زهير
06-14-2007, 03:11 PM
د. وحيد عبد المجيد
في إمكان المصريين أن يطمئنوا إلى أنهم لن يخرجوا من السباق الذي فُتح أخيراً لإعادة تسمية عجائب الدنيا السبع حتى إذا نجح كارهو حضارتهم القديمة في إخراج الأهرامات من قائمة العجائب الجديدة. فقد حفلت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، والتي أجريت الاثنين الماضي (11/6)، بعجائب يشيب لها المتخصصون في شؤون الانتخابات والمعنيون بها، وعوام الناس على حد سواء. ويمكن لهذه الانتخابات أن تحصل بسهولة على المركز الأول في أي سباق لاختيار العملية الانتخابية الأكثر إثارة للاستغراب، أو التي حدث فيها أكبر مقدار من الغرائب والطرائف.
ولا يعود ذلك إلى أن الأغلبية الساحقة من الناخبين الذين كان مفترضاً أن يشاركوا فيها لم يشعروا أصلاً بوجودها، مثلهم مثل باقي المواطنين غير المسجلين في جداول الانتخاب، على نحو ما لاحظه كثير من المراقبين.
فليست هذه هي الانتخابات الأولى من نوعها التي لا يشعر كثير من المصريين بها، بل ربما يجوز القول إن هذا هو حال انتخابات مجلس الشورى منذ تأسيسه عام 1980. فقد كان الاهتمام بهذا المجلس، وبانتخاب أعضائه، ضئيلاً منذ البداية بسبب الطابع الاستشاري الذي غلب عليه.
غير أن التعديلات الدستورية التي أجريت وتم إقرارها مؤخراً تضمنت توسيع دوره وإعطاءه مقداراً لا بأس به من الصلاحيات التشريعية. وكان مفترضاً أن يؤدي ذلك إلى ازدياد الاهتمام بانتخابات التجديد النصفي هذه المرة، خصوصاً وأنها أول انتخابات تجرى بعد تعديل الدستور. غير أن الأجواء القاتمة التي ترتبت على ما تضمنه هذا التعديل من تقليص الإشراف القضائي على مختلف العمليات الانتخابية، دفعت إلى تناقص الاهتمام بهذه الانتخابات، وليس ازدياده. ومع ذلك، تظل ضآلة هذا الاهتمام هي أصغر العجائب وأقلها أهمية.
أما أكبر هذه العجائب وأكثرها إثارة للتأمل فهو غياب التنافس الانتخابي بشكل كامل تقريباً. والتنافس هو جوهر العملية الانتخابية منذ أن اهتدى البشر إليها في أبسط أشكالها من أجل تنظيم العلاقة بينهم حين يتعلق الأمر بالاختيار بين بدائل مختلفة. فإذا غاب التنافس، ينتفي الانتخاب مبنى ومعنى حتى إذا توفر شكله، إذ يصبح صورة بلا أصل أو رسماً على الحائط يحسبه المرء واقعاً حقاً، وما هو كذلك.
ولكن هل يستقيم القول بعدم وجود أي تنافس انتخابي في انتخابات بلغ عدد المرشحين فيها 609 مرشحين أي بواقع نحو سبعة مرشحين لكل مقعد من المقاعد التي أجريت هذه الانتخابات لشغلها وعددها 88 مقعداً؟ والجواب هو أن وجود تنافس من عدمه لا يتوقف على عدد المرشحين، وإنما على خلفياتهم وأدائهم، وقبل ذلك على أهداف الأحزاب والجماعات التي رشحت بعضهم، وأغراض من رشحوا أنفسهم مستقلين. وهذا هو بيت القصيد. فالأحزاب والجماعات التي دفعت بمرشحين، لم يكن التنافس الانتخابي هدفاً لها، وكذلك الحال بالنسبة إلى معظم من رشحوا أنفسهم بأنفسهم.
فعلى صعيد الأحزاب والجماعات السياسية، كان الطرفان الرئيسيان في هذه الانتخابات هما "الحزب الوطني" الحاكم وجماعة "الإخوان المسلمين"؛ وإلى جوارهما، ولكن في هامش بعيد، عدد من الأحزاب الصغيرة والمجهرية. أما أحزاب المعارضة الرئيسية، فقد رفض اثنان منها ("الوفد" و"الناصري") المشاركة، بينما قدم حزب "التجمع" ثلاثة مرشحين فقط، وكأنه أراد أن يكون "ضيف شرف". ومثلما لا يكون لضيف الشرف دور في الفيلم السينمائي الذي يظهر فيه، كذلك لا يفترض أن يكون لضيف الشرف الانتخابي دور تنافسي.
وإذا صح أن الدورين، الأول والثاني، في فيلم انتخابات الشورى المصرية للحزب الحاكم وجماعة "الإخوان"، فلكل منهما أهداف ليس من بينها التنافس. كان الهدف الرئيسي لـ"الحزب الوطني" هو خطف المقاعد كلها إذا أمكن، و"التكويش" عليها بمقدار ما يستطيع. وقد تسابق عدد كبير من قادته وأعضائه والمرتبطين بمصالح مع أجهزة الدولة، على المقاعد التي يعرفون أنه ليس مسموحاً -من الناحية الفعلية– لأحد غيرهم بالسعي إليها. ولم يكن ثمة جديد في هذا التسابق، الذي يحدث في كل انتخابات منذ عام 1990. وفي بعض الأحيان يكون الصراع بين أعضاء الحزب الحاكم للفوز بمكان في لائحة مرشحيه أقوى من المعركة الانتخابية نفسها.
ولكن الجديد هذه المرة والعجيب في آن معاً، هو أن عدد من سعوا للفوز بترشيح الحزب الحاكم كان أكبر من عدد مجموع المرشحين الذين خاضوا الانتخابات نفسها. فقد تسابق 811 من أعضاء الحزب الحاكم وأتباعه في الانتخابات القبلية التي يجريها الحزب (وتشبه الانتخابات القبائلية أي داخل القبيلة، كما تحدث في بعض البلاد العربية لاختيار مرشحي كل قبيلة قبل الانتخابات الرسمية). أما المرشحون للانتخابات نفسها فكان عددهم 609 مرشحين فقط، بعد أن تنازل 56 مرشحاً واستبعدت لجان الطعون 129 آخرين سعوا إلى الترشح. وهذه نسبة استبعاد مرتفعة جداً (حوالى 17%) ويمكن أن ترقى إلى مستوى الغرائب أيضاً.
وكما يحدث في كل انتخابات مصرية منذ 1990، يتمرد عدد كبير من أعضاء الحزب الحاكم الذين لا يُدرجون في لوائح مرشحيه الرسمية على قرار الحزب ويرفعون راية العصيان ويرشحون أنفسهم مستقلين ضد "زملائهم" الذين اختيروا مرشحين للحزب.
وقد تكرر ذلك في هذه الانتخابات، على رغم أن معظم الذين تمردوا على قرار الحزب الحاكم كانوا يعرفون أن فرصتهم في الفوز ضئيلة أو معدومة في غياب الإشراف القضائي. فكان هذا الإشراف يضمن حداً أدنى من التكافؤ ويتيح أملاً لكل من لديه قاعدة انتخابية ينطلق منها. ولذلك فحين يصر متمردو الحزب الحاكم على خوض الانتخابات في غياب هذا الأمل أو بأقل مقدار منه، فهم لا يسعون في الواقع إلى المنافسة وإنما يمارسون نوعاً من الاحتجاج أو التحدي، وربما الانتقام ممن استبعدوهم. وينطبق ذلك بصفة خاصة على أعضاء المجلس الذين انتهت مدتهم، ولكنه لا يقتصر عليهم.
غير أن الأعجب من ذلك هو جديد الحزب الحاكم هذه المرة في معالجة المشكلة الناجمة عن كثرة عدد الراغبين في الترشح على لائحته. فقد قرر ترشيح اثنين على مقعد واحد في نحو ربع المقاعد (21 من بين 88 مقعداً)! وهذا ابتكار لم يُسبَقْ إليه في تاريخ الأحزاب السياسية في العالم. فالأمر الطبيعي هو أن يقدم الحزب مرشحاً واحداً لكل مقعد، لكن هذا يحدث في انتخابات طبيعية أي تنافسية!
أما إذا كان التنافس منزوعاً من العملية الانتخابية، فلا يقع مثل هذا الضرر لأن المعقد مضمون للحزب الذي أقدم على هذا الاختراع.
ولم يكن الحزب الحاكم وحيداً في ذلك. فقد فعل "الإخوان" مثله، إذ قدموا مرشحين اثنين بل ثلاثة مرشحين للمقعد الواحد في عشر دوائر على الأقل، تحسباً لشطب أحدهم وفق التشريع الجديد الذي يحظر الدعاية الدينية، أو للتركيز على المرشح الاحتياطي في حالة تعرض المرشح الأساسي لحصار يستحيل الإفلات منه.
ولأن الانتخابات غير تنافسية على هذا النحو، فلم تقدم جماعة "الإخوان" مرشحين لينافسوا الحزب الحاكم، بخلاف ما حدث في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، وإنما لتحقيق أهداف أخرى. فقد رُشح بعضهم لتحدي سلطة الدولة، وليس الحزب الحاكم، بطريقة بدائية عبر خوض شجارات من أجل رفع شعار "الإسلام هو الحل" بعد أن أصبح استخدامه ممنوعاً بموجب التعديل التشريعي الذي أقر قبيل هذه الانتخابات. ويندرج هذا الهدف ضمن فعاليات الجولة الراهنة في الصِّدام بين "الإخوان" وسلطة الدولة المصرية.
كما رشحت جماعة "الإخوان" آخرين بهدف مساومة بعض كبار مرشحي الحزب الحاكم، وخصوصاً المسؤولين في الدولة، والتنازل لمصلحتهم ومن ثم كسب ودّهم أو إقامة جسور معهم قد يتاح للجماعة أن تستفيد منها فيما بعد. ويعني ذلك أن "الإخوان" باتوا يدركون أن التفكك المتزايد في النظام السياسي يجعل بعض كبار رجاله يضعون مصالحهم الخاصة فوق مصلحة النظام. وثمة هدف ثالث أقل أهمية، وهو أن يتمكن أحد أو بعض المرشحين من التسلل إلى داخل المجلس، على رغم أن سلطة الدولة لجأت إلى مختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، لمنع فوز أي من مرشحي "الإخوان".
وربما راهنت الجماعة على أن استهداف المرشح الأساسي في إحدى الدوائر يمكن أن يوفر فرصة لأحد المرشحين الاحتياطيين لخطف المعقد في غفلة من أجهزة الدولة.
وفي انتخابات غير تنافسية إلى هذا الحد، يصبح وجود أحزاب صـغيرة -وبعضها مجهري– لم تفز في أي انتخابات من قبل، مثيراً للاستغراب. ولكنه قد لا يكون من عجائب هذه الانتخابات إذا عرفنا أن الهدف الوحيد لمعظمها هو تعيين، أو إعادة تعيين، رؤسائها في مجلس الشورى ضمن ثلث الأعضاء الذين يعينون بقرار جمهوري. ألا تستحق هذه الانتخابات، إذن، أن تكون من عجائب الدنيا؟
*نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية
في إمكان المصريين أن يطمئنوا إلى أنهم لن يخرجوا من السباق الذي فُتح أخيراً لإعادة تسمية عجائب الدنيا السبع حتى إذا نجح كارهو حضارتهم القديمة في إخراج الأهرامات من قائمة العجائب الجديدة. فقد حفلت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، والتي أجريت الاثنين الماضي (11/6)، بعجائب يشيب لها المتخصصون في شؤون الانتخابات والمعنيون بها، وعوام الناس على حد سواء. ويمكن لهذه الانتخابات أن تحصل بسهولة على المركز الأول في أي سباق لاختيار العملية الانتخابية الأكثر إثارة للاستغراب، أو التي حدث فيها أكبر مقدار من الغرائب والطرائف.
ولا يعود ذلك إلى أن الأغلبية الساحقة من الناخبين الذين كان مفترضاً أن يشاركوا فيها لم يشعروا أصلاً بوجودها، مثلهم مثل باقي المواطنين غير المسجلين في جداول الانتخاب، على نحو ما لاحظه كثير من المراقبين.
فليست هذه هي الانتخابات الأولى من نوعها التي لا يشعر كثير من المصريين بها، بل ربما يجوز القول إن هذا هو حال انتخابات مجلس الشورى منذ تأسيسه عام 1980. فقد كان الاهتمام بهذا المجلس، وبانتخاب أعضائه، ضئيلاً منذ البداية بسبب الطابع الاستشاري الذي غلب عليه.
غير أن التعديلات الدستورية التي أجريت وتم إقرارها مؤخراً تضمنت توسيع دوره وإعطاءه مقداراً لا بأس به من الصلاحيات التشريعية. وكان مفترضاً أن يؤدي ذلك إلى ازدياد الاهتمام بانتخابات التجديد النصفي هذه المرة، خصوصاً وأنها أول انتخابات تجرى بعد تعديل الدستور. غير أن الأجواء القاتمة التي ترتبت على ما تضمنه هذا التعديل من تقليص الإشراف القضائي على مختلف العمليات الانتخابية، دفعت إلى تناقص الاهتمام بهذه الانتخابات، وليس ازدياده. ومع ذلك، تظل ضآلة هذا الاهتمام هي أصغر العجائب وأقلها أهمية.
أما أكبر هذه العجائب وأكثرها إثارة للتأمل فهو غياب التنافس الانتخابي بشكل كامل تقريباً. والتنافس هو جوهر العملية الانتخابية منذ أن اهتدى البشر إليها في أبسط أشكالها من أجل تنظيم العلاقة بينهم حين يتعلق الأمر بالاختيار بين بدائل مختلفة. فإذا غاب التنافس، ينتفي الانتخاب مبنى ومعنى حتى إذا توفر شكله، إذ يصبح صورة بلا أصل أو رسماً على الحائط يحسبه المرء واقعاً حقاً، وما هو كذلك.
ولكن هل يستقيم القول بعدم وجود أي تنافس انتخابي في انتخابات بلغ عدد المرشحين فيها 609 مرشحين أي بواقع نحو سبعة مرشحين لكل مقعد من المقاعد التي أجريت هذه الانتخابات لشغلها وعددها 88 مقعداً؟ والجواب هو أن وجود تنافس من عدمه لا يتوقف على عدد المرشحين، وإنما على خلفياتهم وأدائهم، وقبل ذلك على أهداف الأحزاب والجماعات التي رشحت بعضهم، وأغراض من رشحوا أنفسهم مستقلين. وهذا هو بيت القصيد. فالأحزاب والجماعات التي دفعت بمرشحين، لم يكن التنافس الانتخابي هدفاً لها، وكذلك الحال بالنسبة إلى معظم من رشحوا أنفسهم بأنفسهم.
فعلى صعيد الأحزاب والجماعات السياسية، كان الطرفان الرئيسيان في هذه الانتخابات هما "الحزب الوطني" الحاكم وجماعة "الإخوان المسلمين"؛ وإلى جوارهما، ولكن في هامش بعيد، عدد من الأحزاب الصغيرة والمجهرية. أما أحزاب المعارضة الرئيسية، فقد رفض اثنان منها ("الوفد" و"الناصري") المشاركة، بينما قدم حزب "التجمع" ثلاثة مرشحين فقط، وكأنه أراد أن يكون "ضيف شرف". ومثلما لا يكون لضيف الشرف دور في الفيلم السينمائي الذي يظهر فيه، كذلك لا يفترض أن يكون لضيف الشرف الانتخابي دور تنافسي.
وإذا صح أن الدورين، الأول والثاني، في فيلم انتخابات الشورى المصرية للحزب الحاكم وجماعة "الإخوان"، فلكل منهما أهداف ليس من بينها التنافس. كان الهدف الرئيسي لـ"الحزب الوطني" هو خطف المقاعد كلها إذا أمكن، و"التكويش" عليها بمقدار ما يستطيع. وقد تسابق عدد كبير من قادته وأعضائه والمرتبطين بمصالح مع أجهزة الدولة، على المقاعد التي يعرفون أنه ليس مسموحاً -من الناحية الفعلية– لأحد غيرهم بالسعي إليها. ولم يكن ثمة جديد في هذا التسابق، الذي يحدث في كل انتخابات منذ عام 1990. وفي بعض الأحيان يكون الصراع بين أعضاء الحزب الحاكم للفوز بمكان في لائحة مرشحيه أقوى من المعركة الانتخابية نفسها.
ولكن الجديد هذه المرة والعجيب في آن معاً، هو أن عدد من سعوا للفوز بترشيح الحزب الحاكم كان أكبر من عدد مجموع المرشحين الذين خاضوا الانتخابات نفسها. فقد تسابق 811 من أعضاء الحزب الحاكم وأتباعه في الانتخابات القبلية التي يجريها الحزب (وتشبه الانتخابات القبائلية أي داخل القبيلة، كما تحدث في بعض البلاد العربية لاختيار مرشحي كل قبيلة قبل الانتخابات الرسمية). أما المرشحون للانتخابات نفسها فكان عددهم 609 مرشحين فقط، بعد أن تنازل 56 مرشحاً واستبعدت لجان الطعون 129 آخرين سعوا إلى الترشح. وهذه نسبة استبعاد مرتفعة جداً (حوالى 17%) ويمكن أن ترقى إلى مستوى الغرائب أيضاً.
وكما يحدث في كل انتخابات مصرية منذ 1990، يتمرد عدد كبير من أعضاء الحزب الحاكم الذين لا يُدرجون في لوائح مرشحيه الرسمية على قرار الحزب ويرفعون راية العصيان ويرشحون أنفسهم مستقلين ضد "زملائهم" الذين اختيروا مرشحين للحزب.
وقد تكرر ذلك في هذه الانتخابات، على رغم أن معظم الذين تمردوا على قرار الحزب الحاكم كانوا يعرفون أن فرصتهم في الفوز ضئيلة أو معدومة في غياب الإشراف القضائي. فكان هذا الإشراف يضمن حداً أدنى من التكافؤ ويتيح أملاً لكل من لديه قاعدة انتخابية ينطلق منها. ولذلك فحين يصر متمردو الحزب الحاكم على خوض الانتخابات في غياب هذا الأمل أو بأقل مقدار منه، فهم لا يسعون في الواقع إلى المنافسة وإنما يمارسون نوعاً من الاحتجاج أو التحدي، وربما الانتقام ممن استبعدوهم. وينطبق ذلك بصفة خاصة على أعضاء المجلس الذين انتهت مدتهم، ولكنه لا يقتصر عليهم.
غير أن الأعجب من ذلك هو جديد الحزب الحاكم هذه المرة في معالجة المشكلة الناجمة عن كثرة عدد الراغبين في الترشح على لائحته. فقد قرر ترشيح اثنين على مقعد واحد في نحو ربع المقاعد (21 من بين 88 مقعداً)! وهذا ابتكار لم يُسبَقْ إليه في تاريخ الأحزاب السياسية في العالم. فالأمر الطبيعي هو أن يقدم الحزب مرشحاً واحداً لكل مقعد، لكن هذا يحدث في انتخابات طبيعية أي تنافسية!
أما إذا كان التنافس منزوعاً من العملية الانتخابية، فلا يقع مثل هذا الضرر لأن المعقد مضمون للحزب الذي أقدم على هذا الاختراع.
ولم يكن الحزب الحاكم وحيداً في ذلك. فقد فعل "الإخوان" مثله، إذ قدموا مرشحين اثنين بل ثلاثة مرشحين للمقعد الواحد في عشر دوائر على الأقل، تحسباً لشطب أحدهم وفق التشريع الجديد الذي يحظر الدعاية الدينية، أو للتركيز على المرشح الاحتياطي في حالة تعرض المرشح الأساسي لحصار يستحيل الإفلات منه.
ولأن الانتخابات غير تنافسية على هذا النحو، فلم تقدم جماعة "الإخوان" مرشحين لينافسوا الحزب الحاكم، بخلاف ما حدث في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، وإنما لتحقيق أهداف أخرى. فقد رُشح بعضهم لتحدي سلطة الدولة، وليس الحزب الحاكم، بطريقة بدائية عبر خوض شجارات من أجل رفع شعار "الإسلام هو الحل" بعد أن أصبح استخدامه ممنوعاً بموجب التعديل التشريعي الذي أقر قبيل هذه الانتخابات. ويندرج هذا الهدف ضمن فعاليات الجولة الراهنة في الصِّدام بين "الإخوان" وسلطة الدولة المصرية.
كما رشحت جماعة "الإخوان" آخرين بهدف مساومة بعض كبار مرشحي الحزب الحاكم، وخصوصاً المسؤولين في الدولة، والتنازل لمصلحتهم ومن ثم كسب ودّهم أو إقامة جسور معهم قد يتاح للجماعة أن تستفيد منها فيما بعد. ويعني ذلك أن "الإخوان" باتوا يدركون أن التفكك المتزايد في النظام السياسي يجعل بعض كبار رجاله يضعون مصالحهم الخاصة فوق مصلحة النظام. وثمة هدف ثالث أقل أهمية، وهو أن يتمكن أحد أو بعض المرشحين من التسلل إلى داخل المجلس، على رغم أن سلطة الدولة لجأت إلى مختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، لمنع فوز أي من مرشحي "الإخوان".
وربما راهنت الجماعة على أن استهداف المرشح الأساسي في إحدى الدوائر يمكن أن يوفر فرصة لأحد المرشحين الاحتياطيين لخطف المعقد في غفلة من أجهزة الدولة.
وفي انتخابات غير تنافسية إلى هذا الحد، يصبح وجود أحزاب صـغيرة -وبعضها مجهري– لم تفز في أي انتخابات من قبل، مثيراً للاستغراب. ولكنه قد لا يكون من عجائب هذه الانتخابات إذا عرفنا أن الهدف الوحيد لمعظمها هو تعيين، أو إعادة تعيين، رؤسائها في مجلس الشورى ضمن ثلث الأعضاء الذين يعينون بقرار جمهوري. ألا تستحق هذه الانتخابات، إذن، أن تكون من عجائب الدنيا؟
*نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية