الأمازيغي
07-20-2007, 05:27 PM
ياعرب يا مسلمين .. أنتم من استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
الكاتب الكردي صفوت جلال الجباري :
قد يتصور من يتابع قراءة هذه المقالة بأنها مضادّة للدين الاسلامي أو القومية العربية لما فيها من دلالات عن مدى سوء الاستغلال للمفهومين وأعني بهما مفهوم الدين ( كعامل ضروري تاريخيا وحضاريا وفكريا ونفسيا لكل الشعوب والأمم في إحدى مراحل تطورها) ومفهوم القومية( كهوية اعتبارية لكل من ينطق بلسان مختلف ويجمعه وبني قومه عوامل التراث واللغة والتاريخ الثقافي والسياسي والاقتصادي المشترك) ...
ولكننا هنا بصدد واقع آخر مرير للأقوام والشعوب التي كانت ولا تزال معظمها أسيرة وضحية الاستغلال السئ للدين الإسلامي والقومية العربية اللتين لم تستطيعا أن توفيا بوظيفتيهما الإنسانيتين المفترضتين في نشر المحبة والسلام والوئام والوفاق بين الشعوب الخارجة عن إطاريهما الديني أو القومي ... أو على الأقل تطوير المفاهيم المبدئية للدين والقومية نحو آفاق تأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين كحرصها على مصالحها الذاتية ومنافعها الحياتية وبالرغم ادعائيهما عكس ذلك كأساليب نظرية وافتراضية ...
مع بزوغ فجر الإسلام وبدء نشر الدعوة خارج جزيرة العرب قبل أربعة عشر قرنا ، إيذانا ببدء فصل جديد في حياة الشعوب والأمم التي سكنت هذه المنطقة بإطلالة الدين الجديد، بقيمه وتعاليمه ( السمحاء) من جهة وصهيل خيوله وقرقعة سيوفه ورماحه من جهة أخرى ومبتدئا معهم فصلا آخر من المعاناة والمسخ القسري للهوية الخاصة وللمعتقدات التي كانت سائدة للشعوب والأقوام ولقرون عديدة من الزمان ...
ففي الرقعة الجغرافية المحصورة بين شواطئ الأطلسي وتخوم الصين ، لم يكن دخول أو بالأصح إدخال كل هذه الشعوب والأقوام إلى الدين الجديد بالصورة الوردية التي نقلتها لنا كتب التاريخ والتي غالبا ما تكتب وكما هو معروف بلسان المنتصرين والفائزين ، إلا أن الحقيقة المجردة والمرّة وما يقرأ بين سطور هذه الكتب وما أوردته الأحداث الحقيقية تبين لنا وبوضوح أنها كانت احتلالا عسكريا وثقافيا واقتصاديا وتراثيا اتخذت مناحي شتى في أساليبها , بدءاً بالإقناع وانتهاءاً بالإفناء ، وبدءاً بالكلمة الطيبة وانتهاء بحد السيف واحتلال الأرض وهتك العرض وسبي النساء وفرض الجزية والخراج .
وكانت عملية طويلة المدى استغرقت عدة قرون حاولت خلالها السلطة الدينية الجديدة خلق أمة جديدة باسم أمة الإسلام الذي شيّع بأنها فوق القوميات والطوائف وأفضل من المعتقدات والأديان السائدة بين تلكم الشعوب ، ولكنها في حقيقتها وجوهرها كانت ولا تزال تكريسا لثقافة جزيرة العرب وقيمها وعاداتها وتقاليدها ولغتها التي تم فرضها فرضا على هذه الأمم في الدنيا والتي من المفترض أن تلاحقهم حتى بعد الممات ( لأن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية وتقاليدها هي التقاليد البدوية في الرغبة الجامحة بامتلاك الجواري والغلمان والتمتع بالخيرات والمناظر الخلابة الغائبة من الصحراء العربية القاحلة !!!
وحينما بدأت هذه الدولة بالتوسع أثناء ما عرفت بالفتوحات الإسلامية ، والتي كانت في واقع الأمر غزوات حربية شرسة بمعنى الكلمة والتي لم تفرق بين مقاتل وطفل وامرأة وعجوز ... فكانت إبادةً ونفيا للآخر الغير المسلم (الكافر) واستحلالا لدمه وأرضه وعرضه وماله ، ووفق توجيهات وإرشادات وخطب دينية من قمة الهرم السياسي للدين والدولة ... فها النبي محمد يعرف المسلم الغير العربي بالشكل التالي : ( من تكلم العربية فهو عربي !!! ) ( كنز العمال ج7 ص46 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص200 وحياة الصحابة ج2 ص : 523 ) ، وقوله : ( أيها الناس ، إن الرب واحد والأب واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي) !!! ...
وإذا ما أمعنا النظر في هذه الاحاديث النبوية نجد جليا أن أساطين العروبة بعد ألف وأربعمائة سنة من أمثال ميشيل عفلق وساطع الحصري وغيرهم لم يأتوا بجديد في أطروحاتهم القومية الشوفينية ، بل كان سر إعجابهم بمحمد ورسالته هو مطابقته مع أفكارهم العنصرية التي كانت ولا تزال آثارها المدمرة تعصف بكيانات دول ، بل وحتى ما سمي بعدئذ (بالجامعة العربية) تصّر وإلى يومنا هذا باعتبار كل مواطني دولها قاطبة جزءا من الأمة العربية المباركة دينيا والمفضلة عرقيا.
وفي خطبة للخليفة عمر بن خطاب ثاني الخلفاء الراشدين والذي في عهده تمت أغلب الفتوحات في العراق والشام وشمال إفريقية ، يقول فيها : ( إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتين : أمة مستعبَدَة للإسلام وأهله، يجزون لكم، يُستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباهم، عليهم المؤونة ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملأ الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجؤون إليه، ولا مهرب يتقون به)...
وتطبيقا لهذه المفاهيم كانت الحروب تقاد والبلدان تفتح باسم الدين الحنيف ولكن بأيدي قادة عسكريين كان همهم الأول كم من الأموال يجمعون وكم من الجواري الأسرى يجلبون، فعلى سبيل المثال أن موسى بن النصير رجع من غزواته في شمال إفريقيا والأندلس يجر وراءه ثلاثمائة ألف أسير، منهم ثلاثين ألف عذراء. وأنه أرسل خُمس العذارى إلى الخليفة في الشام لأن الآية تقول: "( واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه والرسول) .
وليس من المعقول بأن تكون أولئك العذارى قد وقعن في الأسر طوعاً واختياراً. فالمؤكد أن المجاهدين الفاتحين قد خطفوهن من البيوت بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها. فليس من المعقول أن يذهب المجاهدون إلى بيوت المدن المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: " أعطونا عذراء في سبيل الله" .
إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب والسفك وانتهاك الحرمات...( ابن الأثير، الكامل، ج4 ص 272/ نقلاً عن د. عليّ الوردي، وعاظ السلاطين، ص 209)، انظر الدكتور كامل النجار (الدولة الاسلامية بين النظرية والتطبيق)
والنتيجة الطبيعية والحتمية لهكذا أطروحات وتطبيقاته في الواقع الميداني وتأثيره على الحياة والمصير الذي كانت تعيشه هذه الأقوام هو حتما التقتيل والتهميش والاستعباد والاضطهاد الديني والقومي المزدوج حيث فرضت عليها الأول( الدين الاسلامي) تعلم لغة الجنة العربية إجبارا وطمست الثاني (القومية العربية) تراثها وعاداتها وتقاليدها في بودقتها إكراها.
وما جاءت بها دساتير أغلب الدول (العربية) الحديثة أيضا الكلام المزوق والمنمق عن المساواة والحقوق والتي في واقعها هي واجبات مفروضة دون حقوق واضحة للقوميات الغير العربية أو حتى تجاهل الانتماء أو الحرمان من حقوق المواطنة الحقيقية الموصوفة والمتميزة وتحت يافطة( الوطن الواحد والشعب الواحد أو الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج)!!!
وهكذا جاء الإسلام غازيا وفاتحا لهذه البلدان شاهرا سيفه المسلول بيد وحاملا قرآنه العربي الوديع باليد الأخرى مكتسحة أمامه كل الحضارات القائمة وماسخة كيانات الشعوب وتاريخها تحت راية الإسلام الديني ولكن بلباسه العربي القومي، ومن يومها ارتبط اسم الإسلام بالعروبة وتم على ضوئها تأسيس ما عرف في التاريخ باسم( الحضارة العربية الإسلامية) في أكبر عملية سطو على حضارات عريقة ضربت جذورها في أعماق التاريخ وأسست لعجائب الدنيا القديم في فنون العمارة والبناء ناهيك عن الفلسفة والأداب والفنون والصناعات المعروفة آنذاك ، ولتجبر كل شعوبها بالانضواء تحت رايتها مكرهة مجبرة أو ملاقاة المصير المحتوم في الإبادة والقتل تحت مسميات مقدسة وبنصوص ثابتة بتصنيف الآخرين كفارا توجب إخضاعهم أو إبادتهم ... تعاليم محمدية وآيات قرآنية لا تقبل التفسير و التأويل أو التغير وكان شعار(أسلم تسلم) الشريعة السائدة المعولة عليها في كل الأحوال .
ففي وادي الرافدين أبصرت الحضارة البشرية النور ، كانت هناك حضارات سومر ، وبابل واكد ولآلاف السنين ، والتي علمت البشرية أصول الكتابة والقانون والفنون والآداب والعلوم ، وفي وادي النيل منبعا ومصبا كانت هناك حضارة فرعونية وإفريقية عظيمة والتي أتحفت البشرية بفنونها المعمارية وإبداعاتها في ميادين الحياة الأخرى كالعلوم والكتابة والتعدين والصناعة إضافة إلى الفلسفة وعلوم الفلك ما جعلت مديات تطورها لغزا محيرا لعقول البشر إلى يومنا هذا .
وفي بلاد الشام وأورشليم وشمال إفريقيا كانت حضارات الرومان والإغريق اليونانيين والفينيقيين والأمازيغ متجذرة في ربوعها بعلومها وفلسفتها ، إضافة إلى أديان كبيرة قائمة ومنها الديانتان اليهودية والمسيحية واللتان شذبتا شعوب المنطقة نحو المفاهيم الحضارية بتعاليمهما السمحاء ونشرتا مفاهيم إنسانية متطورة نسبيا قياسا إلى تلكم الأزمان ، وفي كردستان وبلاد فارس كانت هناك حضارات الميديين والساسانيين وأقانيم زرادشت العظيم التي أوصلت نواة فلسفتها العميقة إلى بلاد الهند والسند والصين ومنها نشأت الديانات الهندية والصينية العظيمة ...
وحينما تمدد الحكم الإسلامي ليشمل كل هذه الأصقاع الغنية بتراثها الإنساني لم تبدأ ما سميت بعدئذ بالحضارة العربية الإسلامية من العدم بل بالعكس تماما وجدت أرضية جاهزة لحضارات عظيمة قائمة ، فبدأت تترجم وتقتبس وتتقمص منها ما تشاء وتنشئ على أنقاضها ما سميت بالحضارة الإسلامية التي تطبعت بالطابع العربي الخالص وأصبحت تعرف بعدئذ بالحضارة العربية الإسلامية أي أن الحضارة العربية الإسلامية هي المدينة ( بفتح الميم) لكل هذه الحضارات التي كانت سائدة وليس العكس ، ولولا الحكم الإسلامي لما بقي للعرب في جزيرة العرب الجرداء وبعض الاقاليم الصحراوية المحيطة بها ( والفقيرة في مواردها الاقتصادية والبشرية ) شيئا يذكر الآن ، وكان مصيرها النسيان والاضمحلال حالها حال الكثير من الحضارات المشابه لها زمانا ومكانا ...
وحينما نشأ الفكر العروبي القومي في أوائل القرن الماضي كرد فعل لسقوط رموز تلك الحضارة الدينية والقومية المزدوجة على أيدي المستعمر الأوروبي حاول أن يستنهض الهمم المنهارة ويلملم شتات الحضارة الآفلة الممزقة والمتهرئة بالاستناد إلى الإسلام ومجده الزائل ، ولكن من منظور قومي عروبي يدعي الحداثة والرقي والسعي للحاق بركب الأمم التي أخذت بزمام التطور وبالأخص الأمم الأوربية ( والتي ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن أبعدت شبح الدين عن مسيرتها ، وهذا ما نتمناه للقومية العربية أيضا) والتي باتت أساطيلها وجيوشها تدق أبواب العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى بدءا من شمال إفريقيا وانتهاء بالعراق والشام ، فبادر ممثلو القومية العربية ودعاتها بالتحالف المشين مع المستعمر تحت غطاء ما سمي ( بالثورة العربية) ، لإسقاط الخلافة الإسلامية الوحيدة الغير عربية ( والتي استطاع آل عثمان المغول من اختطافها من العرب ليوظفوها أيضا لصالح القومية التركية ويؤسسوا الأمبراطورية العثمانية) ، ففقدت بذلك مصداقيتها الدينية وأثبتت في نفس الوقت تبعيتها الذليلة للمستعمر بدلا من النهوض بهويتها القومية الخاصة ومستندة إلى قواها وإمكانياتها الذاتية لبناء دول جديدة ملائمة لروح العصر ومسايرة للتغيرات الدولية والإقليمية والسياسية والاقتصادية التي كانت تتحكم بالعالم آنذاك وكما فعلت الدول الأوروبية في نهضتها بعد الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر واستمرت في مسيرتها المظفرة وإلى يومنا هذا ... نعم لم يجد أحفاد الرسول محمد من بني هاشم بدا من التحالف مع المستعمر ضد الخلافة الإسلامية العثمانية ، وذلك طمعا بفتات الغنيمة وحصة متواضعة من أشلاءها والتي تم تقسيمها وفق مصالح القوى الاستعمارية من جهة وبين أعوانها من الوجهاء العرب من جهة أخرى وبمنطق ( تريد أرنب خذ أرنب وتريد غزال خذ أرنب) .
أما الشعوب والأمم التي كانت ترزخ ولقرون عديدة تحت نير الخلفاء المسلمين من العرب تارة ومن الترك تارة أخرى فكان حالهم حال الطير المذبوح الذي تعبث به أيادي الأطفال ( وكما عبر عنه الشاعر الكوردي أحمد بك في إحدى قصائده في أوائل العشرينات من القرن الماضي) أي تلاقفتهم الأيادي من مستعمر إلى مستعمر تارة باسم الدين وتارة باسم التمدين ... وهكذا تم تكريس تبعية وتجاهل حقوق السكان الغير العرب مرة أخرى بدءأ من أمازيغ شمال إفريقيا غربا وانتهاءا بالكورد في أقصى الشرق وذلك بالتعاون بين المستعمر والقوميين العرب وممثليهم من الملوك والرؤساء الذين نصبتهم قوات المستعمر أدواتا طيعة لتسهيل سيطرته على هذه البلدان ، وأصبح قدر هذه الأمم الغير عربية والغير مسلمة أن تكون أسيرة بيد القومية العربية المسلمة ( والسنية على الأغلب) لفترة أخرى من الزمن وأصبحت شعارات الإخاء في الدين أو الوطن أو المساواة والذي لم يكن في السابق إلاّ مجرد كلام جامد مكتوب في القرآن والأحاديث النبوية ، أصبحت صيغة ممجوجة ومكررة ولكن بأسلوب آخر وبالأخص في الاتفاقيات أو الدساتير المكتوبة لاحقا ، والذين يجمعهما عامل مشترك واحد كونهما غير مقروئين وغير مطبقين حتى بأبسط أشكالها ومفاهيمها ، فكما لم تجد الكثير من النصوص حظها في التطبيق إبان الحكم الإسلامي رغم ورودها في الآيات القرآنية ونصوص الأحاديث المحمدية وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ورد في سورة الروم ) : " ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين "( ) "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ( المسلم أخ المسلم ، إن أحسنكم عند الله اتقاكم ... ولا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى) ...الخ
وكذلك فإن ما جاءت بها دساتير أغلب الدول (العربية) الحديثة من الكلام المزوق والمنمق عن العدالة والمساواة والحقوق لمواطنيه وبالأخص الغير العرب أو الغير المسلمين وفي بعض الأحيان الغير السنة ، لم تكن تطبيقيا بأحسن حال من سابقتها من النصوص والأحاديث والسيرة وغيرها ... والتي هي في واقع الحال واجبات وقيود مفروضة من دون حقوق واضحة لها أي تم تبديل الجزية المفروضة سابقا بواجبات المواطن لاحقا ، وبالتركيز على تجاهل وإنكار الانتماء القومي والديني والمذهبي لهذه الشعوب ، أو الحرمان الكامل من حقوق المواطنة الحقيقية الموصوفة في هذه الدساتير والمغيبة والمطمورة تحت خيمة ومظلة الوطن الواحد والشعب الواحد أو الأمة العربية الواحدة من المحيط الى الخليج !!!
وفي المسافة الزمنية بين الحربين الكونيين وما شهدتها المنطقة من صراعات وأحداث دموية في مسيرة الكفاح من أجل إنهاء الاستعمار العثماني والتكيف مع الاستعمار الأوربي والتي أفرزت من ضمن ما أفرزت بروز الدول القومية العربية (المستقلة) وعلى رأسها ملوك نصبهم المستعمر أو رؤساء امتطوا الدبابات واختطفوا مقاليد الحكم تحت يافطة الشعارات القومية البراقة من محاربة الاستعمار والصهيونية ، والتي أمعنت بدورها في ابتداع طرق جديدة في اضطهاد هذه الشعوب والأمم والطوائف باسم الوطنية والشعب الواحد الموحد مجتمعة تحت راية منظمة عنصرية مشلولة اسمها جامعة الدول العربية التي توحي اسمها بمضمونها التي تؤسس لسيادة أمة العرب على كل أمم المنطقة بحجة الأكثرية والاستحقاق التاريخي والديني وكونها خير أمة أخرجت للناس وبلا منازع في عصر أصبح للفرد الواحد بل وحتى للحيوانات حقوقا تحفظ كينونتها وتحافظ على حقها في البقاء والتطور والعيش بكرامة وحرية.
لو استعرضنا واقع وتاريخ الشعوب والأمم والأديان الغير العربية والغير المسلمة بل وحتى الغير السنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لنجد مدى الإجحاف والظلم التاريخي الذي لحق بهم نتيجة سيادة العقلية العروبية الإسلاموية طوال هذه القرون ...
.
الكاتب الكردي صفوت جلال الجباري :
قد يتصور من يتابع قراءة هذه المقالة بأنها مضادّة للدين الاسلامي أو القومية العربية لما فيها من دلالات عن مدى سوء الاستغلال للمفهومين وأعني بهما مفهوم الدين ( كعامل ضروري تاريخيا وحضاريا وفكريا ونفسيا لكل الشعوب والأمم في إحدى مراحل تطورها) ومفهوم القومية( كهوية اعتبارية لكل من ينطق بلسان مختلف ويجمعه وبني قومه عوامل التراث واللغة والتاريخ الثقافي والسياسي والاقتصادي المشترك) ...
ولكننا هنا بصدد واقع آخر مرير للأقوام والشعوب التي كانت ولا تزال معظمها أسيرة وضحية الاستغلال السئ للدين الإسلامي والقومية العربية اللتين لم تستطيعا أن توفيا بوظيفتيهما الإنسانيتين المفترضتين في نشر المحبة والسلام والوئام والوفاق بين الشعوب الخارجة عن إطاريهما الديني أو القومي ... أو على الأقل تطوير المفاهيم المبدئية للدين والقومية نحو آفاق تأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين كحرصها على مصالحها الذاتية ومنافعها الحياتية وبالرغم ادعائيهما عكس ذلك كأساليب نظرية وافتراضية ...
مع بزوغ فجر الإسلام وبدء نشر الدعوة خارج جزيرة العرب قبل أربعة عشر قرنا ، إيذانا ببدء فصل جديد في حياة الشعوب والأمم التي سكنت هذه المنطقة بإطلالة الدين الجديد، بقيمه وتعاليمه ( السمحاء) من جهة وصهيل خيوله وقرقعة سيوفه ورماحه من جهة أخرى ومبتدئا معهم فصلا آخر من المعاناة والمسخ القسري للهوية الخاصة وللمعتقدات التي كانت سائدة للشعوب والأقوام ولقرون عديدة من الزمان ...
ففي الرقعة الجغرافية المحصورة بين شواطئ الأطلسي وتخوم الصين ، لم يكن دخول أو بالأصح إدخال كل هذه الشعوب والأقوام إلى الدين الجديد بالصورة الوردية التي نقلتها لنا كتب التاريخ والتي غالبا ما تكتب وكما هو معروف بلسان المنتصرين والفائزين ، إلا أن الحقيقة المجردة والمرّة وما يقرأ بين سطور هذه الكتب وما أوردته الأحداث الحقيقية تبين لنا وبوضوح أنها كانت احتلالا عسكريا وثقافيا واقتصاديا وتراثيا اتخذت مناحي شتى في أساليبها , بدءاً بالإقناع وانتهاءاً بالإفناء ، وبدءاً بالكلمة الطيبة وانتهاء بحد السيف واحتلال الأرض وهتك العرض وسبي النساء وفرض الجزية والخراج .
وكانت عملية طويلة المدى استغرقت عدة قرون حاولت خلالها السلطة الدينية الجديدة خلق أمة جديدة باسم أمة الإسلام الذي شيّع بأنها فوق القوميات والطوائف وأفضل من المعتقدات والأديان السائدة بين تلكم الشعوب ، ولكنها في حقيقتها وجوهرها كانت ولا تزال تكريسا لثقافة جزيرة العرب وقيمها وعاداتها وتقاليدها ولغتها التي تم فرضها فرضا على هذه الأمم في الدنيا والتي من المفترض أن تلاحقهم حتى بعد الممات ( لأن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية وتقاليدها هي التقاليد البدوية في الرغبة الجامحة بامتلاك الجواري والغلمان والتمتع بالخيرات والمناظر الخلابة الغائبة من الصحراء العربية القاحلة !!!
وحينما بدأت هذه الدولة بالتوسع أثناء ما عرفت بالفتوحات الإسلامية ، والتي كانت في واقع الأمر غزوات حربية شرسة بمعنى الكلمة والتي لم تفرق بين مقاتل وطفل وامرأة وعجوز ... فكانت إبادةً ونفيا للآخر الغير المسلم (الكافر) واستحلالا لدمه وأرضه وعرضه وماله ، ووفق توجيهات وإرشادات وخطب دينية من قمة الهرم السياسي للدين والدولة ... فها النبي محمد يعرف المسلم الغير العربي بالشكل التالي : ( من تكلم العربية فهو عربي !!! ) ( كنز العمال ج7 ص46 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص200 وحياة الصحابة ج2 ص : 523 ) ، وقوله : ( أيها الناس ، إن الرب واحد والأب واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي) !!! ...
وإذا ما أمعنا النظر في هذه الاحاديث النبوية نجد جليا أن أساطين العروبة بعد ألف وأربعمائة سنة من أمثال ميشيل عفلق وساطع الحصري وغيرهم لم يأتوا بجديد في أطروحاتهم القومية الشوفينية ، بل كان سر إعجابهم بمحمد ورسالته هو مطابقته مع أفكارهم العنصرية التي كانت ولا تزال آثارها المدمرة تعصف بكيانات دول ، بل وحتى ما سمي بعدئذ (بالجامعة العربية) تصّر وإلى يومنا هذا باعتبار كل مواطني دولها قاطبة جزءا من الأمة العربية المباركة دينيا والمفضلة عرقيا.
وفي خطبة للخليفة عمر بن خطاب ثاني الخلفاء الراشدين والذي في عهده تمت أغلب الفتوحات في العراق والشام وشمال إفريقية ، يقول فيها : ( إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتين : أمة مستعبَدَة للإسلام وأهله، يجزون لكم، يُستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباهم، عليهم المؤونة ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملأ الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجؤون إليه، ولا مهرب يتقون به)...
وتطبيقا لهذه المفاهيم كانت الحروب تقاد والبلدان تفتح باسم الدين الحنيف ولكن بأيدي قادة عسكريين كان همهم الأول كم من الأموال يجمعون وكم من الجواري الأسرى يجلبون، فعلى سبيل المثال أن موسى بن النصير رجع من غزواته في شمال إفريقيا والأندلس يجر وراءه ثلاثمائة ألف أسير، منهم ثلاثين ألف عذراء. وأنه أرسل خُمس العذارى إلى الخليفة في الشام لأن الآية تقول: "( واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه والرسول) .
وليس من المعقول بأن تكون أولئك العذارى قد وقعن في الأسر طوعاً واختياراً. فالمؤكد أن المجاهدين الفاتحين قد خطفوهن من البيوت بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها. فليس من المعقول أن يذهب المجاهدون إلى بيوت المدن المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: " أعطونا عذراء في سبيل الله" .
إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب والسفك وانتهاك الحرمات...( ابن الأثير، الكامل، ج4 ص 272/ نقلاً عن د. عليّ الوردي، وعاظ السلاطين، ص 209)، انظر الدكتور كامل النجار (الدولة الاسلامية بين النظرية والتطبيق)
والنتيجة الطبيعية والحتمية لهكذا أطروحات وتطبيقاته في الواقع الميداني وتأثيره على الحياة والمصير الذي كانت تعيشه هذه الأقوام هو حتما التقتيل والتهميش والاستعباد والاضطهاد الديني والقومي المزدوج حيث فرضت عليها الأول( الدين الاسلامي) تعلم لغة الجنة العربية إجبارا وطمست الثاني (القومية العربية) تراثها وعاداتها وتقاليدها في بودقتها إكراها.
وما جاءت بها دساتير أغلب الدول (العربية) الحديثة أيضا الكلام المزوق والمنمق عن المساواة والحقوق والتي في واقعها هي واجبات مفروضة دون حقوق واضحة للقوميات الغير العربية أو حتى تجاهل الانتماء أو الحرمان من حقوق المواطنة الحقيقية الموصوفة والمتميزة وتحت يافطة( الوطن الواحد والشعب الواحد أو الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج)!!!
وهكذا جاء الإسلام غازيا وفاتحا لهذه البلدان شاهرا سيفه المسلول بيد وحاملا قرآنه العربي الوديع باليد الأخرى مكتسحة أمامه كل الحضارات القائمة وماسخة كيانات الشعوب وتاريخها تحت راية الإسلام الديني ولكن بلباسه العربي القومي، ومن يومها ارتبط اسم الإسلام بالعروبة وتم على ضوئها تأسيس ما عرف في التاريخ باسم( الحضارة العربية الإسلامية) في أكبر عملية سطو على حضارات عريقة ضربت جذورها في أعماق التاريخ وأسست لعجائب الدنيا القديم في فنون العمارة والبناء ناهيك عن الفلسفة والأداب والفنون والصناعات المعروفة آنذاك ، ولتجبر كل شعوبها بالانضواء تحت رايتها مكرهة مجبرة أو ملاقاة المصير المحتوم في الإبادة والقتل تحت مسميات مقدسة وبنصوص ثابتة بتصنيف الآخرين كفارا توجب إخضاعهم أو إبادتهم ... تعاليم محمدية وآيات قرآنية لا تقبل التفسير و التأويل أو التغير وكان شعار(أسلم تسلم) الشريعة السائدة المعولة عليها في كل الأحوال .
ففي وادي الرافدين أبصرت الحضارة البشرية النور ، كانت هناك حضارات سومر ، وبابل واكد ولآلاف السنين ، والتي علمت البشرية أصول الكتابة والقانون والفنون والآداب والعلوم ، وفي وادي النيل منبعا ومصبا كانت هناك حضارة فرعونية وإفريقية عظيمة والتي أتحفت البشرية بفنونها المعمارية وإبداعاتها في ميادين الحياة الأخرى كالعلوم والكتابة والتعدين والصناعة إضافة إلى الفلسفة وعلوم الفلك ما جعلت مديات تطورها لغزا محيرا لعقول البشر إلى يومنا هذا .
وفي بلاد الشام وأورشليم وشمال إفريقيا كانت حضارات الرومان والإغريق اليونانيين والفينيقيين والأمازيغ متجذرة في ربوعها بعلومها وفلسفتها ، إضافة إلى أديان كبيرة قائمة ومنها الديانتان اليهودية والمسيحية واللتان شذبتا شعوب المنطقة نحو المفاهيم الحضارية بتعاليمهما السمحاء ونشرتا مفاهيم إنسانية متطورة نسبيا قياسا إلى تلكم الأزمان ، وفي كردستان وبلاد فارس كانت هناك حضارات الميديين والساسانيين وأقانيم زرادشت العظيم التي أوصلت نواة فلسفتها العميقة إلى بلاد الهند والسند والصين ومنها نشأت الديانات الهندية والصينية العظيمة ...
وحينما تمدد الحكم الإسلامي ليشمل كل هذه الأصقاع الغنية بتراثها الإنساني لم تبدأ ما سميت بعدئذ بالحضارة العربية الإسلامية من العدم بل بالعكس تماما وجدت أرضية جاهزة لحضارات عظيمة قائمة ، فبدأت تترجم وتقتبس وتتقمص منها ما تشاء وتنشئ على أنقاضها ما سميت بالحضارة الإسلامية التي تطبعت بالطابع العربي الخالص وأصبحت تعرف بعدئذ بالحضارة العربية الإسلامية أي أن الحضارة العربية الإسلامية هي المدينة ( بفتح الميم) لكل هذه الحضارات التي كانت سائدة وليس العكس ، ولولا الحكم الإسلامي لما بقي للعرب في جزيرة العرب الجرداء وبعض الاقاليم الصحراوية المحيطة بها ( والفقيرة في مواردها الاقتصادية والبشرية ) شيئا يذكر الآن ، وكان مصيرها النسيان والاضمحلال حالها حال الكثير من الحضارات المشابه لها زمانا ومكانا ...
وحينما نشأ الفكر العروبي القومي في أوائل القرن الماضي كرد فعل لسقوط رموز تلك الحضارة الدينية والقومية المزدوجة على أيدي المستعمر الأوروبي حاول أن يستنهض الهمم المنهارة ويلملم شتات الحضارة الآفلة الممزقة والمتهرئة بالاستناد إلى الإسلام ومجده الزائل ، ولكن من منظور قومي عروبي يدعي الحداثة والرقي والسعي للحاق بركب الأمم التي أخذت بزمام التطور وبالأخص الأمم الأوربية ( والتي ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن أبعدت شبح الدين عن مسيرتها ، وهذا ما نتمناه للقومية العربية أيضا) والتي باتت أساطيلها وجيوشها تدق أبواب العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى بدءا من شمال إفريقيا وانتهاء بالعراق والشام ، فبادر ممثلو القومية العربية ودعاتها بالتحالف المشين مع المستعمر تحت غطاء ما سمي ( بالثورة العربية) ، لإسقاط الخلافة الإسلامية الوحيدة الغير عربية ( والتي استطاع آل عثمان المغول من اختطافها من العرب ليوظفوها أيضا لصالح القومية التركية ويؤسسوا الأمبراطورية العثمانية) ، ففقدت بذلك مصداقيتها الدينية وأثبتت في نفس الوقت تبعيتها الذليلة للمستعمر بدلا من النهوض بهويتها القومية الخاصة ومستندة إلى قواها وإمكانياتها الذاتية لبناء دول جديدة ملائمة لروح العصر ومسايرة للتغيرات الدولية والإقليمية والسياسية والاقتصادية التي كانت تتحكم بالعالم آنذاك وكما فعلت الدول الأوروبية في نهضتها بعد الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر واستمرت في مسيرتها المظفرة وإلى يومنا هذا ... نعم لم يجد أحفاد الرسول محمد من بني هاشم بدا من التحالف مع المستعمر ضد الخلافة الإسلامية العثمانية ، وذلك طمعا بفتات الغنيمة وحصة متواضعة من أشلاءها والتي تم تقسيمها وفق مصالح القوى الاستعمارية من جهة وبين أعوانها من الوجهاء العرب من جهة أخرى وبمنطق ( تريد أرنب خذ أرنب وتريد غزال خذ أرنب) .
أما الشعوب والأمم التي كانت ترزخ ولقرون عديدة تحت نير الخلفاء المسلمين من العرب تارة ومن الترك تارة أخرى فكان حالهم حال الطير المذبوح الذي تعبث به أيادي الأطفال ( وكما عبر عنه الشاعر الكوردي أحمد بك في إحدى قصائده في أوائل العشرينات من القرن الماضي) أي تلاقفتهم الأيادي من مستعمر إلى مستعمر تارة باسم الدين وتارة باسم التمدين ... وهكذا تم تكريس تبعية وتجاهل حقوق السكان الغير العرب مرة أخرى بدءأ من أمازيغ شمال إفريقيا غربا وانتهاءا بالكورد في أقصى الشرق وذلك بالتعاون بين المستعمر والقوميين العرب وممثليهم من الملوك والرؤساء الذين نصبتهم قوات المستعمر أدواتا طيعة لتسهيل سيطرته على هذه البلدان ، وأصبح قدر هذه الأمم الغير عربية والغير مسلمة أن تكون أسيرة بيد القومية العربية المسلمة ( والسنية على الأغلب) لفترة أخرى من الزمن وأصبحت شعارات الإخاء في الدين أو الوطن أو المساواة والذي لم يكن في السابق إلاّ مجرد كلام جامد مكتوب في القرآن والأحاديث النبوية ، أصبحت صيغة ممجوجة ومكررة ولكن بأسلوب آخر وبالأخص في الاتفاقيات أو الدساتير المكتوبة لاحقا ، والذين يجمعهما عامل مشترك واحد كونهما غير مقروئين وغير مطبقين حتى بأبسط أشكالها ومفاهيمها ، فكما لم تجد الكثير من النصوص حظها في التطبيق إبان الحكم الإسلامي رغم ورودها في الآيات القرآنية ونصوص الأحاديث المحمدية وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ورد في سورة الروم ) : " ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين "( ) "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ( المسلم أخ المسلم ، إن أحسنكم عند الله اتقاكم ... ولا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى) ...الخ
وكذلك فإن ما جاءت بها دساتير أغلب الدول (العربية) الحديثة من الكلام المزوق والمنمق عن العدالة والمساواة والحقوق لمواطنيه وبالأخص الغير العرب أو الغير المسلمين وفي بعض الأحيان الغير السنة ، لم تكن تطبيقيا بأحسن حال من سابقتها من النصوص والأحاديث والسيرة وغيرها ... والتي هي في واقع الحال واجبات وقيود مفروضة من دون حقوق واضحة لها أي تم تبديل الجزية المفروضة سابقا بواجبات المواطن لاحقا ، وبالتركيز على تجاهل وإنكار الانتماء القومي والديني والمذهبي لهذه الشعوب ، أو الحرمان الكامل من حقوق المواطنة الحقيقية الموصوفة في هذه الدساتير والمغيبة والمطمورة تحت خيمة ومظلة الوطن الواحد والشعب الواحد أو الأمة العربية الواحدة من المحيط الى الخليج !!!
وفي المسافة الزمنية بين الحربين الكونيين وما شهدتها المنطقة من صراعات وأحداث دموية في مسيرة الكفاح من أجل إنهاء الاستعمار العثماني والتكيف مع الاستعمار الأوربي والتي أفرزت من ضمن ما أفرزت بروز الدول القومية العربية (المستقلة) وعلى رأسها ملوك نصبهم المستعمر أو رؤساء امتطوا الدبابات واختطفوا مقاليد الحكم تحت يافطة الشعارات القومية البراقة من محاربة الاستعمار والصهيونية ، والتي أمعنت بدورها في ابتداع طرق جديدة في اضطهاد هذه الشعوب والأمم والطوائف باسم الوطنية والشعب الواحد الموحد مجتمعة تحت راية منظمة عنصرية مشلولة اسمها جامعة الدول العربية التي توحي اسمها بمضمونها التي تؤسس لسيادة أمة العرب على كل أمم المنطقة بحجة الأكثرية والاستحقاق التاريخي والديني وكونها خير أمة أخرجت للناس وبلا منازع في عصر أصبح للفرد الواحد بل وحتى للحيوانات حقوقا تحفظ كينونتها وتحافظ على حقها في البقاء والتطور والعيش بكرامة وحرية.
لو استعرضنا واقع وتاريخ الشعوب والأمم والأديان الغير العربية والغير المسلمة بل وحتى الغير السنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لنجد مدى الإجحاف والظلم التاريخي الذي لحق بهم نتيجة سيادة العقلية العروبية الإسلاموية طوال هذه القرون ...
.