المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حرب العراق تحولت إلى مصنع حقيقي لـ «الاستشهاديين» بطريقة لم تشهدها أي حروب أخرى



جمال
08-28-2007, 12:18 AM
سيــــل المفجــريـن الانتــحـــاريـــين


كتب:رود نوردلاند وباباك ديغانبيشه


في شريط الفيديو الذي سجل عليه وصيته الأخيرة، يبدو السعودي المتأنق الذي يعرف فقط باسم "خطيب فاطمة" وهو يضحك ويمازح المصور الذي سيسجل موته بعد دقائق معدودة. ويقول ملوحا بيده وهو يركب سيارة صالون بنية اللون وعلى وجهه ابتسامة عريضة: "ادع الله أن يسهل مهمتي".

"أبتهل إلى الله أن يجعلها سهلة عليك"، يجيبه المصور، ثم يضحك. ينتقل المشهد إلى مقابلة أجريت في وقت أبكر حيث يعلن السعودي أنه ينوي، عند صعوده إلى الجنة، الزواج من امرأة تدعى فاطمة زُعم أنها عذبت في سجن أبو غريب. ويتحول المشهد بعد ذلك إلى طريق سريع في العراق تسير عليه قافلة من الشاحنات الكبيرة ذات العجلات الـ18، ودائرة حمراء وضعت حول سيارة المفجر التي تقترب منها. وعندما ترتفع الموسيقى وتملأ الشاشة كرة نار برتقالية سوداء، يصرخ المصور: "الحمد لله!".

يمكن العثور على مثل هذه اللقطات بسهولة على YouTube، وهنالك مئات مثلها لم تصور قط. وبينما تظهر أرقام جديدة أن حصيلة القتلى الأمريكيين قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها في السنة خلال شهر يوليو، فإن عدد القتلى العراقيين يواصل الصعود: فقد مات 1652 مدنيا في يوليو وحده. والكثير من هذه الوفيات، إن لم يكن جميعها، هي نتيجة ما تحول إلى وباء من التفجيرات الانتحارية.

كانت هناك أقل من 300 من هذه الهجمات خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب» وخلال العام الذي انتهى في 30 يونيو كان هناك 540 هجوما، وفقا لمحلل استخباراتي متخصص في الموضوع في وزارة الدفاع الأمريكية في العراق لا يسمح له بالتحدث علنا. ويقول العسكريون الأمريكيون إنه منذ يناير، قتل أو جرح أكثر من 4000 عراقي بفعل مفجرين انتحاريين. وقتل أكثر من 50 يوم الأربعاء الماضي في تفجير شاحنة مفخخة في بغداد. ويقول محمد حافظ، مؤلف Suicide Bombers in iraq (المفجرون الانتحاريون في العراق) ومستشار الحكومة الأمريكية، إن "العراق تفوق على جميع حملات التفجير الانتحاري [في التاريخ الحديث] مجتمعة. إنه أمر مذهل حقا".

ما يثير المفاجأة أكثر من ذلك حتى هو أن معظم المفجرين ليسوا عراقيين. يقول مستشار الأمن القومي موفق الربيعي إن السعوديين يشكلون نصف المفجرين الانتحاريين في العراق. ويتفق ذلك مع التقديرات العسكرية الأمريكية التي تضع العراقيين في المنزلة الثانية بفارق كبير» وعند تحليل الحالات التي تعرف فيها هوية الانتحاريين بشكل مؤكد، فإن حافظ يأتي بأرقام مشابهة. ويلعب السعوديون دورا صغيرا في التمرد، لكنهم يشكلون أساسا لحملة التفجير الانتحاري: يقدر المحلل الاستخباراتي الأمريكي أن "نحو نصف السعوديين الذين يدخلون العراق يأتون كمفجرين انتحاريين".

ذلك هو أحد الأسباب التي أثارت الاحتجاج على خطة إدارة بوش لبيع ما قيمته 20 بليون دولار من الأسلحة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج. يقول مستشار أمريكي في العراق غير مصرح له بالحديث علنا إن "السعودية هي محرك الجهاد". ومؤخرا، قال المبعوث الأمريكي إلى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد إن السعوديين على وجه الخصوص "لا يبذلون ما في استطاعتهم لمساعدتنا" في العراق. وقال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، إنه "ذهل" لهذا الانتقاد. لكن السعوديين يقرون سرا بأن لديهم مشكلة. ويقول مستشار أمني سعودي على علاقة وثيقة بمسؤولين بارزين، طلب عدم الكشف عن هويته وهو يناقش معلومات حساسة، إن الحكومة السعودية تقدر عدد مواطنيها الذين ذهبوا إلى العراق للقتال بـ850 منذ عام 2003، قتل 50 بالمائة منهم على الأقل.

قد تحصد العبوات المتفجرة المحلية الصنع المزيد من أرواح الأمريكيين، لكن قنابل الانتحاريين لها أثر تدميري أكبر فيما يتعلق بالطريقة التي تخاض الحرب فيها. يقول الملا كريكار المتشدد العراقي الكردي، المقيم في أوسلو والذي أسس جماعة أنصار الإسلام، إحدى أول المجموعات التي استخدمت التفجيرات الانتحارية في الحرب، إن "العمليات الاستشهادية [المصطلح الجهادي للتفجيرات الانتحارية] مؤثرة لأن خسائرنا قليلة، وخسائر الخصم كبيرة".

وقد دق هذا التكتيك إسفينا بين الأمريكيين والعراقيين: جميع المواقع الأمريكية الأمامية محصنة الآن بطبقات من الجدران المضادة للانفجارات وغيرها من المعوقات، في الوقت الذي تحذر فيه القوافل [الأمريكية] العراقيين من "الابتعاد 100 متر إلى الخلف" أو المخاطرة بإطلاق النار عليهم. وزاد الخوف من السيارات الملغومة تكاليف إعادة الإعمار بشكل كبير» إذ ينفق المتعهدون الأوروبيون ربع ميزانياتهم على الأمن.

التأثير على العراقيين أكثر فتكا من ذلك. فقد استهدفت الهجمات الانتحارية الأكثر إثارة ومشهدية قوات الأمن العراقية بغالبيتها الشيعية، إضافة إلى أسواق بغداد المزدحمة في الأحياء الشيعية من بغداد، وأدت إلى هجمات انتقامية طائفية. وقد زرعت إلى حد كبير شعورا باليأس والفوضى في صفوف المواطنين العاديين. وحين تدفق العراقيون من كل ألوان الطيف إلى الشوارع احتفاء بفوز الفريق الوطني العراقي لكرة القدم بالمباراة قبل النهائية لبطولة آسيا، قتل مفجران انتحاريان أكثر من 50 محتفلا في هجومين منفصلين. وقال شاهد العيان أحمد نبيل، وهو طالب في الـ19 من عمره: "لم أصدق أن من كانوا يرقصون في الشوارع قبل دقائق قد ماتوا الآن. هل هذا جهاد؟".

يقول السعوديون إنهم أنفقوا ما معدله بليون دولار كل عام على حراسة حدودهم مع العراق. لكن يمكن للعرب أن يسافروا إلى سوريا دون حاجة إلى تأشيرة دخول، وغالبا ما يمر الجهاديون ببلد ثالث في الخليج أو حتى في أوروبا لإخفاء آثارهم. والسعوديون جذابون بشكل خاص لأنهم يجلبون أموالهم معهم ليدفعوا للوسطاء السوريين الذين يهربونهم إلى العراق.

كان ذلك هو الطريق الذي سلكه سعودي في الـ21 من عمره الشهر الماضي، والذي تراجع في اللحظة الأخيرة وهو في مهمة لتفجير جسر رئيسي في الرمادي. وقد اعتقلته الشرطة واكتشفت أن مرسليه السعوديين قد أعطوه 1000 دولار لتغطية نفقات سفره. ويتفق الربيعي مع الأمريكيين على أن دمشق لا تبذل ما يكفي لقطع هذا التدفق. ويتذكر كيف كان صعبا على المنفيين العراقيين الحصول على إذن للعبور إلى العراق في عهد نظام صدام: "إن ذلك يقع ضمن القبضة الحديدية لمخابراتهم. لا يمكن حتى لعصفور أن يعبر الحدود دون معرفتهم".

وتتمثل المهمة الأكثر صعوبة من ذلك في تجفيف منابع الاستشهاديين في المملكة العربية السعودية، حيث يضرب التعصب ورفض وجود الكفار في بلاد المسلمين جذورا عميقة. وقد أطلقت الحكومة السعودية حملة إعلامية وطنية لثني "الاستشهاديين" المحتملين عن السفر إلى بلدان أجنبية، وخاصة العراق. وتم كبح جماح رجال الدين الراديكاليين وسيق من تاب من المفجرين المحتملين أمام الصحافة للحديث عن خطأ اختياراتهم.

في يونيو، ألقى وزير الداخلية السعودي، الأمير نايف بن عبد العزيز، خطابا علنيا صارما أمام مجموعة من الأئمة قائلا: "هل تعرفون أن أبناءكم الذين يذهبون إلى العراق يستخدمون لتفجير أنفسهم فقط؟... هل أنتم سعداء لأن أبناءكم يتحولون إلى أدوات قتل؟". لكن العداء تجاه الوجود الأمريكي في العراق، والقوة المتزايدة للشيعة في حكومة بغداد أثارت الغضب والخوف بين الغالبية السنية المحافظة في السعودية. وكما يحذر المستشار الأمني فإنه "لو لم تكن هذه [الحملة المضادة للانتحار] موجودة، لكنا عمليا في حالة حرب مع العراق".

يبدو تدفق المفجرين غير قابل للنضوب. ويقول مسؤولون عراقيون وبعض المسؤولين الأمريكيين إنه كانت هنالك حالات لمفجرين انتحاريين قيّدت أياديهم بالسلاسل إلى مقاود سياراتهم، وتقارير عن بعض من كانوا تحت تأثير المخدرات أو ممن غسلت أدمغتهم تماما. لكن معظم الخبراء الذين قاموا بدراسة الموضوع يشكون في انتشار مثل هذه التكتيكات. ويقول حافظ، الذي حدد هويات 139 مفجرا انتحاريا من مصادر حكومية أمريكية وجهادية، إنه لم يصادف حالة واحدة من الإكراه يمكن تصديقها: "يشاهد المرء هذه الأشرطة الجهادية تقول: «هذا هو زر الدخول إلى الجنة»، ويبدو حقا أنهم يؤمنون بذلك".

ويميل المسؤولون العراقيون الذين عملوا على وقف العمليات الانتحارية إلى وصف المفجرين بأنهم يائسون، يتحكّم فيهم من يرسلونهم. ويقول اللواء رياض جلال، وهو آمر كتيبة عراقية تقوم بحراسة شرق بغداد بغالبيته الشيعية: "إنهم لا يعرفون ما يفعلون بحياتهم، وهم على قناعة بأنهم سيفوزون بحياة أفضل بعد موتهم. إنهم من الفاشلين". ويتفق معه في ذلك سيف الدين علي أحمد، مسؤول الأمن في حكومة إقليم كردستان حين يصفهم "بالناس المكتئبين الذين يبحثون عن حياة أفضل في مكان آخر".

لكن الحقيقة هي أن معظم المفجرين يتم تجنيدهم من بين أبناء عائلات الطبقة الوسطى المتعلمة» ويتمثل إغراء المجنًّدين في الثقافة الفكرية الدينية. فوالدا مفجر جسر الرمادي هما أستاذ جامعي ومعلمة مدرسة ثانوية. كان بلال أحمد، العراقي، طالبا جامعيا في الـ22 من عمره مغرما بكرة القدم. في وقت سابق من هذه السنة، رأى والده السني يقتل من قبل رجال مليشيا شيعية يعيثون خرابا في حيه البغدادي. وقد مزق ملصقاته التي تحمل صور رونالدينو، وأخذ يصلي باستمرار ويذهب إلى المسجد يوميا حيث قال له الإمام إن الانتحار خطأ، لكن الجهاد فرض عليه. وخلال أسابيع تسلم شقيقه رسالة نصية تقول: "بالأمس فاز بلال بنعمة الشهادة التي ستوصله إلى الجنة".

واتضح أنه قتل شخصين من المارة قرب محطة للشرطة، وبالكاد أخطأ الشرطة.

كان رائد البنا، وهو أردني فجر نفسه في الحلة بالعراق، موظفا سابقا في الأمم المتحدة في الأردن. حصل على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة حيث ذهب للعمل بطريقة غير قانونية في مطار لوس أنجلوس. عاد إلى موطنه، بعد العثور عليه وترحيله، وقد أصابه الإحباط، ملقيا اللوم على موظف دائرة الهجرة في الولايات المتحدة الذي "دمر مستقبلي"، كما يتذكر والده منصور الذي ينكر تقارير في الصحف الأردنية أوردت أن العائلة احتفلت بتفجير رائد الانتحاري. لكن أمه ناريمان تشعر بالإهانة فورا وهي تسأل: "لماذا تقول «تفجير انتحاري»؟ إنها «الشهادة». من يريد الانتحار سيقتل نفسه [حتى] في منزله".

ليست تلك وجهات نظر أم سلبها الموت ولدها تحاول الوصول إلى تفسير منطقي لأمر غير منطقي. إنها وجهات نظر تنتشر بشكل واسع، حتى في بلدان تعتبر صديقة للغرب. فقد أظهر استطلاع للرأي عام 2004 أجرته مؤسسة بيو أن 70 بالمائة من الأردنيين و74 بالمائة من اللبنانيين يوافقون على العمليات الانتحارية. وبالرغم من أن ذلك انخفض بشكل دراماتيكي في استطلاع آخر هذا العام، إلا أن واحدا من كل خمسة أردنيين وآخر بين كل ثلاثة لبنانيين يوافقون على هذا التكتيك، (لم يجر الاستطلاع في السعودية).

وما لم تتغير هذه المواقف فسيكون هناك ما يكفي من القنابل البشرية لإبقاء العراق يحترق لسنوات مقبلة.
بمشاركة لاري كابلو وموظفين عراقيين في بغداد وكريستوفر ديكي في باريس

تاريخ النشر: الثلاثاء 14/8/2007