المهدى
07-16-2004, 02:59 PM
خالص الجلبي
هل البترول نعمة أم لعنة؟ والجواب كلتاهما. فيمكن به تشييد بنية تحتية رائعة وجامعات، ويمكن تجنيد جيش من المخابرات لحراسة رئيس عصابة؟
والبترول يعني المال. والمال يعني النفوذ. والمال هو «الدم الأصفر» في شرايين المجتمع كما «الدم الأحمر» في عروق البدن. وتنطبق نفس قوانين الدم الأحمر على الدم الأصفر.
وحينما كان سليمان النبي يستعرض قواته البرية والجوية والسرية من الجن والأنس والطير، شعر بإغراء القوة فقال إن هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر؟
وأعظم الابتلاء ليس بالشدة بل بالرخاء، ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون. فقد يصمد المناضل في الحبس ولكنه مع المال يذوب كما يذوب اللحم في حمض المعدة. وهذه النصيحة قالها لي محام ضمني وإياه المعتقل فقال لو كان الأمر لي لأرسلتك في أحسن بعثة وأغدقت عليك المال حتى تعتاد النعمة فتنسى أفكارك. والذين صمدوا أمام الشدة كثيرون ولكن القليل من قاوم الأصفر الرنان. ويشيب الإنسان ويبقى شابا في اثنين: المال والحرص على الحياة.
وفلسفة الشدة والرخاء تقوم على آلية نفسية: ان التحدي يحرض الجهد والنعمة تدعو إلى الكسل والارتخاء. وهو ما قالته وزيرة المالية النيجيرية نيدادي عثمان: لقد جعلنا البترول كسولين.
سابقاً كنا نكد بسواعدنا، أما اليوم فقد فسد الشباب.
وبنى المؤرخ توينبي نظريته في قيام الحضارات على «التحدي والاستجابة». ولم تقم حضارة قط في ظروف الكسل والرخاء. وعندما عثرت الراعية على قلم حبر في الفلاة لم تفهم وظيفته؟ ولأنها أمية لا تحسن القراءة فقد فكرت في كيف تستفيد منه فهداها عقلها أن تكسره وترش الحبر على رأس الكبش تمييزا له عن بقية النعاج؟ ولو أمطرت السماء فضة وذهبا وبترولا ما نشأت حضارة. والفرق كبير بين «شراء» الحضارة و«بناء» الحضارة. فهذه الفلسفة الشمولية تنطبق على البترول.
وتقول البروفسورة تيري لاين كارل Terry lynn Karl التي قامت بدراسة تأثير صناعة البترول على المجتمع والسياسة إنه لا يوجد مؤشر إيجابي واحد، والبترول في العالم الثالث وعلى المدى الطويل قاد إلى نتائج إيجابية.
وإذا كان النفط مادة حيوية للدول الأفريقية فإن أميركا أعلنت أنه منطقة حيوية لمصالحها الوطنية؟ لأن في ساحلها الغربي 105 مليارات برميل من الاحتياطي بالإضافة إلى 11,7 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وهذا هو الذي يدفعها لأن تضخ الاستثمارات في أفريقيا للسنوات المقبلة بمبلغ 60 مليار دولار لأنه مع عام 2015 سوف يغطي النفط الأفريقي ربع احتياجات أميركا التي تستهلك ربع النفط العالمي (عشرين مليون برميل من أصل إنتاج عالمي يصل إلى ثمانين مليون).
في الوقت الذي لا يملك فيه أربعة مليارات من البشر سيارات؟
وفي هذا يقول الخبير البترولي للبنتاغون كينيث بولاك: إن توقف نفط السعودية مثلا عن الضخ بدون تعويض من مكان آخر سيقود إلى كارثة عالمية يتواضع أمامها كساد عام 1930 من القرن الفائت، والحمقى فقط الذين لا يعرفون على ماذا تدور السياسة العالمية؟ إنها حول النفط أيها الغبي؟
وكيسنجر يخاطب بطريقة مختلفة فيقول: إن النفط مسألة حيوية ولا يمكن ترك مصيره في يد العرب بل يمضي مستشار البنتاغون لورانت مورافيتش Laurent Murawiec إلى اقتراح جذري على طريقة الحمقى باحتلال حقول النفط في الخليج؟ كما جاء في مجلة المرآة الألمانية (22\2004)
ومن هنا يجب أن نستوعب ثلاث حقائق، أولا: أن وجود البترول في بلادنا يخضع لعلة جيولوجية لا يد لنا فيها، ورفاهية بعض الجزر في محيط العرب الطامي ترجع إلى هذه العلة. وأن قيمة هذه الثروة جاءت من الحضارة التي تحتاجها بعد أن رحلت الحضارة من بلادنا وأشرقت الشمس من مغربها.
وثانياً: أن ما عندنا ينفد وما عند الله باق. وهو أمر لن يطول أكثر من خمسين سنة فيجب شد الحزام على البطون منذ الآن. كما يفعل علماء مدينة سان فرانسيسكو الذين ينتظرون أن يضرب زلزال صدع اندرياس في كل لحظة.
وثالثا: أن أكثر من نصف الاحتياط العالمي عندنا (685,6 مليار برميل من أصل 1200 مليار) وهو أمر خطير من جانبين: تعلم الكسل منا اعتمادا على ثروة مضمونة، وطمع القوى العالمية فينا وهذا سيجلب لنا المتاعب كثيرا. وحيث البترول حيث المتاعب. ففي غينيا الاستوائية Equatorial Guinea حيث يقدر الخبراء وجود 4 مليارات برميل من الاحتياطي في قاع البحر حذاء ساحلها يحول رئيسها إلى حسابه الخاص في واشنطن 500 مليون دولار؟
وفي مثلث النيجر يتفاقم الوضع منذ اكثر من عشرين سنة، مما دعا القساوسة في مؤتمرهم المنعقد في وسط أفريقيا إلى توجيه رسالة استغاثة إلى الشركات البترولية أن تكف عن التآمر مع السياسيين وعليهم أن يحدوا من دعم الأنظمة الفاسدة؟ ولكن هل هذا ممكن أمام إغراء المال والقوة؟ إنه طلب يقترب من سؤال القراصنة أن يصبحوا قديسين واللصوص أن يتحولوا إلى أنبياء؟
وفي نيجيريا التي تملك 5 ملايين متر مكعب من الغاز وتتعاون شركات مثل شل وآجيب وتوتال لتسييل الغاز تحت درجة 162 تحت الصفر، حيث ينقل إلى غالفستون إلى تكساس في الوقت الذي يعيش أكثر من ثمانين مليون نسمة بأقل من دولار في اليوم. وفي قرى مثل ايجاو Ijaw وايتسيكيري Itsekiri يمشي الأطفال مثل الحوامل ببطون منفوخة وشعر برتقالي علامة على نقص التغذية. وحينما احتجت النساء الجائعات، وأكبرهن بعمر 90 سنة بمنطقة أوجبورودو Ugborodo، قبلت قبائل الاتيسيكيري، حيث مصافي النفط الأميركية التابعة لشيفرون تكساس، وعد رئيس الشركة ديفيد أو رايلي David O,Reilly النساء بـ 18 برميل مازوت للمولد الكهربائي؟
وأما في تشاد حيث تعاونت العديد من شركات البترول، ومنها الماليزية بيتروناس Petronas، في محاولة لإقناع الحكومة بإنشاء بنية تحتية من البترول المقبل من حوض دوبا Doba، كانت النتيجة أن الشيك الأول بمبلغ 4,5 مليون دولار تحول لشراء السلاح لقمع المتمردين في الشمال. ولم يستفد الناس من البترول بل ارتفعت الأسعار ثلاث مرات.
وهنا يجتمع سوء التخطيط والبلاء والعناء والشقاء والتآمر الخارجي. ومن انهار عنده الجهاز المناعي اجتاحته الجراثيم.
جاء في الحديث بما معناه: يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا، يقتتل عليه المائة فيقتل التسعة وتسعون كلهم، ويقول هو لي وأنا من سأفوز به؟
هل البترول نعمة أم لعنة؟ والجواب كلتاهما. فيمكن به تشييد بنية تحتية رائعة وجامعات، ويمكن تجنيد جيش من المخابرات لحراسة رئيس عصابة؟
والبترول يعني المال. والمال يعني النفوذ. والمال هو «الدم الأصفر» في شرايين المجتمع كما «الدم الأحمر» في عروق البدن. وتنطبق نفس قوانين الدم الأحمر على الدم الأصفر.
وحينما كان سليمان النبي يستعرض قواته البرية والجوية والسرية من الجن والأنس والطير، شعر بإغراء القوة فقال إن هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر؟
وأعظم الابتلاء ليس بالشدة بل بالرخاء، ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون. فقد يصمد المناضل في الحبس ولكنه مع المال يذوب كما يذوب اللحم في حمض المعدة. وهذه النصيحة قالها لي محام ضمني وإياه المعتقل فقال لو كان الأمر لي لأرسلتك في أحسن بعثة وأغدقت عليك المال حتى تعتاد النعمة فتنسى أفكارك. والذين صمدوا أمام الشدة كثيرون ولكن القليل من قاوم الأصفر الرنان. ويشيب الإنسان ويبقى شابا في اثنين: المال والحرص على الحياة.
وفلسفة الشدة والرخاء تقوم على آلية نفسية: ان التحدي يحرض الجهد والنعمة تدعو إلى الكسل والارتخاء. وهو ما قالته وزيرة المالية النيجيرية نيدادي عثمان: لقد جعلنا البترول كسولين.
سابقاً كنا نكد بسواعدنا، أما اليوم فقد فسد الشباب.
وبنى المؤرخ توينبي نظريته في قيام الحضارات على «التحدي والاستجابة». ولم تقم حضارة قط في ظروف الكسل والرخاء. وعندما عثرت الراعية على قلم حبر في الفلاة لم تفهم وظيفته؟ ولأنها أمية لا تحسن القراءة فقد فكرت في كيف تستفيد منه فهداها عقلها أن تكسره وترش الحبر على رأس الكبش تمييزا له عن بقية النعاج؟ ولو أمطرت السماء فضة وذهبا وبترولا ما نشأت حضارة. والفرق كبير بين «شراء» الحضارة و«بناء» الحضارة. فهذه الفلسفة الشمولية تنطبق على البترول.
وتقول البروفسورة تيري لاين كارل Terry lynn Karl التي قامت بدراسة تأثير صناعة البترول على المجتمع والسياسة إنه لا يوجد مؤشر إيجابي واحد، والبترول في العالم الثالث وعلى المدى الطويل قاد إلى نتائج إيجابية.
وإذا كان النفط مادة حيوية للدول الأفريقية فإن أميركا أعلنت أنه منطقة حيوية لمصالحها الوطنية؟ لأن في ساحلها الغربي 105 مليارات برميل من الاحتياطي بالإضافة إلى 11,7 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وهذا هو الذي يدفعها لأن تضخ الاستثمارات في أفريقيا للسنوات المقبلة بمبلغ 60 مليار دولار لأنه مع عام 2015 سوف يغطي النفط الأفريقي ربع احتياجات أميركا التي تستهلك ربع النفط العالمي (عشرين مليون برميل من أصل إنتاج عالمي يصل إلى ثمانين مليون).
في الوقت الذي لا يملك فيه أربعة مليارات من البشر سيارات؟
وفي هذا يقول الخبير البترولي للبنتاغون كينيث بولاك: إن توقف نفط السعودية مثلا عن الضخ بدون تعويض من مكان آخر سيقود إلى كارثة عالمية يتواضع أمامها كساد عام 1930 من القرن الفائت، والحمقى فقط الذين لا يعرفون على ماذا تدور السياسة العالمية؟ إنها حول النفط أيها الغبي؟
وكيسنجر يخاطب بطريقة مختلفة فيقول: إن النفط مسألة حيوية ولا يمكن ترك مصيره في يد العرب بل يمضي مستشار البنتاغون لورانت مورافيتش Laurent Murawiec إلى اقتراح جذري على طريقة الحمقى باحتلال حقول النفط في الخليج؟ كما جاء في مجلة المرآة الألمانية (22\2004)
ومن هنا يجب أن نستوعب ثلاث حقائق، أولا: أن وجود البترول في بلادنا يخضع لعلة جيولوجية لا يد لنا فيها، ورفاهية بعض الجزر في محيط العرب الطامي ترجع إلى هذه العلة. وأن قيمة هذه الثروة جاءت من الحضارة التي تحتاجها بعد أن رحلت الحضارة من بلادنا وأشرقت الشمس من مغربها.
وثانياً: أن ما عندنا ينفد وما عند الله باق. وهو أمر لن يطول أكثر من خمسين سنة فيجب شد الحزام على البطون منذ الآن. كما يفعل علماء مدينة سان فرانسيسكو الذين ينتظرون أن يضرب زلزال صدع اندرياس في كل لحظة.
وثالثا: أن أكثر من نصف الاحتياط العالمي عندنا (685,6 مليار برميل من أصل 1200 مليار) وهو أمر خطير من جانبين: تعلم الكسل منا اعتمادا على ثروة مضمونة، وطمع القوى العالمية فينا وهذا سيجلب لنا المتاعب كثيرا. وحيث البترول حيث المتاعب. ففي غينيا الاستوائية Equatorial Guinea حيث يقدر الخبراء وجود 4 مليارات برميل من الاحتياطي في قاع البحر حذاء ساحلها يحول رئيسها إلى حسابه الخاص في واشنطن 500 مليون دولار؟
وفي مثلث النيجر يتفاقم الوضع منذ اكثر من عشرين سنة، مما دعا القساوسة في مؤتمرهم المنعقد في وسط أفريقيا إلى توجيه رسالة استغاثة إلى الشركات البترولية أن تكف عن التآمر مع السياسيين وعليهم أن يحدوا من دعم الأنظمة الفاسدة؟ ولكن هل هذا ممكن أمام إغراء المال والقوة؟ إنه طلب يقترب من سؤال القراصنة أن يصبحوا قديسين واللصوص أن يتحولوا إلى أنبياء؟
وفي نيجيريا التي تملك 5 ملايين متر مكعب من الغاز وتتعاون شركات مثل شل وآجيب وتوتال لتسييل الغاز تحت درجة 162 تحت الصفر، حيث ينقل إلى غالفستون إلى تكساس في الوقت الذي يعيش أكثر من ثمانين مليون نسمة بأقل من دولار في اليوم. وفي قرى مثل ايجاو Ijaw وايتسيكيري Itsekiri يمشي الأطفال مثل الحوامل ببطون منفوخة وشعر برتقالي علامة على نقص التغذية. وحينما احتجت النساء الجائعات، وأكبرهن بعمر 90 سنة بمنطقة أوجبورودو Ugborodo، قبلت قبائل الاتيسيكيري، حيث مصافي النفط الأميركية التابعة لشيفرون تكساس، وعد رئيس الشركة ديفيد أو رايلي David O,Reilly النساء بـ 18 برميل مازوت للمولد الكهربائي؟
وأما في تشاد حيث تعاونت العديد من شركات البترول، ومنها الماليزية بيتروناس Petronas، في محاولة لإقناع الحكومة بإنشاء بنية تحتية من البترول المقبل من حوض دوبا Doba، كانت النتيجة أن الشيك الأول بمبلغ 4,5 مليون دولار تحول لشراء السلاح لقمع المتمردين في الشمال. ولم يستفد الناس من البترول بل ارتفعت الأسعار ثلاث مرات.
وهنا يجتمع سوء التخطيط والبلاء والعناء والشقاء والتآمر الخارجي. ومن انهار عنده الجهاز المناعي اجتاحته الجراثيم.
جاء في الحديث بما معناه: يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا، يقتتل عليه المائة فيقتل التسعة وتسعون كلهم، ويقول هو لي وأنا من سأفوز به؟