جمال
07-18-2007, 12:03 PM
الاتحاد الاماراتية
الدكتور خالص جلبي
ما أكثر الذين اختطفتهم منا يد المنون، وقد صرعهم مرض السرطان الذي أعيا الطب الحديث إيجاد علاج لإيقافه عند حده، فعندما نعد الأصدقاء والأحبة والمعارف من ضحايا السرطان، سنجد أنهم أكثر مما نظن أول وهلة! ولا أتذكر أني قرأت في صفحة الأموات من مجلة "المرآة" الألمانية، من دون أن ألحظ وجود أسماء عدد من المشاهير الذين صرعهم المرض؛ وألاحظ أن نسبة عالية من السرطانات هي التي قررت مصير هؤلاء في النهاية.
يشكل السرطان ذلك التحدي الذي لم يوجد من يصرعه، ولكن سيأتي يوم يحدث فيه ذلك، تماماً كما قهر الطب الأمراض الجرثومية وكثيرا من الأمراض الفيروسية. والسر في السرطان أن مسبباته مجهولة، يراهن عليها من دون رؤية واضحة، فما يحدث في الخلية مجهول، وما يعرفه الأطباء عنه هو ما يحدث للخلايا لاحقا بعد ذلك، وحين تم الكشف عن الكود الوراثي، عرف العلماء أنهم دخلوا "كهف علي بابا"، فبين ثلاثة مليارات حمض نووي و140 ألف جين، تتبعثر أسرار الخلية الحية بما يدير الرأس... ويتوقع "واطسون" الذي أخذ جائزة نوبل مع زميله "فرانسيس كريك" عن كشف تركيب الحمض النووي، إن فترة 300 سنة قليلة لمعرفة أسرار الكروموسومات.
وسمي السرطان باسم الحيوان القشري البري (السرطان)، لأن له أذرعاً تمتد إلى كل مكان في الجسم. وهناك أبحاث حالية حول معالجة السرطان بجراثيم الكوليرا، فقد لوحظ أن الجراثيم تحاول النيل منه وفل حديده، ومن ثم يعكف العلماء اليوم على دحر المرض بالمرض. وهي قصية تذكر بمعالجة مرض الزهري قديماً، فقد لاحظ بعض الأطباء أن ذلك المرض تخف حدته مع ارتفاع درجة الحرارة، فحقنوا المرضى بمصورات الملاريا؛ فانتفض البدن وتحركت آليات المناعة وقضت على الزهري، وهذا كان قبل اكتشاف البنسلين...
وهكذا فالترياق يمكن أن يكون في أي مكان، وحالياً تستخدم سموم النحل والأفاعي لمعالجة الروماتيزم. كما أن مصل العقرب ينفع في الوقاية من الأشعة النووية، وهو أمر اكتشف على هامش تجارب التفجير النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية قبل الاستقلال، فلوحظ موت كل شيء إلا عقارب الصحراء التي كانت تتحرك في المنطقة بكل نشاط بعد الانفجار، وعرف أن مصلها فيه من قوة الصمود ضد الأشعة أكثر من الإنسان بـ300 مرة.
ومن أعاجيب الأمور التي كشفت في خلايا السرطان الديمومة، بمعنى أن الخلية السرطانية تقضي على الجسم ولكنها تعيش؛ فلو أخذت خلية سرطانية من جسم شخص يحتضر، ثم غذيت، فإنها تعيش في الوقت الذي فارق هو الحياة وتحلل وارتاح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل...
والسر في هذا يعود إلى موت الخلايا عموماً، فقد لوحظ أن حياتنا قصيرة ومحدودة، لأن الكروموسومات في نواة الخلية تتآكل، لكن على العكس من ذلك فإن خلايا السرطان، لا تتآكل بل تتابع حياتها بكل نشاط، فتنتقل من نسيج إلى نسيج، تخرب وتضرب وتفتك وتفرز السموم، فيتهدم البدن بالفوضى المدمرة. ومثلاً فإن خلايا السرطان في القولون تترك مكانها لتذهب إلى الدماغ.
والكائن الحي حين يصيبه السرطان يصبح ككيان يتحلل إلى ذراته الأولية، وهو ما تناظره في حياة المجتمعات، ظاهرة موت الأمة التي نعيشها حاليا... والموتى يبعثهم الله "ثم إليه يرجعون...".
الدكتور خالص جلبي
ما أكثر الذين اختطفتهم منا يد المنون، وقد صرعهم مرض السرطان الذي أعيا الطب الحديث إيجاد علاج لإيقافه عند حده، فعندما نعد الأصدقاء والأحبة والمعارف من ضحايا السرطان، سنجد أنهم أكثر مما نظن أول وهلة! ولا أتذكر أني قرأت في صفحة الأموات من مجلة "المرآة" الألمانية، من دون أن ألحظ وجود أسماء عدد من المشاهير الذين صرعهم المرض؛ وألاحظ أن نسبة عالية من السرطانات هي التي قررت مصير هؤلاء في النهاية.
يشكل السرطان ذلك التحدي الذي لم يوجد من يصرعه، ولكن سيأتي يوم يحدث فيه ذلك، تماماً كما قهر الطب الأمراض الجرثومية وكثيرا من الأمراض الفيروسية. والسر في السرطان أن مسبباته مجهولة، يراهن عليها من دون رؤية واضحة، فما يحدث في الخلية مجهول، وما يعرفه الأطباء عنه هو ما يحدث للخلايا لاحقا بعد ذلك، وحين تم الكشف عن الكود الوراثي، عرف العلماء أنهم دخلوا "كهف علي بابا"، فبين ثلاثة مليارات حمض نووي و140 ألف جين، تتبعثر أسرار الخلية الحية بما يدير الرأس... ويتوقع "واطسون" الذي أخذ جائزة نوبل مع زميله "فرانسيس كريك" عن كشف تركيب الحمض النووي، إن فترة 300 سنة قليلة لمعرفة أسرار الكروموسومات.
وسمي السرطان باسم الحيوان القشري البري (السرطان)، لأن له أذرعاً تمتد إلى كل مكان في الجسم. وهناك أبحاث حالية حول معالجة السرطان بجراثيم الكوليرا، فقد لوحظ أن الجراثيم تحاول النيل منه وفل حديده، ومن ثم يعكف العلماء اليوم على دحر المرض بالمرض. وهي قصية تذكر بمعالجة مرض الزهري قديماً، فقد لاحظ بعض الأطباء أن ذلك المرض تخف حدته مع ارتفاع درجة الحرارة، فحقنوا المرضى بمصورات الملاريا؛ فانتفض البدن وتحركت آليات المناعة وقضت على الزهري، وهذا كان قبل اكتشاف البنسلين...
وهكذا فالترياق يمكن أن يكون في أي مكان، وحالياً تستخدم سموم النحل والأفاعي لمعالجة الروماتيزم. كما أن مصل العقرب ينفع في الوقاية من الأشعة النووية، وهو أمر اكتشف على هامش تجارب التفجير النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية قبل الاستقلال، فلوحظ موت كل شيء إلا عقارب الصحراء التي كانت تتحرك في المنطقة بكل نشاط بعد الانفجار، وعرف أن مصلها فيه من قوة الصمود ضد الأشعة أكثر من الإنسان بـ300 مرة.
ومن أعاجيب الأمور التي كشفت في خلايا السرطان الديمومة، بمعنى أن الخلية السرطانية تقضي على الجسم ولكنها تعيش؛ فلو أخذت خلية سرطانية من جسم شخص يحتضر، ثم غذيت، فإنها تعيش في الوقت الذي فارق هو الحياة وتحلل وارتاح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل...
والسر في هذا يعود إلى موت الخلايا عموماً، فقد لوحظ أن حياتنا قصيرة ومحدودة، لأن الكروموسومات في نواة الخلية تتآكل، لكن على العكس من ذلك فإن خلايا السرطان، لا تتآكل بل تتابع حياتها بكل نشاط، فتنتقل من نسيج إلى نسيج، تخرب وتضرب وتفتك وتفرز السموم، فيتهدم البدن بالفوضى المدمرة. ومثلاً فإن خلايا السرطان في القولون تترك مكانها لتذهب إلى الدماغ.
والكائن الحي حين يصيبه السرطان يصبح ككيان يتحلل إلى ذراته الأولية، وهو ما تناظره في حياة المجتمعات، ظاهرة موت الأمة التي نعيشها حاليا... والموتى يبعثهم الله "ثم إليه يرجعون...".