المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : والدة الإمام الشهيد حسن البنا



فاطمي
08-10-2007, 11:04 AM
أم السعد" صقر..


مريم السيد هنداوي


والدة الإمام الشهيد حسن البنا والتي لا يعرفها الكثيرون، لقلة ما كتب عنها، رغم دورها العظيم في تربية الأبناء كانت واحدة من اللائي أحسنّ البناء فأخرجت أبناءً وأحفادًا تركوا بصمات مؤثرة في المجتمع الإسلامي.
لم تكن أم السعد صقر أمًّا للإمام البنا فقط، بل أصبحت أمًّا لكل فرد في جماعة الإخوان المسلمين.

ولدت الحاجة "أم السعد" إبراهيم صقر بقرية شمشيرة التابعة لمركز فوة التابع لمديرية الغربية آنذاك كفر الشيخ حاليًا (شمال مصر) وهي نفس قرية زوجها..
كان والدها يعمل تاجراً للمواشي، وبحكم الوضع القائم آنذاك في ريف مصر لم تنل حظها من التعليم، لكنها اتصفت بالذكاء وحسن التدبير والفطنة(1).
يقول عنها أصغر أبنائها المفكر "جمال البنا": "كانت والدتي يرحمها الله تتصف بالعناد في الحق وقوة الشخصية، وكانت على جانب كبير من الذكاء، وإذا انتهت إلى قرار فمن الصعب أن تتنازل عنه"(2).
تزوجت الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا، الذي اشتهر ب"الساعاتي" في 25-4-1904م، المولود في عام 1300ه الموافق 1882م، حفظ القرآن الكريم في صغره، وتعلم في جامع إبراهيم باشا بالإسكندرية، وتعلم حرفة إصلاح الساعات وهو صغير، كانت له اتصالات كثيرة بعلماء الأزهر في عصره أمثال: الشيخ عمر خليفة المالكي الشهير ب"مالك الصغير"، والشيخ أحمد طولون وغيرهما، فكانوا يحترمونه ويوقرونه ويشاورونه.
وكان يرحمه الله عالمًا فقيهًا صبورًا، عكف على كتب السنة ونبغ فيها، وله إسهامات علمية جليلة؛ فقد رتب مسند الإمامين أحمد والشافعي يرحمهما الله على أبواب الفقه المعروفة، وسمى الكتاب "بدائع المسند في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن"، و"الفتح الرباني" وسمى شرحه "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"، وله كتاب "جامع أسانيد الإمام أبي حنيفة"، وكتاب "إتحاف أهل السنة البررة بزبدة أحاديث الأصول العشرة".
انتقلت مع زوجها والد الإمام الشهيد حسن البنا إلى قرية المحمودية بمحافظة البحيرة (شمال مصر)، وافتتح زوجها محلاً لإصلاح الساعات، وأنجبت ابنها البكر "حسن" يوم الأحد 25 شعبان 1324ه الموافق 14 أكتوبر 1906م، ثم أنجبت بعده عبدالرحمن عام 1908م، ثم فاطمة زوجة الأستاذ عبدالحكيم عابدين ثم محمد توفي عام 1990م، ثم عبدالباسط كان ضابطا بالجيش المصري، ثم استقال منه وتوفي ودفن بالبقيع بالسعودية، ثم زينب توفيت بعد ولادتها بعام، ثم أحمد جمال الدين جمال البنا حالياً ثم فوزية زوجة الأستاذ عبدالكريم منصور رفيق الإمام الشهيد وقت اغتياله(4).


حسن الرعاية


عملت منذ البداية على رعاية أولادها رعاية إسلامية، فقامت بمساعدة زوجها بتعليم أبنائها، فسعت إلى تحفيظهم القرآن منذ الصغر وإلزامهم بذلك، والعناية بدراستهم للعلوم الشرعية، حتى إنها قامت ببيع قلادتها الذهبية ليستكمل أبناؤها التعليم، ولم تكتف بذلك بل باعت أساورها الذهبية لنفس السبب(5).
وكانت الأم شديدة الحب لابنها البكر حسن، فيقول ابنها جمال البنا: "حدثتني الوالدة ذات يوم؛ أنها كانت تعبر أحد الجسور، فطوقت ابنها حسن وهو لا يزال رضيعًا بقوة، لخوفها عليه أكثر من نفسها"(6).
وذات يوم تعرض ابنها "حسن" لحادث اعتداء من أحد زملائه، الذي سكب على وجهه صبغة يود، أثناء أدائه اختبارات كلية "دار العلوم"، فأبت الأم إلا أمرين: إما ينقطع ابنها حسن عن تكملة تعليمه ويعود للبلد، أو تنتقل لتكون بجواره لترعاه، فوافق الأب، وانتقلت الأسرة إلى القاهرة سنة 1924م، واستقرت في شارع ممتاز بحي السيدة زينب(7).


فراق الإمام


كانت الزوجة معينة لزوجها على مصاعب الحياة، فكانت مدبرة في شؤونها، مقتصدة فى حاجاتها، وعندما تم تعيين ابنها "حسن البنا" في الإسماعيلية، حزنت الأم لفراق ولدها الحبيب، لكنه كان دائماً ما يرسل الخطابات لهم.
وفي أحد تلك الخطابات، يقول: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد ورد خطابكم الكريم، وإن اليوم الذي أستطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقا،ً وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم، ذلك ما أعتقده وأقوله بإخلاص ويقين.
والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه، وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها، فإن هذه ضرورة لا بد منها ستنفرج عما قليل.
والله إني لأقضي ساعات طوال في ألم لتألم والدتي، وفي تفكير كيف أرضيها، وكيف أسعدها، وكيف أجعلها هانئة مغتبطة، فهل يوفقني الله إلى هذه الأمنية؟"(8).


زياراتها إلى الإسماعيلية


لكن الأم كانت بين الفينة والأخرى تذهب لزيارته، وكانت لها علاقات طيبة مع بيوت أهالي الإسماعيلية مثل؛ بيت "آل الصولي" التي كانت دائمة التردد عليهم، وفي إحدى المرات سمعت صوتاً ندياً يقرأ القرآن في خشوع ترق له القلوب، فانجذبت نفسها إليه، وسألت عن صاحب الصوت، فأجابتها حرم الشيخ الصولي: إنها ابنتنا "لطيفة" تصلي فأحبتها أم الإمام، وتأثرت بنبتة هذا البيت الطيب، وبعد أن فرغت من الصلاة قدمت ترحب بالضيوف، وكانت أم الإمام تنظر في وجه الفتاة، فتجده مشرقاً بالإيمان، فداخلها شعور بصلاح الفتاة..
وعادت ونقلت إلى ابنها أن هذه الفتاة جديرة بأن تكون زوجة له، ولم تكن "لطيفة" تدرك أن صوتها الخاشع سيكون رسولها إلى قلب الإمام، أيضاً بعد أن فهمت أمه ماذا يريد ابنها من مواصفات في رفيقة الدرب والحياة، وما إن سمع مشورة والدته في الزواج، حتى توجه على الفور إلى بيت الحاج "حسين الصولي" يطلب يد الفتاة، وكان حادثاً سعيداً تلقاه الجميع بالقبول مبتهجين مستبشرين(9).
ويتحدث "عبد الرحمن" شقيق الإمام البنا في أحد خطاباته عن هذه الزواج قائلاً: "وكان حفل القران قد جرى بالمسجد، وجاء الإخوة بأجولة التمر التي وزعت على الحاضرين، وكان الاجتماع حافلاً بالعاطفة الدافئة والمشاعر المتأججة"(10).


لقاء ووداع


وانتقل الإمام البنا وزوجته للعيش بجوار أسرته بالقاهرة، في أكتوبر 1932م، واجتمع شمل الأحبة مرة أخرى، وبالرغم من أن الأم قد تزوج أبناؤها إلا أنها كانت نعم الراعية لشؤونهم، وكانوا هم نعم الأبناء البارين بأمهم، وتحملت مع ابنها وزوجها وأولادها جميعاً هموم الدعوة.
وعندما فجعت باعتقال ابنها في 14أكتوبر 1941م كانت صابرة محتسبة مواسية لزوجته راعية لأولاده، لكن ما كادت الأسرة تجتمع حتى كانت الفاجعة الكبرى، فقد استيقظوا على نبأ اغتيال ابنهم البكر في الساعة الثامنة يوم السبت 12 فبراير 1949م الموافق 14 ربيع الثاني 1368ه أمام جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس بالقاهرة، عندما أخبرهم أحد الضباط بخبر الاغتيال الساعة الواحدة صباحاً، وضرب الأمن حول البيت سوراً من الحراسة المشددة، ليمنع أي أحد من الدخول إلى البيت، ونُقلت جثة الشهيد إلى بيته في سيارة مملوءة برجال البوليس المسلحين، ودخلت الجثة عليها وقام الوالد بتغسيلها، وقامت النساء بحمل النعش حتى مسجد قيسون، وصلى عليه الوالد وحده، ثم حُمل ودفن في مدافن الإمام الشافعي، ولم يحضر العزاء إلا مكرم عبيد باشا، وعاد الأب يواسي الأم المفجوعة في فلذة كبدها، وفي أولادها جميعا الذين اعتقلوا في سجن الطور(11).
وظلت المحاكم تباشر التحقيقات في قضية اغتيال الإمام الشهيد من وزارة لأخرى، حتى قضت بحكمها بعد خمس سنوات وخمسة أشهر و21 يوماً من اغتيال الإمام بمعاقبة الجناة ودفع عشرة آلاف جنيه للسيدة لطيفة زوجة الإمام وأبنائها القصر، وأن يدفع للشيخ أحمد والسيدة أم السعد صقر والديْ الشهيد "قرش صاغ واحد" على سبيل التعويض المؤقت(12).
ويذكر الأستاذ جمال البنا أن بيت الإمام الشهيد كان قريبًا من بيت الوالدة، وكانت قبل اغتياله تذهب لزيارته وأنا معها، فكانت خطواتها قوية يسمعها من في الشارع، لكن بعد اغتياله حدث لها انهيار، ولم تكن تستطيع الجلوس إلا بعد أن عملوا لها كرة مطاطية من الجلد لتجلس عليها، كما أنها كانت تخرج كل يوم بعد الفجر متجهة إلى قبر ولدها الشهيد، فتجلس عنده تبكيه حتى وافتها المنية(13).


حزن ورحيل


ظل الأب والأم في حزن شديد على فراق ابنهما البكر وعلى أولادهم المعتقلين، وتكالبت الأمراض على الأم، وزاد من ألمها وحزنها رحيل زوجها الشيخ أحمد عبدالرحمن في شهر جمادى الأولى سنة 1378ه الموافق نوفمبر 1958م، وظلت كذلك حتى رحلت في 1-5-1972م.


الهوامش


(1) جمعة أمين عبدالعزيز أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين الكتاب الأول الطبعة الأولى دار التوزيع والنشر الإسلامية،2003م.
(2) زينب أبو غنيمة حسن البنا من الميلاد إلى الاستشهاد الفتح للإعلام العربي بدون تاريخ نشر.
(3) مجلة الكشكول الجديد، السنة الثانية، العدد 54، ص3، 15، 12أكتوبر 1948م.
(4) جمعة أمين عبد العزيز مرجع سابق.
(5) زينب أبو غنيمة مرجع سابق.
(6) المرجع السابق.
(7) حسن البنا مذكرات الدعوة والداعية دار التوزيع والنشر الإسلامية بدون تاريخ نشر.
(8) زينب أبو غنيمة مرجع سابق، وانظر: حوارات ومراسلات وأدبيات من سلسلة تراث الإمام البنا، شركة البصائر للبحوث والدراسات، الكتاب الرابع عشر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2006م.
(9) الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ، محمود عبدالحليم، دار الدعوة، 1998م.
(10) زينب أبو غنيمة مرجع سابق.
(11) أنور الجندي حسن البنا الداعية الإمام والمجدد والشهيد دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1421ه،2000م.
(12) جمعة أمين عبد العزيز مرجع سابق.
(13) حديث خص به "أ..جمال البنا" الصحفي عبده مصطفى دسوقي 24-6-2007م.

http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InSectionID=2332&InNewsItemID=233186