yasmeen
10-27-2007, 08:50 AM
http://www.alwatan.com.kw/Data/Site1/Columns/border-haidar.jpg
بقلم / خليل علي حيدر
«معهد الدراسات الاستراتيجية» التابع للكلية العسكرية في الجيش الأمريكي، يصف الكويت بأنها «البلد الذي يتمتع بأفضل العلاقات بين السنة والشيعة من بين دول الخليج، وأن شيعة الكويت يقرون بأنهم افضل حالا من نظرائهم في بقية الدول الخليجية». (القبس 2007/10/18).
ولاشك ان لكل دولة خليجية اخرى ظروفها وتركيبتها الاجتماعية والمذهبية، ولكن ما الذي جعل الكويت تبرز في مجال التفاهم المذهبي الى هذا الحد؟
وهل كانت هذه العلاقات ستكون بهذه القوة لو أنها نشأت اليوم، في ظل الإسلام السياسي والجماعات الحزبية السنية والشيعية؟
وهل الرفاه المادي الذي يشمل الجميع في الكويت هو السبب؟ وهل من أرسى هذه العلاقات المتينة الحكومة وأسرة الحكم، أم عقلاء الكويت من المذهبين أم دروس وتجارب دول الجوار؟
هذا بحث طويل نتركه لمن يريد البحث والاستقصاء، غير ان الكويت تميزت لحسن الحظ عن كل دول الجوار والدول المؤثرة في المنطقة، المملكة العربية السعودية والعراق وإيران، بعدم تأثير القوى والتوجهات الدينية وسلطة رجال الدين على شؤونها وحكامها. وعلى الرغم من مشاكل الصراع العثماني الإيراني، وتوجهات وصراعات الإخوان الوهابيين وضغوطهم ومحاولاتهم في محاربة التعليم والصحافة ووسائل الحياة الحديثة، فإن السلطة السياسية والعائلة الحاكمة ظلت الى جانب الانفتاح والاستنارة والتسامح المذهبي. بل كانت العائلة الحاكمة وعدد كبير من العائلات الكويتية السنية في مقدمة من يقدم أشكال الدعم والعون في هذا المجال.
القوة الاجتماعية الثانية التي ساندت هذا الاعتدال المذهبي كان عقلاء السنة والشيعة وخصوم التعصب والتزمت، والمتعلمين المستنيرين، وكل من أدرك أوضاع الكويت الداخلية الحساسة، وخطورة التوجهات الطائفية عليها لصغر حجم البلاد وضخامة حجم دول الجوار.
ان انفتاح العقلية الكويتية والتسامح الديني والمذهبي فيها، رغم كل الظروف المعاكسة، ودور الدولة والعائلة الحاكمة وعقلاء البلد وتقبلهم للتعددية المذهبية، هو الذي سهل إنشاء كل هذه المساجد الشيعية والحسينيات، وهو الذي قدم الخدمات التعليمية والإسكانية والصحية والاجتماعية للجميع دون تمييز. ومثل هذا العدل والتسامح لاتزال تفتقر اليه دول أخرى، سنية وشيعية على حد سواء.
ثالث الأسباب في نشوء ونمو هذا التسامح المذهبي، ولسنوات مديدة، كان عدم ظهور «الإسلام السياسي» والجماعات الدينية السنية والشيعية على حد سواء، أو على الأقل عدم هيمنتها على الوعي السياسي والاجتماعي للناس، كما هو الأمر اليوم!
وكانت الحرب العراقية الايرانية اختباراً قاسياً للوحدة الاجتماعية والتسامح المذهبي في الكويت، وكان رد الشيعة بالذات في اعتقادي على ضغوطها وضغوط الثورة الاسلامية الايرانية، هو الانقسام الى عدة تيارات! تيار يقف مع ولاية الفقيه والثورة وتصدير الثورة، وتيار يرفض هذا التوجه الثوري الراديكالي ويتشبث ببلاده وتجربته السياسية، وتيارات وجماعات اخرى متعددة، وقد تسبب عدوان النظام العراقي يوم 1990/8/2 في عودة التفاهم والتسامح بين السنة والشيعة، ولكن تسييس الدين والمذهب، وضغوط تجارب العالم العربي وايران والتعبئة الحزبية الدينية والمذهبية، اعادت مع سقوط النظام العراقي وما تلاه من صراعات، المشاكل والمخاوف المذهبية، واعادتها للأسف هذه المرة، مدعومة ومشحونة بروح عدائية شرسة، مكتسبة من الصراعات المذهبية في مختلف دول الجوار، ومبرمجة للاستجابة لمختلف الجماعات الارهابية والمتشددة المتحركة اقليمياً ودولياً.
ان الاختلافات المذهبية تدخل اليوم، وربما منذ عام 2001 مرحلة جديدة، فهناك استقطابات سياسية جديدة، وهناك تداخل بين الحرب على الارهاب، والقضية الفلسطينية، ومشاكل السياسة الايرانية في دول الخليج ولبنان وغيرها، ومخاوف العالم العربي من التشيع، وكل التسهيلات التقنية التي تتيحها التكنولوجيا المتقدمة اليوم.
وهناك اليوم تعبئة مذهبية من خلال الفضائيات التلفزيونية والاذاعات والصحف ومواقع الانترنت، فهناك اشرطة الكاسيت والاقراص والفيديو «والاناشيد الدينية» السنية، و«اللطميات» الشيعية.. وهكذا! انه صراع محزن مخيف يهدد استقرار المنطقة الخليجية والعربية لا احد يستطيع ايقافه وكل من يحاول تُوجه له تهم الخنوع والخضوع والانبطاح والصفوية والوهابية والباطنية والنفاق والكفر والأمركة!!.
باختصار.. ما يغبطنا عليه معهد الدراسات الاستراتيجية الامريكية من تفاهم راسخ بين الشيعة والسنة في الكويت مكسب كبير لنا جميعاً، من سنة وشيعة، ومن حضر الكويت وقبائلها.. ولكن التحدي امام الدولة والعقلاء كذلك كبير!.
تاريخ النشر: السبت 27/10/2007
بقلم / خليل علي حيدر
«معهد الدراسات الاستراتيجية» التابع للكلية العسكرية في الجيش الأمريكي، يصف الكويت بأنها «البلد الذي يتمتع بأفضل العلاقات بين السنة والشيعة من بين دول الخليج، وأن شيعة الكويت يقرون بأنهم افضل حالا من نظرائهم في بقية الدول الخليجية». (القبس 2007/10/18).
ولاشك ان لكل دولة خليجية اخرى ظروفها وتركيبتها الاجتماعية والمذهبية، ولكن ما الذي جعل الكويت تبرز في مجال التفاهم المذهبي الى هذا الحد؟
وهل كانت هذه العلاقات ستكون بهذه القوة لو أنها نشأت اليوم، في ظل الإسلام السياسي والجماعات الحزبية السنية والشيعية؟
وهل الرفاه المادي الذي يشمل الجميع في الكويت هو السبب؟ وهل من أرسى هذه العلاقات المتينة الحكومة وأسرة الحكم، أم عقلاء الكويت من المذهبين أم دروس وتجارب دول الجوار؟
هذا بحث طويل نتركه لمن يريد البحث والاستقصاء، غير ان الكويت تميزت لحسن الحظ عن كل دول الجوار والدول المؤثرة في المنطقة، المملكة العربية السعودية والعراق وإيران، بعدم تأثير القوى والتوجهات الدينية وسلطة رجال الدين على شؤونها وحكامها. وعلى الرغم من مشاكل الصراع العثماني الإيراني، وتوجهات وصراعات الإخوان الوهابيين وضغوطهم ومحاولاتهم في محاربة التعليم والصحافة ووسائل الحياة الحديثة، فإن السلطة السياسية والعائلة الحاكمة ظلت الى جانب الانفتاح والاستنارة والتسامح المذهبي. بل كانت العائلة الحاكمة وعدد كبير من العائلات الكويتية السنية في مقدمة من يقدم أشكال الدعم والعون في هذا المجال.
القوة الاجتماعية الثانية التي ساندت هذا الاعتدال المذهبي كان عقلاء السنة والشيعة وخصوم التعصب والتزمت، والمتعلمين المستنيرين، وكل من أدرك أوضاع الكويت الداخلية الحساسة، وخطورة التوجهات الطائفية عليها لصغر حجم البلاد وضخامة حجم دول الجوار.
ان انفتاح العقلية الكويتية والتسامح الديني والمذهبي فيها، رغم كل الظروف المعاكسة، ودور الدولة والعائلة الحاكمة وعقلاء البلد وتقبلهم للتعددية المذهبية، هو الذي سهل إنشاء كل هذه المساجد الشيعية والحسينيات، وهو الذي قدم الخدمات التعليمية والإسكانية والصحية والاجتماعية للجميع دون تمييز. ومثل هذا العدل والتسامح لاتزال تفتقر اليه دول أخرى، سنية وشيعية على حد سواء.
ثالث الأسباب في نشوء ونمو هذا التسامح المذهبي، ولسنوات مديدة، كان عدم ظهور «الإسلام السياسي» والجماعات الدينية السنية والشيعية على حد سواء، أو على الأقل عدم هيمنتها على الوعي السياسي والاجتماعي للناس، كما هو الأمر اليوم!
وكانت الحرب العراقية الايرانية اختباراً قاسياً للوحدة الاجتماعية والتسامح المذهبي في الكويت، وكان رد الشيعة بالذات في اعتقادي على ضغوطها وضغوط الثورة الاسلامية الايرانية، هو الانقسام الى عدة تيارات! تيار يقف مع ولاية الفقيه والثورة وتصدير الثورة، وتيار يرفض هذا التوجه الثوري الراديكالي ويتشبث ببلاده وتجربته السياسية، وتيارات وجماعات اخرى متعددة، وقد تسبب عدوان النظام العراقي يوم 1990/8/2 في عودة التفاهم والتسامح بين السنة والشيعة، ولكن تسييس الدين والمذهب، وضغوط تجارب العالم العربي وايران والتعبئة الحزبية الدينية والمذهبية، اعادت مع سقوط النظام العراقي وما تلاه من صراعات، المشاكل والمخاوف المذهبية، واعادتها للأسف هذه المرة، مدعومة ومشحونة بروح عدائية شرسة، مكتسبة من الصراعات المذهبية في مختلف دول الجوار، ومبرمجة للاستجابة لمختلف الجماعات الارهابية والمتشددة المتحركة اقليمياً ودولياً.
ان الاختلافات المذهبية تدخل اليوم، وربما منذ عام 2001 مرحلة جديدة، فهناك استقطابات سياسية جديدة، وهناك تداخل بين الحرب على الارهاب، والقضية الفلسطينية، ومشاكل السياسة الايرانية في دول الخليج ولبنان وغيرها، ومخاوف العالم العربي من التشيع، وكل التسهيلات التقنية التي تتيحها التكنولوجيا المتقدمة اليوم.
وهناك اليوم تعبئة مذهبية من خلال الفضائيات التلفزيونية والاذاعات والصحف ومواقع الانترنت، فهناك اشرطة الكاسيت والاقراص والفيديو «والاناشيد الدينية» السنية، و«اللطميات» الشيعية.. وهكذا! انه صراع محزن مخيف يهدد استقرار المنطقة الخليجية والعربية لا احد يستطيع ايقافه وكل من يحاول تُوجه له تهم الخنوع والخضوع والانبطاح والصفوية والوهابية والباطنية والنفاق والكفر والأمركة!!.
باختصار.. ما يغبطنا عليه معهد الدراسات الاستراتيجية الامريكية من تفاهم راسخ بين الشيعة والسنة في الكويت مكسب كبير لنا جميعاً، من سنة وشيعة، ومن حضر الكويت وقبائلها.. ولكن التحدي امام الدولة والعقلاء كذلك كبير!.
تاريخ النشر: السبت 27/10/2007