المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة رائعة ....في سيول: يصادرون قلامة الأظافر الذكية



موالى
11-21-2007, 05:56 PM
تنتقل المعلومات من المخ إلى الأظافر، وتظل عالقة بها إلى أن نقوم بتقليمها بقلامة ذكية.

قصة حقيقية


http://www.middle-east-online.com/pictures/biga/_54838_240L.jpg
الطائرة العائدة بعد حادثة القلامة

ميدل ايست اونلاين

كتب ـ أحمد فضل شبلول

الشئ الوحيد الذي أحزنني في الرحلة الكورية، هو مصادرة قلامة أظافري التي امتلكها منذ أكثر من خمسة عشر عاما، وتتنقل معي في كل رحلاتي وأسفاري، وهي ليست مجرد قلامة أظافر فحسب، ولكنها تحتوي على سكين صغير جدا، وفتَّاحة علب صغيرة جدا أيضا، وهي إلى جانب كل ذلك صديقة عزيزة شاهدتها في أحد المحلات بشارع الخزان في مدينة الرياض عندما كنت أعمل هناك، فجذبني شكلها وتصميمها وأحسست أنها تنادي علي كي أحملها بين أصابعي، فحملتها على الفور ودفعت حسابها مع أشياء أخرى لا أتذكرها الآن.

وظلت قلامة الأظافر معي، استخدمها وأحتفظ بها في درج خاص بمكتبي في الإسكندرية، وعندما أتهيأ للسفر إلى أي مكان أخرجها وأشعر أنها رفيقة رحلتي التي أرتاح لها في حلي وترحالي حتى حدث لها ما حدث في الرحلة الكورية.

كان علينا أن نترك حقائبنا الكبيرة في أمانات الفندق الذي قضينا به عدة أيام في سيول، ونحمل معنا حقائب صغيرة لزوم المبيت ليلة واحدة في أحد فنادق جزيرة جيجو التي سنذهب إليها عبر رحلة طيران داخلية، بعد الانتهاء من زيارة مدينة أولسان الصناعية، والمرور على مصانع الشركات العالمية في مجال السيارات والأجهزة الإلكترونية، وغيرها.

أثناء ترتيب حقيبتي الكبيرة التي سأتركها في أمانات الفندق، أخرجت بعض الحاجيات الشخصية لأخذها معي، وإذا بقلامة الأظافر تقفز داخل الحقيبة، وتعلن عن وجودها مبتسمة وفرحة ظنا منها أني سأحملها معي إلى الشركات العالمية في أولسان، ثم جزيرة جيجو التي لم أكن أعرف عنها أكثر مما قرأته في كتاب "حقائق عن كوريا"، وأنها جزيرة من أجمل جزر المحيطات في العالم، ويبدو أن قلامة أظافري عرفت ذلك أيضا من خلال علاقة روحية وثيقة بيني وبينها.

بل أصبحت أعتقد أن المعلومات التي اقرأها تتسرب لها عند قص أظافري، ولأننا نعيش عصر المعلومات، فإن هذه المعلومات تنتقل من المخ أو الرأس إلى الأطراف والأظافر أيضا، وتظل عالقة بالأظافر إلى أن نقوم بتقليمها أو قصها كلما استطالت.

ولأن قلامة أظافري من النوع الذكي جدا وتحب أن تتعلم دائما، فإنها تنتهز فرصة التقليم للحصول على المعلومات من الأظافر قبل أن تُقص وتتطاير، ويبدو أن لهذه القلامة ذاكرة قوية، حيث تحتفظ بالمعلومات إلى أجل غير معلوم.

في إحدى المرات كنت أحاول أن أتذكر بيتا للمتنبي وفشلت في ذلك، ولاحظت أن أظافري طالت بعض الشئ، فقمت باستخراج القلامة، وما أن لامست بها أظافري إلا وأتذكر بيت المتنبي، شككت في الأمر وقلت أحاول تذكر أشياء لا أتذكرها، فما أن تلامس القلامة أظافري إلا وأتذكر هذه الأشياء على الفور.

لذا لم أستغرب حالة الفرح التي كانت عليها قلامة الأظافر عندما لامستها لأضعها مع بقية الأشياء في حقيبة صغيرة أحملها معي إلى جزيرة جيجو.

وفي حقيقة الأمر فكرت أن أترك القلامة في الحقيبة الكبيرة لأنني لن أحتاج إليها أثناء وجودي في الجزيرة، ولكن عندما تنبهت إلى أن حقائبنا الكبيرة ستذهب إلى المطار قبل سفرنا بساعات قليلة، حيث نتعرف عليها ثم تؤخذ منا ثانية لتوضع على متن الطائرة المتجهة إلى مطار دبي الدولي، ثم القاهرة، فقد قررت ألا أتركها بعيدا عني كل هذه المدة، وأن أحملها معي بالحقيبة الصغيرة الأمر الذي أسعد القلامة سعادة كبيرة، فراحت تقفز وتغني وتصدر أصواتا موسيقية جميلة أستمع إليها لأول مرة، لقد كانت فرحة بزيارة المصانع والشركات في أولسان لدرجة أنني اعتقدت أنها ربما تكون صناعة كورية، فلم أدقق في هذا الأمر عند شرائها منذ خمسة عشر عاما.

ظلت القلامة على هذا الحال من البهجة والسعادة إلى أن ذهبنا إلى مطار سيول وطلب مني موظف التفتيش أن أضع الحقيبة (الهاندباج) على سير الحقائب ليتم الكشف إلكترونيا عما بها من أشياء غير مسموح العبور أو الدخول بها إلى الطائرة.

ولما كنت قد مررت كثيرا بمثل هذه الإجراءات طوال رحلاتي السابقة، فلم أعط الأمر أهمية ما، ووضعت الحقيبة على السير، وعندما مررت من البوابة الإلكترونية طلب مني موظف آخر فتح الحقيبة، ففتحتها وأخذ يعبث بها ويفتش عن شئ ما وأنا استغرب الأمر حيث لا يوجد معي ما يستدعي كل هذا التفتيش.

أخيرا حصل الموظف على شئ خطير أحمله في الحقيبة وتم ظهوره على شاشة جهاز كشف القنابل والمفرقعات والمسدسات والسوائل الخطيرة وغيرها من الأشياء المحظور على الركاب حملها.

لقد حصل على قلامة الأظافر وأخرجها من حقيبتي بعد أن ظهرت واضحة له على شاشة الجهاز الإلكتروني، ووسط اندهاشي أخبرني أنه ممنوع حمل هذا الجسم المعدني معي على متن الطائرة، وقام بمصادرتها على الفور.

لم أعرف كيف تحركت من مكاني ولم أعلق على الأمر، وكأن أمر صديقتي لا يعنيني، وفي ثانية واحدة بعت صداقة سنوات طويلة للموظف الكوري دون الدفاع عنها ومحاولة استردادها، أو حتى شرح العلاقة الروحية بيني وبينها لهذا الموظف.

هل كان يظن أنني سأهدد الركاب بهذه القلامة الرقيقة، وأحاول خطف الطائرة باستخدامها وإشهار سكينها في وجه طاقم الطائرة؟

كانت قلامة الأظافر في يديه تتألم وهو يعبث بها ويسلمها لزميل له كي يضعها في صندوق مع أشياء أخرى مصادرة لركاب آخرين، كانت تنظر إلي بدموع فيها من الأنفة والكبرياء، وأنا لا أفعل أي شئ لمحاولة استردادها.

أخذت طريقي إلى منفاخ الطائرة وأنا في شبه ذهول، جلست على مقعدي دون أن أتحدث مع أحد، أومأت إلي المضيفة الحسناء بابتسامة جميلة، فكشرت في وجهها، فابتعدت عني ثم جاءتني بكأس من عصير البرتقال مع ابتسامة أكثر إشراقا دون أن أطلب منها ذلك.

زملاء الرحلة لاحظوا اكتئابي في الطائرة فظنوا أنني مصاب بدوار الإقلاع، ارتفعت الطائرة وحلقت عاليا، ولم تمض نصف ساعة على الطيران حتى أعلن قبطان الطائرة أنه مضطر إلى العودة إلى مطار سيول لأن شرخا أصاب الزجاج الأمامي لحجرة القيادة، وهو شئ يحدث للمرة الأولى في تاريخ الطيران الكوري.


أحمد فضل شبلول ـ سيول