جمال
11-10-2007, 07:05 AM
باسنت موسى - ايلاف
فتيات خارج إطار المألوف
إذا ما صادفت يوماً ما شاب يدفع عربة تسوق، داخل متجر لبيع المواد الغذائية، تحديداً في قسم المأوكولات المعلبة، فأنه سيتبادر إلى ذهنك أكثر من سبب يجعله يتسوق وحيداً، من ضمن هذه الأسباب أنه ربما يسكن منفرداً في شقة على سطوح إحدى البنايات، وإذا ما صادفت فتاة تفعل الشيء نفسه فستنحصر الأسباب حتى تصبح سبب واحد، وبأن شخص/ أشخاص ينتظرونها في البيت، مستبعداً فكرة سكنها وحيدة.
جمعني بصديقة تعيش بإحدى الدول الأوربية نقاش طويل حول عدد من النقاط التي ترتبط بنمط حياة كل منا كفتاة وتطرق بنا الحديث إلى "مسألة العيش خارج نطاق الأسرة والاستقلال بالحياة" ترى تلك الصديقة أن مجتمعها الغربي المنفتح لا يجرم الفتاة التي تستقل بحياتها بعيداً عن الأهل وهي لأنها ابنة هذا المجتمع الغربي وتلك الثقافة المنفتحة لا ترى في ذلك الاستقلال عيباً أو خطرا،ً ولمعرفة ما إذا كنت أشاركها في رؤيتها تلك سألتني كيف أرى الاستقلال بالحياة خارج نطاق الأسرة؟ وهل يمكنك القيام بذلك في الوطن العربي؟ حقيقة السؤالين يبدوان للوهلة الأولى أنه من اليسر الإجابة عليهما. وما زاد من صعوبة الإجابة أننا لم نلمح في مجتمعنا أمثلة واضحة ومتعددة لفتيات مستقلات وبالتالي لا يمكننا فهم طبيعة وشكل الاستقلال بالحياة للشباب بشكل عام وللفتيات تحديداً.
دينا، أميرة، إيناس وفريدة ..
أربعة فتيات كسرن القاعدة، يقمن في شقق خاصة، او ضمن مجموعات تمثل نفس التوجه، تمردن على مجتمعاتهن المنغلقة، ويحيين حياة مليئة بالمغامرات التي تُخاض للمرة الأولى.
دينا (22 ) سنة تقول: تقيم أسرتي في مدينة الغردقة وعندما انتقلت للعيش بالقاهرة بدأت أول شيء في البحث عن سكن مناسب لي لكنني وجدت صعوبات كبيرة جداً للحصول على ذلك السكن ليس لسبب مادي وإنما لأسباب أخرى تتعلق بكوني فتاة صغيرة ستعيش بمفردها حيث أن أصحاب البنايات السكنية كانوا دوماً ما يرددون على مسامعي الأسئلة المعتادة التي على شاكلة هل ستقيمى في الشقة بمفردك ؟ وهل سيتردد عليك رجال أم نساء فقط ؟ وبالطبع عندما كانوا يسمعون إجابتي التي تتضمن عبارات " نعم سأعيش بمفردي وسيتردد على كل زملائي رجال ونساء" كانوا يرفضون منحى السكن، لذلك بحثت عن شقة في بناية يسكنها أجانب فقط بوسط القاهرة وبالطبع التكلفة المادية لهذا السكن مرتفعة جداً لذلك يشاركني في الشقة زميلات لي.
جيران دينا بالبناية السكنية التي تقيم بها أجانب لذلك هى لا تجد من يراقبها منهم ليستطلع جنس المترددين عليها ، لكن حارس البناية هو الذي يتولى ذلك النوع من الرقابة وتذكر دينا أنه يوم عيد ميلادها كانت تقيم احتفال كبير وكأي فتاة طبيعية دعت للحفل زميلاتها وزملاءها لكن هذا الحارس لم ينال إعجابه هذا الوضع ومنع زملاءها الذكور من الصعود للشقة بدعوى حماية سمعه العمارة وتحول الوضع في إطار إصرار دينا على صعود زملاءها وإصرار الحارس على عدم صعودهم إلى معركة كبيرة أفسدت أجواء الاحتفال وانتهى الأمر بأن قام أحد زملاء دينا بمنح البواب مبلغ من المال اعترضت دينا في البداية على هذا السلوك لكنها أدركت أن الصدام لا يجدي خاصة مع من يعتبرون أنفسهم حماه الفضيلة.
في بيوتنا نجد أكبر راحة نفسية مقولة يعبر كثيرون ممن يعيشون مع أسرهم عن رضاءهم لهذا الوضع لكن دينا ترى عكس ذلك بل تصف شعورها عندما تزور أهلها بمدينة الغردقة بأنه شعور غامض بالغربة هذا بالإضافة لكون الخلافات والصدام الدائم مع أهلها عوامل عززت شعورها بالاغتراب عن أفراد أسرتها التي مازالت تنظر لها على كونها طفلة ينبغي أن تتبع خطهم في الحياة دون أن تسأل عن مدى ملاءمة هذا الخط لها كشخصية مستقلة لديها عقل يفكر ويسأل ويحلل وفي هذا الإطار تروى دينا كيف أن أهلها صدموا عندما خلعت حجاب رأسها حيث وجوها لها اتهامات قاسية مثل أنها أصبحت ترفض الدين أو أن أحد الأفراد من أصدقاء دراستها بالجامعة الأمريكية بث في رأسها أفكار غير دينية خالية من الفضيلة والالتزام لكن دينا ترى أن لها شخصية وتختار ولا تخضع في حياتها لمؤامرات خارجية تتحكم في قراراتها .
لم يكن صدام الحجاب هذا هو الأول أو الأخير في علاقة دينا بأهلها بل عقبه صدام أخر أكد لدى أهلها اتهاماتهم التي وجهوها لابنتهم وهذا الصدام هو رفضهم وغضبهم من رغبة دينا الالتحاق بمدرسة لتعليم الرقص حيث علق أخيها قائلاً : هل سيكون لي أخت راقصة !!
الحب العاطفي ربما يكون في حياة الفتاة التقليدية أمل كبير وهدف لو لم يتحقق لفقدت الحياة المعنى والقيمة ولأن دينا فتاة غير تقليدية بل تواجه المجتمع بأراءها الواضحة المترجمة في سلوكيات وليس كلمات فقط ترى أن الحب مهم لرفع جودة وكيفيه سير الحياة لذلك إن لم يساعد على تحقيق الارتقاء فلا داعي لوجوده وتلك الرؤية جعلتها تبتعد سريعاً عن من كانت تظن أنها تحبه خاصة وأنه كان نمطي الفكر يتعامل معها كما تصف بشخصية المتحكم المحدد لكل معالم حياتها وهذا ما ترفضه لأن حياتها ملكاً لها ومن حقها هى فقط رسم خطوط تلك المعالم ،ورؤيتها تلك لحق كل فرد في رسم ملامح حياته يجعل دينا لا تعترض على الفتيات اللواتي يقمن علاقات جنسية خارج إطار الزواج كشكل اجتماعي لممارسة الجنس لكنها لا يمكنها انتهاج هذا السلوك لا لسبب سوى أن المجتمع يصف تلك الفتاة ببائعه الهوى.
أميرة ( 21) سنة فتاة رقيقة الملامح ذات صوت منخفض بما يهيأ لك بأن تلك الفتاة تخشى الخروج وحدها وليس العيش بمفردها لكن واقع حياتها مخالف لكل تلك المظاهر الهادئة حيث تقول : انتمي لعائلة صعيدية وعشت فترة كبيرة من حياتي في مدينة قنا، وعندما انتقلت للعيش بالقاهرة دون عائلتي لم يتقبل الكثير من أفراد أسرتي الصغيرة المتمثلة في والدي وأخواتي وضعي الجديد كفتاة تحيا بمفردها في مجتمع القاهرة المفتوح والبعيد كل البعد عن مجتمعي الصعيدي الذي نشأت فيه وهذا الرفض إن كان أتخذ صورة التحذير اللفظي من والدي أتخذ صورة الاستنكار والنبذ من باقي الأفراد ، وتلك السلوكيات الرافضة بأنواعها المختلفة شكلت لي في بداية حياتي بالقاهرة ضغط كبير على أعصابي لكنني مع الوقت تأقلمت مع هذا كله وأصبحت أقل حساسية تجاه أي رفض اجتماعي لمبادئي الحياتية، ولأتجنب كل نظرة رفض لي أسير في الشارع مثبته العين على منزلي وأسد أذني عن سماع أي كلمات أو تعليقات قد تثير حساسيتي وتجعلني أعيش حالة غضب.
عن الخبرات السيئة والجيدة تكمل أميرة حديثها لنا قائلة: عندما كنت أحيا مع أسرتي كان دعم والدتي النفسي لي هو حصني الذي أحتمي به من عواصف الحياة ولكن هذا الدعم أفتقده في حياتي الجديدة فأصدقائي على الرغم من كونهم يسألون دوماً عني ونتقابل كثيراً إلا أنهم لا يقدموا لي حب واهتمام حقيقي كحب والدتي ودعمها اللامحدود وهذا الفقدان لدعم والدتي فادني كثيراً وجعلني أكثر قدرة على مواجهة الحياة إلا أنني مازلت أفتقده وأحتاجه ، ولكوني مستقلة بعيدة عن الجو الأسري والتفاعل العائلي أضطر للبقاء خارج المنزل لساعات طويلة في المساء حيث ألتقي زملائي وهذا سلوك أشعر أنه ينبغي أن يقنن بشكل ما وذلك لأن جيراني بالسكن لا يفهمون أن زملائي الذكور يقومون بتوصيلي لمنزلي في ساعات متأخرة خوفاً علي وليس على سبيل الرغبة في الانحراف معي كما يعتقدون ، وبالإضافة لهذا فأنني أدمنت تدخين السجائر يومياً وتلك عادة بالطبع سيئة أتمنى ليس التخلص منها لأن هذا الأمر صعب وإنما التقليل فقط .
أميرة لا تشعر بالاغتراب عن أسرتها كحال دينا وإنما تشعر به تجاه المجتمع البعيد عن وسط وطبيعة زملاءها بالجامعة الأمريكية مكان دراستها حيث تجد أن المجتمع خارج تلك الأسوار غير متحضر مزيف الفضائل يعشق أفراده تمثيل أدوار غير شخصيتهم الحقيقية وتلك الرؤية أكدتها ودعمتها لديها مجموعة من السلوكيات تذكر أحدهم كمثال لنا قائلة : كان يقيم معي مجموعة من صديقاتي بالجامعة وبالطبع لكونهم من طبقة اجتماعية مرتفعة نوعاً ما لا يرتدون ملابس المصريات التقليدية بل يرتدوا ملابس اقرب للانفتاح الغربي وذات يوم وجدت أحد أصحاب المحال بالشارع الذي أعيش به يتحدث لي بإعجاب شديد لي ولزميلاتي متسائلاً عما كنا نحي بمفردنا أم لا ؟ وبالطبع فهمت مغزى استفساره ولم أجيب عليه لأنه لا يستحق أن أتحدث له برأيي .
مازال بداخلي تأثير غامض وقوي لبعض القواعد الدينية التي نشأت عليها لذلك لا يمكنني إقامة علاقة جنسية مع شاب خارج إطار الزواج عبارة ذكرتها أميرة وسط حديثها لنا بانفعال غريب وكأنها تدافع عن اتهام ما وجه لها بأنها ضد الدين وذلك عندما سألنها عن رؤيتها للحرية الجنسية للفتيات المستقلات.
تختتم أميرة حديثها لنا بإبداء رأيها في الرجل والحب حيث تقول أنها لا تحب أن يكون زوجها متغطرس الطباع أو ممتاز فوق العادة فهي تريده أن يكون إنسان طبيعي له إخفاقات ونجاحات نقاط ضعف وقوة وتذكر أنه الآن في حياتها شاب متوافق معها إلى حد كبير في الأفكار والاتجاهات وإن كان يبدى بعض التحفظ على معيشتها بمفردها خاصة وأنه مازال يحيا في كنف أسرته لكن وعلى الرغم من تحفظه هذا إلا انه متقبل لطبيعة وضعها خاصة وأنه يؤمن أن الاستقلال بالحياة ضرورة لبناء الشخصية وهذا الاستقلال قد يتحقق مع وجود الفرد داخل أسرته ولا يتطلب دوماً الرحيل عنهم .
وسط أدخنة كثيفة من عوادم الشيشة كان لقاءنا مع إيناس( 28) سنة والتي تعمل بإحدى المراكز البحثية المعنية بحقوق المرأة وهى فتاة غير نمطيه في كل شيء بدءاً من أفكار عقلها مروراً بشكل ملابسها الفوضوية نهاية بطريقة جلستها والتي تشبه الرجال لحد كبير جداً وعندما بدأت حديثها لنا قالت : أنا إنسانه قبل أن أكون امرأة لذلك فمن حقي وفق كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تقرير مصيري واختيار مفردات حياتي دون التقيد بتقاليد مجتمع أو قواعد دين وإتساقاً مع إيماني الفكري هذا فأنا لا أجد صعوبة في الإعلان للمجتمع أنني فتاة مستقلة بحياتي أتمتع بطريقة معيشتي.
لي علاقة جنسية مع شاب في مثل سني وتلك العلاقة برأيي ليست عيب أو حرام وذلك لأن الجنس وسيلة اتصال تساعدنا على معرفة الأخر وليس كما نظن مكافأة للمتزوجين فقط.
فريدة(25سنة) وتعمل في مجال الفن التشكيلي تجربتها في الانفصال عن عائلتها لها أسباب تتعلق بصحتها النفسية كما أوضحت لنا حيث أنها أصيبت بالإكتئاب وعولجت عندما كانت تحيا مع والدتها التي لا تتواصل معها بشكل يرضيها فكرياً ونفسياً حيث دوماً ما تتحدث تلك الوالدة مع ابنتها عن الطهي وارتفاع الأسعار ولا تتذوق إبداعها الفني مما دفع الابنة بالانهيار من تلك الحياة ولتحمي ذاتها انفصلت عن أسرتها وأصبحت تقيم مع مجموعة من صديقاتها بشقة متواضعة لكنها سعيدة بها وتبدع بين جدرانها أجمل اللوحات كما أنها تزور والدتها الأرملة أسبوعياً للوفاء تجاهها بالالتزام الاجتماعي والديني.
فتيات خارج إطار المألوف
إذا ما صادفت يوماً ما شاب يدفع عربة تسوق، داخل متجر لبيع المواد الغذائية، تحديداً في قسم المأوكولات المعلبة، فأنه سيتبادر إلى ذهنك أكثر من سبب يجعله يتسوق وحيداً، من ضمن هذه الأسباب أنه ربما يسكن منفرداً في شقة على سطوح إحدى البنايات، وإذا ما صادفت فتاة تفعل الشيء نفسه فستنحصر الأسباب حتى تصبح سبب واحد، وبأن شخص/ أشخاص ينتظرونها في البيت، مستبعداً فكرة سكنها وحيدة.
جمعني بصديقة تعيش بإحدى الدول الأوربية نقاش طويل حول عدد من النقاط التي ترتبط بنمط حياة كل منا كفتاة وتطرق بنا الحديث إلى "مسألة العيش خارج نطاق الأسرة والاستقلال بالحياة" ترى تلك الصديقة أن مجتمعها الغربي المنفتح لا يجرم الفتاة التي تستقل بحياتها بعيداً عن الأهل وهي لأنها ابنة هذا المجتمع الغربي وتلك الثقافة المنفتحة لا ترى في ذلك الاستقلال عيباً أو خطرا،ً ولمعرفة ما إذا كنت أشاركها في رؤيتها تلك سألتني كيف أرى الاستقلال بالحياة خارج نطاق الأسرة؟ وهل يمكنك القيام بذلك في الوطن العربي؟ حقيقة السؤالين يبدوان للوهلة الأولى أنه من اليسر الإجابة عليهما. وما زاد من صعوبة الإجابة أننا لم نلمح في مجتمعنا أمثلة واضحة ومتعددة لفتيات مستقلات وبالتالي لا يمكننا فهم طبيعة وشكل الاستقلال بالحياة للشباب بشكل عام وللفتيات تحديداً.
دينا، أميرة، إيناس وفريدة ..
أربعة فتيات كسرن القاعدة، يقمن في شقق خاصة، او ضمن مجموعات تمثل نفس التوجه، تمردن على مجتمعاتهن المنغلقة، ويحيين حياة مليئة بالمغامرات التي تُخاض للمرة الأولى.
دينا (22 ) سنة تقول: تقيم أسرتي في مدينة الغردقة وعندما انتقلت للعيش بالقاهرة بدأت أول شيء في البحث عن سكن مناسب لي لكنني وجدت صعوبات كبيرة جداً للحصول على ذلك السكن ليس لسبب مادي وإنما لأسباب أخرى تتعلق بكوني فتاة صغيرة ستعيش بمفردها حيث أن أصحاب البنايات السكنية كانوا دوماً ما يرددون على مسامعي الأسئلة المعتادة التي على شاكلة هل ستقيمى في الشقة بمفردك ؟ وهل سيتردد عليك رجال أم نساء فقط ؟ وبالطبع عندما كانوا يسمعون إجابتي التي تتضمن عبارات " نعم سأعيش بمفردي وسيتردد على كل زملائي رجال ونساء" كانوا يرفضون منحى السكن، لذلك بحثت عن شقة في بناية يسكنها أجانب فقط بوسط القاهرة وبالطبع التكلفة المادية لهذا السكن مرتفعة جداً لذلك يشاركني في الشقة زميلات لي.
جيران دينا بالبناية السكنية التي تقيم بها أجانب لذلك هى لا تجد من يراقبها منهم ليستطلع جنس المترددين عليها ، لكن حارس البناية هو الذي يتولى ذلك النوع من الرقابة وتذكر دينا أنه يوم عيد ميلادها كانت تقيم احتفال كبير وكأي فتاة طبيعية دعت للحفل زميلاتها وزملاءها لكن هذا الحارس لم ينال إعجابه هذا الوضع ومنع زملاءها الذكور من الصعود للشقة بدعوى حماية سمعه العمارة وتحول الوضع في إطار إصرار دينا على صعود زملاءها وإصرار الحارس على عدم صعودهم إلى معركة كبيرة أفسدت أجواء الاحتفال وانتهى الأمر بأن قام أحد زملاء دينا بمنح البواب مبلغ من المال اعترضت دينا في البداية على هذا السلوك لكنها أدركت أن الصدام لا يجدي خاصة مع من يعتبرون أنفسهم حماه الفضيلة.
في بيوتنا نجد أكبر راحة نفسية مقولة يعبر كثيرون ممن يعيشون مع أسرهم عن رضاءهم لهذا الوضع لكن دينا ترى عكس ذلك بل تصف شعورها عندما تزور أهلها بمدينة الغردقة بأنه شعور غامض بالغربة هذا بالإضافة لكون الخلافات والصدام الدائم مع أهلها عوامل عززت شعورها بالاغتراب عن أفراد أسرتها التي مازالت تنظر لها على كونها طفلة ينبغي أن تتبع خطهم في الحياة دون أن تسأل عن مدى ملاءمة هذا الخط لها كشخصية مستقلة لديها عقل يفكر ويسأل ويحلل وفي هذا الإطار تروى دينا كيف أن أهلها صدموا عندما خلعت حجاب رأسها حيث وجوها لها اتهامات قاسية مثل أنها أصبحت ترفض الدين أو أن أحد الأفراد من أصدقاء دراستها بالجامعة الأمريكية بث في رأسها أفكار غير دينية خالية من الفضيلة والالتزام لكن دينا ترى أن لها شخصية وتختار ولا تخضع في حياتها لمؤامرات خارجية تتحكم في قراراتها .
لم يكن صدام الحجاب هذا هو الأول أو الأخير في علاقة دينا بأهلها بل عقبه صدام أخر أكد لدى أهلها اتهاماتهم التي وجهوها لابنتهم وهذا الصدام هو رفضهم وغضبهم من رغبة دينا الالتحاق بمدرسة لتعليم الرقص حيث علق أخيها قائلاً : هل سيكون لي أخت راقصة !!
الحب العاطفي ربما يكون في حياة الفتاة التقليدية أمل كبير وهدف لو لم يتحقق لفقدت الحياة المعنى والقيمة ولأن دينا فتاة غير تقليدية بل تواجه المجتمع بأراءها الواضحة المترجمة في سلوكيات وليس كلمات فقط ترى أن الحب مهم لرفع جودة وكيفيه سير الحياة لذلك إن لم يساعد على تحقيق الارتقاء فلا داعي لوجوده وتلك الرؤية جعلتها تبتعد سريعاً عن من كانت تظن أنها تحبه خاصة وأنه كان نمطي الفكر يتعامل معها كما تصف بشخصية المتحكم المحدد لكل معالم حياتها وهذا ما ترفضه لأن حياتها ملكاً لها ومن حقها هى فقط رسم خطوط تلك المعالم ،ورؤيتها تلك لحق كل فرد في رسم ملامح حياته يجعل دينا لا تعترض على الفتيات اللواتي يقمن علاقات جنسية خارج إطار الزواج كشكل اجتماعي لممارسة الجنس لكنها لا يمكنها انتهاج هذا السلوك لا لسبب سوى أن المجتمع يصف تلك الفتاة ببائعه الهوى.
أميرة ( 21) سنة فتاة رقيقة الملامح ذات صوت منخفض بما يهيأ لك بأن تلك الفتاة تخشى الخروج وحدها وليس العيش بمفردها لكن واقع حياتها مخالف لكل تلك المظاهر الهادئة حيث تقول : انتمي لعائلة صعيدية وعشت فترة كبيرة من حياتي في مدينة قنا، وعندما انتقلت للعيش بالقاهرة دون عائلتي لم يتقبل الكثير من أفراد أسرتي الصغيرة المتمثلة في والدي وأخواتي وضعي الجديد كفتاة تحيا بمفردها في مجتمع القاهرة المفتوح والبعيد كل البعد عن مجتمعي الصعيدي الذي نشأت فيه وهذا الرفض إن كان أتخذ صورة التحذير اللفظي من والدي أتخذ صورة الاستنكار والنبذ من باقي الأفراد ، وتلك السلوكيات الرافضة بأنواعها المختلفة شكلت لي في بداية حياتي بالقاهرة ضغط كبير على أعصابي لكنني مع الوقت تأقلمت مع هذا كله وأصبحت أقل حساسية تجاه أي رفض اجتماعي لمبادئي الحياتية، ولأتجنب كل نظرة رفض لي أسير في الشارع مثبته العين على منزلي وأسد أذني عن سماع أي كلمات أو تعليقات قد تثير حساسيتي وتجعلني أعيش حالة غضب.
عن الخبرات السيئة والجيدة تكمل أميرة حديثها لنا قائلة: عندما كنت أحيا مع أسرتي كان دعم والدتي النفسي لي هو حصني الذي أحتمي به من عواصف الحياة ولكن هذا الدعم أفتقده في حياتي الجديدة فأصدقائي على الرغم من كونهم يسألون دوماً عني ونتقابل كثيراً إلا أنهم لا يقدموا لي حب واهتمام حقيقي كحب والدتي ودعمها اللامحدود وهذا الفقدان لدعم والدتي فادني كثيراً وجعلني أكثر قدرة على مواجهة الحياة إلا أنني مازلت أفتقده وأحتاجه ، ولكوني مستقلة بعيدة عن الجو الأسري والتفاعل العائلي أضطر للبقاء خارج المنزل لساعات طويلة في المساء حيث ألتقي زملائي وهذا سلوك أشعر أنه ينبغي أن يقنن بشكل ما وذلك لأن جيراني بالسكن لا يفهمون أن زملائي الذكور يقومون بتوصيلي لمنزلي في ساعات متأخرة خوفاً علي وليس على سبيل الرغبة في الانحراف معي كما يعتقدون ، وبالإضافة لهذا فأنني أدمنت تدخين السجائر يومياً وتلك عادة بالطبع سيئة أتمنى ليس التخلص منها لأن هذا الأمر صعب وإنما التقليل فقط .
أميرة لا تشعر بالاغتراب عن أسرتها كحال دينا وإنما تشعر به تجاه المجتمع البعيد عن وسط وطبيعة زملاءها بالجامعة الأمريكية مكان دراستها حيث تجد أن المجتمع خارج تلك الأسوار غير متحضر مزيف الفضائل يعشق أفراده تمثيل أدوار غير شخصيتهم الحقيقية وتلك الرؤية أكدتها ودعمتها لديها مجموعة من السلوكيات تذكر أحدهم كمثال لنا قائلة : كان يقيم معي مجموعة من صديقاتي بالجامعة وبالطبع لكونهم من طبقة اجتماعية مرتفعة نوعاً ما لا يرتدون ملابس المصريات التقليدية بل يرتدوا ملابس اقرب للانفتاح الغربي وذات يوم وجدت أحد أصحاب المحال بالشارع الذي أعيش به يتحدث لي بإعجاب شديد لي ولزميلاتي متسائلاً عما كنا نحي بمفردنا أم لا ؟ وبالطبع فهمت مغزى استفساره ولم أجيب عليه لأنه لا يستحق أن أتحدث له برأيي .
مازال بداخلي تأثير غامض وقوي لبعض القواعد الدينية التي نشأت عليها لذلك لا يمكنني إقامة علاقة جنسية مع شاب خارج إطار الزواج عبارة ذكرتها أميرة وسط حديثها لنا بانفعال غريب وكأنها تدافع عن اتهام ما وجه لها بأنها ضد الدين وذلك عندما سألنها عن رؤيتها للحرية الجنسية للفتيات المستقلات.
تختتم أميرة حديثها لنا بإبداء رأيها في الرجل والحب حيث تقول أنها لا تحب أن يكون زوجها متغطرس الطباع أو ممتاز فوق العادة فهي تريده أن يكون إنسان طبيعي له إخفاقات ونجاحات نقاط ضعف وقوة وتذكر أنه الآن في حياتها شاب متوافق معها إلى حد كبير في الأفكار والاتجاهات وإن كان يبدى بعض التحفظ على معيشتها بمفردها خاصة وأنه مازال يحيا في كنف أسرته لكن وعلى الرغم من تحفظه هذا إلا انه متقبل لطبيعة وضعها خاصة وأنه يؤمن أن الاستقلال بالحياة ضرورة لبناء الشخصية وهذا الاستقلال قد يتحقق مع وجود الفرد داخل أسرته ولا يتطلب دوماً الرحيل عنهم .
وسط أدخنة كثيفة من عوادم الشيشة كان لقاءنا مع إيناس( 28) سنة والتي تعمل بإحدى المراكز البحثية المعنية بحقوق المرأة وهى فتاة غير نمطيه في كل شيء بدءاً من أفكار عقلها مروراً بشكل ملابسها الفوضوية نهاية بطريقة جلستها والتي تشبه الرجال لحد كبير جداً وعندما بدأت حديثها لنا قالت : أنا إنسانه قبل أن أكون امرأة لذلك فمن حقي وفق كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تقرير مصيري واختيار مفردات حياتي دون التقيد بتقاليد مجتمع أو قواعد دين وإتساقاً مع إيماني الفكري هذا فأنا لا أجد صعوبة في الإعلان للمجتمع أنني فتاة مستقلة بحياتي أتمتع بطريقة معيشتي.
لي علاقة جنسية مع شاب في مثل سني وتلك العلاقة برأيي ليست عيب أو حرام وذلك لأن الجنس وسيلة اتصال تساعدنا على معرفة الأخر وليس كما نظن مكافأة للمتزوجين فقط.
فريدة(25سنة) وتعمل في مجال الفن التشكيلي تجربتها في الانفصال عن عائلتها لها أسباب تتعلق بصحتها النفسية كما أوضحت لنا حيث أنها أصيبت بالإكتئاب وعولجت عندما كانت تحيا مع والدتها التي لا تتواصل معها بشكل يرضيها فكرياً ونفسياً حيث دوماً ما تتحدث تلك الوالدة مع ابنتها عن الطهي وارتفاع الأسعار ولا تتذوق إبداعها الفني مما دفع الابنة بالانهيار من تلك الحياة ولتحمي ذاتها انفصلت عن أسرتها وأصبحت تقيم مع مجموعة من صديقاتها بشقة متواضعة لكنها سعيدة بها وتبدع بين جدرانها أجمل اللوحات كما أنها تزور والدتها الأرملة أسبوعياً للوفاء تجاهها بالالتزام الاجتماعي والديني.