المهدى
10-10-2007, 08:29 AM
الاتحاد الاماراتية
خالص جلبي
هكذا وصف أستاذ الرياضيات الأميركي "جيفري لانج" وضعه النفسي في كتابه "الصراع من أجل الإيمان"، فقد كان الرجل مسيحياً فكفر بالصليب والكنيسة، ثم اعتنق الإلحاد، ليتحول في النهاية إلى الإسلام. ومما يروي عن والده المتعب، أنه كان معه يوم أحد في رحلة صيد سمك، والضباب يطوق الأفق، فسأله إن كان يعتقد بالجنة والنار، فلم يجب حتى ظن الطفل جيفري أن أباه نسي السؤال! يقول جيفري: التفت إليّ والدي بعد أن حدق في الأفق طويلاً ثم قال: أما الجنة فلم أرها بعد، ولكن بالتأكيد هناك جهنم على وجه الأرض! وهو من هذا الجانب محق، فالمعتقلات والسجون في البلاد العربية واحات محترمة من سقر، ومساحات تغص بمعارضي النظام، يصلون العذاب بكرة وعشية، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون..!
وفي القرآن أن الإلحاد ليس إنكار الإله، فالآيات التي تتحدث عن الكفر لم تشر مرة واحدة إلى أن الكفار ينكرون أن الله رب السموات ورب العرش العظيم؛ ولئن سألتهم من خلقها، ليقولن خلقهن العزيز العليم، وإنما يذكر القرآن الإلحاد مقرونا بالظلم. ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم... لكن كل المشكلة، كانت ومازالت، في نظام الحكم؛ هل الحكم للشريعة والقانون، أم للطغاة المجرمين؟ هل يتعامل البشر بالعدل والإحسان والبر والتقوى، أم يستعبد بعضهم بعضاً بالإثم والعدوان؟
إن كل فلسفة القرآن تدور حول المستضعفين والمستكبرين، لأن كسر الرافعة الاجتماعية، تدخل المجتمع الظلم، فيضيع الأمن وتنتهي الحريات ويتلبسهم الخوف والجوع، وتبرمجه للحرب الأهلية، بتحول شرائح منهم إلى آلهة، وأخرى إلى عبيد... وهذا الجدل الذي احتدم منذ خلق آدم، كان موضع تساؤل الملائكة، ليس لأن بني آدم سيكفرون بل لأنهم سيظلمون ويفسدون ويسفكون الدماء!
وأرسلت لي نادية سلطان من تورنتو تقول "إن رجلاً ملحداً أصيب بورم خبيث في الرقبة أعيا علاجه الأطباء، فبكى طويلاً. وللمرة الأولى في حياته بدأ يناجي ربه بصدق وهتف بحرارة: إلهي إنني مغلوب فانتصر. غفا الرجل في مكانه منهكاً وحلم حلماً عجيباً: ورقة على الأرض قد سطرت فيها كلمة واحدة فقط (شفاء)، وتهب ريح فتحمل الورقة عالياً إلى السماء، ويصحو الرجل من نومه، وتمر بضعة أيام فإذا بالورم قد زال!".
وبالطبع فإن قصة من ذلك النوع تثير السخرية لدى كمال العراقي من فانكوفر، قائلاً إنها هراء لا يناسب عقل إنسان القرن الحادي والعشرين، وإنها أساطير الأولين! وكلامه يذكرني بفرانسيس بيكون الذي قيل له إن الدعاء أنقذ أناساً كثيرين في البحار، فكان جوابه: لكن كم عدد الذين غرقوا رغم كل الدعوات؟
وقصة نوري إبراهيم عبدو من القامشلي، وقد أُصيب بسرطان القولون ثم اعتقل في سجن تدمر الصحراوي، وخرج بعد عشر سنوات وهو معافى تماماً من المرض... أثارت تعجبي لاسيما أن التقارير الطبية كانت بين يدي.
وفي قصة "تيري والس" من مستشفى "بيج فلات"، وقد نشرتها مجلة "دير شبيجل" الألمانية، عبرة. فقد بقي المريض في غيبوبة طوال 17 عاماً ليستيقظ ويقول: من بعثنا من مرقدنا؟
ومن ينكر مثل هذا الواقعات، ويدعي أن عقله علمي، فبينه وبين العلم مسافة ثلاث سنوات ضوئية. فقد تطور العلم عبر تأمل الظواهر ودراستها واكتشاف قانون تسخيرها، وليس إنكار الظاهرة أصلاً، فذلك إغلاق لباب التطور العلمي كلية. وهذا اسمه إيديولوجية، تذكر بقصة أفيلوف ذي الشهرة العالمية، واستبداله بالدجال الشيوعي ليزانكو، حتى تتم مصادرة العلم في جيب ستالين والدولة الشيوعية... كما ذكر ذلك نديم البيطار في كتابه الإيديولوجية الانقلابية، لأن المنطق الإيديولوجي الشيوعي رأى أن المفهوم الماركسي الذي يبشر بإنسان جديد عن طريق التطور الاقتصادي يتحطم على مبادئ العلم. وإذا كان العلم وأفيلوف ضده فليطيرا، ويأتي محله رفيق عقائدي صلب، فإننا بحاجة للإيمان والعلم، لأن الإيمان صورة متطورة من العلم، وهما وجهان لحقيقة واحدة، لكن هناك من يريد أن يسلبنا الخيال، كمن يقص جناحي الطير فلا يبقي دافنشي وخوارزمي... نعم إن الخيال لنا مثل الجناحين للطير يحلق بهما للمجهول فيكتشف ويرجع لسليمان فيقول جئتك بنبأ يقين...
خالص جلبي
هكذا وصف أستاذ الرياضيات الأميركي "جيفري لانج" وضعه النفسي في كتابه "الصراع من أجل الإيمان"، فقد كان الرجل مسيحياً فكفر بالصليب والكنيسة، ثم اعتنق الإلحاد، ليتحول في النهاية إلى الإسلام. ومما يروي عن والده المتعب، أنه كان معه يوم أحد في رحلة صيد سمك، والضباب يطوق الأفق، فسأله إن كان يعتقد بالجنة والنار، فلم يجب حتى ظن الطفل جيفري أن أباه نسي السؤال! يقول جيفري: التفت إليّ والدي بعد أن حدق في الأفق طويلاً ثم قال: أما الجنة فلم أرها بعد، ولكن بالتأكيد هناك جهنم على وجه الأرض! وهو من هذا الجانب محق، فالمعتقلات والسجون في البلاد العربية واحات محترمة من سقر، ومساحات تغص بمعارضي النظام، يصلون العذاب بكرة وعشية، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون..!
وفي القرآن أن الإلحاد ليس إنكار الإله، فالآيات التي تتحدث عن الكفر لم تشر مرة واحدة إلى أن الكفار ينكرون أن الله رب السموات ورب العرش العظيم؛ ولئن سألتهم من خلقها، ليقولن خلقهن العزيز العليم، وإنما يذكر القرآن الإلحاد مقرونا بالظلم. ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم... لكن كل المشكلة، كانت ومازالت، في نظام الحكم؛ هل الحكم للشريعة والقانون، أم للطغاة المجرمين؟ هل يتعامل البشر بالعدل والإحسان والبر والتقوى، أم يستعبد بعضهم بعضاً بالإثم والعدوان؟
إن كل فلسفة القرآن تدور حول المستضعفين والمستكبرين، لأن كسر الرافعة الاجتماعية، تدخل المجتمع الظلم، فيضيع الأمن وتنتهي الحريات ويتلبسهم الخوف والجوع، وتبرمجه للحرب الأهلية، بتحول شرائح منهم إلى آلهة، وأخرى إلى عبيد... وهذا الجدل الذي احتدم منذ خلق آدم، كان موضع تساؤل الملائكة، ليس لأن بني آدم سيكفرون بل لأنهم سيظلمون ويفسدون ويسفكون الدماء!
وأرسلت لي نادية سلطان من تورنتو تقول "إن رجلاً ملحداً أصيب بورم خبيث في الرقبة أعيا علاجه الأطباء، فبكى طويلاً. وللمرة الأولى في حياته بدأ يناجي ربه بصدق وهتف بحرارة: إلهي إنني مغلوب فانتصر. غفا الرجل في مكانه منهكاً وحلم حلماً عجيباً: ورقة على الأرض قد سطرت فيها كلمة واحدة فقط (شفاء)، وتهب ريح فتحمل الورقة عالياً إلى السماء، ويصحو الرجل من نومه، وتمر بضعة أيام فإذا بالورم قد زال!".
وبالطبع فإن قصة من ذلك النوع تثير السخرية لدى كمال العراقي من فانكوفر، قائلاً إنها هراء لا يناسب عقل إنسان القرن الحادي والعشرين، وإنها أساطير الأولين! وكلامه يذكرني بفرانسيس بيكون الذي قيل له إن الدعاء أنقذ أناساً كثيرين في البحار، فكان جوابه: لكن كم عدد الذين غرقوا رغم كل الدعوات؟
وقصة نوري إبراهيم عبدو من القامشلي، وقد أُصيب بسرطان القولون ثم اعتقل في سجن تدمر الصحراوي، وخرج بعد عشر سنوات وهو معافى تماماً من المرض... أثارت تعجبي لاسيما أن التقارير الطبية كانت بين يدي.
وفي قصة "تيري والس" من مستشفى "بيج فلات"، وقد نشرتها مجلة "دير شبيجل" الألمانية، عبرة. فقد بقي المريض في غيبوبة طوال 17 عاماً ليستيقظ ويقول: من بعثنا من مرقدنا؟
ومن ينكر مثل هذا الواقعات، ويدعي أن عقله علمي، فبينه وبين العلم مسافة ثلاث سنوات ضوئية. فقد تطور العلم عبر تأمل الظواهر ودراستها واكتشاف قانون تسخيرها، وليس إنكار الظاهرة أصلاً، فذلك إغلاق لباب التطور العلمي كلية. وهذا اسمه إيديولوجية، تذكر بقصة أفيلوف ذي الشهرة العالمية، واستبداله بالدجال الشيوعي ليزانكو، حتى تتم مصادرة العلم في جيب ستالين والدولة الشيوعية... كما ذكر ذلك نديم البيطار في كتابه الإيديولوجية الانقلابية، لأن المنطق الإيديولوجي الشيوعي رأى أن المفهوم الماركسي الذي يبشر بإنسان جديد عن طريق التطور الاقتصادي يتحطم على مبادئ العلم. وإذا كان العلم وأفيلوف ضده فليطيرا، ويأتي محله رفيق عقائدي صلب، فإننا بحاجة للإيمان والعلم، لأن الإيمان صورة متطورة من العلم، وهما وجهان لحقيقة واحدة، لكن هناك من يريد أن يسلبنا الخيال، كمن يقص جناحي الطير فلا يبقي دافنشي وخوارزمي... نعم إن الخيال لنا مثل الجناحين للطير يحلق بهما للمجهول فيكتشف ويرجع لسليمان فيقول جئتك بنبأ يقين...