أسد الولاية
10-25-2007, 08:11 PM
منقول: مقالة رائعة للمحامي خالد الشطي
((الطائفية))
لعلها من الأولويات وأوضح الواضحات، ولكن الظروف تفرض إعادة شرحها وبيانها.. ذلك بعد ان انطلت المغالطة على بعض السذج من المواطنين، فصاروا يكررون ما يطرحه أرباب المغالطة، وفيهم سياسيون مرموقون: إذا كان من حق الشيعة أن يرفعوا مطالبهم ويعرضوا ظلاماتهم ويكشفوا الاضطهاد الذي يعانون، فلماذا لا يحق للفئات الأخرى ان تفعل الشيء نفسه؟ فاذا فعلت أفلن ينتهي هذا بالمجتمع الى التشرذم والتفكك؟
ولم أعد أدري: أهي مغالطة يلجأ إليها أعداء حقوق الإنسان، يضللون بها الناس ويؤلبونهم تجاه مشروع إعادة بناء الوحدة الوطنية وارساء أسس جديدة تسد الثغرات على من يريد دس أنفه في الشأن الكويتي الداخلي، فيهولون بما ينطلي على العوام فيصدقونهم، ويكررون مقولاتهم بسذاجة، أم أنه جهل بألف باء السياسة والاجتماع يصدر من سياسيين محنكين، مما يشكل سقطات لا تتناسب وحرفيته، ولا تخصصهم في هذاالحقل، وهي أشبه بأن لا يميز شيخ دين بين الحج والعمرة، أو طبيب بين ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الحرارة!
هناك فرق جوهري بين التمييز الذي ينال الأفراد بسبب الدين والمذهب او بسبب العرق (اللون) والجنس، والتمييز الذي يطالهم بسبب مستواهم العلمي والثقافي والمالي وما إلى ذلك. فقد توافقت المجتمعات البشرية في شرعة حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق على محاربة التمييز الذي ينال الأفراد ويطالهم بسبب الجنس والعرق (اللون) والدين.
واختلف بعد ذلك في بقية مظاهر التمييز، فقام المذهب الشيوعي والاشتراكي بالغاء التمييز الطبقي والمهني وكل أشكال التمييز بين الإنسان، فالطبيب والمهندس والعالم لهم مميزات الفلاح والبناء والعامل نفسها ـ لهم الراتب نفسه والملابس نفسها والواقع الاجتماعي نفسه.. وفي هذا قفز على حقيقة وجدانية أمضتها الأعراف والقوانين، وحتى الأديان، فالتفاضل سنة إلهية ما خلت منها مراتب الأنبياء، ولا البشر بأنواعهم ولا أرزاقهم (راجع سورة النساء الآيات: 32، 34، 71، والبقرة: 253، الجاثية: 16، وغيرها).
إن المشاكل التي يعاني منها «أبناء القبائل» لا تعود لقضايا عرقية ولا دينية، فهم لا يتعرضون للتمييز بسبب أعراقهم وألوانهم، فالمجتمع الكويتي، بل جميع المجتمعات تعود إلى أصول قبلية، انحدرت منها أو انفصلت عنها في عملية تكوين المدن والحواضر، بعدت عهود التأسيس هذه أو قربت، فأبناء الأسرة الحاكمة والنخب التي تشكل النظام والسلطة.. كلهم من أصول قبلية.
إن تعبير «أبناء القبائل» إطلاق لا يراد به أكثر من الإشارة الى شريحة اجتماعية أو مناطقية، لا أنهم يمثلون حالة عرقية أو دينية.. فنحن هنا لا نتحدث عن الأمازيغ في المغرب العربي او السكان الأصليين في استراليا أو الهنود الحمر في أميركا.. لسنا هنا أمام أقلية تتعرض للتمييز والاضطهاد بسبب اللون أو اللغة أو الدين.
فإذا فرغنا من هذا، نأتي لننظر في واقع الشكوى، نجد أنها تعود في حقيقتها الى تمييز اجتماعي نشأ من المستوى الثقافي أو الطبقي أو المالي، هناك أجواء وأخلاق وأعراف ولهجات تحكم شريحة معينة، تفرزهم عن غيرهم، تماما كما هو الحال بين أبناء منطقة وأخرى من بلد واحد، وبين الفقراء والأغنياء، وبين المهندسين والعمال، وبين الضباط والجنود.. وبين كل طبقة وشريحة تتفاوت مع أخرى في جانب وآخر. ولاشك أن في هذا التفاضل والتفاوت جنبة سلبية، وهي داء يشكل علاجه هدفا كبيرا تتطلع إليه جميع الدول والمجتمعات.. وهذا ما نزع بالبعض الى الشيوعية والاشتراكية.. وتبقى المساواة قضية أخلاقية قبل كل شيء.. فالعالم كله يعيش هذا النوع من التمييز ويمارسه، من اميركا الى أوروبا بأعرق ديموقراطياتها وأشد مؤسساتها تعصبا لحقوق الإنسان وحرصا على منع التمييز.
ولكن هذا التميّز شيء آخر غير التمييز الذي تحرمه القوانين الدولية وتجرمه وتعاقب عليه، والذي يلاحقه العالم المتمدن ويفرضه شرطا للبقاء ولدخول العولمة. فالمرفوض والممنوع أن ينطلق التمييز تجاه الأشخاص والجماعات بسبب معتقداتهم الدينية.
التمييز ان يرى مواطن نفسه أعلى شأنا وأرفع مقاما من مواطن آخر، لا لأنه أغنى منه، ولا أعلم منه، ولا أكثر ثقافة ولا لأي سبب آخر مما يكون في سنة الحياة ونواميسها.. ولكن لأن معتقده في الله وعبادته، في الآخرة وجزائها، في الفقه وأحكامه، أفضل منه وأصح.
ثم لا تتوقف هذه الرؤية عند الاعتقاد المجرد، والفكرة الذهنية البحتة، بل تسري الى السلوك والمواقف والحقوق والواجبات.. فلا يحق لهذا «الأدنى» ان يمارس شعائره الدينية، ولا يمكن من وسيلة إعلامية تطرح أفكاره وتدافع عنه وترد ما يُرمى به ويُقذف، ولا يعطى فرصته في الترقي الوظيفي، ولا يأخذ دوره في خدمة بلاده من خلال وظائف اشرافية ومواقع عليا، تتدخل في صنع القرار والإدارة الاستراتيجية للبلاد. رؤية تفرض أن يكون هذا الآخر مواطنا من الدرجة الثانية، لا صوت له، ولا حس، لا وجود ولا حضور، لا ظهور ولا بروز، إلا بمقدار ما يسمح به «الأعلى»، مما يزين الصورة ويبعث على التباهي الأجوف!
هناك ظلامات للمدرسين، وشكاوى للمتقاعدين، وآلام للعمال، ومعاناة للمرضى، واضطهاد لأبناء القبائل، وهموم للحضر، وصعاب للطلاب والتلاميذ.. ولكن المأساة ان في كل شريحة من هؤلاء بمن فيهم أبناء القبائل شيعي أكثر ظلامة ومعاناة واضطهادا وألما وهما وشكوى من غيره.. وأبعد من أن ينال حقه.
لقد انتفضت الكويت وطوت واحدة من أقبح صور التمييز، وهي التمييز ضد الإنسان بسبب جنسه، فأخذت المرأة حقوقها السياسية.. ونحن نعيش اليوم أمنية لا نراها محالا، وهي أن ينتفض أهل السنة في الكويت، وفيهم من الرجالات والشخصيات والصدور الرحبة من يسمو ويتعالى على جرح الفئوية الضيقة وظلم الطائفية البغيضة، ويطالبوا بإنهاء التمييز الطائفي وإحقاق حقوق الشيعة، مثلما يفعل الشيعة في العراق مع الأقلية السنية هناك (رغم عصيانها وتمردها ودموية فئة منها).
((الطائفية))
لعلها من الأولويات وأوضح الواضحات، ولكن الظروف تفرض إعادة شرحها وبيانها.. ذلك بعد ان انطلت المغالطة على بعض السذج من المواطنين، فصاروا يكررون ما يطرحه أرباب المغالطة، وفيهم سياسيون مرموقون: إذا كان من حق الشيعة أن يرفعوا مطالبهم ويعرضوا ظلاماتهم ويكشفوا الاضطهاد الذي يعانون، فلماذا لا يحق للفئات الأخرى ان تفعل الشيء نفسه؟ فاذا فعلت أفلن ينتهي هذا بالمجتمع الى التشرذم والتفكك؟
ولم أعد أدري: أهي مغالطة يلجأ إليها أعداء حقوق الإنسان، يضللون بها الناس ويؤلبونهم تجاه مشروع إعادة بناء الوحدة الوطنية وارساء أسس جديدة تسد الثغرات على من يريد دس أنفه في الشأن الكويتي الداخلي، فيهولون بما ينطلي على العوام فيصدقونهم، ويكررون مقولاتهم بسذاجة، أم أنه جهل بألف باء السياسة والاجتماع يصدر من سياسيين محنكين، مما يشكل سقطات لا تتناسب وحرفيته، ولا تخصصهم في هذاالحقل، وهي أشبه بأن لا يميز شيخ دين بين الحج والعمرة، أو طبيب بين ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الحرارة!
هناك فرق جوهري بين التمييز الذي ينال الأفراد بسبب الدين والمذهب او بسبب العرق (اللون) والجنس، والتمييز الذي يطالهم بسبب مستواهم العلمي والثقافي والمالي وما إلى ذلك. فقد توافقت المجتمعات البشرية في شرعة حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق على محاربة التمييز الذي ينال الأفراد ويطالهم بسبب الجنس والعرق (اللون) والدين.
واختلف بعد ذلك في بقية مظاهر التمييز، فقام المذهب الشيوعي والاشتراكي بالغاء التمييز الطبقي والمهني وكل أشكال التمييز بين الإنسان، فالطبيب والمهندس والعالم لهم مميزات الفلاح والبناء والعامل نفسها ـ لهم الراتب نفسه والملابس نفسها والواقع الاجتماعي نفسه.. وفي هذا قفز على حقيقة وجدانية أمضتها الأعراف والقوانين، وحتى الأديان، فالتفاضل سنة إلهية ما خلت منها مراتب الأنبياء، ولا البشر بأنواعهم ولا أرزاقهم (راجع سورة النساء الآيات: 32، 34، 71، والبقرة: 253، الجاثية: 16، وغيرها).
إن المشاكل التي يعاني منها «أبناء القبائل» لا تعود لقضايا عرقية ولا دينية، فهم لا يتعرضون للتمييز بسبب أعراقهم وألوانهم، فالمجتمع الكويتي، بل جميع المجتمعات تعود إلى أصول قبلية، انحدرت منها أو انفصلت عنها في عملية تكوين المدن والحواضر، بعدت عهود التأسيس هذه أو قربت، فأبناء الأسرة الحاكمة والنخب التي تشكل النظام والسلطة.. كلهم من أصول قبلية.
إن تعبير «أبناء القبائل» إطلاق لا يراد به أكثر من الإشارة الى شريحة اجتماعية أو مناطقية، لا أنهم يمثلون حالة عرقية أو دينية.. فنحن هنا لا نتحدث عن الأمازيغ في المغرب العربي او السكان الأصليين في استراليا أو الهنود الحمر في أميركا.. لسنا هنا أمام أقلية تتعرض للتمييز والاضطهاد بسبب اللون أو اللغة أو الدين.
فإذا فرغنا من هذا، نأتي لننظر في واقع الشكوى، نجد أنها تعود في حقيقتها الى تمييز اجتماعي نشأ من المستوى الثقافي أو الطبقي أو المالي، هناك أجواء وأخلاق وأعراف ولهجات تحكم شريحة معينة، تفرزهم عن غيرهم، تماما كما هو الحال بين أبناء منطقة وأخرى من بلد واحد، وبين الفقراء والأغنياء، وبين المهندسين والعمال، وبين الضباط والجنود.. وبين كل طبقة وشريحة تتفاوت مع أخرى في جانب وآخر. ولاشك أن في هذا التفاضل والتفاوت جنبة سلبية، وهي داء يشكل علاجه هدفا كبيرا تتطلع إليه جميع الدول والمجتمعات.. وهذا ما نزع بالبعض الى الشيوعية والاشتراكية.. وتبقى المساواة قضية أخلاقية قبل كل شيء.. فالعالم كله يعيش هذا النوع من التمييز ويمارسه، من اميركا الى أوروبا بأعرق ديموقراطياتها وأشد مؤسساتها تعصبا لحقوق الإنسان وحرصا على منع التمييز.
ولكن هذا التميّز شيء آخر غير التمييز الذي تحرمه القوانين الدولية وتجرمه وتعاقب عليه، والذي يلاحقه العالم المتمدن ويفرضه شرطا للبقاء ولدخول العولمة. فالمرفوض والممنوع أن ينطلق التمييز تجاه الأشخاص والجماعات بسبب معتقداتهم الدينية.
التمييز ان يرى مواطن نفسه أعلى شأنا وأرفع مقاما من مواطن آخر، لا لأنه أغنى منه، ولا أعلم منه، ولا أكثر ثقافة ولا لأي سبب آخر مما يكون في سنة الحياة ونواميسها.. ولكن لأن معتقده في الله وعبادته، في الآخرة وجزائها، في الفقه وأحكامه، أفضل منه وأصح.
ثم لا تتوقف هذه الرؤية عند الاعتقاد المجرد، والفكرة الذهنية البحتة، بل تسري الى السلوك والمواقف والحقوق والواجبات.. فلا يحق لهذا «الأدنى» ان يمارس شعائره الدينية، ولا يمكن من وسيلة إعلامية تطرح أفكاره وتدافع عنه وترد ما يُرمى به ويُقذف، ولا يعطى فرصته في الترقي الوظيفي، ولا يأخذ دوره في خدمة بلاده من خلال وظائف اشرافية ومواقع عليا، تتدخل في صنع القرار والإدارة الاستراتيجية للبلاد. رؤية تفرض أن يكون هذا الآخر مواطنا من الدرجة الثانية، لا صوت له، ولا حس، لا وجود ولا حضور، لا ظهور ولا بروز، إلا بمقدار ما يسمح به «الأعلى»، مما يزين الصورة ويبعث على التباهي الأجوف!
هناك ظلامات للمدرسين، وشكاوى للمتقاعدين، وآلام للعمال، ومعاناة للمرضى، واضطهاد لأبناء القبائل، وهموم للحضر، وصعاب للطلاب والتلاميذ.. ولكن المأساة ان في كل شريحة من هؤلاء بمن فيهم أبناء القبائل شيعي أكثر ظلامة ومعاناة واضطهادا وألما وهما وشكوى من غيره.. وأبعد من أن ينال حقه.
لقد انتفضت الكويت وطوت واحدة من أقبح صور التمييز، وهي التمييز ضد الإنسان بسبب جنسه، فأخذت المرأة حقوقها السياسية.. ونحن نعيش اليوم أمنية لا نراها محالا، وهي أن ينتفض أهل السنة في الكويت، وفيهم من الرجالات والشخصيات والصدور الرحبة من يسمو ويتعالى على جرح الفئوية الضيقة وظلم الطائفية البغيضة، ويطالبوا بإنهاء التمييز الطائفي وإحقاق حقوق الشيعة، مثلما يفعل الشيعة في العراق مع الأقلية السنية هناك (رغم عصيانها وتمردها ودموية فئة منها).