المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية



سمير
08-26-2007, 04:12 PM
( 1 )

محمود كرم


بعامين قبل بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم، بدأت بذور التمرد على الأيديولوجيات الدينية تنمو في عقلي وتأخذ طريقها ظهوراً إلى الحيز الواقعي من حياتي الثقافية والعملية، وأعترف أني في تلك المرحلة وما قبلها كنتُ أجد في الأيديولوجيات الدينية الإطار الأمثل لحياتنا والأنموذج الذي يجب أن يحكم كافة مناحي الحياة، ولتوضيح الصورة لابد من تعريف الأيديولوجيات الدينية التي كانت تتحكم فينا وتسبغ علينا هالاتها الأسطورية وقداساتها المطلقة ويقينياتها الغيبية، فحسب وعينا الذي تشكّل عنها وحسب ثقافتنا التي تشرّبت بها كانت الأيديولوجيات الدينية تعني أنساقاً معينة ومحددة من الأفكار والتصورات والمعرفيات والثقافات تتشكل في منظومة عقائدية وثقافية ومسلكية صارمة، وتتشكل أيضاً في هويةٍ تمتد بجذورها في الثابت من موروثاتها الدينية، وتمثلها بصورة اطلاقية ويقينية سلطة دينية ناطقة باتجاهاتها الثقافية والمسلكية وحتى الشعورية، ولكي تعزز هذه السلطة من هيمنتها الكاملة علينا لابد أن تجتهد في ممارسة أنواع من الفرض الفكري والسلوكي والنفسي أيضاً، ويجب أن يأتي متطابقاً بطبيعة الحال مع طبيعتها الشمولية والأحادية والقدسية، وبما أن السلطة الدينية المؤدلجة عادةً ما تكون مفعمة بأيديولوجياتها المتألهة وطافحة بقداساتها الميثولوجية ومُزهوة بفكر قادتها الدينيين الرمزيين، فإنها معنية كلياً بممارسة فروضاتها الأخلاقية علينا وفروضاتها التبجيلية المحددة سلفاً، وتريد منا أن نؤمن بها إيماناً كاملاً وثابتاً ويقينياً وقوياً لا يخالطه الشك أو التردد أو الوهن أو حتى مجرد المساءلة البريئة..


ولا بد من الاعتراف أيضاً أن العالم بالنسبة لنا يجب أن يصطبغ بلون واحد فقط، ويجب أن تنحصر الأنماط الحياتية والثقافية في ذلك اللون تحديداً، وقد يسألني أحدكم كيف أنظر الآن لتلك المرحلة من حياتي، وكثيراً ما كان يسألني الأصدقاء والصديقات عن ماهية تلك المرحلة، ووجدتُ أنه من باب ايضاح الصورة لهم أحسستُ بأنه عليَّ أن أكتب شيئاً له علاقة بتلك المرحلة من حياتي، وفي البداية أعترف أن الإنسان لا يستطيع الحكم منطقياً على تجربة ما أو مرحلة ما من حياته من دون أن يكون قد عايشها كاملاً وتداخل معها وربما كان واحداً من ركائزها أو مؤسسيها أيضاً،


وعليهِ أجد أن المرحلة تلك من حياتي كانت بمثابة تجربة خاصة خضتها بكل كياني وبكل وجودي النفسي والثقافي، ولستُ نادماً ربما من أني انفقت جزءاً من عمري في خضم تلك التجربة، لأن التجربة تلك أكسبتني معرفةً وفهماً بالطبيعة التكوينية التي تكون عليها الأيديولوجيات الدينية، ومنحتني التجربة تلك أيضاً فهماً واسعاً بطبيعة الأدلجة الدينية حينما تصبح واحدة من آلات التدمير المنظّم للعقل والتفكير الحر، لتصبح فيما بعد المعيار الأوحد الذي نحكم من خلاله على الآخرين..

وفي الحقيقة لا يهمني الآن ما ينعتني به الدينيون المؤدلجون دائماً بالانحراف عن صراطهم المستقيم والخروج من جنتهم الإيمانية، لأني أؤمن دائماً بأن الإنسان يجب أن يمتلك الجرأة والشجاعة والوعي لنقد أية مرحلة في حياته سواء أكانت جيدة أم رديئة، ولستُ من الذين يساومون على حريتي وقراري وإنسانيتي وفكري، ويفضّلون بالتالي عدم الاصطدام بالأفكار والأيديولوجيات التي كانت تسلب منا حرية الرأي والنقد وحرية التفكير والممارسة والقرار وحتى حرية التنوع داخل الدائرة الواحدة، ولذلك فأن ندمي في الحقيقة من خوضي تلك التجربة ينحصر في كونها استنفذت مني جهوداً كثيرة،

وخاصةً في مرحلة الفورة الشبابية، حيث كان من المفروض أن أتوجه بجهودي تلك في العمل على ذاتي وشخصي والاهتمام بمستقبلي المهني، ولكن لا أريد من أحد أن يفهم أني أرمي باللائمة على الأيديولوجيات الدينية لأنها أضاعت جزءاً من حياتي في الأوهام والمشاريع الخاسرة، فالإنسان في النهاية مسؤول عن قراره واختياره وحياته وإرادته..


وليس لأني استطعت الانعتاق من أسر الأيديولوجيات الدينية فإن ذلك يعني أني قد وجدتُ نفسي، أو أني قد ظفرت بالحقيقة التي يبقى الإنسان يسعى إليها في حياته، ولكني أستطيع الجزم بأني منذ أن تعافيتُ من ترسبات الأيديولوجيات الدينية بدأتُ أتفهم معنى وجودي في الحياة، ومعنى أن أكون نفسي وفكري وعقلي وأمتلك قراري وحريتي، وكيف أن الحياة تصبح رحبة وفسيحة وممتعة حينما نقترفها بعيداً عن ضغوطات الأرصدة المفاهيمية والقيمية والثقافية التي تحتويها الأيديولوجيات الدينية،

وكيف أن الإنسان يكون متصالحاً مع ذاته بعيداً عن اكراهات الموروث الديني، وحينما تنال حريتك وتستعيد عقلك بعد معركة مريرة مع منظومة الأيديولوجيات الدينية فإن ذلك يعني أنكَ كنتَ واعياً لضرورة أن تبقى حراً ومستقلاً ومُحباً لقيم الذات والحياة، ومؤمناً بأن الحياة لها أكثر من لون ومذاق وصورة..

وليس حديثي عن تلك التجربة انتقاماً من الأيديولوجيات الدينية أو تشفياً منها أو تكفيراً عنها، أبداً، لأني لا أفكر على هذا النحو من اجترار الثارات أو استحضار الأحقاد، فلستُ من الذين تستهويهم هذه المعارك العبثية، فالأغبياء وحدهم الذين يتصورون أنهم ينتصرون من خلال الحقد أو الثأر، فضلاً عن أني لا أجد أية فائدة من خوضي المعركة مع الأيديولوجيات الدينية وفقاً لهذا النمط التفكيري أو المسلكي أو النفسي، وذلك لأني حتى حينما كتبت أو عندما أكتب في النقد الديني، ليس نقداً من أجل استعادة نرجسية الذات المجروحة أو نقداً من أجل الردح الخطابي،

بل أتوجه بنقدي لتفكيك وتشريح وتعرية الخطاب الديني المؤدلج الذي لا ينفك عن انتهاج فكر الوصاية والهيمنة والحاكمية، وغير ذلك فقد توصلتُ إلى قناعة معينة تخص طريقتي في الحياة مفادها أنه حينما نضيق ذرعاً بأية أيديولوجية، علينا أن نبحثَ عن بديل عنها نقتنع به على المستوى الفكري والحياتي والعملي وحتى الشعوري، ونجد أنه الأنسب لنا، ولذلك لا يعنيني في ناحية ما أن أنشغل دائماً بالرد على أفكار من هنا أو هناك تتبناها مؤسسة الفكر الديني المؤدلج، لأني أرى إن دخولي بهذه الطريقة في معمعة الصراع الذي لا أفق محدداً له مع الأيديولوجيات الدينية يجرح نقاء التجربة الذاتية التي أعمل عليها حينما اجترحتها بقرار ذاتي خالص، وكذلك فإن الاستغراق في تفاصيل هذا الصراع يستنزف طاقة الإنسان التي يجب في الأساس أن يستثمرها في العمل على نفسه وفكره،


فما يعنيني في حقيقة الأمر أن أطرح أفكاري وأشتغل عليها على اعتبار إنها بدائل فلسفية وفكرية ومعرفية عن تلك الأيديولوجيات الاحتكارية والاستحواذية واليقينية، وقد توصلت إلى تلك البدائل عن طريق قناعتي وإدراكي ووعيي وشكي أيضاً، ومن المفيد جداً أن نشتغل عليها ادراكاً منا بأن الفكر الحر لم يتأسس على نقيض الآخر أو حتى على وجود الآخر، فضلاً عن أن الفكر الحر يؤمن بحق الآخرين في ابداء رأيهم حسب ما يعتقدون به شريطة عدم احتكارهم للحقيقة وشريطة عدم اقصائهم ونبذهم للآخر لاعتقادهم مطلقاً بأن فكرهم يتميز بهويته الاصطفائية النقية والأبدية، ويبقى الفكر الحر دائماً خياراً حراً ومتاحاً لمن يريد أن ينتصر لإنسانيته وحريته وفكره وقراره، لأنه أي الفكر الحر يبقى يحمل إرث الإنسانية الأزلي في صناعة الحياة الإنسانية الكريمة والحرة الخالية من فكر الاستبداد الديني وهيمنة الأيديولوجيات الاحتكارية والشمولية والتسلطية..
كاتب كويتي
tloo1@hotmail.com

سمير
08-29-2007, 11:42 PM
تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 2 )


محمود كرم

في بدايات فترة تمردي الأولى على الأيديولوجيات الدينية كنتُ أستجيب بشكل متدرج وعميق لطاقة التغيير التي كانت تتدفق في روحي وعقلي، وكنتُ أؤكد لنفسي دائماً بأن هذه الطاقة المتوهجة لكي تنفذ بعمق ووعي وتوقد إلى عقلي يجب أن يكون كما لو أنه قد وُلِد جديداً متعافياً تماماً من دمامات الفكر الديني المؤدلج، فأية طاقة تغييرية حينما تمور بالحركة التفاعلية مع العقل والروح، إن بقيتْ حبيسةً وسجينة داخل الذات لا يتفاعل معها الإنسان واقعياً وعملياً ووجودياً، فإنها قد تصبح في وقت ما سبباً في تعاسته وبؤسه وكآبته النفسية والشعورية، بينما أولئك الذين يسمحون لتلك الطاقة أن تجد طريقها تفاعلاً مع واقعياتهم العملية ويجعلونها تالياً على قيد التواصل اليومي معهم، فإنهم في حقيقة الأمر يريدون لها أن تبقى دائماً مشتعلة بتجلياتها الفكرية تاركينَ لها في الوقت نفسه طريقتها في اختيار ما يناسبها، لتصبح فيما بعد مسكونة بالتواصل المثمر مع العقل والروح والواقع حسب درجة الصفاء الداخلي الذي تكون عليه وتومض به، وربما في مرحلةٍ لاحقة يجدون متعة حقيقية في الاسترشاد بها واستقراء ومضاتها المشعة، ولا أبالغ إن قلتُ أني تفاعلت مع طاقة التغيير في عقلي وروحي على هذا النحو..

وأعتقد أيضاً أن أية تجربة ربما قد ندخلها في البداية مدفوعين بعفوية الرغبات وربما ندخلها أيضاً بسذاجة مطلقة، وفي أحيان أخرى قد ندخلها بغباء توفره على نحوٍ ما البيئة الصانعة لها والمحيطة بنا، فقط لأننا وجدنا إنها قد أطفئت فينا تساؤلات عدة لا طاقة لنا بمحاولة استيضاحها ذاتياً أو محاولة تفكيكها منطقياً وعقلياً أو محاولة تشريحها نقدياً، بل وجدنا الإجابات على تلك التساؤلات أو بعضها من قبِل الأيديولوجيات الدينية جاهزة وربما معلبة بمعنى أدق، تريحنا من جهد التفكير وعناء البحث وتعب التقصّي وفضول المتابعة، ولذلك قد لا نخرج من تلك التجربة إلا ونحن نحمل على أكتافنا أثقالها الكئيبة واكراهاتها الكثيرة، وقد تبقى تلاحقنا فترة من الوقت بعذاباتها ودماماتها وترسباتها العالقة، وتبعاً لذلك أجد أنه ليس كل مَن يدخل تجربة ما سواء بوعي منه وبتصميم عقلي وبقرار اقتناعي أم مَن يدخلها بعفوية أو سذاجة في البداية، يستطيع الخروج منها بسهولة ويستطيع تالياً التعافي منها سريعاً، فالأمر في النهاية يتوقف على مدى درجة استعداده للتعايش والتفاعل مع الطاقة التغييرية التي تبدأ تدب في عقله وروحه، وعلى مدى قدرته الذاتية أيضاً بالاسترشاد بها وعياً وانسجاماً وراحةً نفسية وعقلية، ووجود هذه الطاقة عبر تفاعلاتها الدائمة والمثمرة والمتغيرة تدفع الإنسان نحو تلمس جدوائية تحولاته الفكرية بعمق، وبالتأكيد ستكون تلك التحولات بمثابة دهشات تحريضية وربما استفزازية وقد تتشكّل في محركات ثقافية تحفيزية تأخذ بالفرد إلى سبر أغوار ذاته المفكرة مستمتعاً بمعرفتها أكثر، ومُدركاً في الوقت نفسه طبيعة اتجاهاتها التجديدية، وتضعه تلك التحولات دائماً أمام استنطاقات ذاته المعرفية لمدلولات الأشياء من حوله..

وبمقدوري التأكيد على أن الإنسان كلما كان محلقاً في مستويات ثقافية رفيعة ورحبة الآفاق وفسيحة المعاني متحرراً من المستويات الحابسة والمحدودة والضيقة والجامدة لأيديولوجيات الفكر الديني، كان في مقابل ذلك متمتعاً بقدرة خلاقة على نقد ذاته، لأنه ينشد من خلاله التغيير والتطور والبناء، ولذلك كنتُ أتحسس دائماً الفرق بين مرحلتين في حياتي، حيث وجدتُ نفسي مع الأيديولوجيات الدينية راضياً ومقتنعاً بالنمط المقولب الذي كنتُ فيه، لأننا لم نكن نملك ثقافة النقد التغييري للذات، مستسلمينَ تالياً للمستوى الذي كنا فيه ومُبقين عليه قابلينَ به نفسياً وثقافياً، بينما في مرحلة الانعتاق كاملاً من أغلال تلك الأيديولوجيات وجدتُ نفسي أخوض غمار التغيير تُلهبني حماساً نشوة الخطو الشهي لِتجاوز المستويات وطي المراحل تباعاً، وعليهِ فاني أجد أن الفرق بين مَن يملك ثقافة النقد للذات، وبين مَن لا يملك تلك الثقافة، كالفرق بين مَن يريد تغيير ذاته كإنسان يستحق الأفضل والأعلى دوماً، وبين مَن يريد أن يُبقيها كما هي عليه من دون تغيير أو تطور، خاضعاً لثقافةٍ يظلّ يتوارثها قرناً بعد قرن..

ومن الطبيعي أن يرغب الإنسان دائماً نحو تحقيق نوع من التكامل الذاتي والوجداني عندما يخوض أية تجربة في حياته، لأنه في هذه الحالة يبقى مسكوناً بهاجس التماهي معها على نحو ايجابي واستثماري، وإذا ما فشلَ في ذلك، فإن المشكلة إما أن تكون فيه أو في المكونات الخاصة بالتجربة والخاصة بأنماطها الثقافية، ومن هنا أستطيع القول أنني في تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية لم أستطع أن أحقق نوعاً من التكامل الذاتي والوجداني يُلهم جانباً ما في كياني، لأني كنتُ أجد في الأنماط الثقافية التي تحتويها الأيديولوجيات الدينية افتراساً بشعاً لرغبة الإبداع الحر في داخلي، ذلك الإبداع الذي توجده برغبة إرادية حرة وتعمل على استثماره واقعياً وتتماثل معه ذاتياً، وذلك الإبداع الذي لا يتنفس وجوده الطبيعي إلا بالخروج تمرداً على الأطر الأيديولوجية الهادمة لحركته الحرة، لأن أية عملية تغيير نحو الفضاء البعيد والفسيح والحر تتطلب بالضرورة وجود رغبة الإبداع الحر، ولذلك تعمل الأيديولوجيات الدينية في بيئتها الحاضنة لتجمعاتها التابعة لها على مصادرة تلك الرغبة في أفرادها وافتراسها وردمها وقتلها عبر إيجاد منظومة عقائدية صارمة وخلق برمجيات ذهنية ثقافية محددة ورسم خطوط حُمر تُرهب من يحاول الاقتراب منها أو التفكير في تجاوزها، ولذلك أتساءل ما قيمة الإنسان حينما يتحول إلى مجرد رقم كمّي في المجموع، إلى مجرد رقم عددي يُضاف إلى الأرقام الأخرى، فحينما تقمع الأيديولوجيات الدينية في أفرادها طموح الإبداع الحر وتصادره بحجة عدم المساس بثوابتها الفكرية والمفاهيمية والماضوية، يتحول الفرد فيها إلى مجرد رقم تراكمي، وعادةً ما تعمل مؤسسات الفكر الديني المؤدلج على أن تجعل من الفرد رقماً تراكمياً يفتقد خاصية الكيفية والنوعية والتفرد والتميز، تحولهم إلى أفراد يتناسلون تباعاً في تراكمات الأرقام العددية، ويتشابهون في عقولهم وأفكارهم وآرائهم وتاريخهم وحاضرهم وأيضاً في تفكيرهم..

وما لا تستطيع الأيديولوجيات الدينية أن تهضمه حقاً وتحاول أن تحاربه ما استطاعت من قوة وتصميم وشراسة، هو أن التغيير وبناء الإنسان المبدع الحر في أساسه وأصله إنما يقوم على عمليات التمرد الجميل، أو بمعنى أدق التمرد الواعي المتوهج باشتعالاته التجديدية والتغييرية والمتوثب بعشق المغامرة في البعيد من خلق الأفكار والتصورات والمفاهيم، وكان محقاً المفكر القصيمي حينما قال مشدداً على هذا المنحى : الحضارات العظيمة لم تنهض كلها إلا على أطلال الروايات التي كانت دائماً قيوداً على العقول، وعلى احتمالات الابداع، لقد كان الإنسان يتمرد على فترات فيقذف بتلك القيود ويمضي في الطريق، وكان هذا معنى الحضارة، إن الحضارة هي مجموع عمليات التمرد على النقل، وليس الجمود التاريخي إلا جموداً على النصوص..

ولستُ أشك أبداً في أن الإنسان عموماً سيجد في يوم ما حقيقة ذاته حينما يقوم بهدم كل ما لم يكن راضياً عنه، وبهدم كل ما كان يسلبه حق التمرد والإبداع الحر، وبهدم كل ما كان يشتت كيانه في متاهات الوهم والضياع والكم، ويسعى ليعيد من جديد بناء نفسه وفقاً لشروطه واشتراطاته في وجوده وحريته وكيانه، وقد يكون محقاً أحد الفلاسفة، لا يحضرني اسمه حينما يقول : إن حقيقة كل إنسان، ليست إلا نتاج ما تهدّم، وما أعيد بناؤه..


كاتب كويتي


tloo1@hotmail.com