على
06-15-2007, 06:00 AM
http://www.aawsat.com/2007/06/14/images/news.423607.jpg
بنيت في القرن الرابع عشر على يد البرتغاليين ثم سكنها المسلمون واليهود الهاربون من إسبانيا
أصيلة (المغرب): جوان ناثان*
أفضل طريقة لفهم هذه البلدة المحصنة الواقعة على ساحل الأطلسي، على مسافة 30 ميلا جنوب طنجة هو أن تترك عيناك وأنفك تقودك عبر طرقها التي لا تسمح إلا للراجلين بسبب ضيقها. خلال زيارتي لهذه البلدة لعدة أيام تعرفت على طريقي وسط مركزها المكتظ، وبنيت هذه البلدة خلال القرن الرابع عشر على يد البرتغاليين ثم سكنها المسلمون واليهود الهاربون من إسبانيا لاحقا بعد بدء محاكم التفتيش ضدهم هناك. وأصبحت البلدة اليوم ذات طابع عالمي حيث يعيش فيها أناسٌ من إسبانيا وفرنسا حيث اشتروا شققا جذابة كمساكن ثانوية لهم.
يقع المغرب على طريق التوابل في أفريقيا، وفيه طور مطبخ طريف مشهور بخلطات التوابل الخاصة به. وفي أصيلة مثل أكثر مدن المغرب يأكل الناس حسبما هو متوفر في كل موسم، ويتسوقون من المحلات المكشوفة، ويشترون الدجاج كي يذبحوه فورا. في سوق آخر شاهدت البيض يباع في اليوم الذي تبيضه الدجاج، ويحفظ كل شيء على قوائم خشبية ومغطى بالقش، ويحفظ الليمون في ماء مملح والزيتون يتم قطفه من بساتين قريبة.
ومثل كل الأمكنة الأخرى في المغرب يعد الطعام البيتي الأكثر نكهة. لكن ليس كل الأكل يطهى في البيوت. ذات صباح صادفت حشدا من النساء مع عدد قليل من الرجال والصبيان، وكانت على رؤوسهم صينيات من عجين الفطائر. فتتبعتهم حتى وصلوا إلى بناية صغيرة مزخرفة بالجص وكان الدخان يتصاعد من مدخنة. وفي الداخل، كان هناك خباز جالس بهدوء تحت صورة ملك المغرب محمد السادس. وراح يضع بعناية الحلوى فوق مجذاف خشبي طويل ثم يدفعها إلى فرن حجري مسخن بغصون أشجار الصفصاف.
وما بين الساعة الثامنة صباحا والثامنة مساء، يأتي الزبائن بكثرة ليدفعوا ما يعادل 25 سنتا وبعد عشرين دقيقة تقريبا يعودون ليأخذوا قطع الخبز الذهبية. وهذه الأفران استخدمت لمئات السنين شرق أوروبا ومدن الريف الفرنسي والشرق الأوسط لخبز فطائرهم وخبزهم فيها ولاحقا حينما تبرد الأفران قليلا توضع فيها القدور المملوءة بالأطعمة ووجبات أخرى.
وفي أصيلة والمدن المغربية الأخرى، ما زالت الأفران التقليدية تستخدم لإعداد الخبز حتى مع حصول الكثير من العوائل على أفران منزلية خاصة بها. وقالت بولا ولفريت مؤلفة كتاب «الكسكس وأكلات أخرى لذيذة من المغرب»، والتي تعيش في طنجة أن الفرن التقليدي هو «جزء من سكان أي مدينة وهو امتداد للبيت».
ويستطيع الخباز من خلال شكل الطبق أن يعرف لأي أسرة تعود هذه المعجنات أو تلك لكن فقط من باب الاحتياط في حالة نسيانه يضع أكثر الناس إشارة على المعجنات خاصة بهم. وقالت ولفريت «تضع مدبرة منزلي دمغة على الخبز معمولة على قطعة حديدية مع تصميم، وهو كأنه ماركة عائلية. وهي لا تنام مرتاحة إلا حينما يكون هناك في البيت كيس من الدقيق لصنع الخبز».
وليس الخبز وحده هو الذي يعمل في أفران المدينة بل أطباق حديدية مليئة بالفلفل الأخضر والطماطم وجاهزة للشيّ السريع ثم يتم تقشيرها مع السلطة. وهناك الأوعية المصنوعة من الطين بأغطية ألمونيوم، وفي داخلها طاجين سمك مع طماطم وبطاطا ومتبلات. وتتضح أسرار كل عائلة في صنع اكلات الطاجين، والمتمثلة في الطريقة التي يتم فيها تقطيع الخضروات ونسبة المتبلات لكل نوع من السمك بل حتى شكل الوعاء الطيني. كذلك يشكل الفرن المحلي مكانا للإعلان عن الأعراس والمناسبات الأخرى، وهذا يتضح حينما يجلب أحدهم اكلة الباستيلا، وهي من أروع أكلات المطبخ المغربي والتي هي فطيرة دجاج مع مكسرات الجوز ويضاف إليها السكر والقرفة وماء زهر البرتقال وعندها يعرف الجميع أن احتفالا على وشك الوقوع. وتغطى الفطيرة بأوراق من رقائق العجين.
وهناك أكلة أخرى تظهر في المخبزة التي يسميها الناس بالفران تشبه الكعك وتتكون من رقائق العجين التي يتم خبزها في الفرن ثم تؤخذ إلى البيت وتغمس بالعسل. وفي آخر ذلك اليوم تناولت الغداء في بيت محمد بن عيسي رئيس البلدية، وهو صديق قديم من أيام عملي سفيرا للولايات المتحدة لدى المغرب. وكان الخبز المدور مع طاجين سمك السردين هو أساس أكلي اللذيذ وتم طهوه في الفرن نفسه. أنا رأيت الخطوات التي جرت في البيت فقط. فلابن عيسى فرنان في مطبخه لكن أسرته تفضل استخدام فرن المخبزة التقليدي.
قال بن عيسى الذي يشغل منصب وزير خارجية المغرب: «الفرن هو الموازن الاجتماعي. وهو يوفر فرص عمل واقتصادي خصوصا في الصيف لأننا نستخدم طاقة قليلة للكثير من الناس». وبعد الغداء أرتني طباخة البيت حليمة سيلا كيفية عمل كسكس الدجاج مع البصل والزنجبيل والقرفة والزعفران. وقامت بتسخينه على نار هادئة فوق الطباخ داخل قدر خاص لطبخ الكسكس وهو يتكون من وعائين متداخلين.
وإذ كنت أتذوق طعام بيت بن عيسى فكرت في أنواع طاجين أخرى مع خبز رأيتها في الفرن وتشكلت عندي قناعة بأن وصفات الطعام المغربي هي ذات طابع سري خاص بكل عائلة، وتم نقلها عبر الأجيال بطريقة شفهية. وهذه الأسرار لا يتم الكشف عنها حتى لعامل الفرن الذي يقوم بالطبخ.
*خدمة «نيويورك تايمز»
بنيت في القرن الرابع عشر على يد البرتغاليين ثم سكنها المسلمون واليهود الهاربون من إسبانيا
أصيلة (المغرب): جوان ناثان*
أفضل طريقة لفهم هذه البلدة المحصنة الواقعة على ساحل الأطلسي، على مسافة 30 ميلا جنوب طنجة هو أن تترك عيناك وأنفك تقودك عبر طرقها التي لا تسمح إلا للراجلين بسبب ضيقها. خلال زيارتي لهذه البلدة لعدة أيام تعرفت على طريقي وسط مركزها المكتظ، وبنيت هذه البلدة خلال القرن الرابع عشر على يد البرتغاليين ثم سكنها المسلمون واليهود الهاربون من إسبانيا لاحقا بعد بدء محاكم التفتيش ضدهم هناك. وأصبحت البلدة اليوم ذات طابع عالمي حيث يعيش فيها أناسٌ من إسبانيا وفرنسا حيث اشتروا شققا جذابة كمساكن ثانوية لهم.
يقع المغرب على طريق التوابل في أفريقيا، وفيه طور مطبخ طريف مشهور بخلطات التوابل الخاصة به. وفي أصيلة مثل أكثر مدن المغرب يأكل الناس حسبما هو متوفر في كل موسم، ويتسوقون من المحلات المكشوفة، ويشترون الدجاج كي يذبحوه فورا. في سوق آخر شاهدت البيض يباع في اليوم الذي تبيضه الدجاج، ويحفظ كل شيء على قوائم خشبية ومغطى بالقش، ويحفظ الليمون في ماء مملح والزيتون يتم قطفه من بساتين قريبة.
ومثل كل الأمكنة الأخرى في المغرب يعد الطعام البيتي الأكثر نكهة. لكن ليس كل الأكل يطهى في البيوت. ذات صباح صادفت حشدا من النساء مع عدد قليل من الرجال والصبيان، وكانت على رؤوسهم صينيات من عجين الفطائر. فتتبعتهم حتى وصلوا إلى بناية صغيرة مزخرفة بالجص وكان الدخان يتصاعد من مدخنة. وفي الداخل، كان هناك خباز جالس بهدوء تحت صورة ملك المغرب محمد السادس. وراح يضع بعناية الحلوى فوق مجذاف خشبي طويل ثم يدفعها إلى فرن حجري مسخن بغصون أشجار الصفصاف.
وما بين الساعة الثامنة صباحا والثامنة مساء، يأتي الزبائن بكثرة ليدفعوا ما يعادل 25 سنتا وبعد عشرين دقيقة تقريبا يعودون ليأخذوا قطع الخبز الذهبية. وهذه الأفران استخدمت لمئات السنين شرق أوروبا ومدن الريف الفرنسي والشرق الأوسط لخبز فطائرهم وخبزهم فيها ولاحقا حينما تبرد الأفران قليلا توضع فيها القدور المملوءة بالأطعمة ووجبات أخرى.
وفي أصيلة والمدن المغربية الأخرى، ما زالت الأفران التقليدية تستخدم لإعداد الخبز حتى مع حصول الكثير من العوائل على أفران منزلية خاصة بها. وقالت بولا ولفريت مؤلفة كتاب «الكسكس وأكلات أخرى لذيذة من المغرب»، والتي تعيش في طنجة أن الفرن التقليدي هو «جزء من سكان أي مدينة وهو امتداد للبيت».
ويستطيع الخباز من خلال شكل الطبق أن يعرف لأي أسرة تعود هذه المعجنات أو تلك لكن فقط من باب الاحتياط في حالة نسيانه يضع أكثر الناس إشارة على المعجنات خاصة بهم. وقالت ولفريت «تضع مدبرة منزلي دمغة على الخبز معمولة على قطعة حديدية مع تصميم، وهو كأنه ماركة عائلية. وهي لا تنام مرتاحة إلا حينما يكون هناك في البيت كيس من الدقيق لصنع الخبز».
وليس الخبز وحده هو الذي يعمل في أفران المدينة بل أطباق حديدية مليئة بالفلفل الأخضر والطماطم وجاهزة للشيّ السريع ثم يتم تقشيرها مع السلطة. وهناك الأوعية المصنوعة من الطين بأغطية ألمونيوم، وفي داخلها طاجين سمك مع طماطم وبطاطا ومتبلات. وتتضح أسرار كل عائلة في صنع اكلات الطاجين، والمتمثلة في الطريقة التي يتم فيها تقطيع الخضروات ونسبة المتبلات لكل نوع من السمك بل حتى شكل الوعاء الطيني. كذلك يشكل الفرن المحلي مكانا للإعلان عن الأعراس والمناسبات الأخرى، وهذا يتضح حينما يجلب أحدهم اكلة الباستيلا، وهي من أروع أكلات المطبخ المغربي والتي هي فطيرة دجاج مع مكسرات الجوز ويضاف إليها السكر والقرفة وماء زهر البرتقال وعندها يعرف الجميع أن احتفالا على وشك الوقوع. وتغطى الفطيرة بأوراق من رقائق العجين.
وهناك أكلة أخرى تظهر في المخبزة التي يسميها الناس بالفران تشبه الكعك وتتكون من رقائق العجين التي يتم خبزها في الفرن ثم تؤخذ إلى البيت وتغمس بالعسل. وفي آخر ذلك اليوم تناولت الغداء في بيت محمد بن عيسي رئيس البلدية، وهو صديق قديم من أيام عملي سفيرا للولايات المتحدة لدى المغرب. وكان الخبز المدور مع طاجين سمك السردين هو أساس أكلي اللذيذ وتم طهوه في الفرن نفسه. أنا رأيت الخطوات التي جرت في البيت فقط. فلابن عيسى فرنان في مطبخه لكن أسرته تفضل استخدام فرن المخبزة التقليدي.
قال بن عيسى الذي يشغل منصب وزير خارجية المغرب: «الفرن هو الموازن الاجتماعي. وهو يوفر فرص عمل واقتصادي خصوصا في الصيف لأننا نستخدم طاقة قليلة للكثير من الناس». وبعد الغداء أرتني طباخة البيت حليمة سيلا كيفية عمل كسكس الدجاج مع البصل والزنجبيل والقرفة والزعفران. وقامت بتسخينه على نار هادئة فوق الطباخ داخل قدر خاص لطبخ الكسكس وهو يتكون من وعائين متداخلين.
وإذ كنت أتذوق طعام بيت بن عيسى فكرت في أنواع طاجين أخرى مع خبز رأيتها في الفرن وتشكلت عندي قناعة بأن وصفات الطعام المغربي هي ذات طابع سري خاص بكل عائلة، وتم نقلها عبر الأجيال بطريقة شفهية. وهذه الأسرار لا يتم الكشف عنها حتى لعامل الفرن الذي يقوم بالطبخ.
*خدمة «نيويورك تايمز»