المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جيجل جنة البحر الأبيض المتوسط المنسية.. وأسرار لا تنتهي!



قمبيز
09-05-2007, 07:10 AM
'القبس' تزور عاصمة السحر والجمال في الجزائر


http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/5-9-2007//311161_570006.jpg
الكورنيش الجيجلي.. والقردة في استقبال الزائرين


05/09/2007 جيجل (الجزائر) - نسيم لكحل:



عندما تعرف أن ولاية جيجل الساحلية (350 كلم شرق العاصمة الجزائرية) تغطي الجبال أكثر من 80 في المائة من مساحتها الإجمالية، وعندما تعرف أنها واحدة من أكثر الولايات تضررا خلال العشرية الحمراء بسبب التمركز الكبير للإرهابيين في جبالها، فقد يخيل لك انك لو تزورها سوف تجدها منطقة خاوية على عروشها أو ولاية من القرون الحجرية، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما ليس لأنها ولاية تطل على شاطئ البحر بل لأنك ستكتشف المعنى الحقيقي للجمال بهذه الولاية، وتكتشف معه الكثير من أسرار مدينة ساحرة، تبحث فقط عمن ينفض عنها غبار النسيان ويهدي للعالم جنة حقيقية أبدع الخالق في تصويرها.
الجنة المنسية..

صيف هذا العام أتاح لنا فرصة زيارة شواطئ هذه الولاية الساحلية، والتي يصفها البعض بأنها الجنة المنسية في الجزائر أو جنة البحر الأبيض المتوسط، والزائر إليها يدرك أنه فعلا في منطقة أقرب ما تكون إلى الجنة منها إلى منطقة ساحلية وكفى، حيث لن تجد العبارات المناسبة لوصف مناظر طبيعية تسر الناظرين، ومن روعتها فإن الكثير من الجزائريين يجدون متعتهم الكبرى في التمتع بمناظر هذا الشريط الساحلي أكثر من متعة السباحة على الشواطئ التي يلجأ إليها الكثيرون عادة هربا من حرارة الصيف.
توقفوا.. هنا 'الكورنيش'

من ولاية سطيف الداخلية كانت انطلاقة الرحلة برفقة صديقين، والوجهة هي طبعا ولاية جيجل لقد كنا مدعوين لزيارة مخيم استفاد منه أيتام هذه الولاية، فكانت هذه الدعوة فرصة للجلوس مع هذه الفئة من الأطفال ومؤانستهم ولو لليلة واحدة، وفرصة كذلك لاسترجاع ذكريات قديمة مع 'الكورنيش الجيجلي' حيث أبدع الخالق في رسم لوحات طبيعية خلابة تتعانق فيها الجبال التي تزينها الغابات مع البحر، وفي الطريق تستقبلك أعداد كبيرة من القردة التي تتبادل أطراف الحديث مع المواطنين وأصحاب السيارات الذين يتوقفون على طول هذا الكورنيش يطعمونها ويلعبون معها كذلك في صورة هي واحدة من بين الصور الرائعة هناك.
الساعة كانت تشير إلى الثانية زوالا..

كنا قد اقتربنا جدا من الكورنيش ونحن في هذه اللحظة في منطقة سوق الإثنين التابعة لولاية بجاية والمعروفة بالحركة الكثيفة للناس لأنها تتوسط ثلاثة طرق رئيسية الأولى تؤدي إلى مدينة بجاية العريقة والثانية إلى ولاية سطيف عاصمة الهضاب العليا الجزائرية التي قدمنا منها ووجهتنا هي الطريق الثالث المؤدي إلى ولاية جيجل الساحرة، وما هي إلى دقائق معدودة حتى كنا أمام لافتة كبيرة 'ولاية جيجل ترحب بكم'.. نعم من هنا يبدأ الكورنيش وتبدأ الرحلة الحقيقية..

الشاطئ الأحمر..

'لابلاج روج' باللغة الفرنسية أو 'الشاطئ الأحمر'، من هنا مدخل هذه الولاية الساحرة، من هنا تبدأ رحلة الكورنيش أيضا، وتبدأ الرحلة مع أروع الشواطئ الجزائرية التي يتشكل أغلبها على شكل خلجان صغيرة جلبت إليها مواطنين جزائريين قادمين من مختلف الولايات وحتى من خارج الوطن من العائلات المغتربة التي تفضل قضاء عطلة الصيف بين الأهل والأحباب في البلد الأم..

وفي الطريق إلى مدينة زيامة منصورية التي تتميز بشاطئها الصغير الذي ينتهي إلى جزيرة صغيرة وجميلة أيضا، كانت الرحلة تاريخية وأشبه بالحلم منها إلى الحقيقة.. عدد كبير من السيارات في الاتجاهين تسير بسرعة بطيئة جدا والهدف هو استغلال فرصة التمتع بجمال الطبيعة والمناظر الخلابة هناك، والأهم من ذلك التمتع بمنظر الأعداد الكبيرة من القردة التي تنتشر على طول الطريق وهي تنتظر أن يجود عليها الناس بشيء من الطعام، وأغلب الناس هناك يجدون متعة كبيرة في تقديم الأطعمة وخاصة الخبز للقردة ويستغلون هذه الفرصة النادرة لأخذ صور تذكارية ستكون من دون شك مميزة.

أسرار جزيرة زيامة منصورية
عندما وصلنا إلى زيامة منصورية وجدناها تلك المدينة الصغيرة والجميلة، وجدناها كما تخيلناها أو كما وصفت لنا.. أحسن ما فيها هو الميناء الصغير الذي يؤدي إلى جزيرة صغيرة يقصدها الكثير من الزوار، إنها الوجهة المفضلة للكثير من الزوار الذين يجدون فيها المكان المثالي لاكتشاف المزيد من أسرار الطبيعة، كان لزاما علينا أن ندخل هذه الجزيرة الصغيرة بعد أن ركنا السيارة بالقرب من الميناء، الشيء المميز فيها تلك الأشجار التي تغطي مساحة واسعة منها في منظر لا يتكرر كثيرا عندما يتعلق الأمر بلقاء حميمي وجميل بين الأشجار والبحار، جولة سريعة هناك اكتشفنا خلالها متعة أخرى تجدها العائلات التي تقصد هذه الجزيرة حيث أن أغلبها يجتمع في مكان ما لتناول الطعام وتبادل أطراف الحديث والضحك على أنغام ذكريات الماضي السعيد، فكانت العائلات الصغيرة والكبيرة وهي تحتل هذه الجزيرة جزءا من صورة جميلة سرعان ما تركناها ونحن نتطلع إلى المزيد من المفاجآت ونبحث عن أسرار أخرى في هذه الولاية الساحرة، التي سحرت العيون وخطفت القلوب.

خرجنا من زيامة منصورية وأنا شخصيا لم أكن أصدق أن 'جيجل' مازالت لم تكشف عن كل أسرارها، وكنت أسأل صديقي خميسي فأقول له هل يمكن أن يكون هناك مكان أجمل مما شاهدنا في زيامة منصورية، استدار إلي بابتسامة ساخرة وقال لي لا تستعجل فبعد كيلومترات قليلة فقط سوف نصل إلى مكان ترى فيه العجب العجاب وسوف ينسيك الكورنيش والشاطئ الأحمر وزيامة، وما هي إلا لحظات حتى وصلنا فعلا إلى منطقة 'تازة'..
الكهوف العجيبة.. عجيبة فعلا!
كانت اللافتة على الجهة اليمنى من الطريق تقول هنا 'الحظيرة الوطنية تازة'، وهذا كان كافيا لتتأكد أن شيئا عظيما ينتظرك في هذا المكان، فقال لي مرافقي بعد لحظات سنكون في منطقة الكهوف العجيبة، نعم لقد سمعت عنها الكثير، فقال لي مهما سمعت عنها فليس من رأى كمن سمع، قلت له معك حق.. نحن الآن أمام الكهوف العجيبة.. بعد أن دفعنا مبلغا رمزيا لا يكاد يذكر رافقنا الدليل المكلف بمرافقة الزوار الذين يقصدون الكهوف العجيبة، وعندما فتح لنا الباب استقبلتنا نسمة برد خفيفة كانت تشير إلى أن المكان بارد، سألنا المرشد السياحي فأجاب بأن المميز في هذه الكهوف العجيبة أنها تتميز بدرجة حرارة ثابتة طوال أيام وفصول السنة وهي متوقفة عند 18 درجة مئوية لا تتغير صيفا وشتاء.
الماء.. أحسن نحات في العالم
كانت أول تعليمة تلقيناها أثناء الدخول، هي أن التصوير ممنوع، والسبب أن الأضواء التي تنبعث من آلات التصوير تؤثر في المواد المكونة للأحجار داخل الكهوف العجيبة، والتي ترسم بدقة متناهية أشكالا عجيبة لحيوانات وحتى أشياء موجودة فعلا على وجه الأرض، فالصواعد والنوازل نحتها الماء على أشكال أسماك تبدو وكأنها حقيقية، وهناك أشكال أخرى لقردة وفيلة صغيرة، وصورة أخرى لشيخ جالس يتأمل في روعة المكان، وصورة أخرى لجبل الأهقار المعروف بالصحراء الجزائرية والذي نحته الماء داخل هذه الكهوف العجيبة بدقة متناهية، وصور أخرى كثيرة، ولكن سر سحر المكان حسب ما قاله لنا المرشد السياحي هو أن المكان مفتوح لاكتشافات الزوار الذين يمكنهم اكتشاف مجسمات وصور أخرى لأحسن نحات في العالم.. إنه الماء.
الطريق إلى عاصمة السحر
كان الوقت يقترب من المساء حيث قررنا إكمال المسيرة باتجاه عاصمة الولاية مدينة جيجل، وفي الطريق كانت هناك ورشة مفتوحة لتوسعة الطريق لكي يكون قادرا على استيعاب الحركة الكبيرة للسيارت التي ارتفع عددها بشكل كبير في السنوات الأخيرة بعد تحسن الأوضاع الأمنية، خاصة أن ولاية جيجل كانت منطقة محرمة أيام الأزمة الدموية حيث اشتهرت بكثرة الحواجز المزيفة التي ذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء الذين دفعوا ثمن تهور بعض الجزائريين خاصة أن جبال الولاية كانت معقلا لأمراء الجماعات المسلحة الذين وجدوا فيها المكان الآمن من ملاحقة قوات الجيش الجزائري، قبل أن تتخلص جيجل منذ عام 1999 من خطر الإرهاب بعد الهدنة التي وقعها الجيش الإسلامي للإنقاذ آنذاك مع الجيش الجزائري والتي أفضت إلى وضع عناصر هذا التنظيم لأسلحتهم واستفادتهم من تدابير قانون الوئام المدني الذي أعفاهم من المتابعات القضائية.. منذ ذلك التاريخ بدأت العروس جيجل تستعيد عافيتها وتستقطب أعدادا متزايدة من الزوار والسياح الذين سمعوا القليل من الكثير عن ولاية حالمة.
موعد مع مخيم الأيتام
كانت الساعة تشير إلى حدود الخامسة والنصف مساء عندما وصلنا مدينة جيجل، دلني صديقي على مقهى معروف في المدينة قبالة شاطئ البحر أخذنا فيه قسطا من الراحة، واصلنا بعده الرحلة إلى الجهة الشرقية من الولاية التي تؤدي إلى ولاية سكيكدة، حيث دعانا أحد الأصدقاء لزيارة مخيم للأيتام هناك في مدينة سيدي عبد العزيز التي تبعد بحوالي 30 كلم شرق مدينة جيجل، التي وصلنا إليها في حدود الساعة السادسة والنصف، وكانت آخر زيارة لي لهذه المدينة تعود إلى عام 1989 أي قبل حوالي 18 سنة، وجدتها لم تتغير كثيرا، فهذه المدينة الصغيرة المشهورة بشاطئها الكبير الممتد على مسافة طويلة تبدو وكأنها تسترجع حيوتيها.
لم ننتظر كثيرا لنتوجه إلى متوسطة المدينة التي احتضنت مخيم الأيتام الذي نظمه فريق وفاق سطيف لكرة القدم وأطره شباب من الكشافة الإسلامية الجزائرية، لفائدة هذه الشريحة المنسية في المجتمع الجزائري، حيث استفاد العشرات منهم من مخيم مدفوع التكاليف، وكلهم أطفال صغار في عمر الزهور، ولأننا وصلنا في وقت متأخر فقد ألح علينا الأصدقاء هناك للمبيت معهم في تلك الليلة فما كان علينا سوى الاستجابة لدعوتهم، لكن ليس دون أن نستغل الفرصة لزيارة مكان غير بعيد عن هناك سمعنا عنه الكثير..
بني بلعيد.. عندما يتعانق البحر مع الجبل
إنه شاطئ 'بني بلعيد' حيث يحتضن الجبل البحر في منظر نادر ورائع على حد السواء، وصلنا إليه بعدما استمتعنا بمناظر أخرى جذابة في الطريق، فوجدناه قمة في الجمال، ومن بين الأمور الجميلة هناك التي يفتقدها الكثير من الشواطئ الأخرى هي وجود شاليهات خصصت للراغبين في قضاء عطلهم على هذا الشاطئ الساحر الذي تحميه فرقة من عناصر الدرك الوطني، سألنا أحدهم فأجابنا أنهم يسهرون على حماية مرتادي هذا الشاطئ ليلا ونهارا ولهذا فإنه لا يمكن أن يتعرض أي مصطاف هناك لأي أذى من أي نوع كان، ورغم ذلك فإن هذا الشاطئ لم يستقبل عددا كبيرا من الزوار هذا العام والسبب بسيط، حسبما أفادنا به عبد النور الذي وجدناه هناك وهو من سكان المنطقة، قال لنا أنه متأكد بأن أغلبية زوار ولاية جيجل لم يسمعوا عن هذا الشاطئ وأغلبهم يتوقف فقط في شواطئ الجهة الغربية مثل 'زيامة منصورية' و'الشاطئ الأحمر' و'العوانة' و'ليزافتيس' وغيرها، ويقول عبد النور أن مسؤولي البلدية عليهم أن يقوموا بحملة إشهار كبيرة للتعريف بهذه المنطقة التي شهدت بناء أول قرية زراعية من بين 1000 قرية بناها الرئيس الراحل هواري بومدين في سنوات السبعينات، ولعلها الوحيدة التي مازالت تحافظ على شكلها الذي يجعلك تعتقد وأنت تنظر إليها من بعيد أنها مدينة أوروبية صغيرة جاثمة على سفوح إحدى الجبال في فرنسا أو بلجيكا.
الجنة المنسية.. من يعيدها إلى الواجهة ؟!

غادرنا الولاية في صباح اليوم التالي ونحن نترحم على ولاية كان يمكنها أن تكون من أكبر الأقطاب السياحية في العالم وهي الآن تبحث عن مستثمرين ورجال أعمال قد يحققون أحلام سكانها الذين يريدون أن تتحول هذه الجنة المنسية والساحرة إلى جنة يذكرها كل لسان ويقصدها الناس من كل حدب وصوب، بعد أن انطفأت نيران الإرهاب التي عطلت السياحة في هذه الولاية لعدة سنوات.


http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/5-9-2007//311161_570004.jpg


http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/5-9-2007//311161_570007.jpg