زوربا
08-20-2007, 11:28 PM
التجار لا يدخلون بعقوبة.. فأسسوا منطقة حرة خارجها لتبادل السلع
بغداد: أليسا روبن*
تعتبر محافظة ديالى واحدة من أكثر المناطق عنفا في العراق، ومحظورة بالنسبة للصحافيين الاميركيين عندما كلفت «نيويورك تايمز» مراسلا عراقيا في العام الماضي للمساعدة في التغطية هناك. وديالي، المقسمة على نحو متساو تقريبا بين السنة والشيعة، والواقعة شمال شرق بغداد، يمزقها النزاع الطائفي، في ظل هجوم من القاعدة في بلاد الرافدين. وعلى الرغم من الهجمات الكبيرة من القوات الأميركية تبقى المنطقة تحت حصار، رغم ان بعض المواقع فيها شهدت تحسنا.
مراسل «نيويورك تايمز» العراقي نشأ في ديالى عندما كان الزواج المختلط شائعا بين الطوائف وعائلته خليط من السنة والشيعة. وقتل عدد من أفراد عائلته في اعمال عنف طائفي خلال العامين الماضيين، بينما هرب الباقون. والمراسل البالغ 30 عاما، والمتخرج من الجامعة، كان يفتقد مسقط رأسه وقرر العودة الى هناك ووافق أيضا على العمل مع «نيويورك تايمز» شريطة عدم الاشارة الى اسمه. وقد عملت معه ومع مترجم لاكمال كتابة القصص عن صور العنف والحياة هناك. وهو يسميها «قصص مأساوية من ديالى».
وفي غرب ديالى توجد قرية تنبعث منها رائحة الموت، ويسميها كثير من سكان المنطقة «بوابة الموت». وقرب القرية كانت هناك نقطة تفتيش وهمية تديرها دولة العراق الاسلامية، وفقا للمسلحين الذين يحرسون. وفي هذا اليوم اوقفوا عائلة تسافر في ثلاث سيارات الى بغداد. وكان بين الرجال والنساء في السيارات زوجان شابان، الزوج اسمه محمد، ظل لسنوات عدة يحلم بالزواج من حبيبته، وقد تحقق ذلك قبل يومين.
أخرج المسلحون الرجال من سياراتهم وعزلوهم عن النساء وأرغموهم على الصعود في سيارة اخرى. بدأت النساء بالصراخ والتوسل الى المجرمين لاطلاق سراحهم. وصرخت العروس قائلة «انتهى كل شيء ولن يعود محمد بعد الآن». فقد جاءت الأخبار بعد ساعات قليلة عن قتل محمد واثنين من ابناء عمه بوحشية كما لو ان المسلحين أرادوا توجيه رسالة تقول ان كلمة «سعادة» غير موجودة في قاموس الارهابيين.
كانت أم سلمى، 27 عاما، من عائلة فقيرة كبيرة. وقد تزوجت من جندي عندما كانت في السابعة عشرة وكان لديهما طفل.
وقتل زوجها في عملية ثعلب الصحراء التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1998، ثم مات ابنها قبل ان يصل عمره الى 18 شهرا. وتوجهت الى العمل في المصانع، لأن والدها كان مريضا وكانت عائلتها بحاجة الى عملها. وبعد الغزو الأميركي كانت لديها علاقة حب مع رجل متزوج، مما أثر على سمعتها، فكانت منبوذه في حيها. وعندما جاء متعصبون ومسلحون للهيمنة على منطقتها بدأت ترتدي العباءة السوداء الطويلة والحجاب الكامل. وكانت تحاول استعادة بعضا من الاحترام الذي فقدته. وانتهى بها الأمر الى ان تصبح معلمة لنساء اخريات وشكلت خلية.
كانت توزع منشورات المتمردين على السكان المحليين. وعندما جرت غارات من قوات الأمن العراقية كانت خليتها مسؤولة عن حماية الوثائق المهمة. وألقت القوات الأميركية القبض على ام سلمى، ولكن احتجاجات السكان المحليين ارغمت الأميركيين على اطلاق سراحها. وبعد اشهر قليلة سمعت من سكان منطقة جرف الصخر انها احد قادة الجماعات المحلية المسلحة واسمه ابو احمد. وعندما اعتقلت ثانية يوم 23 مايو (ايار) الماضي، كانت لديها وثائق متمردين ولم يشجب السكان اعتقالها. غير أن الأميركيين اطلقوا سراحها ثانية واختفت من جرف الصخر.
وخلال الثمانينات مع بدء نظام الري في منطقة خان بني سعد بمحافظة ديالى، المشهورة بنخيلها انتقلت عوائل شيعية كثيرة من الجنوب إلى الشمال للعناية ببساتين النخل. كان عمار ينتمي إلى إحدى هذه العائلات وعند وصوله كان ما يزال بين ذراعي أمه. تنتمي أسرته إلى سلالة الإمام علي. مع ذلك تربى عمار من أن دون أن يعرف الفروق ما بين السنة والشيعة وظل يلعب مع الأطفال من كلا الطائفتين. وذات يوم التقى بسناء الفتاة السنية في البستان الواقع ما بين بيت عائلته وبيتها.
فأحبا بعضهما بعضا، وعلى الرغم من أن اختيار شريك الحياة يعود إلى الآباء فإن عمار وسناء اقسما على الزواج. ولم يخبرا أي شخص آخر عن حبهما. لكنهما ظلا يلتقيان غالبا في البستان، وظلت ترفض أي رجل يخطبها ولم ينجذب عمار إلى أي فتاة أخرى. بعد الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين أصبح الكثير من أفراد عائلة سناء، إما هاربين أو في السجن بسبب كونهم بعثيين في السابق أو يعملون في دوائر الأمن.
وجاءت سناء سرا إلى عمار لتخبره أن من اللازم أن تغادر عائلته لأن المتطرفين ينوون قتلها. فانتقلت العائلة إلى بغداد. مع ذلك ظلا على تواصل عبر الهاتف الجوال. وذات يوم عثر أحد أخوة سناء على هاتفها في البستان فاكتشف صلتها بعمار فأجبرها على الزواج من متطرف. مع ذلك بقيت على اتصال بعمار كلما سنحت لها الفرصة. وكانت تخبره ما يريد المتطرفون لاحقا. وذات يوم قتلت سناء. ولا أحد يعرف من قتلها. وحينما سمع عمار بأن جثتها في المشرحة ببعقوبة قرر الذهاب لإلقاء آخر نظرة على حبيبته. لكن منذ توجهه إلى بعقوبة لم ترد أي أخبار عنه، وتقول الشائعات إنه وقع في فخ نقطة تفتيش كاذبة.
ولا توجد في المنطقة التي تسمى بالحرة شمال غرب بعقوبة أي علامات تشير إلى ذلك. مع ذلك فأنت تستطيع أن تعرفها من خلال كثرة الشاحنات والسيارات والحافلات الصغيرة فيها. وستسمع سائقي هذه الشاحنات يرددون: «هل تريد الذهاب الى بعقوبة؟ هل تريد بغداد؟». يأتي محمد قاسم من سوق الشورجة في بغداد إلى ديالى لجلب الخضر منها.
قال: «أنا فقدت الكثير من الزملاء في مدينة بعقوبة، لذلك فان تجار هذه المدينة توافقوا على الالتقاء مع الاخرين من مناطق اخرى في هذا المكان (المنطقة الحرة) لشحن المواد وتبادلها، من دون النظر الى الخلفيات العرقية أو الطائفية..
فتشحن من شاحنة الى أخرى كي تأخذها إلى بعقوبة أو الى منطقة اخرى، من دون الدخول الى المنطقة الخطرة». والآخرون الذين يخافون الذهاب إلى بعقوبة لا يتجاوزون هذه النقطة. قال خالد تحسين سائق الشاحنة السني: «هناك الكثير من نقاط التفتيش الزائفة، حيث اختفى الكثير من اصدقائي. أنا أفضل البقاء بالقرب من بعقوبة لأن أبناء طائفتي يمنحونني قدرا من الحماية». المنطقة الحرة هي المكان الذي تستطيع أن تتنفس بعمق فيه.
* خدمة «نيويورك تايمز»
بغداد: أليسا روبن*
تعتبر محافظة ديالى واحدة من أكثر المناطق عنفا في العراق، ومحظورة بالنسبة للصحافيين الاميركيين عندما كلفت «نيويورك تايمز» مراسلا عراقيا في العام الماضي للمساعدة في التغطية هناك. وديالي، المقسمة على نحو متساو تقريبا بين السنة والشيعة، والواقعة شمال شرق بغداد، يمزقها النزاع الطائفي، في ظل هجوم من القاعدة في بلاد الرافدين. وعلى الرغم من الهجمات الكبيرة من القوات الأميركية تبقى المنطقة تحت حصار، رغم ان بعض المواقع فيها شهدت تحسنا.
مراسل «نيويورك تايمز» العراقي نشأ في ديالى عندما كان الزواج المختلط شائعا بين الطوائف وعائلته خليط من السنة والشيعة. وقتل عدد من أفراد عائلته في اعمال عنف طائفي خلال العامين الماضيين، بينما هرب الباقون. والمراسل البالغ 30 عاما، والمتخرج من الجامعة، كان يفتقد مسقط رأسه وقرر العودة الى هناك ووافق أيضا على العمل مع «نيويورك تايمز» شريطة عدم الاشارة الى اسمه. وقد عملت معه ومع مترجم لاكمال كتابة القصص عن صور العنف والحياة هناك. وهو يسميها «قصص مأساوية من ديالى».
وفي غرب ديالى توجد قرية تنبعث منها رائحة الموت، ويسميها كثير من سكان المنطقة «بوابة الموت». وقرب القرية كانت هناك نقطة تفتيش وهمية تديرها دولة العراق الاسلامية، وفقا للمسلحين الذين يحرسون. وفي هذا اليوم اوقفوا عائلة تسافر في ثلاث سيارات الى بغداد. وكان بين الرجال والنساء في السيارات زوجان شابان، الزوج اسمه محمد، ظل لسنوات عدة يحلم بالزواج من حبيبته، وقد تحقق ذلك قبل يومين.
أخرج المسلحون الرجال من سياراتهم وعزلوهم عن النساء وأرغموهم على الصعود في سيارة اخرى. بدأت النساء بالصراخ والتوسل الى المجرمين لاطلاق سراحهم. وصرخت العروس قائلة «انتهى كل شيء ولن يعود محمد بعد الآن». فقد جاءت الأخبار بعد ساعات قليلة عن قتل محمد واثنين من ابناء عمه بوحشية كما لو ان المسلحين أرادوا توجيه رسالة تقول ان كلمة «سعادة» غير موجودة في قاموس الارهابيين.
كانت أم سلمى، 27 عاما، من عائلة فقيرة كبيرة. وقد تزوجت من جندي عندما كانت في السابعة عشرة وكان لديهما طفل.
وقتل زوجها في عملية ثعلب الصحراء التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1998، ثم مات ابنها قبل ان يصل عمره الى 18 شهرا. وتوجهت الى العمل في المصانع، لأن والدها كان مريضا وكانت عائلتها بحاجة الى عملها. وبعد الغزو الأميركي كانت لديها علاقة حب مع رجل متزوج، مما أثر على سمعتها، فكانت منبوذه في حيها. وعندما جاء متعصبون ومسلحون للهيمنة على منطقتها بدأت ترتدي العباءة السوداء الطويلة والحجاب الكامل. وكانت تحاول استعادة بعضا من الاحترام الذي فقدته. وانتهى بها الأمر الى ان تصبح معلمة لنساء اخريات وشكلت خلية.
كانت توزع منشورات المتمردين على السكان المحليين. وعندما جرت غارات من قوات الأمن العراقية كانت خليتها مسؤولة عن حماية الوثائق المهمة. وألقت القوات الأميركية القبض على ام سلمى، ولكن احتجاجات السكان المحليين ارغمت الأميركيين على اطلاق سراحها. وبعد اشهر قليلة سمعت من سكان منطقة جرف الصخر انها احد قادة الجماعات المحلية المسلحة واسمه ابو احمد. وعندما اعتقلت ثانية يوم 23 مايو (ايار) الماضي، كانت لديها وثائق متمردين ولم يشجب السكان اعتقالها. غير أن الأميركيين اطلقوا سراحها ثانية واختفت من جرف الصخر.
وخلال الثمانينات مع بدء نظام الري في منطقة خان بني سعد بمحافظة ديالى، المشهورة بنخيلها انتقلت عوائل شيعية كثيرة من الجنوب إلى الشمال للعناية ببساتين النخل. كان عمار ينتمي إلى إحدى هذه العائلات وعند وصوله كان ما يزال بين ذراعي أمه. تنتمي أسرته إلى سلالة الإمام علي. مع ذلك تربى عمار من أن دون أن يعرف الفروق ما بين السنة والشيعة وظل يلعب مع الأطفال من كلا الطائفتين. وذات يوم التقى بسناء الفتاة السنية في البستان الواقع ما بين بيت عائلته وبيتها.
فأحبا بعضهما بعضا، وعلى الرغم من أن اختيار شريك الحياة يعود إلى الآباء فإن عمار وسناء اقسما على الزواج. ولم يخبرا أي شخص آخر عن حبهما. لكنهما ظلا يلتقيان غالبا في البستان، وظلت ترفض أي رجل يخطبها ولم ينجذب عمار إلى أي فتاة أخرى. بعد الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين أصبح الكثير من أفراد عائلة سناء، إما هاربين أو في السجن بسبب كونهم بعثيين في السابق أو يعملون في دوائر الأمن.
وجاءت سناء سرا إلى عمار لتخبره أن من اللازم أن تغادر عائلته لأن المتطرفين ينوون قتلها. فانتقلت العائلة إلى بغداد. مع ذلك ظلا على تواصل عبر الهاتف الجوال. وذات يوم عثر أحد أخوة سناء على هاتفها في البستان فاكتشف صلتها بعمار فأجبرها على الزواج من متطرف. مع ذلك بقيت على اتصال بعمار كلما سنحت لها الفرصة. وكانت تخبره ما يريد المتطرفون لاحقا. وذات يوم قتلت سناء. ولا أحد يعرف من قتلها. وحينما سمع عمار بأن جثتها في المشرحة ببعقوبة قرر الذهاب لإلقاء آخر نظرة على حبيبته. لكن منذ توجهه إلى بعقوبة لم ترد أي أخبار عنه، وتقول الشائعات إنه وقع في فخ نقطة تفتيش كاذبة.
ولا توجد في المنطقة التي تسمى بالحرة شمال غرب بعقوبة أي علامات تشير إلى ذلك. مع ذلك فأنت تستطيع أن تعرفها من خلال كثرة الشاحنات والسيارات والحافلات الصغيرة فيها. وستسمع سائقي هذه الشاحنات يرددون: «هل تريد الذهاب الى بعقوبة؟ هل تريد بغداد؟». يأتي محمد قاسم من سوق الشورجة في بغداد إلى ديالى لجلب الخضر منها.
قال: «أنا فقدت الكثير من الزملاء في مدينة بعقوبة، لذلك فان تجار هذه المدينة توافقوا على الالتقاء مع الاخرين من مناطق اخرى في هذا المكان (المنطقة الحرة) لشحن المواد وتبادلها، من دون النظر الى الخلفيات العرقية أو الطائفية..
فتشحن من شاحنة الى أخرى كي تأخذها إلى بعقوبة أو الى منطقة اخرى، من دون الدخول الى المنطقة الخطرة». والآخرون الذين يخافون الذهاب إلى بعقوبة لا يتجاوزون هذه النقطة. قال خالد تحسين سائق الشاحنة السني: «هناك الكثير من نقاط التفتيش الزائفة، حيث اختفى الكثير من اصدقائي. أنا أفضل البقاء بالقرب من بعقوبة لأن أبناء طائفتي يمنحونني قدرا من الحماية». المنطقة الحرة هي المكان الذي تستطيع أن تتنفس بعمق فيه.
* خدمة «نيويورك تايمز»