المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحريض علي الثأر‏..‏ صناعة نسائية ؟‏!‏



المراسل
07-08-2004, 12:04 AM
الصعيد كنموذج !!


فتش عن المرأة‏..‏ شعار أطلقه الفرنسيون لم يلبث ان آمن به رجال الشرطة في العالم كله‏..‏ وهم يحققون في جرائم القتل الغامضة‏.‏ وحين تفتش عن المرأة في جرائم الثأر في مصر‏..‏ نراها تقف في خلفية المشهد‏...‏ تقف وراء القاتل‏..‏ تدفعه‏,‏ تستفزه‏,‏ تحفزه‏,‏ تحرضه

كي يضغط علي الزناد‏..‏ كي تري دم القتيل‏..‏ فيشفي غليلها وتخمد النار المستعرة في أعماقها‏..‏ حينئذ تتشح بالسواد وتتقبل العزاء‏.‏ حدث ذلك في بيت علام‏..‏ مركز جرجا وفي بيوت أخري‏..‏ في أماكن عديدة‏..‏ كانت نون النسوة هي كلمة السر وراء كل جريمة ثأر‏.‏
سنظلم المرأة كثيرا‏..‏ لو اعتبرناها في ظل دورها في هذا المشهد الدامي‏..‏ بومة تنعق للخراب‏..‏

إنها في الحقيقة ضحية جمود التقاليد‏..‏ وقسوة المناخ‏..‏ وتحجر الفكر‏..‏ وغربة النفس‏..‏ وفقر الروح‏..‏ وانعزال المكان‏.‏

نتوقف قليلا عند الشاعر عبد الرحمن الابنودي‏.‏القادم من أعماق الصعيد‏..‏ ليكلمنا عن المرأة هناك‏..‏ عن أفكارها ورؤياها‏..‏ في البداية يندد بالمجزرة التي حدثت في جرجا‏..‏ فيقول‏:‏ ان ماحدث نعتبره ـ نحن الصعايدة ـ الذين تثقفنا وتنورنا ارتدادة شديدة للخلف

ورجوعا إلي الوراء بعد أن كناقد تصورنا أننا قطعنا شوطا طويلا في القضاء علي نظام القيبلة في ربوع بلادنا‏.‏

قد يتصور البعض أن الرجال في الصعيد يلعبون دورا في تعليم أولادهم لغة الثأر‏..‏ لكن الحقيقة غير ذلك فالابن عادة لايكون في حاجة لأن يتعلم من ابيه تعاليم الثأر‏..‏فالأجواء التي ينمو فيها هذا الابن تتردد فيها بصفة دائمة اصداء الثأر

فالمناخ في هذه المنطقة ملبد بكلمة التار والأب عموما لاوقت لديه لأن يجلس مع الصغار ليغذيهم بمفهوم الثأر‏..‏ وبالتالي تصبح هذه المهمة ملقاة علي عاتق الأم‏.‏

وفي تاريخ الثأر في عائلتنا ـ والذي انتهي منذ أزمنة طويلة ـ لم أسمع من والدي كلمة واحدة عنه ولم يأت بسيرته أمامي‏..‏ كل ما سمعته وعرفته كان من أمي‏..‏ وبالرغم من أنها كانت انسانة رقيقة وطيبة جدا‏..‏ إلا أنها حين كانت تأتي سيرة التارات القديمة في قريتنا‏..‏ كانت تذكر ذلك بحمية وحماس شديدين‏..‏

وأتذكر أنني رأيت وأنا طفل معركة رهيبة بالسلاح دارت بين أهالي قريتين متجاورتين‏..‏ لم أفهم منها شيئا‏..‏ ولم يذكر الرجال أمامي شيئا عنها‏..‏ رغم أنها دارت علي مسمع ومرأي منا جيمعا

ولم تفسرها لي سوي أمي التي كانت تقضي الليالي الطوال تحدثنا عن الماضي‏..‏ الذي أحتل الثأر فيه مكانا كبيرا‏ وكان معظم الذين يثأرون لايعرفون السبب الحقيقي الذي يثأرون من أجله‏.‏

عساكر‏..‏ وأغنية الموت
ويستطرد شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودي قائلا‏:‏ لقد عالجت دور المرأة في قضية الثأر‏..‏ في مسرحية من فصل واحد كتبها أستاذنا توفيق الحكيم باسم أغنية الموت كانت بطلتها فاتن حمامة أو عساكر التي تحرض ابنها علي الثأر لأبيه وظلت محتفظة بالسكين التي قتل بها زوجها لتعطيها لابنها حين يكبر كي ينتقم

إذن دور المرأة في التحريض علي الثأر دور رئيسي يفوق دور الرجال وهو دور تعتبره المرأة من أهم أدوارها ففكرة الثأر ترضعها الأم لابنها مع لبنها‏..‏ وهو أمر محزن للغاية لأن المرأة التي ترضعنا التحضر‏..‏ وحب الحياة‏..‏ والشعر‏..‏ والفن‏..‏ هي نفسها التي ترضعنا العنف‏..‏ والثأر‏..‏ والانتقام‏.‏

الثأر‏..‏ أقوي من الأمومة
إلي علماء علم الاجتماع نذهب‏..‏ إلي د‏.‏ أحمد المجدوب المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية‏..‏ ليقول لنا كيف تتحول المرأة في لحظة إلي بومة تنعق للخراب‏..‏
يبدأ كلامه بأن المستشرقين الغربيين الذين اهتموا بدراسة الأسرة العربية اعتبروا المرأة العربية‏..‏ وليست الصعيدية فقط

هي الحارسة علي التقاليد‏..‏ وعزلتها التي فرضت عليها جعلتها لاتفرق بين التقاليد الصالحة والطالحة‏..‏ فنجد مثلا الام الصعيدية إذا كانت بلا زوج أو ابن تقتل بيدها ابنتها التي حملت سفاحا‏..‏ لتغسل عارها‏..‏ ولا تقبل في ذلك نقاشا‏..‏ فشرف الأسرة أهم لديها من عاطفة الامومة‏.‏

أما إذا كان القتيل ابنها أو زوجها أو أخاها‏..‏ فإن الحياة تتوقف بها‏..‏ وتظل صورة القتيل في وجدانها‏..‏ وفي خاطرها‏..‏ بعكس الرجل الذي يأخذ الأمر بعقله أكثر من عاطفته

ويؤكد د‏.‏ المجدوب أن المرأة الصعيدية تظل تعاني الألم والحزن والكأبة سنوات طويلة ريثما يشب ابنها عن الطوق فتعلمه كيف يستخدم السلاح؟ وقد تبيع مالديها من مصاغ لتشتري له السلاح الذي سيتدرب عليه ليقتل غريمه وتظل طوال الوقت تتكلم عن القتيل العزيز الغالي الذي ذهب ضحية للغدر والخيانة‏

لاتمل الحديث عنه ابدا وتضفي علي بيتها جوا غريبا مشبعا بالكراهية والغضب والرغبة في الانتقام‏,‏ ولاتتنفس الصعداء إلا إذا تحقق لها ماتريد عندئذ تتلقي العزاء‏,‏ وتستأنف حياتها لايهمها أن يلقي بابنها في السجن أو أن يعيش معرضا للثأر منه‏,‏ وإنما الذي يهمها أنها نفذت العرف‏,‏ وطبقت التقاليد‏,‏ فآن لها أن ترفع رأسها فخورة مزهوة بين الناس‏.‏

ومن هنا نستطيع أن نؤكد أن المرأة وراء ‏99 %‏ من جرائم الثأر بالتحريض علي القتل‏.‏

والآن‏..‏ ماهو الحل؟
لن يتم حل هذه المشكلة ـ كما يؤكد مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية قبل أن نقضي علي عزلة الصعيد‏,‏ فلا ينبغي أن نجعل منه منفي لكل من هو مغضوب عليه فيعيش فيه وهو كاره‏,‏ ولايعطيه سوي الحقد والنقمة ولايفعل شيئا سوي الشكوي للمسئولين لكي يعود إلي مصر‏,‏ وكأنه يعيش في القطب الجنوبي‏!!‏

وعلينا أيضا أن نغير من نظامنا التعليمي لكي يعطينا شبابا قادرا علي التعامل مع حقائق الحياة بفكر ووعي وقدرة علي التعبير‏.‏

هراس جاي‏!‏
ويري كاتب الدراما محمد جلال عبد القوي وهو أحد أبناء الصعيد‏,‏ وسبق وعالج الكثير من عادات أهل الصعيد في مسلسلات درامية‏:‏ أن المرأة هي المحرض الأول لعملية الثأر‏..‏ فحين تفقد المرأة رجلها‏

الذي تعتبره دنياها‏..‏ تشعر بأنها قد وصلت إلي نهاية العالم بلا ملجأ‏..‏ ولاحام فتستعر النار بداخلها‏..‏ ولايتبق أمامها إلا أن تدفع بالرجال الباقين في عائلتها إلي أتون النار والهلاك وتستخدم المرأة في سبيل هدفها هذا كل الوسائل الممكنة لتثير نخوة الرجال‏..‏ فمرة دمعتين علي الخد‏..‏ ومرة آهة ممدودة من القلب‏..‏ وسرعان ماتصل إلي هدفها‏.‏

أنني أري أن المرأة ـ والكلام مازال علي لسان كاتب الدراما ـ هي المحرض الأول في عملية الثأر بالصعيد‏..‏ ولن تتلاشي هذه الظاهرة إلا مع انتشار التعليم الذي يهذب سلوك إلانسان‏..‏ ويدفعه نحو الأفضل‏..‏ فمن المستحيل علي امرأة متعلمة تؤمن بالقانون وتعرف معني العدل والحق‏..‏ أن تحرض علي الثأر

وفي مطلع الثمانينيات عالجت جريمة الثأر في مسلسل تليفزيوني اسمه الغربة وسماه الجمهور هراس جاي وفيه رفض البطل تحريض أمه له علي الأخذ بالثأر بعد أن رأي نور العلم واتسع أفقه

التعليم‏..‏ لتغيير المفاهيم
لايمكن ان نتكلم عن الصعيد والثأر والمرأة دون أن نسمع رأي النائبة ناريمان الدرمللي عضو مجلس الشعب عن مركز طما بسوهاج تقول‏:‏ لا توجد دائرة في محافظة سوهاج أو الوجه القبلي عموما تخلو من حوادث ثأر‏.

ونحن كنواب نتعاون في حل المشاكل بين الأسر والعائلات حتي لاتتطور إلي القتل‏,‏ ونحاول حلها بالطرق الودية وتقريب وجهات النظر

وهنا أود الحديث عن نقطة في غاية الأهمية‏,‏ وهي أن الرجل في الصعيد من الممكن إقناعه بأن القانون ينبغي أن يأخذ مجراه وحده‏..‏ ولكن المرأة لايمكن اقناعها بذلك فهي تأخذ الأمر بصورة مختلفة تماما‏..‏ تتعامل مع الثأر بقلبها ووجدانها‏,‏ وتجعل من البيت مندبة حقيقية حتي يتم المراد‏.

ولذا لو أردنا التغيير فعلينا بتغيير مفاهيم المرأة وأن تتكاتف جهود المجالس المحلية والشعبية مع أعضاء مجلس الشعب وتصل إلي المرأة في أي موقع‏..‏ في الجوامع والكنائس‏,‏ ومراكز رعاية الشباب‏,‏ وحتي في مدارس محو الأمية‏,‏ ومدارس الفصل الواحد في كل وجه قبلي‏.‏

وسيبدأ المجلس القومي للمرأة في خطته القادمة بحملات توعية كبيرة في كل محافظات الوجه القبلي‏..‏ فمسألة الثأر كظاهرة لن يقضي عليها إلا التعليم‏,‏ فكلما زادت درجة التعليم والثقافة قلت درجة الإيمان بالثأر واقترافه‏,‏ والتحريض عليه‏.‏

وعلي المستوي الديني يأتي دور رجال الازهر في التوعية بأن الأخذ بالثأر مخالف تماما للدين‏,‏ لأن القصاص واقامة الحد‏,‏ وأخذ الحق مردوده ومرجعه إلي أولي الأمر‏

فالأية الكريمة تقول‏:‏ واطيعوا الله‏,‏ وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم صدق الله العظيم‏.‏