تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شهر رمضان بدون كوميديا سورية.. ولأسباب وجيهة



زوربا
07-25-2007, 11:22 PM
المسلسلات السعودية الفكاهية تنافس وتسحق ما حولها



دمشق: ليلاس حتاحت

من «غوار» إلى «أم كامل» و«أبو صياح» ثم «جميل» وزوجته «هنا»، أدمن المشاهد العربي طويلاً الكوميديا السورية. لكن هذه الكوميديا التي بدأت نارها تخمد في السنوات القليلة الماضية، يبدو انها هذا العام ستترك مشاهدها أمام حيرة السؤال حول اختفائها، أين ذهب مسلسل «مرايا» ولماذا لا يعرض «بقعة ضوء»؟

بدأت حكاية الكوميديا التلفزيونية في سورية مع «عقد اللولو» الذي لم يكن فيلماً آنذاك بل مجرد «اسكتش»، كتبه دريد لحام ونهاد قلعي وأخرجه الفنان نزار شرابي، قدم بمناسبة مرور عام على انطلاقة البث التلفزيوني في سورية. توالت فيما بعد الأعمال الكوميدية للفنان دريد لحام ونهاد قلعي ونخبة من الممثلين مثل رفيق سبيعي، عبد اللطيف فتحي، نجاح حفيظ، ياسين بقوش... في «مقالب غوار»، «حمام الهنا»، «أوتيل صح النوم». ولهذه الأعمال قدرة على الإضحاك حتى يومنا هذا، باعتبارها قدمت شخصيات محببة في كل تجلياتها ومآزقها وعيوبها الإنسانية. ورغم تطور تجربة الكوميديا منذ بداية المسلسلات التلفزيونية السورية، بقيت النظرة إلى العمل الكوميدي على أنه «خفيف» من حيث التكلفة الإنتاجية وسهولة التسويق والتوزيع مع وجود الفضائيات العربية. وذلك لأنه تناول في السابق اشكاليات إنسانية وحالات اجتماعية بسيطة وطريفة تمس المواطن العربي بشكل أو بآخر بعيداً عن خصوصية كل دولة على حدة. ومع تطور المسلسلات التلفزيونية بشكل عام أصبح أمراً ملحاً تطور كافة أنواعها من الاجتماعي المعاصر، والتاريخي القريب والبعيد، إلى الكوميديا. لكن مع تزايد الأعمال المنتجة سنويا، نجد تراجعاً في عدد المسلسلات الكوميدية، واختلافاً في نوعها، مما يدعونا إلى التساؤل: هل دخلت الكوميديا السورية في غيبوبة؟ وما أسبابها؟ هل لها علاقة بالنص أم الرقابة أم بالانتاج والتسويق وشروط القنوات الفضائية، أم انها ترى مشكلة الخصوصية السورية؟

من الزخم إلى الانحسار

كثيرة تلك الأعمال التي انطلقت من مشكلة سياسية بشكل مباشر أو ملتف، لتتوغل عميقاً في الجانب الانساني، سواء في عمل متصل، أو لوحات منفصلة ضمن العمل الواحد، مثل مسلسل «الدغري»، كذلك «يوميات مدير عام» الذي اعتبر قفزة نوعية في الكوميديا السورية، لما قدمه من هموم المواطن العربي وما يعانيه في حياته اليومية وعمله، ضمن قالب كوميدي صنف تحت اسم الكوميديا السوداء، وصولاً إلى مسلسلي «بقعة ضوء» و«مرايا». وهنا انقسمت الكوميديا إن صح التعبير إلى قسمين أحدها معني بالإشكاليات الاجتماعية البسيطة والمفارقات المضحكة مثل «عيلة خمس نجوم»، وأجزاؤه «جميل وهناء». والآخر يطرح الهموم السياسية والاقتصادية وانعكاسها على المجتمع مثل «بطل من هذا الزمان»، «الوزير وسعادة حرمه»، «مشاريع صغيرة»، «مرايا»، بقعة «ضوء»، وغيرها. لكن هل تصنف هذه الأعمال على أنها كوميديا سياسية، أم اجتماعية، أم هي مبطنة ومرمزة تخفي في طياتها إشكاليات مرتبطة بالمجتمع السوري وهمومه. من هنا دخلت الكوميديا في مأزق خصوصية الموضوع، مما حولها في بعض الأحيان إلى كوميديا سورية بحتة. فالمشاهد العربي مثلاً لا يفهم معنى استخدام اللهجات وغير قادر على اسقاطها (الساحلية مثلاً) والضحك عليها، لا يعني ذلك عدم وجود لوحات تلامس الجميع مثل تلك التي طرحت الاستخدام المسيء للدين من قبل الدجالين والمستفيدين واستغلال سلطتهم على الناس. لكن هذه الأعمال بشكل عام، وقعت في مطب التكرار والاستنساخ ، وفقدت ألقها وتأثيرها على المشاهد.

المنطقة البرتقالية

ذلك الألق والأثر اكتسبته المسلسلات سابقاً لتجاوزها الخط الأحمر المعتاد، وطرحت ما هو مكبوت ومسكوت عنه بطرق مباشرة حينا ومواربة حيناً آخر، في وقت لم يعتد المشاهد السوري التصريح وبصوت مرتفع عن مشاكله، وظل يتساءل كيف استطاعوا طرح مثل هذه المواضيع في بعض الحلقات، وكيف سمحت الرقابة بعرضها. يرتبط ذلك طبعاً بالمرحلة وظرفها ومعطياتها، ومدى اتساع هامش الحرية أو انحساره، والمنطقة المسموح اللعب ضمنها وكشف مستورها بقالب كوميدي هزلي. وهو ما يعتبر أخف وقعاً من طرح الإشكالية بطريقة جدية قد تخلق حافزاً بدلاً من عملية التطهير والانعتاق الناتج عن الضحك. رغم ذلك مجرد الطرح يعتبر حالة إيجابية، وإن لم يؤد فيما بعد إلى التغيير. لكن بعض الأعمال بدأت تؤثر على المشاهد بطريقة معاكسة، وبدلاً من أن تأخذ إشكالياتها من الشارع والمواطن، أخذت تملي عليه، مستخدمة الكوميديا لإيصال ما تريد بطريقة سلسة ومضحكة. بالتالي باتت الرقابة لا تسمح بتجاوز المنطقة بين الخط الأخضر والأحمر، وذلك لا يعتمد معايير ثابتة أو قوانين واضحة. فقد تمنع كلمة ما هنا أو يحذف مشهد من عمل هناك، ثم نشاهده في عمل آخر. ذلك يبدو للوهلة الأولى متعلق بذهنية الرقيب وثقافته ووعيه، إلا أنه مرتبط في حقيقة الأمر بآلية عامة ـ ومسؤولية قد تقع على كاهل أحدهم ـ إن تجاوز المنطقة البرتقالية.

الكوميديا إلى أين؟

إلا أن الأزمة الرئيسية في تراجع الأعمال الكوميدية هي فقدان النص «الجيد»، أضف إلى ذلك ما ذكر سابقاً من رقابة مشددة، وخصوصية الاشكاليات السورية المحلية، ورغبة الفضائيات في مسلسلات مريحة، مضحكة تغسل الهموم لها طابع ترفيهي خفيف مثل «جميل وهناء». والأهم هو تزايد انتاج الأعمال الخليجية وتحديدا الكوميدية مثل «طاش ما طاش»، «قريقيعان»، «أبو شلاخ البرمائي» وبغض النظر عن سوية هذه الأعمال إلا أن لها سوقاً في الخليج العربي، فهي معنية به وتمسه، مما يقلل فرص الحصول على رؤوس أموال خليجية باعتبارها الممول الأساسي للدراما السورية.

لكن يبدو أن المسلسلات الكوميدية هذا العام ستأخذ شكلاً مختلفاً عن سابقتها ليس بالكم فهي لن تتجاوز الأربعة مسلسلات بل فيما هو مطروح، وسيؤجل «بقعة ضوء» وربما «مرايا» ليبقى عمل وحيد له طابع الحلقات المستقلة من انتاج «شركة لين». كما انتهى المخرج سامي الجنادي من تصوير عمله «رجل الانقلابات» تأليف محمود الجعفوري، بطولة أيمن زيدان، ناجي جبر، أندريه سكاف، قمر خلف... وتدور أحداث المسلسل في أربعينات القرن الماضي، فترة الانقلابات وعدم الاستقرار في سورية، وهي عن رجل بسيط يدخل السجن في دمشق ولسبب ما تنتشر شائعة في بلدته بأنه المسبب لهذه الانقلابات، فيستقبلونه بمجرد خروجه من السجن بحفاوة وتقدير، ويربطون أي حدث في سورية بهذا الرجل، الذي يستغل الشائعة لإصلاح أمور بلدته وكبح رئيس الخفر والمختار وتسلطهم على الفلاحين. لكن بمجرد أن ينكشف أمره يعود إلى كونه مواطناً عادياً لا أهمية له. بالتالي يتم تسليط الضوء على تلك المرحلة وتداعياتها، بأسلوب كوميدي ساخر.

اشكاليات مختلفة، رأيناها من الأربعينيات إلى العصر الحالي، ستعرض في مسلسل «حارة على الهوا» من تأليف وإخراج رافي وهبي، بطولة بسام كوسا، سلمى المصري، كاريس بشار، خالد تاجا، سليم صبري... يحاول العمل معالجة بعض المشاكل التي يعيشها الانسان العربي وذلك من خلال حي صغير قد يكون نموذجا مصغرا للمجتمع العربي. وهو إذ يحاول تقديم بعض الصور عن أشكال التسلط الاجتماعي ضمن إطار كوميدي، وذلك في حلقات منفصلة متصلة، مع الحفاظ على حدث أساسي، يبدأ وينتهي في الحلقة الواحدة. حيث نتعرف على أبو وديع وزوجته اللذين يقطنان على أحد الأسطح، ويقومان بمراقبة أهل الحي بشكل يومي معتمدين على منظار كبير، يكشف نوافذ وشرفات الحي للتأكد من عدم وجود مشاكل تؤدي لأي تغيير في حيّهما.

وبعيداً عن السياسة وتأثيراتها، يقدم الكاتب محمد أوسو عمله الجديد «كثير من الحب، كثير من العنف» إخراج فهد ميري، بطولة رنا أبيض، محمد أوسو، نادين سلامة، عبد الحكيم قطيفان...

يحكي العمل في خطه الأساسي قصة لص يحب ممثلة متزوجة ويدمر حياتها في سبيل الحصول عليها. يعتمد العمل كوميديا الموقف والمفارقات، وليس الأنماط أو التهريج. ولا يتحدث فقط عن البيئة الشعبية كما في عمل الكاتب الأول «بكرا أحلى» بل عن بيئات مختلفة ومتنوعة، تعري طبقات المجتمع بطريقة مضحكة لكن سوداء.

أزمة مسلسلات

لكن هل المتابعة والمشاهدة هي المؤشر الوحيد على النجاح؟ وحتى كلمة نجاح لم تعد دقيقة بعد أن دخلت الفضائيات في لعبة استثمار ظاهرة «الدراما الرمضانية». وتقييم هذه الأعمال مرهونا بعرضها وبقائها مع الزمن، ومدى ملامستها الجوهر الإنساني الذي لا يتغير مع تغير الإشكاليات. وتبقى أزمة الكوميديا مرتبطة بأزمة المسلسلات السورية بشكل عام. فرغم الحضور الكبير الذي أحرزته مؤخراً، المسلسلات السورية، وكم الأعمال التي تنتج سنوياً وتعرض على جميع القنوات الفضائية العربية، إلا أنها لم تتحول حتى اليوم إلى صناعة لأسباب عديدة ومختلفة، ابتداءً من آلية الإنتاج غير المنتظم، والذي يعتمد رؤوس الأموال الخليجية في الدرجة الأولى، ومن ثم المحلية، إلى التسويق وارتباطه بالعلاقات الشخصية أولاً، يليها جودة العمل ونجومه...، وانتهاءً بعدم وجود حماية لهذه الأعمال من قبل الدولة في مسألة التسويق، كما في مصر حيث تشتري الدولة الأعمال وتقوم بتسويقها. أضف إلى ذلك، أزمة النصوص، وعدم وجود كوادر متخصصة تتناسب مع الكم المنتج والذي يفوق الأربعين عملاً سنوياً. ويعود السبب أساساً لعدم وجود معهد لتدريس الإخراج التلفزيوني، كتابة السيناريو، الإضاءة أو الصوت... رغم ذلك استطاعت المسلسلات السورية، ومن خلال الجهود الفردية المبذولة أن تصل إلى هذا المستوى الفني والفكري من حيث الكم والنوع. لكن إن لم يتم تدارك كل هذه العقبات فهل ستستمر وتحافظ على مكانتها وحضورها وما وصلت إليه؟