن يقوم بنقل الرئيس العراقي صدام حسين بطائرة الهيلكوبتر الى المستشفى ليتم فحصه بين فترة وأخرى، وكان على بيرو مرافقته "كنا نطير قبيل منتصف الليل، في ذلك الوقت كان نقل صدام حسين بالطائرة تحديّا كبيرا بالنسبة إلينا" زود بيرو الرئيس العراقي بالعدة الخاصة بالنوم منها الحاجب الذي يوضع على العينين كان بيرو قد اخذها من احد الفنادق الكبرى في الولايات المتحدة "وضعتها على عينيه وقررت رفعها عن عينيه لاريه بغداد... في منتصف الليل، كانت تبدو كاي مدينة كبيرة في العالم ، بعد ذلك حينما كنا نجلس في المستشفى قال لي .. هل تعلم .. لقد كنت فعلاً اريد ان ارى بغداد ... لقد كنت تقرأ افكاري في تلك اللحظة"...
كان بيرو هو الذي أعطى الرئيس العراقي صدام حسين دفتر ملاحظات صغير ليدون فيه اشعاره، حيث كان الرئيس العراقي يكتب قصيدتين يوميًا، وكان يقرأ اشعاره على عملاء الاف بي اي " كانت اشعار الحب تمثل النسبة الاكبر مما يكتبه الرئيس العراقي، بعض منها كان جيدًا وبعضها الاخر لم يكن بمستوى جيد..."