المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دموع الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح



فاتن
07-25-2007, 11:32 AM
خالد ضاحي الخلف - الراي


فجر يوم الأحد 15يناير 2006 بكت الكويت وأهلها على فراق قائدها الشيخ جابر الأحمد الصباح، ولكن سأعود إلى التاريخ لأستعرض تشييع أهل الكويت للشيخ أحمد الجابر الصباح، فقد تذكرت فيوليت ديكسون في كتابها عن الكويت:

فاجأته -أي الشيخ أحمد الجابر- نوبة قلبية في يناير 1950م وعلى الرغم من أنه شفى جزئيا بعد أيام قليلة، وبدا أن الخطر قد زال إلا أن شركة نفط الكويت قررت أن تحضر أحد اختصاصي مستشفى «هارلى ستريت» بالطائرة من لندن لفحصه، وفي يوم الأحد 29 يناير 1950 كان أهل الكويت أكثر سعادة مما كانوا عليه خلال الأسبوعين الطويلين اللذين مرا على مرض الشيخ أحمد الجابر، فقد كان الكل مستبشرا يهنئ بعضه بعضا بخبر التحسن الكبير في صحته، وكنت قد رأيت ولده الصغير الشيخ مشعل في اليوم السابق وقال لي عندما سألته عن صحة والده «كلش زين»،

الأمر على خير وعلى مايرام وكان اختصاصي القلب اللندني قد وصل منذ أربعة أيام ووجد كل شئ على مايرام وقد كان الشيخ أحمد الجابر يتلقى علاجا مناسبا وعناية فورية من أطبائنا، ولم يعتقد الاختصاصي أن الأمر بحاجة إلى خدماته فقرر أن يطير إلى لندن في صباح يوم التاسع والعشرون، وقد أخبرنا في المطار أن الشيخ أحمد الجابر، قد قضى ليلة طيبة، ونام اثنتي عشرة ساعة، وتحسنت صحته كثيرا الى حد أنه كان يطلب «إمتيازات»، وأضاف الاختصاصي إنه أصدر تعليماته بأن يبقى في الفراش لمدة شهر آخر وفي الأسبوعين التاليين لهذا الشهر يجب عليه أن يخرج بسيارته للاستمتاع بأشعة الشمس كما يجب عليه أن لاينفعل، وبعد هذه الأخبار المتفائلة جاء الانهيار المفاجئ للشيخ أحمد الجابر مساء يوم 29يناير 1950،

صدمة رهيبة، فبعد صلاة المغرب اشتكى من إنه يشعر ببرد، ثم بدأ يرتجف وقال: إنه يفقد الرؤية وقبل أن يصل الطبيب كان الشيخ أحمد الجابر قد توفي في الساعة السابعة وعشر دقائق مساء.

إتخذت التدابير لتشييع جنازة الشيخ أحمد الجابر في الساعة السابعة من صباح اليوم التالي...وفي الصباح جاء من الأحمدي بالسيارة جوردن ودونالد كامبل المدير العام المساعد وبوتير، وقد مروا على بيتنا لاصطحاب هارولد ديكسون معهم إلى قصر دسمان، لقد إجتمع الكل في المجلس وبعد ذلك أعلن الشيخ عبدالله الجابر الصباح أن التجهيزات قد تمت وعلى الطريقة الإسلامية كان الجسد مسجى ملفوفا بالكفن...ولكنه ليس في تابوت وإنما على نعش مغطى بعلم الكويت... وعندما حمل النعش للخارج تخلف الأوربيون في المؤخرة بينما رافقة المعتمد السياسي ومساعده الادميرال وضابط العلم حتى البوابة الرئيسية للقصر...وهناك كانت تقف جماهير حاشده حيث كانت الشوارع تزداد ضيقا،

وكانت أسطح المنازل على طول الطريق مغطاة بكتل سوداء من النساء وهن في إزدياد...وعندما وصل النعش الى ساحة الصفاة في ذلك الصباح القارس البرد من شهر يناير كان هناك مالا يقل عن عشرة آلاف شخص ينتظرون المشاركة في الجنازة إلى المقبرة، وعند المقبرة كان المزيد من الناس ينتظرون وكان الزحام كثيفا إلى حد أن حاملي النعش لم يستطيعوا أيضا أن يروا مكان القبر المعد لإشتداد تزاحم الناس، وقد ظلوا يتخبطون من قبر الى آخر محاولين العثور على المكان إلى أن وصلوا الى أقصى الجانب الغربي للمقبرة ومن هناك وجدوا طريقا إلى الناحية الشمالية حيث كان هناك مدخل واضح وقطعة ارض حفر فيها القبر،

وفي وقت الدفن الفعلي لم يستطيع أحد أن يؤدي الصلاة بسبب شدة الازدحام على الرغم من إنه قد نودي للصلاة عندما أنزل الجسد الى الارض، وقد سجي الجسد في التجويف الذي حفر عموديا في الأرض وأحيطت جوانبه من الداخل بالحجارة المجففه على الشمس وقد خيم الصمت بعد ذلك وكان الصوت الوحيد المسموع هو صوت إهالة التراب على القبر...رحم الله الشيخ أحمد الجابر، فقد كان مثال القيادة إخلاصا وتضحية وحبا «إنتهت كتابة فوليت ديكسون».

ولكن... سبحان الله عندما نستعرض تاريخ وأحداث وفاة الشيخ أحمد الجابر وإبنه الشيخ جابر الأحمد، نجد خصال عدة مشتركة بينهما وكأن لسان حال الزمان يقول لنا «مثلما أحبوا الكويت وأهلها بادلتهم الكويت وأهلها حبا ووفاء» والخصال المشتركة كالآتي:

أولا: الشيخ أحمد الجابر، تولى الحكم بتاريخ 22 فبراير 1921، وتوفي بنوبه قلبية يوم الاحد 19 يناير 1950، أي حكم الكويت 29عاما، ووفاته بفصل الشتاء البارد ومكان وفاته بقصر دسمان، وكفن بعلم الكويت ودفن بأرض الكويت «مقبرة الصالحية»، وشارك الآلاف من أهل الكويت بتشييعه.

ثانيا: الشيخ جابر الاحمد، تولى الحكم بتاريخ 31 ديسمبر 1977، وتوفى بنوبة قلبية يوم الاحد 15 يناير 2006، أي حكم الكويت 29 عاما، ووفاته بفصل الشتاء البارد ومكان وفاته بقصر دسمان، وكفن بعلم الكويت ودفن بأرض الكويت «مقبرة الصليبيخات»، وشارك الآلاف من أهل الكويت بتشييعه.

وبالختام... ذكرت فوليت ديكسون حالة الشيخ مشعل الاحمد، حينما رأته وسألته عن صحة والده، حيث قال لها : «كلش زين»، ولكن عجزت عدسة الكاميرا بذلك الوقت بأن تصور لنا تلك الدموع الساخنة التي ذرفها على وفاة والده الشيخ أحمد الجابر، بينما وثقت لنا عدسة الكاميرا تلك الدموع الساخنة أيضا التي ذرفها على أخيه ومعلمه ورفيق دربه فقيدنا الغالى الشيخ جابر الاحمد، لذلك أوجه كلمة للشيخ مشعل الاحمد وأقول له:

مثلما أختلطت قطرات حبات عرق الجباه، وقطرات دماء الشرايين مابين أهل الكويت ووالدكم الشيخ أحمد الجابر أثناء توليه مهمة الدفاع عن السور الثالث في معركة الجهراء 10 أكتوبر 1920 وكذلك في معركة الرقعي 28يناير 1928 وأثناء تشييعه لمثواه الأخير...إستمرت هذه العطاءات الوطنية في عهد فقيدنا الغالي الشيخ جابر الاحمد، وستستمر إنشاء الله تعالى هذه المحبة والتضحية والدموع في الأحزان مابين أهل الكويت وبين أسرة آل الصباح الكرام لأن «الألم واحد والأمل واحد».

باحث في تاريخ الكويت


Khaled-al-khalf@hotmail.com