سيد مرحوم
07-07-2004, 01:34 PM
قبسات من تجربة المرجع الإسلامي السيد محسن الأمين (ره)
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
العضو العقيلي - شبكة العراق الثقافية
http://www.alradhy.com/alqudes/alameen/mohsen2.jpg
السيد محسن الأمين، كان الإنسان الذي يفكر بأن أي شخص – ولا سيما إذا أراد أن يكون عالماً دينياً أو مبلغاً إسلامياً –
لا بد أن يتميز بصفات ثلاث:
لا بد أن يكون له تقوى تمنعه من الانحراف وأن يعطي انحرافه قداسة، لأن بعض الناس قد يعملون على توجيه الناس إلى أن يجعلوا من الأخطاء مقدسات؛
وأن يكون له علم يستطيع به أن يُثقف عقول الناس بالفكر لكي تتمكن من التفكير بمنهجية منفتحة متوازنة، تستطيع أن تلتقط الفكرة من هنا وتطلق الفكرة إلى هناك، بطريقة لا تبتعد عن المبادئ ولا تتنكر للواقع؛
وأن يكون له عقل يدير به الأشياء. لا يكفي أن يكون الإنسان تقياً ليصلح أن يكون مرشداً للناس، ولا يكفي أن يكون عالماً ليتحرك ليكون قائداً للناس، بل لا بد من أن يكون عاقلاً، والعقل هو الحكمة في التعبير القرآني: ﴿ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ (الجمعة؛22)
الحكمة – كما يقول اللغويون – أن تضع الشيء في موضعه،
الكلمة في موضعها،
الحركة في ظروفها،
العمل في داخل ساحته…
أن تضع الشيء في مواضعه،
وأن تتحرك لتجعل القبيح في دائرة قبحه
وتعرف هذه الدائرة في حدودها،
وأن تجعل الحسن في دوائر حسنه
وأن تعرف ذلك.
كان يُعلِّم تلاميذه ذلك: أن يكونوا الأتقياء، العلماء، العقلاء، والعقل ينطلق من نافذتين؛ نافذة التأمل ونافذة التجربة. والتجربة عقل وحركة التأمل عقل، ولذلك كان يعلمهم أن عليهم أن يستفيدوا من تجاربهم، أن يحفظوا تجاربهم تأسيّاً بعلي (ع) في كلماته القصار، التي كان يقول فيها «العقل حفظ التجارب»(1)، أن تحفظ تجربتك، ولا تنساها، أن تحفظ تجربة الآخرين ولا تنساها.
قد تحتقر تجربتك، ولكن غيرك عندما يطّلع على هذه التجربة، يستطيع أن يأخذ منها درساً قد لا تأخذه أنت. نحن الآن
– مثلاً – نقرأ في التاريخ أشياء كثيرة، ربما كان يصنعها أصحابها بطريقة عفوية لا يدركون أهميتها أو خطورتها، ولكننا بعد مدة طويلة، أصبحنا ندرك كم هي هذه الفكرة كبيرة في إغناء واقعنا، أو كم هي حقيرة في إرباك واقعنا.
لذلك لاحظنا أن السيد محسن الأمين (رحمه الله) كان يكتب سيرة حياته، يكتب حتى القضايا الصغيرة جداً، عن أساتذته كيف كانوا يتحركون، كيف هو أسلوبهم مع تلاميذهم، كيف هي حياتهم الخاصة؟ كان يتحدث عن تجربته هو، عندما كان في جبل عامل، وعندما كان في النجف، وعندما جاء إلى الشام. كان ينقل لنا هذه التجارب، لأنه كان يشعر بأن تجربته ليست ملكه، لأن ما كان ملك الإنسان هو ما يختص به. أما ما يستفيد منه الآخرون، فهو ملك الآخرين
لذلك أن تحدث الناس بتجربتك، حتى لو كنت إنساناً عادياً، كن تاجراً، كن عاملاً كن موظفاً، كن عالماً دينياً، كن أي شيء… لكل إنسان خصوصيته في الحياة، ولكل إنسان منا ميزة يتميز بها عن الآخرين، قلها لا تعاظماً، ولكن قلها درساً لعل الآخرين يستفيدون منك. كان يعلمهم ذلك. وقد استطاع أن يعيش تجربة هذه الطريقة في علاقته ببعض تلاميذه.
المنبر الحسيني المتوازن
كان من رسالته إصلاح المنبر الحسيني، وذلك بأن يبعد الأكاذيب والخرافات عنه، مما لا تستسيغه العقول أو يثبت بشكل موثوق، لأنه كان يرى أن في سيرة النبي (ص) وفي سيرة الأئمة من أهل البيت (ع) مما هو حق وصدق، ما يغني المنبر والكتاب والخطاب، دون حاجة إلى أن نكذب لنزيد في مآسيهم مآسي، أو نكذب لنزيد في فضائلهم فضائل أو تكذب من أجل أن نثير بعض الأشياء في المسائل المتعلقة بالذين كانوا يعارضونهم.
الحق أكبر من ذلك، للإمام الصادق (ع) كلمة، كان (ع) في مجلس يضم أصحابه، وكان هناك شامي قادم، ليناقش الإمام الصادق في مسألة الإمامة. وعهد الإمام (ع) إلى بعض تلاميذه أن يناقشوه، لأنه كان يريد لتلاميذه أن يتحدثوا ويحاوروا ويجادلوا أمامه لينقدهم بعد ذلك – نقد الإيجاب في ما ينجحون فيه ونقد السلب في ما يخطئون فيه – وانطلق هذا وذاك ليناقشه، وبدأ الإمام (ع) يرصد تجربتهم، قال لبعضهم «إنك أخذته بالحق والباطل» ناقشته بالحق وبالباطل لتتغلب عليه، مستغلاً غفلته عن أن يكتشف الباطل في ما حدثته من الباطل و«قليل الحق يكفي عن كثير الباطل»(2).
إن الحق قوة في ما يملكه من عنصر قهر الباطل، لا يحتاج فيها الحق إلى أن تضيف له شيئاً من الباطل، فالحق لا يحتاج إلى بهارات بل هو لذيذ في عمقه
ولذلك فإن القصة هي أن نثير تاريخنا، ولنكتب من خلال النقد تاريخاً جديداً، لأن التاريخ كان يكتب للسلاطين ولم يكتب تاريخ الشعب، وقد يختلط تاريخ السلاطين بتاريخ الشعوب، وقد ينطلق بعض الناس ليبالغوا بأشياء كثيرة. يُنقل أن بعض الرواة كان يروي أنه من قرأ سورة الفاتحة، فله سبعون ألف غرفة في الجنة، وله سبعون ألف حورية، وله سبعون ألف نهر وهكذا… قيل له إنك تكذب على رسول الله، أو ما سمعت قول رسول الله (ص) «مَنْ كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار»(3)، قال: سمعته لكن كذبت له لا عليه، باعتبار أنه يشجع الناس على قراءة القرآن.
بعض الناس يقولون: نحن لا نكذب على أهل البيت ولكن نكذب لحسابهم. أهل البيت (ع) ،
يقولون كما روي عن الإمام زين العابدين (ع)، «أحبونا حُبَّ الإسلام»(4).
[COLOR=Blue] الحب الذي ينطلق من الموقع ويتجسد في موقف،
والحب الذي يتحول إلى ولاية،
والولاية تعني الالتزام،
والالتزام يعني الاستقامة في الخط.
«والله ما شيعتنا، إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يُعرفون بالتواضع والتخشع وصدق الحديث وأداء الأمانة، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. أفيكفي من ينتحل التشيع أن يقول: إني أحب علياً (ع) وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من علي، أفيكفي الرجل أن يقول أحب رسول الله ثم لا يعمل بسنته؟ من كان ولياً لله فهو لنا ولي، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو. والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع»(5)،
والصدق من الورع،
صدقك في نقل التاريخ ورع،
وصدقك في نقل الحاضر ورع،
لأن الورع أن تجتنب الحرام،
وكل كذب حرام.
ولذلك كان السيد محسن الأمين معنياً – ما أمكن – بأن يكشف الكثير من الأكاذيب، مما لو سمعته الآن من بعض خطباء المنبر أو من بعض المحدثين لرأيته من الحقائق، وهو يشير في بعض كتبه ومنها كتاب «التنزيه» إلى أن ذاك الحديث وُضع في بعض بيوت العائلة الفلانية في النجف، ولذلك كتب «المجالس السنية»، من أجل أن يقدم مجالس للمنبر الحسيني لا ينكرها أحد ولا يكذبها التاريخ ما أمكنه ذلك. وقد أعطى تلاميذه هذا التوازن، فلذلك عندما تسمع تلاميذه الذين مارسوا مهمة المنبر الحسيني، فإنك تجد أن هناك توازناً، يختلف عما يتعارف عليه لدى الكثير من الناس.
الأسلوب العاشورائي المشرق
وكان أستاذ هذا الجيل، السيد محسن الأمين، يؤكد أن علينا عندما نريد تقديم عاشوراء إلى الناس، أن نقدمها بالأسلوب المشرق الذي يمثلها قوة في ساحة الصراع، وحركة في طريق الجهاد، ووعياً لقضية الإسلام. أن نقدمها على أساس أننا إذا أردنا التأسي بالإمام الحسين (ع)، لنجرح أو لنتألم، فإن علينا أن نعمل على أن نجرح في الخط الذي نواجه فيه أعداء الله. أن تواسي الحسين لتتألم كما تألم، لتجرح كما جرح، ليس أن تحمل السيف بيدك لتضرب رأسك بعقل بارد لتثير انتباه الناس، بل أن تحمل السيف، البندقية والسيف، المدفع والسيف، العبوة والبندقية… لتنطلق لتُجرح في مواجهة «إسرائيل» والطغيان والاستكبار العالمي. إنك بذلك تواسي، لأنك تُجرح في المجال الذي جُرح فيه الحسين (ع). جُرح وهو يطلب الإصلاح في أمة جده. جُرح وهو يرفض الذلة من الآخرين. جٌرح وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر… ولذلك إذا أردت أن تواسيه، فليست مواساته باليد الباردة، والسيف البارد، والرأس البارد، والدم البارد… ولكن باليد الحارة التي تعرف كيف تطلق الرصاصة بكل طاقتها في وجه الذين يحاولون إسقاط عزة الأمة وعنفوانها ورساليتها، كما حدث في فلسطين.
إذا أردت أن تواسي السيدة زينب (ع) في مأساتها، لأنها جُلدت بالسياط، فليس عليك أن تحمل السياط بيدك، لتجلد ظهرك، لتوحي إلى نفسك أنك واسيتها
بل جاهد ليعتقلك العدو،
ليجلدك في الزنزانات.
إنك بذلك مع زينب في طريق واحد.
وكان السيد محسن الأمين (رض) يريد أن يجعل الوجه العاشورائي، في أسلوب الاحتفال به وفي أسلوب الذكرى، وجهاً لو انطلق الزمن كله في حركة أساليبه، لاستطاع أن يظل خالداً مع الزمن، لا أن يكون أسلوباً يتحرك اليوم ليمثل التخلف.
قد تكون بعض الأساليب التي تعارف عليها الناس
ذات فائدة في مرحلتها، ولكنها ذات ضرر كبير جداً
في المراحل التي نعيشها من المستقبل،
ولذلك
وقف السيد محسن الأمين ليحارب ذلك، وأثار الكثيرين من المتخلفين ومن الطيبين الساذجين، حتى كفروه وزندقوه، ولكن أين هؤلاء وأين السيد محسن الأمين؟ انتصرت قضية الحق وتساقطت كل الكلمات.
وهكذا انطلق، ربما جاء بعض الناس من بعده يحاولون أن يُحيوا المسألة، ولكنه استطاع أن يطلق القضية. والقضية عندما تكون قضية حق، سوف تمتد وتبقى حتى لو زرعت في طريقها مئات الألغام، وحتى لو رسمت كل الحواجز أمامها. إن قضية الحق نتمثلها في رسول الله (ص)، كان وحده وكان العالم كله ضده، وقالوا عنه إنه مجنون وساحر وكاذب وكاهن وشاعر… وقالوا عن القرآن ﴿أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾ (الفرقان؛5) وقالوا ﴿إنما يعلمه بشر﴾ (النحل؛103)،
وقالوا وقالوا… ولكن أين هؤلاء الذين عملوا على النيّل من محمد (ص)؟
لذلك،
القضايا الكبرى تحتاج إلى إنسان كالسيد الأمين،
يتأسى بأجداده، يكون قوياً في عقله،
وقوياً في قلبه، قوياً في كلمته ومواقفه،
حتى لو تساقطت كل الكلمات السلبية على رأسه،
لأن رأسه أصلب من كل تلك الكلمات.
الفهم الحق للوحدة الإسلامية
نتذكره، عندما نرى الكثيرين ممن يريدون أن ينتجوا مثل هذا التخلف في واقع الذكريات، نتذكره وهو يدير مسألة الوحدة الإسلامية بحكمته ووعيه للإسلام كله وللمجتمع من حوله.
* * * * جاءه شخص وقال له: «إني أريد أن أكون شيعياً»
قال له: لا فرق بين الشيعة والسنّة. الشيعة مسلمون والسنّة مسلمون، إن الإنسان عندما يريد أن ينتقل من دين إلى دين، يمكن له أن يسأل ماذا يقول وماذا يعمل؟ ولكنّا كلنا مسلمون.
أصرّ الرجل، وربما كانت للرجل خلفيات، تريد أن تثير فتنة من خلال توريط السيد الأمين في كلمة قد تشعل ناراً.
وخضع السيد الأمين لإلحاحه،
وقال له «تريد أن تكون شيعياً، اجلس بين يديّ، قل أشهد أن لا إله إلا الله،
فقال الرجل،
ثم قال له قل: أشهد أن محمداً رسول الله،
فقال الرجل،
قال له أصبحت شيعياً، لأن التشيع ليس إلا هذا».
---------------------
الى بقية الخطاب00
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
العضو العقيلي - شبكة العراق الثقافية
http://www.alradhy.com/alqudes/alameen/mohsen2.jpg
السيد محسن الأمين، كان الإنسان الذي يفكر بأن أي شخص – ولا سيما إذا أراد أن يكون عالماً دينياً أو مبلغاً إسلامياً –
لا بد أن يتميز بصفات ثلاث:
لا بد أن يكون له تقوى تمنعه من الانحراف وأن يعطي انحرافه قداسة، لأن بعض الناس قد يعملون على توجيه الناس إلى أن يجعلوا من الأخطاء مقدسات؛
وأن يكون له علم يستطيع به أن يُثقف عقول الناس بالفكر لكي تتمكن من التفكير بمنهجية منفتحة متوازنة، تستطيع أن تلتقط الفكرة من هنا وتطلق الفكرة إلى هناك، بطريقة لا تبتعد عن المبادئ ولا تتنكر للواقع؛
وأن يكون له عقل يدير به الأشياء. لا يكفي أن يكون الإنسان تقياً ليصلح أن يكون مرشداً للناس، ولا يكفي أن يكون عالماً ليتحرك ليكون قائداً للناس، بل لا بد من أن يكون عاقلاً، والعقل هو الحكمة في التعبير القرآني: ﴿ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ (الجمعة؛22)
الحكمة – كما يقول اللغويون – أن تضع الشيء في موضعه،
الكلمة في موضعها،
الحركة في ظروفها،
العمل في داخل ساحته…
أن تضع الشيء في مواضعه،
وأن تتحرك لتجعل القبيح في دائرة قبحه
وتعرف هذه الدائرة في حدودها،
وأن تجعل الحسن في دوائر حسنه
وأن تعرف ذلك.
كان يُعلِّم تلاميذه ذلك: أن يكونوا الأتقياء، العلماء، العقلاء، والعقل ينطلق من نافذتين؛ نافذة التأمل ونافذة التجربة. والتجربة عقل وحركة التأمل عقل، ولذلك كان يعلمهم أن عليهم أن يستفيدوا من تجاربهم، أن يحفظوا تجاربهم تأسيّاً بعلي (ع) في كلماته القصار، التي كان يقول فيها «العقل حفظ التجارب»(1)، أن تحفظ تجربتك، ولا تنساها، أن تحفظ تجربة الآخرين ولا تنساها.
قد تحتقر تجربتك، ولكن غيرك عندما يطّلع على هذه التجربة، يستطيع أن يأخذ منها درساً قد لا تأخذه أنت. نحن الآن
– مثلاً – نقرأ في التاريخ أشياء كثيرة، ربما كان يصنعها أصحابها بطريقة عفوية لا يدركون أهميتها أو خطورتها، ولكننا بعد مدة طويلة، أصبحنا ندرك كم هي هذه الفكرة كبيرة في إغناء واقعنا، أو كم هي حقيرة في إرباك واقعنا.
لذلك لاحظنا أن السيد محسن الأمين (رحمه الله) كان يكتب سيرة حياته، يكتب حتى القضايا الصغيرة جداً، عن أساتذته كيف كانوا يتحركون، كيف هو أسلوبهم مع تلاميذهم، كيف هي حياتهم الخاصة؟ كان يتحدث عن تجربته هو، عندما كان في جبل عامل، وعندما كان في النجف، وعندما جاء إلى الشام. كان ينقل لنا هذه التجارب، لأنه كان يشعر بأن تجربته ليست ملكه، لأن ما كان ملك الإنسان هو ما يختص به. أما ما يستفيد منه الآخرون، فهو ملك الآخرين
لذلك أن تحدث الناس بتجربتك، حتى لو كنت إنساناً عادياً، كن تاجراً، كن عاملاً كن موظفاً، كن عالماً دينياً، كن أي شيء… لكل إنسان خصوصيته في الحياة، ولكل إنسان منا ميزة يتميز بها عن الآخرين، قلها لا تعاظماً، ولكن قلها درساً لعل الآخرين يستفيدون منك. كان يعلمهم ذلك. وقد استطاع أن يعيش تجربة هذه الطريقة في علاقته ببعض تلاميذه.
المنبر الحسيني المتوازن
كان من رسالته إصلاح المنبر الحسيني، وذلك بأن يبعد الأكاذيب والخرافات عنه، مما لا تستسيغه العقول أو يثبت بشكل موثوق، لأنه كان يرى أن في سيرة النبي (ص) وفي سيرة الأئمة من أهل البيت (ع) مما هو حق وصدق، ما يغني المنبر والكتاب والخطاب، دون حاجة إلى أن نكذب لنزيد في مآسيهم مآسي، أو نكذب لنزيد في فضائلهم فضائل أو تكذب من أجل أن نثير بعض الأشياء في المسائل المتعلقة بالذين كانوا يعارضونهم.
الحق أكبر من ذلك، للإمام الصادق (ع) كلمة، كان (ع) في مجلس يضم أصحابه، وكان هناك شامي قادم، ليناقش الإمام الصادق في مسألة الإمامة. وعهد الإمام (ع) إلى بعض تلاميذه أن يناقشوه، لأنه كان يريد لتلاميذه أن يتحدثوا ويحاوروا ويجادلوا أمامه لينقدهم بعد ذلك – نقد الإيجاب في ما ينجحون فيه ونقد السلب في ما يخطئون فيه – وانطلق هذا وذاك ليناقشه، وبدأ الإمام (ع) يرصد تجربتهم، قال لبعضهم «إنك أخذته بالحق والباطل» ناقشته بالحق وبالباطل لتتغلب عليه، مستغلاً غفلته عن أن يكتشف الباطل في ما حدثته من الباطل و«قليل الحق يكفي عن كثير الباطل»(2).
إن الحق قوة في ما يملكه من عنصر قهر الباطل، لا يحتاج فيها الحق إلى أن تضيف له شيئاً من الباطل، فالحق لا يحتاج إلى بهارات بل هو لذيذ في عمقه
ولذلك فإن القصة هي أن نثير تاريخنا، ولنكتب من خلال النقد تاريخاً جديداً، لأن التاريخ كان يكتب للسلاطين ولم يكتب تاريخ الشعب، وقد يختلط تاريخ السلاطين بتاريخ الشعوب، وقد ينطلق بعض الناس ليبالغوا بأشياء كثيرة. يُنقل أن بعض الرواة كان يروي أنه من قرأ سورة الفاتحة، فله سبعون ألف غرفة في الجنة، وله سبعون ألف حورية، وله سبعون ألف نهر وهكذا… قيل له إنك تكذب على رسول الله، أو ما سمعت قول رسول الله (ص) «مَنْ كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار»(3)، قال: سمعته لكن كذبت له لا عليه، باعتبار أنه يشجع الناس على قراءة القرآن.
بعض الناس يقولون: نحن لا نكذب على أهل البيت ولكن نكذب لحسابهم. أهل البيت (ع) ،
يقولون كما روي عن الإمام زين العابدين (ع)، «أحبونا حُبَّ الإسلام»(4).
[COLOR=Blue] الحب الذي ينطلق من الموقع ويتجسد في موقف،
والحب الذي يتحول إلى ولاية،
والولاية تعني الالتزام،
والالتزام يعني الاستقامة في الخط.
«والله ما شيعتنا، إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يُعرفون بالتواضع والتخشع وصدق الحديث وأداء الأمانة، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. أفيكفي من ينتحل التشيع أن يقول: إني أحب علياً (ع) وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من علي، أفيكفي الرجل أن يقول أحب رسول الله ثم لا يعمل بسنته؟ من كان ولياً لله فهو لنا ولي، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو. والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع»(5)،
والصدق من الورع،
صدقك في نقل التاريخ ورع،
وصدقك في نقل الحاضر ورع،
لأن الورع أن تجتنب الحرام،
وكل كذب حرام.
ولذلك كان السيد محسن الأمين معنياً – ما أمكن – بأن يكشف الكثير من الأكاذيب، مما لو سمعته الآن من بعض خطباء المنبر أو من بعض المحدثين لرأيته من الحقائق، وهو يشير في بعض كتبه ومنها كتاب «التنزيه» إلى أن ذاك الحديث وُضع في بعض بيوت العائلة الفلانية في النجف، ولذلك كتب «المجالس السنية»، من أجل أن يقدم مجالس للمنبر الحسيني لا ينكرها أحد ولا يكذبها التاريخ ما أمكنه ذلك. وقد أعطى تلاميذه هذا التوازن، فلذلك عندما تسمع تلاميذه الذين مارسوا مهمة المنبر الحسيني، فإنك تجد أن هناك توازناً، يختلف عما يتعارف عليه لدى الكثير من الناس.
الأسلوب العاشورائي المشرق
وكان أستاذ هذا الجيل، السيد محسن الأمين، يؤكد أن علينا عندما نريد تقديم عاشوراء إلى الناس، أن نقدمها بالأسلوب المشرق الذي يمثلها قوة في ساحة الصراع، وحركة في طريق الجهاد، ووعياً لقضية الإسلام. أن نقدمها على أساس أننا إذا أردنا التأسي بالإمام الحسين (ع)، لنجرح أو لنتألم، فإن علينا أن نعمل على أن نجرح في الخط الذي نواجه فيه أعداء الله. أن تواسي الحسين لتتألم كما تألم، لتجرح كما جرح، ليس أن تحمل السيف بيدك لتضرب رأسك بعقل بارد لتثير انتباه الناس، بل أن تحمل السيف، البندقية والسيف، المدفع والسيف، العبوة والبندقية… لتنطلق لتُجرح في مواجهة «إسرائيل» والطغيان والاستكبار العالمي. إنك بذلك تواسي، لأنك تُجرح في المجال الذي جُرح فيه الحسين (ع). جُرح وهو يطلب الإصلاح في أمة جده. جُرح وهو يرفض الذلة من الآخرين. جٌرح وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر… ولذلك إذا أردت أن تواسيه، فليست مواساته باليد الباردة، والسيف البارد، والرأس البارد، والدم البارد… ولكن باليد الحارة التي تعرف كيف تطلق الرصاصة بكل طاقتها في وجه الذين يحاولون إسقاط عزة الأمة وعنفوانها ورساليتها، كما حدث في فلسطين.
إذا أردت أن تواسي السيدة زينب (ع) في مأساتها، لأنها جُلدت بالسياط، فليس عليك أن تحمل السياط بيدك، لتجلد ظهرك، لتوحي إلى نفسك أنك واسيتها
بل جاهد ليعتقلك العدو،
ليجلدك في الزنزانات.
إنك بذلك مع زينب في طريق واحد.
وكان السيد محسن الأمين (رض) يريد أن يجعل الوجه العاشورائي، في أسلوب الاحتفال به وفي أسلوب الذكرى، وجهاً لو انطلق الزمن كله في حركة أساليبه، لاستطاع أن يظل خالداً مع الزمن، لا أن يكون أسلوباً يتحرك اليوم ليمثل التخلف.
قد تكون بعض الأساليب التي تعارف عليها الناس
ذات فائدة في مرحلتها، ولكنها ذات ضرر كبير جداً
في المراحل التي نعيشها من المستقبل،
ولذلك
وقف السيد محسن الأمين ليحارب ذلك، وأثار الكثيرين من المتخلفين ومن الطيبين الساذجين، حتى كفروه وزندقوه، ولكن أين هؤلاء وأين السيد محسن الأمين؟ انتصرت قضية الحق وتساقطت كل الكلمات.
وهكذا انطلق، ربما جاء بعض الناس من بعده يحاولون أن يُحيوا المسألة، ولكنه استطاع أن يطلق القضية. والقضية عندما تكون قضية حق، سوف تمتد وتبقى حتى لو زرعت في طريقها مئات الألغام، وحتى لو رسمت كل الحواجز أمامها. إن قضية الحق نتمثلها في رسول الله (ص)، كان وحده وكان العالم كله ضده، وقالوا عنه إنه مجنون وساحر وكاذب وكاهن وشاعر… وقالوا عن القرآن ﴿أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾ (الفرقان؛5) وقالوا ﴿إنما يعلمه بشر﴾ (النحل؛103)،
وقالوا وقالوا… ولكن أين هؤلاء الذين عملوا على النيّل من محمد (ص)؟
لذلك،
القضايا الكبرى تحتاج إلى إنسان كالسيد الأمين،
يتأسى بأجداده، يكون قوياً في عقله،
وقوياً في قلبه، قوياً في كلمته ومواقفه،
حتى لو تساقطت كل الكلمات السلبية على رأسه،
لأن رأسه أصلب من كل تلك الكلمات.
الفهم الحق للوحدة الإسلامية
نتذكره، عندما نرى الكثيرين ممن يريدون أن ينتجوا مثل هذا التخلف في واقع الذكريات، نتذكره وهو يدير مسألة الوحدة الإسلامية بحكمته ووعيه للإسلام كله وللمجتمع من حوله.
* * * * جاءه شخص وقال له: «إني أريد أن أكون شيعياً»
قال له: لا فرق بين الشيعة والسنّة. الشيعة مسلمون والسنّة مسلمون، إن الإنسان عندما يريد أن ينتقل من دين إلى دين، يمكن له أن يسأل ماذا يقول وماذا يعمل؟ ولكنّا كلنا مسلمون.
أصرّ الرجل، وربما كانت للرجل خلفيات، تريد أن تثير فتنة من خلال توريط السيد الأمين في كلمة قد تشعل ناراً.
وخضع السيد الأمين لإلحاحه،
وقال له «تريد أن تكون شيعياً، اجلس بين يديّ، قل أشهد أن لا إله إلا الله،
فقال الرجل،
ثم قال له قل: أشهد أن محمداً رسول الله،
فقال الرجل،
قال له أصبحت شيعياً، لأن التشيع ليس إلا هذا».
---------------------
الى بقية الخطاب00