المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يُدفع البشر لرتبة القداسة والمعصومية .....خالص جلبي



مجاهدون
07-25-2007, 10:43 AM
خالص جلبي - الإقتصادية السعودية

عندما يقدس الأشخاص يعبدون من دون الله، تزعق الجماهير لهم بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم.
وما لم نتخلص من عبودية البشر فلن نعبد الله حقا.

وتحطيم أصنام البشر صعب، فهي أعقد من تماثيل صدام، التي أصبحت في ذمة التاريخ، مقابل صنوه، الذي ما زال يحيي جماهير ميتة، تسبح في العبودية حتى حين، بوجه متجهم من عل، في مدخل كل مدينة، بإطلالة أفظع من رمسيس وقيصر.

وهناك في التاريخ من البشر الذين لا يلمسون، مع أنهم بشر يخطئون ويصيبون.

نحن نفرح بذكرى حطين، ولكن قد نصدم إذا عرفنا أن (الناصر صلاح الدين الأيوبي)، هو الذي ذيل بتوقيعه على إعدام (شهاب الدين السهروردي) لآراء قالها؟ وأخذ لقب الشاب القتيل في التاريخ.
ويحكي تفاصيل الواقعة (ابن أبي أصيبعة) في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) ص 641 فيقول ما مختصره عن السهروردي: "كان أوحدا في العلوم الحكمية، جامعا للفنون الفلسفية، بارعا في الأصول الفلكية، مفرط الذكاء، جيد الفطرة، فصيح العبارة، لم يناظر أحداً إلا بزّه، ولم يباحث محصلاً إلا أربى عليه، وكان علمه أكثر من عقله. فلما أتى إلى حلب وناظر بها الفقهاء كثر تشنيعهم عليه.

فاستحضره السلطان الظاهر ابن صلاح الدين، والأكابر من المدرسين والفقهاء والمتكلمين، ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام، فتكلم بكلام كثير، بان له فضل عظيم، وعلم باهر، وحسن موقعه عند الملك الظاهر، فقرَّبه وأصبح لديه مكين، فازداد تشنيع أولئك عليه، وعملوا محاضر بكفره، وسيروها إلى دمشق، إلى الملك الناصر صلاح الدين، وقالوا إن بقي هذا فإنه يفسد عقيدة الملك الظاهر، وإن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد، وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك. فبعث صلاح الدين إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتابا في حقه، بخط القاضي الفاضل يقول فيه"إن هذا الشاب السهروردي لا بد من قتله، ولا سبيل أن يطلق، ولا يبقى بوجه من الوجوه".

ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك، وأيقن أنه يقتل، وليس جهة إلى الإفراج عنه، اختار أنه يترك في مكان منفرد، ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى الله تعالى، ففعل به ذلك.
وهناك رواية تقول إن الملك الظاهر أرسل إليه سرا من خنقه.

وكان ذلك في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب (586 هـ ـ 1190م).وكان عمره ستا وثلاثين سنة (وهو وقت القضاء نفسه على ابن رشد في الأندلس على يد الفقهاء)
وقال عند وفاته وهو يجود بنفسه:

قل لأصحابي رأوني مـيتا فبكوني إذ رأوني حزنـا
لا تظنوني بأني ميـــــــت ليس ذا الميت والله أنـا
أنا عصفور وهذا قفصــي طرت عنه فتخلى رهنـا
لا ترعكم سكرة الموت فما هي إلا انتقال من هنــا
ودفن الرجل بظاهر حلب ووجد مكتوبا على قبره:
قد كان صاحب هذا القبر جوهرة مكنونة قد براها الله من شرف
فلم تكن تعرف الأيام قيمتــــــــــه فردها غيرة منه إلى الصـــدف

هناك حقيقة أولية بسيطة تقول إن البشر غير معصومين. ولكن هذا كلام نظري؛ فالواقع يقول إن هناك بشرا معصومون. متعالون فوق الخطأ ودون النقد لا تخضع تصرفاتهم للتحليل ولا شخصياتهم للمس.
وهو ما يحصل حينما نتناول شخصية مثل صلاح الدين الأيوبي. ولو كان الرجل حاضراً لعذرني أكثر ممن سوف يهاجمني، فالرجل كان متسامحاً وعلى خلق عظيم. ولكنه مع هذا يبقى بشرا يخطيء ويصيب ويرتفع وينزل وفي أعماله التفاوت. وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت.

واختلاط الإلهي بالبشري يدفع الأشخاص إلى رتبة القداسة فلا يلمسون ولا يخضعون للنقد والتحليل، وهو خطر على الشخص وخطأ في الفكرة.

وأكبر خطأ تورطت فيه الكنيسة تحويل عيسى من الناسوت إلى اللاهوت فاختلفوا في حقيقته وما زالوا مختلفين.

وعندما يصبح الإنسان (البابا) المعصوم، فقد فتح الطريق لخروج مارتن لوثر، وهي مشكلة الشيعة مع الأئمة، والدروز مع الحاكم بأمر الله الفاطمي. واليزيديون مع يزيد بن معاوية، الذي نصبوا له مقاما في جبل سنجار، كما فعل آخرون أمكنة للحسين والست زينب. وهو ما حدث مع السنة في شخصية صلاح الدين الأيوبي، فالجميع في فلك الثقافة نفسه يسبحون، وذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.