زين العابدين
08-23-2007, 07:35 PM
أفيون الشعوب
من أشهر كلمات كارل ماركس، ولو رجعنا إلى تلك الحقبة لشاهدنا الكنيسة تلعب هذا الدور بإتقان فالملك سلطة الله وظله في الأرض. لكنك قد تقول إن الثائرين ضد الظلم هم الأنبياء والصالحين فكيف يصح كلامك في بلادنا؟، وأُجيب: إنني قلت الكنيسة أي رجال الدين والمؤسسة الدينية وليس الدين، وفي تاريخنا الإسلامي كان الدين للرحمة وكان قادته العظام على الرغم من وصول بعضهم إلى السلطة إلا أنهم لم يركنوا إلى الدنيا، وكانوا عوناً للمظلوم والمستضعف، ولكن في وقتنا الراهن أصبح رجل الدين يدل على السلطة والغنى والتعالي ويمارس الدور الرئيسي ((تخدير الشعب))، وهو أخطر دور يمكن أن يمارسه، فحقوق الشعب تسرق، وحرماته تنتهك، وأبنائه يذبَّحون، وتاريخه ينهب، وطاقاته تشرَّد، وهذا الرجل يستمر بعملية الحقن الوريدي بصمته واعتزاله. صحيح ((لو خليت قلبت)) ولكن من يستمع للصوت الشريف، لأنه يحتاج إلى مؤسسات دولية لتدعمه، ويحتاج إلى أرصدة مفتوحة، ويحتاج إلى ماكينة إعلامية جبارة، ويحتاج إلى السويد لترشحه لجائزة نوبل للسلام، ولكن يحتاج أيضاً قبل ذلك إلى توقيع على ورقة بيضاء تتكون من ثلاث كلمات : لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم.
ماذا يحدث في العراق؟، وماذا حصل لأهل العراق؟، لقد شهد التاريخ على العراقيين بأنهم شعب ثائر ضد الظلم منذ أول دخول الإسلام إلى العراق وحتى سقوط صدام والبعث، حتى وصفوه بأنه متمرّد، عندما يطرح الجاحظ هذا السؤال : لماذا سمي العراقيون بأهل الشقاق؟، قال : لأنهم لا يقبلون أي أمر يطرح لهم بسهولة، ولا يستسلمون بسهولة، ولا ينصاعون لولاة الحكام فيما إذا جاروا عليهم، فما هو رأي الجاحظ لو عاد اليوم ليرى هذا الخدر والاستكانة؟. انه الأفيون يابن بحر، لقد كان هناك مشابه له في زمنك ولكنك تغافلت مع المتغافلين حرصاً على لقمة عيشك.لم يكن علي الوردي مخطئاً في تسميته لهم ((وعاظ السلاطين)). هؤلاء المتراقصون بين يدي الخليفة والمشرِّعون للسيد رئيس الوزراء ما يشاء من الأحكام لتستمر العطايا : عقود بيع نفط، وعقود لنقل النفط، ومناصب لأسر طالما تقاسمت إرث السواد حتى أضحى اليوم بستاناً لقريش أكثر مما كان زمن بني أُمية وبني العباس بما لا يمكن قياسه. وانتم يا أهل الجنوب تدفعون دماء أبنائكم، وراحة أسركم، وتعيشون كالمتسولين أمام أبوابهم التي حُجِبتم عنها بجيوش من الحراس الشخصيين حرصاً على سلامة سماحته، فوقته ((دام ظله)) من ذهب لا يمكن ان يهدره لكم ياسفلة العوام، ولغته الفقهية الأصولية العالية لا يمكن لها ان تتنزل إلى مستوياتكم الضحلة، وعِرقه الذي ينمى إلى الجنس النقي والدم الأزرق لا يمكن تلويثه برجس أهواركم وجنوبكم يا أبناء المعدان. ما الذي يحصل في العراق؟، فلاتظاهرات ولا إعتراضات ولا تساؤلات. ان السلطة التي يتمتع بها رجال الدين المهيمنين على مصدر القرار، هذه السلطة التي من المفروض انها جائت من القرآن ومن آل البيت تحول دون الاعتراض، فأنت تخاف من العقوبة الأخروية لأن الحكومة مباركة من قبل هؤلاء، ولكن لا سلطة أعلى من سلطة الحق كما يقول أمير المؤمنين ((عليه السلام)): ان الحق لا يعرف بالرجال، إعرف الحق تعرف أهله. ولو لم يكن هناك رافضون لكنَّا معذورين، لقد كان الشهيد السيد محمد الصدر قائد الرفض في هذا البلد، ولطالما سعى ليكشف الزيف، ولكنهم قتلوه بدم بارد. والشعب ينظر لا يحرك يداً ولا رجلاً. هاهي سلطة العراق حكومة بعد حكومة تستمر بسحق الشعب ونهب مقدراته بصورة ممنهجة، يعينهم على ذلك الاحتلال القذر، والمحتل قد يكون معذوراً لأنه لم يجد في أشراف هذا البلد من يخدمه ويحقق أهدافه فجاء بعملاءه الخونة مع دباباته. انظر معي إلى مناصب الدولة: وزراء، وكلاء وزراء، سفراء وملحقين، وموظفين في الخارجية، لن تجد من البصرة والناصرية والكوت والديوانية والسماوة إلا بنسبة أقل من 1% ، وانظر إلى التشكيلة مرة أخرى ترى أسر رجال الدين تشكل الغالبية العظمى، ولكنها ليست الأسر التي عانت من أجل شعبها، فهاهم آل الصدر مُشرَّدون مُبعدون، ولكنك قد تجد بعض من ينتمي إلى هذه الأسرة أيضاً من تمَّت رشوته بأبخس الأثمان، يدير فضائية أو يشغل منصب مدير عام مثلاً. لماذا لا يطالب الشعب بإعلان عن أسماء المناصب السالفة ليتضح المطلب جلياً، لقد تمَّت المحاصصة في لندن وواشنطن، ونفس النخبة العفنة عادت تتبوأ مقاعد الحكم في العراق، ويستمر هذا الرجل بصمته وتعاليه، يتقاسمون واردات الأئمة التي تقدر بأكثر من عشرة ملايين دولار شهرياً، وقد عيَّن الرجل الخفي المعتزل عن الناس أشخاصاً من خواصه لقبض الواردات، إن معارك النجف التي إمتدت قرابة سنة كان السبب الرئيسي فيها واردات الأئمة التي تشكِّل ضمانة وعين لا تنضب، وكان مجرد تخيل أن يكون أبناء الجنوب مشرفين على هذه الواردات يشكل خرقاً لبروتوكول إمتد أكثر من ثلاثمائة سنة، لذلك قام الرجل الخفي بلعبته الأخيرة برحلته إلى عاصمة الضباب لإجراء عملية ((قشمرة)) بغطاء ((القسطرة))، مغامراً بالخروج من ((سردابه)) المقدس، لإعطاء الضوء الأخضر لسحق شباب الشيعة الفقراء، ولم يعرف إلى الآن مصير التحقيق الذي طالب بإجراءه عندما طالب بخروج الشعب لإيقاف نزيف النجف، وحصدت الأسلحة عشرات الأرواح ممن لَبَّوا هذا النداء وراحوا يتراكضون وراء عربته كأنه منقذ العصر.
إن النفط قد ينضب ولكن واردات العتبات المقدسة في تزايد يوماً بعد يوم إلى ما لا نهاية، ومن ظن أنها مخصصة لتعمير الأئمة فهو واهم، فإن تجار الشيعة متكفلون بتعمير وتطوير العتبات المقدسة، أما الواردات اليومية فأين تذهب؟. هناك عنوان فضفاض يتم على أساسه توزيع هذه الثروة، إنه عنوان ((المصلحة تقتضي))، فكل شيئ يمكن فعله بهذا العنوان: يقتل الصدر بهذا العنوان، ويقتل الملايين من العراقيين بهذا العنوان، ويستغل نفط العراق لعشرات السنين مقدماً، بهذا العنوان، ويقسَّم العراق إلى دويلات بهذا العنوان، وإليك المخطط كما أفهمه مع الإعتذار إلى من يعتقد أني أريد الإساءة إليه من أبناء هذا الشعب المضلل، يدخل العراق في دوامة من الدم لعدة أهداف :
1 ـ لكي يدفع ضريبة بعض الدول المجاورة التي أدخلت نفسها وشعبها في نفس مشكلة صدام، الحصول على القوة العظمى الذي تضمن السيطرة على المنطقة ((السلاح النووي)).
2 ـ تقديم أبناء الجنوب من أبناء الشهيد الصدر ضحايا بعنوان المقاومة، بينما سيكونون أول الخاسرين، كونهم يشكلون ورقة ضغط من قبل لاعبي الشرق، ولابد أن يأتي اليوم الذي تنفذ فيه أغراض هذه الورقة فتقدم عند أول مساومة محترمة بين المتنافسين، لأن هؤلاء الثائرين سيوجِّهون أسلحتهم إلى مَنْ خدعهم بعد إخراج المحتل، فلابد من إدخالهم في مطحنة لا آخر لها إلا بالقضاء عليهم.
3 ـ إخلاء الساحة من العناصر المنافسة الخيرة الوطنية التي تقف بشكل مستمر بوجه المخططات الاستعمارية العامة والخاصة.
4 ـ إعادة تكوين ديموغرافي، وأعتقد أنهم قد قطعوا أشواطاً كبيرة في ذلك، ففي الوقت الذي نعيش فيه دوامة الدم يعمل هؤلاء بصمت على شراء أراضي بمساحات واسعة في الأماكن المقدسة، لأن محور القرار ينطلق دائماً من هناك، وتمت السيطرة تقريباً على كل مفاصل الاقتصاد في العراق بعد إيقاف وتعطيل الزراعة والصناعة، خصوصاً ما يخص البنى التحتية.
5 ـ السيطرة المطلقة على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من خلال ما يسمى دمج المليشيات وأصبحت وزارتي الدفاع والداخلية تابعة لهذه الأحزاب التي لازالت تدين بولائها لدولة الجوار. ويمكن الإكثار من هذه الأهداف لمن يريد التوسع أكثر.
نلاحظ أن رجال الدين أصحاب السلطة يعرفون كل ذلك، بل هم مشتركون بالعملية لأهداف عليا تعود إلى خدمة البلد الأم الذي جاءوا منه، فنحن البلد الوحيد تقريباً يحكمنا الأجنبي ويتحكم بمصيرنا، ونتحداهم، مثلاً، أن يدينوا الدول التي تضخ يومياً بمختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات إلى العراق، حيث يعرف الجميع هذه الدول التي تصدِّر إلى العراق يومياً عشرات الصواريخ والعبوات المتطورة والأسلحة الاوتوماتيكية المزودة بالكواتم، حيث تتم تصفية كل من يفتح فمه بكلمة، من أي دين كان ومن أي مذهب كان. وأما حكاية أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد فقد صارت اسطوانة مشروخة لا تجد من يستمع إليها، ولكن قوة تأثير رجل دين السلطة تؤدي إلى تكذيب الناس لعقولهم وما يشاهدونه يومياً من دمار، فهذا الإنسان العراقي المسكين الذي سلَّم قياده إلى من لا يستحق من رجال الدين لا يمكن أن يصدِّق أن هذا الرجل الأسطوري فارغ، ويصدق بالحكايات الخرافية عن لقاءات وهمية لهذا الرجل مع الإمام الغائب كلما إحتاج إليه، وأن صاحبهم هذا يفهم في كل شيئ إبتداءاً من الفقه والأصول وإنتهاءاً بالفلك، ويروي حكايات يسمعها بين الفينة والأخرى عن الحلول العبقرية التي أتحف بها وكالة ناسا عندما تواجه مشكلة مع أحد الكواكب الغامضة أو مذنب خطر يتوجه نحو الأرض، والكثير من هذا ((الخرط)). إن هذا الافيون لابد أن ينتهي مفعوله في يوم ما وتظهر حقائق هؤلاء وينكشف زيفهم، فإن حبل الكذب قصير، كما يقولون. وأخيرا أحب أن أُنبِّه أبناء العراق إلى محاولات للقضاء على أي وجود للشهيد السيد محمد الصدر، وآخرها التعميم الذي صدر من وزارة المالية بإلغاء إسم ((مدينة الصدر)) في المعاملات الرسمية والعودة إلى تسمية ((مدينة الثورة))، وأن وزارة المالية باتت ترفض الكتب الرسمية التي تحمل إسم ((مدينة الصدر))، لأن بقاء إسم الصدر على قيد الحياة فيه خطر عظيم على مشاريعهم، إن لم يكن اليوم ففي غدٍ. وإن غداً لناظره قريب. قل انتظروا انا منتظرون، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محمد حسن الكوفي
17/7/2007 الموافق ليلة الثاني من رجب 1428
من أشهر كلمات كارل ماركس، ولو رجعنا إلى تلك الحقبة لشاهدنا الكنيسة تلعب هذا الدور بإتقان فالملك سلطة الله وظله في الأرض. لكنك قد تقول إن الثائرين ضد الظلم هم الأنبياء والصالحين فكيف يصح كلامك في بلادنا؟، وأُجيب: إنني قلت الكنيسة أي رجال الدين والمؤسسة الدينية وليس الدين، وفي تاريخنا الإسلامي كان الدين للرحمة وكان قادته العظام على الرغم من وصول بعضهم إلى السلطة إلا أنهم لم يركنوا إلى الدنيا، وكانوا عوناً للمظلوم والمستضعف، ولكن في وقتنا الراهن أصبح رجل الدين يدل على السلطة والغنى والتعالي ويمارس الدور الرئيسي ((تخدير الشعب))، وهو أخطر دور يمكن أن يمارسه، فحقوق الشعب تسرق، وحرماته تنتهك، وأبنائه يذبَّحون، وتاريخه ينهب، وطاقاته تشرَّد، وهذا الرجل يستمر بعملية الحقن الوريدي بصمته واعتزاله. صحيح ((لو خليت قلبت)) ولكن من يستمع للصوت الشريف، لأنه يحتاج إلى مؤسسات دولية لتدعمه، ويحتاج إلى أرصدة مفتوحة، ويحتاج إلى ماكينة إعلامية جبارة، ويحتاج إلى السويد لترشحه لجائزة نوبل للسلام، ولكن يحتاج أيضاً قبل ذلك إلى توقيع على ورقة بيضاء تتكون من ثلاث كلمات : لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم.
ماذا يحدث في العراق؟، وماذا حصل لأهل العراق؟، لقد شهد التاريخ على العراقيين بأنهم شعب ثائر ضد الظلم منذ أول دخول الإسلام إلى العراق وحتى سقوط صدام والبعث، حتى وصفوه بأنه متمرّد، عندما يطرح الجاحظ هذا السؤال : لماذا سمي العراقيون بأهل الشقاق؟، قال : لأنهم لا يقبلون أي أمر يطرح لهم بسهولة، ولا يستسلمون بسهولة، ولا ينصاعون لولاة الحكام فيما إذا جاروا عليهم، فما هو رأي الجاحظ لو عاد اليوم ليرى هذا الخدر والاستكانة؟. انه الأفيون يابن بحر، لقد كان هناك مشابه له في زمنك ولكنك تغافلت مع المتغافلين حرصاً على لقمة عيشك.لم يكن علي الوردي مخطئاً في تسميته لهم ((وعاظ السلاطين)). هؤلاء المتراقصون بين يدي الخليفة والمشرِّعون للسيد رئيس الوزراء ما يشاء من الأحكام لتستمر العطايا : عقود بيع نفط، وعقود لنقل النفط، ومناصب لأسر طالما تقاسمت إرث السواد حتى أضحى اليوم بستاناً لقريش أكثر مما كان زمن بني أُمية وبني العباس بما لا يمكن قياسه. وانتم يا أهل الجنوب تدفعون دماء أبنائكم، وراحة أسركم، وتعيشون كالمتسولين أمام أبوابهم التي حُجِبتم عنها بجيوش من الحراس الشخصيين حرصاً على سلامة سماحته، فوقته ((دام ظله)) من ذهب لا يمكن ان يهدره لكم ياسفلة العوام، ولغته الفقهية الأصولية العالية لا يمكن لها ان تتنزل إلى مستوياتكم الضحلة، وعِرقه الذي ينمى إلى الجنس النقي والدم الأزرق لا يمكن تلويثه برجس أهواركم وجنوبكم يا أبناء المعدان. ما الذي يحصل في العراق؟، فلاتظاهرات ولا إعتراضات ولا تساؤلات. ان السلطة التي يتمتع بها رجال الدين المهيمنين على مصدر القرار، هذه السلطة التي من المفروض انها جائت من القرآن ومن آل البيت تحول دون الاعتراض، فأنت تخاف من العقوبة الأخروية لأن الحكومة مباركة من قبل هؤلاء، ولكن لا سلطة أعلى من سلطة الحق كما يقول أمير المؤمنين ((عليه السلام)): ان الحق لا يعرف بالرجال، إعرف الحق تعرف أهله. ولو لم يكن هناك رافضون لكنَّا معذورين، لقد كان الشهيد السيد محمد الصدر قائد الرفض في هذا البلد، ولطالما سعى ليكشف الزيف، ولكنهم قتلوه بدم بارد. والشعب ينظر لا يحرك يداً ولا رجلاً. هاهي سلطة العراق حكومة بعد حكومة تستمر بسحق الشعب ونهب مقدراته بصورة ممنهجة، يعينهم على ذلك الاحتلال القذر، والمحتل قد يكون معذوراً لأنه لم يجد في أشراف هذا البلد من يخدمه ويحقق أهدافه فجاء بعملاءه الخونة مع دباباته. انظر معي إلى مناصب الدولة: وزراء، وكلاء وزراء، سفراء وملحقين، وموظفين في الخارجية، لن تجد من البصرة والناصرية والكوت والديوانية والسماوة إلا بنسبة أقل من 1% ، وانظر إلى التشكيلة مرة أخرى ترى أسر رجال الدين تشكل الغالبية العظمى، ولكنها ليست الأسر التي عانت من أجل شعبها، فهاهم آل الصدر مُشرَّدون مُبعدون، ولكنك قد تجد بعض من ينتمي إلى هذه الأسرة أيضاً من تمَّت رشوته بأبخس الأثمان، يدير فضائية أو يشغل منصب مدير عام مثلاً. لماذا لا يطالب الشعب بإعلان عن أسماء المناصب السالفة ليتضح المطلب جلياً، لقد تمَّت المحاصصة في لندن وواشنطن، ونفس النخبة العفنة عادت تتبوأ مقاعد الحكم في العراق، ويستمر هذا الرجل بصمته وتعاليه، يتقاسمون واردات الأئمة التي تقدر بأكثر من عشرة ملايين دولار شهرياً، وقد عيَّن الرجل الخفي المعتزل عن الناس أشخاصاً من خواصه لقبض الواردات، إن معارك النجف التي إمتدت قرابة سنة كان السبب الرئيسي فيها واردات الأئمة التي تشكِّل ضمانة وعين لا تنضب، وكان مجرد تخيل أن يكون أبناء الجنوب مشرفين على هذه الواردات يشكل خرقاً لبروتوكول إمتد أكثر من ثلاثمائة سنة، لذلك قام الرجل الخفي بلعبته الأخيرة برحلته إلى عاصمة الضباب لإجراء عملية ((قشمرة)) بغطاء ((القسطرة))، مغامراً بالخروج من ((سردابه)) المقدس، لإعطاء الضوء الأخضر لسحق شباب الشيعة الفقراء، ولم يعرف إلى الآن مصير التحقيق الذي طالب بإجراءه عندما طالب بخروج الشعب لإيقاف نزيف النجف، وحصدت الأسلحة عشرات الأرواح ممن لَبَّوا هذا النداء وراحوا يتراكضون وراء عربته كأنه منقذ العصر.
إن النفط قد ينضب ولكن واردات العتبات المقدسة في تزايد يوماً بعد يوم إلى ما لا نهاية، ومن ظن أنها مخصصة لتعمير الأئمة فهو واهم، فإن تجار الشيعة متكفلون بتعمير وتطوير العتبات المقدسة، أما الواردات اليومية فأين تذهب؟. هناك عنوان فضفاض يتم على أساسه توزيع هذه الثروة، إنه عنوان ((المصلحة تقتضي))، فكل شيئ يمكن فعله بهذا العنوان: يقتل الصدر بهذا العنوان، ويقتل الملايين من العراقيين بهذا العنوان، ويستغل نفط العراق لعشرات السنين مقدماً، بهذا العنوان، ويقسَّم العراق إلى دويلات بهذا العنوان، وإليك المخطط كما أفهمه مع الإعتذار إلى من يعتقد أني أريد الإساءة إليه من أبناء هذا الشعب المضلل، يدخل العراق في دوامة من الدم لعدة أهداف :
1 ـ لكي يدفع ضريبة بعض الدول المجاورة التي أدخلت نفسها وشعبها في نفس مشكلة صدام، الحصول على القوة العظمى الذي تضمن السيطرة على المنطقة ((السلاح النووي)).
2 ـ تقديم أبناء الجنوب من أبناء الشهيد الصدر ضحايا بعنوان المقاومة، بينما سيكونون أول الخاسرين، كونهم يشكلون ورقة ضغط من قبل لاعبي الشرق، ولابد أن يأتي اليوم الذي تنفذ فيه أغراض هذه الورقة فتقدم عند أول مساومة محترمة بين المتنافسين، لأن هؤلاء الثائرين سيوجِّهون أسلحتهم إلى مَنْ خدعهم بعد إخراج المحتل، فلابد من إدخالهم في مطحنة لا آخر لها إلا بالقضاء عليهم.
3 ـ إخلاء الساحة من العناصر المنافسة الخيرة الوطنية التي تقف بشكل مستمر بوجه المخططات الاستعمارية العامة والخاصة.
4 ـ إعادة تكوين ديموغرافي، وأعتقد أنهم قد قطعوا أشواطاً كبيرة في ذلك، ففي الوقت الذي نعيش فيه دوامة الدم يعمل هؤلاء بصمت على شراء أراضي بمساحات واسعة في الأماكن المقدسة، لأن محور القرار ينطلق دائماً من هناك، وتمت السيطرة تقريباً على كل مفاصل الاقتصاد في العراق بعد إيقاف وتعطيل الزراعة والصناعة، خصوصاً ما يخص البنى التحتية.
5 ـ السيطرة المطلقة على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من خلال ما يسمى دمج المليشيات وأصبحت وزارتي الدفاع والداخلية تابعة لهذه الأحزاب التي لازالت تدين بولائها لدولة الجوار. ويمكن الإكثار من هذه الأهداف لمن يريد التوسع أكثر.
نلاحظ أن رجال الدين أصحاب السلطة يعرفون كل ذلك، بل هم مشتركون بالعملية لأهداف عليا تعود إلى خدمة البلد الأم الذي جاءوا منه، فنحن البلد الوحيد تقريباً يحكمنا الأجنبي ويتحكم بمصيرنا، ونتحداهم، مثلاً، أن يدينوا الدول التي تضخ يومياً بمختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات إلى العراق، حيث يعرف الجميع هذه الدول التي تصدِّر إلى العراق يومياً عشرات الصواريخ والعبوات المتطورة والأسلحة الاوتوماتيكية المزودة بالكواتم، حيث تتم تصفية كل من يفتح فمه بكلمة، من أي دين كان ومن أي مذهب كان. وأما حكاية أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد فقد صارت اسطوانة مشروخة لا تجد من يستمع إليها، ولكن قوة تأثير رجل دين السلطة تؤدي إلى تكذيب الناس لعقولهم وما يشاهدونه يومياً من دمار، فهذا الإنسان العراقي المسكين الذي سلَّم قياده إلى من لا يستحق من رجال الدين لا يمكن أن يصدِّق أن هذا الرجل الأسطوري فارغ، ويصدق بالحكايات الخرافية عن لقاءات وهمية لهذا الرجل مع الإمام الغائب كلما إحتاج إليه، وأن صاحبهم هذا يفهم في كل شيئ إبتداءاً من الفقه والأصول وإنتهاءاً بالفلك، ويروي حكايات يسمعها بين الفينة والأخرى عن الحلول العبقرية التي أتحف بها وكالة ناسا عندما تواجه مشكلة مع أحد الكواكب الغامضة أو مذنب خطر يتوجه نحو الأرض، والكثير من هذا ((الخرط)). إن هذا الافيون لابد أن ينتهي مفعوله في يوم ما وتظهر حقائق هؤلاء وينكشف زيفهم، فإن حبل الكذب قصير، كما يقولون. وأخيرا أحب أن أُنبِّه أبناء العراق إلى محاولات للقضاء على أي وجود للشهيد السيد محمد الصدر، وآخرها التعميم الذي صدر من وزارة المالية بإلغاء إسم ((مدينة الصدر)) في المعاملات الرسمية والعودة إلى تسمية ((مدينة الثورة))، وأن وزارة المالية باتت ترفض الكتب الرسمية التي تحمل إسم ((مدينة الصدر))، لأن بقاء إسم الصدر على قيد الحياة فيه خطر عظيم على مشاريعهم، إن لم يكن اليوم ففي غدٍ. وإن غداً لناظره قريب. قل انتظروا انا منتظرون، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محمد حسن الكوفي
17/7/2007 الموافق ليلة الثاني من رجب 1428