بهلول
06-09-2007, 11:56 PM
الحلقة 1
http://www.alraialaam.com/09-06-2007/ie5/rai6.jpg
أربعون عاماً مرت على ذكرى حرب انطلقت يوم في 5 يونيو من العام 1967، لكننا لسنا في صدد مناقشة ما حدث فيها لأنه معروف، وإن اختلف الناس في مصر وخارجها على تسمية هذه الحرب بـ «النكسة» أو «النكبة» أو غيرها من مفردات عما أسفرت عنه تلك الحرب.
المهم هنا أنها حرب خلفت خسائر في الأرواح والمال، وخربت المدن، وثكلت أمهات، وكلمت آباء، وخلفت أرامل وأيتاماً، وخربت اقتصاداً لأعوام، وأغلقت شرياناً مائياً لأعوام، قبل أن تعوض انتصارات حرب أكتوبر عام 1973جزءاً مما جرى في تلك الحرب.
أربعون عاماً مرت، لكنها مازالت تحفر في ذاكرة الأجيال صور الدماء والضحايا والمجازر التي ارتكبها الإسرائيليون بحق الأسرى المصريين. إنها مجازر تستحق أن تحاكم كل يوم، بل كل ساعة، تستحق أن تعلق لها المشانق، وأن تطلق تجاهها طلقات بلا رحمة.
في هذه الذكرى انطلقت في مصر مدناً وقرى ونجوعاً، كما انطلقت خارجها نداءات بمحاكمات شعبية ورسمية سياسية وديبلوماسية للإسرائيليين، الذين قتلوا الأسرى المصريين على أرض مصرية، رصدتها «الراي» من خلال شهادات الذين نجوا، والذين رفعوا صوتهم عبر فعاليات عدة بالمحاكمة والاقتصاص من أولئك المجرمين.
شهود عيان لـ «الراي»: الدبابات الإسرائيلية دهست رؤوس الجنود ... وبن أليعازر وشارون قادا حملة التصفية الجسدية
القاهرة ـ من نهى الملواني
كشف شهود عيان عن فظائع وجرائم الجيش الإسرائيلي ضد أسرى حربي عام 1967 و1956 وحرب الاستنزاف عام 1969، إذ واجه الأسرى المصريون عمليات إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لم تشهدها جرائم حرب في التاريخ، مطالبين بضرورة القصاص من القتلة الإسرائيليين.
الرقيب السابق في الجيش المصري أمين رمضان روى لـ «الراي» كيف قيد الجنود الإسرائيليون ضباط الصف الأسرى من أيديهم وأقدامهم من خلاف في معسكر الاعتقال، ثم طرحوهم أرضاً وأمروا الدبابات فداست رؤوسهم وهرست لحمهم في رمال الصحراء.
وأشار رمضان إلى الخدعة الخبيثة التي مارسها القائد الإسرائيلي في المعسكر، عندما حرم الأسرى من الماء سبعة أيام، ثم سمح للضباط بالشرب أولاً ليكشف رتب الأسرى وهوياتهم، وحين ذهبوا للشرب قتلوهم بالمدافع تحت الصهاريج.
وعن دور وزير البنية التحتية الإسرائيلية بنيامين بن أليعازر، الذي كان ضابطاً في الجيش الاسرائيلي أثناء هذه الحرب، أكد رمضان أنه حرم الأسرى من الشرب وأمر بنزع أحذيتهم التي استخدموها في جلب الماء من خارج المعسكر.
وكشف رمضان عن فضيحة أخرى تضاف للفضائح اللاأخلاقية للقوات الإسرائيلية، وهي فضيحة الزيارات الطبية الرسمية التي وصفها بزيارات الموت، إذ كانت تتم سرقة أعضاء الأسرى وكلاهم لاستخدامها في علاج مرضى إسرائيليين في مستشفيات تل أبيب، وقال: «إن معظم الذين تم اختيارهم في تلك الزيارات كانوا من الأصحاء، واختفى عدد كبير منهم تماماً، بعد أن تم استهلاكهم في المستشفى كمخزن لقطع الغيار الآدمية».
بدوره، أشار الرقيب السابق عمر الفرماوي إلى أن الإسرائيليين تعمدوا قتل الأسرى، واستخدموا وسائل محرمة دولياً في قتل الجنود المصريين، ثم إبادتهم بالنابالم، كما أنهم كانوا يحرصون على إهانتهم وإذلالهم. هذا إلى جانب الضرب المهين الذي تعرض إليه حين كان ينظف بقايا طعام الجنود الإسرائيليين والتقط قطعة خبز لسد جوعه وقال: «إنه كان مريضاً ويعاني من حمى التفوئيد، وجراحاً في جميع أنحاء جسده، وتركه الإسرائيليون يعاني في المعسكر دونما أي مساعدة أو رعاية». وأضاف: «إن القائد الإسرائيلي كان يمر في طابور الصباح كل يوم، ثم يختار عشرة أسرى، ويأمر جنوده بإطلاق الرصاص عليهم أمام أعيننا».
أما الدكتور أحمد شوقي الفنجري، الذي كان يعمل طبيباً بهيئة إغاثة اللاجئين في قطاع غزة في عدوان 1956، فروى أن الإسرائيليين قاموا باعتقال جميع مرضى مستشفى السل وتعمدوا حشرهم مع باقي المعتقلين في العنابر والخيام المزدحمة بقصد نشر مرض السل بين العرب جميعهم، وقال: «كنا نحو ألفي أسير في فترة تجميع الأسرى في صحراء النقب ووصلنا لنو نصف العدد قبل ترحيلنا لعتليت».
وأضاف الفنجري: «أثناء تجميع الأسرى كان اليهود يجبرون المدنيين القادرين على حمل السلاح على حفر قبورهم بأيديهم ويقومون بإطلاق النار عليهم وبلغ عدد الضحايا نحو أربعمئة قتيل من المدنيين العزل بعد دخول مدينة خان يونس، بالإضافة إلى ضرب مستشفى خان يونس بالقنابل والمدافع الرشاشة، وقد تحول المستشفى إلى مقبرة جماعية بمن فيها من المرضى والأطباء والممرضات».
وأشار الجندي السابق فهمي محمد العراقي الذي شارك في عدوان 1956 بمنطقة خان يونس (سلاح الإشارة بالفرقة الثامنة) إلى أنه بعد أسره بمنطقة العريش (شمال شرق القاهرة) وأثناء محاولته العودة مع عدد من زملائه إلى القاهرة قام اليهود بتفتيشهم وأخذوا منهم الساعات والنقود وكل متعلقاتهم، ثم أخذوهم إلى محطة الأبطال على أرض مصر، وكانت هناك أعداد لا حصر لها من الجنود المصريين تصل للآلاف سقط المئات منهم نتيجة عدم التغذية وضرب وتعذيب الآخرين.
ولقت العراقي إلى أنه تمكن من الهرب في 3 نوفمبر 1956 مع بعض زملائه وخرجوا من معسكر الأسر اليهودي فوجدوا عدداً كبيراً من الأسرى قتلى حول المعسكر، وخرج وراءهم عدد من الجنود اليهود، للبحث عنهم فنام على الفور بجوار بعض القتلى، وكان يشاهد اليهود يمرون فوق الجثث، وهم يقلبونها بأقدامهم ويطلقون النار عليها. ولكن الله نجاه، وما ان اتجه وزملاؤه إلى قضبان السكك الحديدية كونها الطريق الواضح في الصحراء وجدوا عدداً كبيراً من المصريين قتلى بملابسهم الداخلية.
وروى الجندي السابق في الجيش المصري شعبان عبد الستار المسيلي، الذي كان جندياً بسلاح المشاة في الكتيبة الثامنة التابعة للواء الثالث بمنطقة رفح شمال سيناء، أنه أثناء الأسر كان الجنود الصهاينة يفقأون أعين بعض الأسرى الهاربين، كما كانوا يخلعون أظافر البعض بطريقة وحشية، ومن كان يشتكي ويصرخ يطعنونه بـ «السونكي»، فيسقط شهيداً على الفور.
وتمكن المسيلي من الهرب بعد يومين من الأسر، وعاد إلى العريش ودخل المستشفى لإصابته. وفي اليوم التالي فوجئ بميكروفون ينادي أمام باب المستشفى يطلب من جميع الجنود المصابين الخروج إلى ساحة المستشفى حيث ستنقلهم باصات الصليب الأحمر إلى القاهرة، وحينما تسابق الجنود المصابون إلى ساحة المستشفى، نظراً إلى عدم وجود إمكانيات طبية فيها، تفاجأ المسيلي، وهو يحمل أحد المصابين خلف نافذة السلم بالمستشفى قبل خروجه للساحة بمجندات إسرائيليات يفتحن نيران مدافعهن الرشاشة على مئات الجنود الجرحى فقتلوهم جميعاً، وتعالت ضحكاتهن وهنأن بعضهن البعض بالمجزرة.
الجندي السابق زيدان عبد العظيم حسني، الذي كان جندياً في سلاح المشاة أثناء عدوان 1956 بالكتيبة رقم 14 مشاة، روى أنه وقع في الأسر أثناء عودته في الطريق بين رفح والعريش، وتم القبض عليه هو وزملاؤه، وتم جمعهم في مكان مكشوف في مدينة حيفا، وأثناء نقلهم إلى المعسكر كان المدنيون يضربونهم بالحجارة أثناء نزولهم من الباص. وأشار حسني إلى أنه أثناء نقلهم بعد الأسر كان جبل لبنى مليئاً بالجثث المحترقة بالنابالم، وقد شاهد بنفسه مئات الجثث.
أما الجندي السابق أمين عبد الرحمن محمد جمعة، الذي كان جندياً في السرية الأولى للكتيبة 502 باللواء 118 مشاة، فروى تفاصيل مذبحة الحسنة يوم 6 يونيو 1967 إذ سلم نحو ثلاثة آلاف فرد من اللواء المصري 118 أنفسهم، وحينما طلبوا مياها للشرب جمع اليهود الضباط أولاً وأطلقوا عليهم النار فقتلوهم، ثم الصف ضباط، ثم من يعرف القراءة والكتابة وكان الذي أصدر الأوامر بالقتل هو مردخاي براون، واستخدموا رصاصاً محرماً دولياً يؤدي إلى انتفاخ الجسم، ثم انفجاره.
وذكر الجندي السابق محمد حمزة مصطفى عمران، الذي كان جنديا بالكتيبة 137 اللواء 12 مشاة، تفاصيل أخرى تتعلق بمذبحة جبل لبنى يوم 8 يونيو 1967، إذ إنه بمجرد استسلام 150 أسيراً قامت الدبابات بمطاردتهم ودهسهم جميعاً.
أما الجندي السابق محمد عبدالتواب عثمان الذي وقع في الأسر عام 1967، فأشار إلى أنه أثناء تجميع الأسرى في مطار العريش أمرهم اليهود بالنوم داخل دشم الطائرات بعضهم فوق بعض، وفي الصباح توفي 70 أسيراً ماتوا خنقاً، وتم دفنهم داخل حفر بالمطار وتم ردمها بالجير الحي.
وقال عثمان: «في مطار العريش أيضاً أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين الذين وقعوا في الأسر بأن يقوموا بدفن الأسرى من الجنود المصابين، وهم أحياء وكان عددهم أربعمئة جندي من المصابين الذين كانوا في سيارات الجيش الإسرائيلي، وفي معسكر بئر السبع قام الجنود الإسرائيليون بإعدام نحو مئة ضابط مصري صفاً على حائط ضرب النار بعد عصب أعينهم وضربهم بالعصي، وقام المدنيون المصريون بدفنهم، وإلقاء الجير الحي عليهم بأوامر من اليهود».
بدوره، روى الجندي السابق حسن تمام هنداوي، الذي كان أحد أفراد الكتيبة رقم 103 صاعقة، أنه شاهد الدبابات الإسرائيلية تدهس الأسرى المصريين بعد استسلامهم في منطقة العقبة عام 1967، وكان اليهود يشحنون الأسرى المصريين في سيارات، ثم يرمونهم بالصحراء ويطلقون النار عليهم ويتركونهم جثثاً هامدة.
وأشار الجندي السابق معتمد زكي عبد الله، وهو من أفراد السرية 33 اشارة بالكتيبة 12 مشاة، إلى أن الإسرائيليين في مطار المليز كانوا يفتحون حنفيات المياه ومن يجري إليها من الأسرى المصريين يطلقون النار عليه فسقط العشرات منهم، وأثناء وجوده في بئر سبع بعد نقلهم من مطار المليز كان اليهود يأمرون الأسرى المصريين بالانبطاح على بطونهم، ثم تدهسهم الدبابات.
أما الجندي السابق ياسين أحمد عبد العليم شعبان، من أفراد سلاح الإشارة أسر عام 1967، فيروي أنه قد تم أسره برفقة 1500 أسير مصري بمنطقة بجوار الحسنة وجمعوهم في مدرسة الحسنة الابتدائية لمدة يومين، وكانوا يطلقون الرصاص فوق رؤوسهم للتهديد وقد توفي البعض من الرصاص المنهمر عليهم، ثم نقلوهم إلى معسكر بئر السبع، وكانوا يوزعون رغيفاً واحداً لكل خمسة أسرى ويأمرونهم بتحية العلم الاسرائيلي صباحاً ومساء، ثم نقلوهم إلى عتليت في ظروف بالغة الوحشية والقسوة.
ولفت شعبان إلى أنه قد حكى له أحد الجنود المصريين من الأسرى أثناء وجودهم بمعسكر عتليت أن آرييل شارون داس بالدبابات على عدد من الجنود المصريين فقتلوا جميعاً.
ووصف الرقيب أمين درويش لـ»الراي» ما تعرض إليه الأسرى العزّل بالفضيحة، إذ كان القتل يتم بدم بارد وبأسلوب يتسم بالتسلية واللعب، متهماً الجيش الإسرائيلي بتعمد قتل الأسرى الذين يجيدون القراءة والكتابة فور وقوعهم في الأسر. أما الجنود الأميون فيتم نقلهم إلى داخل إسرائيل في معتقلات بصحراء النقب وفي عتليت شمال حيفا، وأكد درويش تعمد الاسرائيليين سرقة الأعضاء الداخلية لهؤلاء الجنود، خصوصاً الكلى عن طريق عمليات جراحية وهمية.
وعن الأيام العصيبة التي أعقبت الانسحاب العشوائي للقوات المصرية بعد يوم 5 يونيو 1967 وكيف تعرضوا إلى القنص بالطائرات وقنابل النابالم الحارقة والمحرمة دولياً على أرتال الدبابات المصرية، قال درويش:
«كنا في حالة نفسية سيئة للغاية، ومرارة الهزيمة قطعت حلوقنا أكثر مما فعله العطش والحرمان من المياه لثمانية أيام في صيف سيناء الملتهب»، مضيفاً كيف قتل الضباط الإسرائيليون نظراءهم المصريين ومنهم الملازم أول محمد ممدوح عبد الحميد قائد سرية المهندسين العسكريين برصاص المدافع ذاتية الحركة بعد أن أوهموهم بالسماح لهم بشرب المياه. أما صف الضباط فكان حظهم أسوأ حين هرستهم الدبابات، ومنهم حكمدار السرية الرقيب أول عبد اللطيف أحمد العابدي.
وتابع درويش: «بعد أربعة أيام من التيه في الصحراء كانت عربات الجيب الإسرائيلية تجوب سيناء للبحث عن ناجين وجرحى من بين الجثث المكومة وبمساعدة المروحيات وقعت في الأسر مع اثنين من أفراد سريتي. وبعد أن أسرونا نقلونا إلى معسكر اعتقال محاط بأسلاك شائكة في منطقة الحسنة، يشرف عليه الجنرال الإسرائيلي إريبيسة بيرم».
وقال درويش: «كنا مئات عدة من الأسرى واختلط الضباط المصريون بالعساكر بعد أن نزعوا (الكتافات) والرتب، ما دفع الإسرائيليين لابتكار حيلة لاصطياد الضباط وحرمونا من الماء ثلاثة أيام في المعسكر، ثم أحضروا (فنطاس مياه) به حنفيات، ورغم تهديد الرشاشات اندفع الجميع للحصول على شربة ماء لكنهم قالوا: الضباط يشربون أولاً. وبالفعل انطلت الحيلة على الضباط المصريين، وانطلقوا باتجاه الفنطاس، وما ان التقطت أفواههم الحنفيات حتى انهمر سيل الرصاص من المدافع ذاتية الحركة، وأبيدوا جميعاً أمام أعين العساكر».
وأضاف: «كان الرعب يتملكنا والماء المنهمر يغسل دماء الضباط الشهداء، وقال لنا ضابط إسرائيلي: (هؤلاء الضباط يظلمونكم ويميزون أنفسهم عنكم). وفي اليوم التالي فرزوا ضباط الصف وربطوا أيديهم إلى ظهورهم ومددوهم على الأرض، وجاءت دبابة اسرائيلية مرت فوق رؤوسهم وهرست أجسادهم مع الرمال، بعد أيام فوجئنا بالعساكر الإسرائيليين يطلبون من الجنود المصريين كتابة أسمائهم لتسليمها إلى الصليب الأحمر الدولي. لكن ما إن أمسك الجنود بالورق والأقلام حتى قتلتهم القناصة من أبراج حراسة المعسكر، واكتشفنا أنهم فعلوا ذلك للتخلص من جميع القادرين على القراءة والكتابة».
وعن قصص هروبه يقول درويش: «الأولى حينما لاحظت فتحة في الأسلاك الشائكة في سور معسكر الاعتقال بالحسنة، فاتفقت مع عشرة عساكر أن نهرب وجرينا مع أول غفلة للحارس في المساء، فاكتشف الإسرائيليون أمرنا وأطلقوا الرصاص والطلقات الكاشفة، لكنني دفنت نفسي في الرمال وواصلت الهرب بين منطقة المليس والقنطرة. وهنا وقعت في الأسر للمرة الثانية، وأمر ضباط دورية اسرائيلية بنقلنا في سيارات إلى شرق العريش، حيث معسكر الاعتقال الكبير، وكان عبارة عن مربع مساحته كيلو متر مربع، حفروا حوله قناة مياه، لا يمكن الشرب منها، جلسنا في المعسكر الذي وصلته أول يوليو 1967، وجاء قائد المنطقة بصحبة موشي دايان وكان الإسرائيليون يرفعون دايان في الهواء ويهتفون باسمه».
ويضيف: «كان اليهود يتعمدون إيذاءنا نفسيا...العطش يذبحنا، ولا يمكننا الشرب من القناة المحيطة وذات يوم استخدمت الحذاء الميري في الشرب، جمعت أربطة الأحذية من زملائي ورميت (البيادة) من فوق السلك الشائك.
وبالفعل شربنا أكثر من مرة بهذه الطريقة، حتى اكتشفنا ذات مرة القائد الإسرائيلي النقيب بنيامين بن اليعازر، وكان يتكلم العربية بلهجة عراقية. وسأل بن إليعازر عن الفاعل ولزمت الصمت، فقال له أحد العساكر المصريين (كنا عطشانين) ورد عليه (خوش)، وهي كلمة عبرية تعني (كويس) ثم أطلق عليه النار».
وتابع: «ثم أمر بن إليعازر بنزع أحذيتنا من معسكر الاعتقال لحرماننا من الشرب فيها، ونقلونا عراة في سيارات عسكرية إلى داخل إسرائيل، وفي وسط تل أبيب كانت أيادينا مكبلة في السيارات المكشوفة، وطلاب المدارس الإسرائيلية يسخرون منا ويقذفوننا بالحجارة والزجاج، حتى وصلنا إلى قاعدة عتليت شمال حيفا، وكانت معسكراً مهجورا للقوات الإنكليزية، مليئا بالثعابين والنحل والشوك وطوال ثلاثة شهور كان يصرف لنا ربع رغيف (توست) كل يوم (ناكله حاف)، وأكملت عاماً في هذا المعسكر، حتى لاحظنا أن الإسرائيليين يأخذون بعض الجنود الأسرى لإجراء فحوصات طبية. وفوجئنا بزملائنا يعودون من المستشفى وبطونهم مفتوحة، وأجريت لهم عمليات جراحية، وبعد فترة يأخذون الأشخاص أنفسهم لكنهم لا يعودون.
وتيقنا أنهم يسرقون كلى المصريين وأعضاءهم الداخلية، حتى جاء علي الدور بعد فحوصات عدة، وفي يوم اجراء العملية الإسرائيلية قررت الهرب أو الموت، وكنت ممدداً على النقالة في سيارة جيب بصحبة ثلاثة عساكر وطبيب إسرائيلي وقمت بضرب مقود السيارة على رأس تبة، ونطقت بالشهادتين، وانقلبت السيارة وهربت ومكثت عند (عرب إسرائيل) وعالجوني من الحادث وهربت إلى العريش في بالات الزبالة. وبمساعدة بدو سيناء، وصلت إلى قناة السويس عند الدفرسوار، وسبحت إلى منتصف المعبر الضيق، حتى تلقفتني دورية صاعقة مصرية في ساعات الفجر الأولى، ونجوت بأعجوبة وكان أول من استقبلني اللواء علي عبد الخبير، وعدت إلى منزلي لأكتشف أن أهلي أقاموا سرادق عزاء، ولم يصدقوا أنني نجوت».
أما الرقيب السابق حمادة عبد اللطيف فيشير إلى أنه كان موظفاً عادياً جاء عليه الدور للتجنيد، وكانت وحدته يوم 5 يونيو عند منطقة جبل الكونتيلا مع حدود إسرائيل، وهي المنطقة الحدودية التي تركها المراقبون الدوليون، وتم إعداد مواقع النيران وكان حكمدار مجموعة مدافع جيردنوف، ففوجئ في الصباح بحصار الكتيبة وتم ضرب القائد، فانقطعت الاتصالات وبدأ الانسحاب العشوائي لدرجة أن البعض كان يذهب نحو إسرائيل من دون أن يدري.
وقال عبد اللطيف: «إن عدد الكتيبة كان نحو ستمئة فرد، وبعد 16 يوماً من الحصار والمطاردات كنت أشرب، من بولي وفجأة انقطع البول نظراً إلى عدم وجود أي طعام أو شراب فقط كنت آكل حشائش وأشياء من هذا القبيل، وفي اليوم السادس عشر وقعت في الأسر، حيث تم اعتقالي في منجم قديم حوّلته القوات الإسرائيلية إلى معسكر للأسرى، تم تعصيب أعيننا جميعاً، وذهبنا إلى معسكر آخر فوجدت أكثر من 650 فرداً، وكان هذا المعسكر في صحراء النقب تقريباً، وقضينا فيه 45 يوماً من الفظائع والانتهاكات والتعذيب اليومي».
وأضاف: «وصلنا إلى المعسكر الخاص بالأسرى، وكانت جروحي كثيرة وفي معظم جسدي، وهو ما أصابني بحمى تيفودية إلا أن أحداً لم يهتم بهذه الجروح، وفي الصباح الباكر كنا نقف في طابور تمام، ويمر أحد القادة بين الصفوف ويشير إلى عشرة من الأسرى، فيندفع العساكر إلى الصفوف لاستخراج الأسرى الذين أشار إليهم القائد ويقف جنود الاحتلال أمام هؤلاء العشرة، وتعطى إليهم الأوامر بإطلاق النار على الأسرى، وبعد قتلهم تقوم عربة مدرعة بسحبهم إلى خارج المعسكر، ثم تعود بعد ذلك وهي خالية، حيث تلقي بهم في أقرب مكان، وذلك كله يتم ونحن في (طابور الذنب) من دون أن يحرك أحدنا ساكناً لأن الذي يعترض أو يتحرك يكون مصيره الموت. وكان الطعام المقرر عبارة عن كيس بسكويت بالكمون، وهو لا يكفي لإطعام طفل أو قطة، وعندما نحاول طلب المزيد توجه إلينا اللكمات والضرب».
وتابع عبد اللطيف: «في الليل كنا نجلس في عنابر صغيرة جداً كل 24 أسيراً في عنبر، وكنا نخاف من الكلام والحزن يخيم علينا لأننا نعيش في حالة انتظار دائم للموت، وبمرور 45 يوماً كان هناك 450 جندياً وضابطاً من الأسرى البالغ عددهم 650 أسيراً من مختلف الرتب قد لقوا حتفهم وهم عزل وأسرى ولم يتبق سوى 250 أسيراً، وأنا منهم وبمرور الأيام حضرت إلينا إذاعية اسرائيلية، وكانت تسألنا عن أسمائنا واسم الكتيبة، ومنذ ذلك الوقت عرفت أننا أحياء، لأنه أعقب ذلك حضور الصليب الأحمر الدولي، وتم إدراج أسمائنا في كشوف. وعند حضور الصليب الأحمر كنت غارقاً في دمي والمرض كان قد اشتد علي، فتركني الجنود في العنبر، وعندما وقف الأسرى في (طابور علم موسى) كنت مازلت في العنبر فأمر بإخراجي من العنبر، فحملني أحد أصدقائي، وكان اسمه محمد محمد نوار من بنها (دلتا مصر)، وكشف عليّ الصليب الأحمر وتم ترحيلي أنا وزميلي ناجح خليفة بطرس للقنطرة شرق، ثم اتجهنا نحو القنطرة غرب من خلال لنش (زورق مائي)، وهناك دخلنا المستشفى معاً، وخلال وجودي في المستشفى شعرت أن المعاملة سيئة للغاية، إذ رفض طبيب المستشفى الاتصال بأهلي أو أسرتي لأنني جندي».
بدوره، تحدث الجندي أمين عبد الرحمن عطية عن معاناته: «تم استجوابي أكثر من عشر مرات، ووضعوني في الحبس الانفرادي، وسئلت عن التسليح وأنواع المدفعية وضربوني بالكابلات الكهربائية، وأطلقوا عليّ الكلاب، كما تم ترغيبي بالمخدرات والنساء، ثم قاموا بتعليقي وضربي بالكرباج ووضع عصا غليظة في الأماكن الحساسة».
وقال طغيان شعيب جيد: «قام الجنود الإسرائيليون بضربنا بكعب البندقية ما تسبب في إصابتي بانزلاق غضروفي أعاني منه حتى الآن، وعلقوا لنا نجمة داود على (الأفرولات) التي نلبسها، لقد شاهدتهم يضربون بعض الأسرى بالنابالم في وجوههم».
واستعرض اللواء متقاعد حمدي شعراوي ما حدث لهم في معسكر بئر السبع: «تم تجميعنا وكانوا ينادون على الأسرى، ثم تجري تصفيتهم، ولا نراهم بعد ذلك. وعندما نقلونا إلى معسكر عتليت بالقرب من حيفا كانت السيارات تقف في الأماكن المزدحمة بالإسرائيليين حتى يقوموا بالبصق وإلقاء الحجارة علينا».
وأكد الحاج حسن حسين الملاح من سيناء «أن الجنود الإسرائيليين كانوا يجمعون الأسرى المصريين بعربات النقل ويوهمونهم بأنهم سينقلونهم في أتوبيسات للتوجه إلى منطقة القناة ويأمرونهم بالوقوف صفوفاً ووجوههم متجهة إلى البحر ثم يطلقون عليهم الرصاص ويتركونهم قتلى ويغادرون المكان وتتوالى العملية نفسها في أفواج عدة من الأسرى الذين بلغ عددهم التقريبي ثلاثمئة أسير. إن هذه الجثث ظلت على سطح الأرض أكثر من عشرة أيام حتى تمكن بعدها أهالي المنطقة من دفنها في هذه المنطقة».
http://www.alraialaam.com/09-06-2007/ie5/rai6.jpg
أربعون عاماً مرت على ذكرى حرب انطلقت يوم في 5 يونيو من العام 1967، لكننا لسنا في صدد مناقشة ما حدث فيها لأنه معروف، وإن اختلف الناس في مصر وخارجها على تسمية هذه الحرب بـ «النكسة» أو «النكبة» أو غيرها من مفردات عما أسفرت عنه تلك الحرب.
المهم هنا أنها حرب خلفت خسائر في الأرواح والمال، وخربت المدن، وثكلت أمهات، وكلمت آباء، وخلفت أرامل وأيتاماً، وخربت اقتصاداً لأعوام، وأغلقت شرياناً مائياً لأعوام، قبل أن تعوض انتصارات حرب أكتوبر عام 1973جزءاً مما جرى في تلك الحرب.
أربعون عاماً مرت، لكنها مازالت تحفر في ذاكرة الأجيال صور الدماء والضحايا والمجازر التي ارتكبها الإسرائيليون بحق الأسرى المصريين. إنها مجازر تستحق أن تحاكم كل يوم، بل كل ساعة، تستحق أن تعلق لها المشانق، وأن تطلق تجاهها طلقات بلا رحمة.
في هذه الذكرى انطلقت في مصر مدناً وقرى ونجوعاً، كما انطلقت خارجها نداءات بمحاكمات شعبية ورسمية سياسية وديبلوماسية للإسرائيليين، الذين قتلوا الأسرى المصريين على أرض مصرية، رصدتها «الراي» من خلال شهادات الذين نجوا، والذين رفعوا صوتهم عبر فعاليات عدة بالمحاكمة والاقتصاص من أولئك المجرمين.
شهود عيان لـ «الراي»: الدبابات الإسرائيلية دهست رؤوس الجنود ... وبن أليعازر وشارون قادا حملة التصفية الجسدية
القاهرة ـ من نهى الملواني
كشف شهود عيان عن فظائع وجرائم الجيش الإسرائيلي ضد أسرى حربي عام 1967 و1956 وحرب الاستنزاف عام 1969، إذ واجه الأسرى المصريون عمليات إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لم تشهدها جرائم حرب في التاريخ، مطالبين بضرورة القصاص من القتلة الإسرائيليين.
الرقيب السابق في الجيش المصري أمين رمضان روى لـ «الراي» كيف قيد الجنود الإسرائيليون ضباط الصف الأسرى من أيديهم وأقدامهم من خلاف في معسكر الاعتقال، ثم طرحوهم أرضاً وأمروا الدبابات فداست رؤوسهم وهرست لحمهم في رمال الصحراء.
وأشار رمضان إلى الخدعة الخبيثة التي مارسها القائد الإسرائيلي في المعسكر، عندما حرم الأسرى من الماء سبعة أيام، ثم سمح للضباط بالشرب أولاً ليكشف رتب الأسرى وهوياتهم، وحين ذهبوا للشرب قتلوهم بالمدافع تحت الصهاريج.
وعن دور وزير البنية التحتية الإسرائيلية بنيامين بن أليعازر، الذي كان ضابطاً في الجيش الاسرائيلي أثناء هذه الحرب، أكد رمضان أنه حرم الأسرى من الشرب وأمر بنزع أحذيتهم التي استخدموها في جلب الماء من خارج المعسكر.
وكشف رمضان عن فضيحة أخرى تضاف للفضائح اللاأخلاقية للقوات الإسرائيلية، وهي فضيحة الزيارات الطبية الرسمية التي وصفها بزيارات الموت، إذ كانت تتم سرقة أعضاء الأسرى وكلاهم لاستخدامها في علاج مرضى إسرائيليين في مستشفيات تل أبيب، وقال: «إن معظم الذين تم اختيارهم في تلك الزيارات كانوا من الأصحاء، واختفى عدد كبير منهم تماماً، بعد أن تم استهلاكهم في المستشفى كمخزن لقطع الغيار الآدمية».
بدوره، أشار الرقيب السابق عمر الفرماوي إلى أن الإسرائيليين تعمدوا قتل الأسرى، واستخدموا وسائل محرمة دولياً في قتل الجنود المصريين، ثم إبادتهم بالنابالم، كما أنهم كانوا يحرصون على إهانتهم وإذلالهم. هذا إلى جانب الضرب المهين الذي تعرض إليه حين كان ينظف بقايا طعام الجنود الإسرائيليين والتقط قطعة خبز لسد جوعه وقال: «إنه كان مريضاً ويعاني من حمى التفوئيد، وجراحاً في جميع أنحاء جسده، وتركه الإسرائيليون يعاني في المعسكر دونما أي مساعدة أو رعاية». وأضاف: «إن القائد الإسرائيلي كان يمر في طابور الصباح كل يوم، ثم يختار عشرة أسرى، ويأمر جنوده بإطلاق الرصاص عليهم أمام أعيننا».
أما الدكتور أحمد شوقي الفنجري، الذي كان يعمل طبيباً بهيئة إغاثة اللاجئين في قطاع غزة في عدوان 1956، فروى أن الإسرائيليين قاموا باعتقال جميع مرضى مستشفى السل وتعمدوا حشرهم مع باقي المعتقلين في العنابر والخيام المزدحمة بقصد نشر مرض السل بين العرب جميعهم، وقال: «كنا نحو ألفي أسير في فترة تجميع الأسرى في صحراء النقب ووصلنا لنو نصف العدد قبل ترحيلنا لعتليت».
وأضاف الفنجري: «أثناء تجميع الأسرى كان اليهود يجبرون المدنيين القادرين على حمل السلاح على حفر قبورهم بأيديهم ويقومون بإطلاق النار عليهم وبلغ عدد الضحايا نحو أربعمئة قتيل من المدنيين العزل بعد دخول مدينة خان يونس، بالإضافة إلى ضرب مستشفى خان يونس بالقنابل والمدافع الرشاشة، وقد تحول المستشفى إلى مقبرة جماعية بمن فيها من المرضى والأطباء والممرضات».
وأشار الجندي السابق فهمي محمد العراقي الذي شارك في عدوان 1956 بمنطقة خان يونس (سلاح الإشارة بالفرقة الثامنة) إلى أنه بعد أسره بمنطقة العريش (شمال شرق القاهرة) وأثناء محاولته العودة مع عدد من زملائه إلى القاهرة قام اليهود بتفتيشهم وأخذوا منهم الساعات والنقود وكل متعلقاتهم، ثم أخذوهم إلى محطة الأبطال على أرض مصر، وكانت هناك أعداد لا حصر لها من الجنود المصريين تصل للآلاف سقط المئات منهم نتيجة عدم التغذية وضرب وتعذيب الآخرين.
ولقت العراقي إلى أنه تمكن من الهرب في 3 نوفمبر 1956 مع بعض زملائه وخرجوا من معسكر الأسر اليهودي فوجدوا عدداً كبيراً من الأسرى قتلى حول المعسكر، وخرج وراءهم عدد من الجنود اليهود، للبحث عنهم فنام على الفور بجوار بعض القتلى، وكان يشاهد اليهود يمرون فوق الجثث، وهم يقلبونها بأقدامهم ويطلقون النار عليها. ولكن الله نجاه، وما ان اتجه وزملاؤه إلى قضبان السكك الحديدية كونها الطريق الواضح في الصحراء وجدوا عدداً كبيراً من المصريين قتلى بملابسهم الداخلية.
وروى الجندي السابق في الجيش المصري شعبان عبد الستار المسيلي، الذي كان جندياً بسلاح المشاة في الكتيبة الثامنة التابعة للواء الثالث بمنطقة رفح شمال سيناء، أنه أثناء الأسر كان الجنود الصهاينة يفقأون أعين بعض الأسرى الهاربين، كما كانوا يخلعون أظافر البعض بطريقة وحشية، ومن كان يشتكي ويصرخ يطعنونه بـ «السونكي»، فيسقط شهيداً على الفور.
وتمكن المسيلي من الهرب بعد يومين من الأسر، وعاد إلى العريش ودخل المستشفى لإصابته. وفي اليوم التالي فوجئ بميكروفون ينادي أمام باب المستشفى يطلب من جميع الجنود المصابين الخروج إلى ساحة المستشفى حيث ستنقلهم باصات الصليب الأحمر إلى القاهرة، وحينما تسابق الجنود المصابون إلى ساحة المستشفى، نظراً إلى عدم وجود إمكانيات طبية فيها، تفاجأ المسيلي، وهو يحمل أحد المصابين خلف نافذة السلم بالمستشفى قبل خروجه للساحة بمجندات إسرائيليات يفتحن نيران مدافعهن الرشاشة على مئات الجنود الجرحى فقتلوهم جميعاً، وتعالت ضحكاتهن وهنأن بعضهن البعض بالمجزرة.
الجندي السابق زيدان عبد العظيم حسني، الذي كان جندياً في سلاح المشاة أثناء عدوان 1956 بالكتيبة رقم 14 مشاة، روى أنه وقع في الأسر أثناء عودته في الطريق بين رفح والعريش، وتم القبض عليه هو وزملاؤه، وتم جمعهم في مكان مكشوف في مدينة حيفا، وأثناء نقلهم إلى المعسكر كان المدنيون يضربونهم بالحجارة أثناء نزولهم من الباص. وأشار حسني إلى أنه أثناء نقلهم بعد الأسر كان جبل لبنى مليئاً بالجثث المحترقة بالنابالم، وقد شاهد بنفسه مئات الجثث.
أما الجندي السابق أمين عبد الرحمن محمد جمعة، الذي كان جندياً في السرية الأولى للكتيبة 502 باللواء 118 مشاة، فروى تفاصيل مذبحة الحسنة يوم 6 يونيو 1967 إذ سلم نحو ثلاثة آلاف فرد من اللواء المصري 118 أنفسهم، وحينما طلبوا مياها للشرب جمع اليهود الضباط أولاً وأطلقوا عليهم النار فقتلوهم، ثم الصف ضباط، ثم من يعرف القراءة والكتابة وكان الذي أصدر الأوامر بالقتل هو مردخاي براون، واستخدموا رصاصاً محرماً دولياً يؤدي إلى انتفاخ الجسم، ثم انفجاره.
وذكر الجندي السابق محمد حمزة مصطفى عمران، الذي كان جنديا بالكتيبة 137 اللواء 12 مشاة، تفاصيل أخرى تتعلق بمذبحة جبل لبنى يوم 8 يونيو 1967، إذ إنه بمجرد استسلام 150 أسيراً قامت الدبابات بمطاردتهم ودهسهم جميعاً.
أما الجندي السابق محمد عبدالتواب عثمان الذي وقع في الأسر عام 1967، فأشار إلى أنه أثناء تجميع الأسرى في مطار العريش أمرهم اليهود بالنوم داخل دشم الطائرات بعضهم فوق بعض، وفي الصباح توفي 70 أسيراً ماتوا خنقاً، وتم دفنهم داخل حفر بالمطار وتم ردمها بالجير الحي.
وقال عثمان: «في مطار العريش أيضاً أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين الذين وقعوا في الأسر بأن يقوموا بدفن الأسرى من الجنود المصابين، وهم أحياء وكان عددهم أربعمئة جندي من المصابين الذين كانوا في سيارات الجيش الإسرائيلي، وفي معسكر بئر السبع قام الجنود الإسرائيليون بإعدام نحو مئة ضابط مصري صفاً على حائط ضرب النار بعد عصب أعينهم وضربهم بالعصي، وقام المدنيون المصريون بدفنهم، وإلقاء الجير الحي عليهم بأوامر من اليهود».
بدوره، روى الجندي السابق حسن تمام هنداوي، الذي كان أحد أفراد الكتيبة رقم 103 صاعقة، أنه شاهد الدبابات الإسرائيلية تدهس الأسرى المصريين بعد استسلامهم في منطقة العقبة عام 1967، وكان اليهود يشحنون الأسرى المصريين في سيارات، ثم يرمونهم بالصحراء ويطلقون النار عليهم ويتركونهم جثثاً هامدة.
وأشار الجندي السابق معتمد زكي عبد الله، وهو من أفراد السرية 33 اشارة بالكتيبة 12 مشاة، إلى أن الإسرائيليين في مطار المليز كانوا يفتحون حنفيات المياه ومن يجري إليها من الأسرى المصريين يطلقون النار عليه فسقط العشرات منهم، وأثناء وجوده في بئر سبع بعد نقلهم من مطار المليز كان اليهود يأمرون الأسرى المصريين بالانبطاح على بطونهم، ثم تدهسهم الدبابات.
أما الجندي السابق ياسين أحمد عبد العليم شعبان، من أفراد سلاح الإشارة أسر عام 1967، فيروي أنه قد تم أسره برفقة 1500 أسير مصري بمنطقة بجوار الحسنة وجمعوهم في مدرسة الحسنة الابتدائية لمدة يومين، وكانوا يطلقون الرصاص فوق رؤوسهم للتهديد وقد توفي البعض من الرصاص المنهمر عليهم، ثم نقلوهم إلى معسكر بئر السبع، وكانوا يوزعون رغيفاً واحداً لكل خمسة أسرى ويأمرونهم بتحية العلم الاسرائيلي صباحاً ومساء، ثم نقلوهم إلى عتليت في ظروف بالغة الوحشية والقسوة.
ولفت شعبان إلى أنه قد حكى له أحد الجنود المصريين من الأسرى أثناء وجودهم بمعسكر عتليت أن آرييل شارون داس بالدبابات على عدد من الجنود المصريين فقتلوا جميعاً.
ووصف الرقيب أمين درويش لـ»الراي» ما تعرض إليه الأسرى العزّل بالفضيحة، إذ كان القتل يتم بدم بارد وبأسلوب يتسم بالتسلية واللعب، متهماً الجيش الإسرائيلي بتعمد قتل الأسرى الذين يجيدون القراءة والكتابة فور وقوعهم في الأسر. أما الجنود الأميون فيتم نقلهم إلى داخل إسرائيل في معتقلات بصحراء النقب وفي عتليت شمال حيفا، وأكد درويش تعمد الاسرائيليين سرقة الأعضاء الداخلية لهؤلاء الجنود، خصوصاً الكلى عن طريق عمليات جراحية وهمية.
وعن الأيام العصيبة التي أعقبت الانسحاب العشوائي للقوات المصرية بعد يوم 5 يونيو 1967 وكيف تعرضوا إلى القنص بالطائرات وقنابل النابالم الحارقة والمحرمة دولياً على أرتال الدبابات المصرية، قال درويش:
«كنا في حالة نفسية سيئة للغاية، ومرارة الهزيمة قطعت حلوقنا أكثر مما فعله العطش والحرمان من المياه لثمانية أيام في صيف سيناء الملتهب»، مضيفاً كيف قتل الضباط الإسرائيليون نظراءهم المصريين ومنهم الملازم أول محمد ممدوح عبد الحميد قائد سرية المهندسين العسكريين برصاص المدافع ذاتية الحركة بعد أن أوهموهم بالسماح لهم بشرب المياه. أما صف الضباط فكان حظهم أسوأ حين هرستهم الدبابات، ومنهم حكمدار السرية الرقيب أول عبد اللطيف أحمد العابدي.
وتابع درويش: «بعد أربعة أيام من التيه في الصحراء كانت عربات الجيب الإسرائيلية تجوب سيناء للبحث عن ناجين وجرحى من بين الجثث المكومة وبمساعدة المروحيات وقعت في الأسر مع اثنين من أفراد سريتي. وبعد أن أسرونا نقلونا إلى معسكر اعتقال محاط بأسلاك شائكة في منطقة الحسنة، يشرف عليه الجنرال الإسرائيلي إريبيسة بيرم».
وقال درويش: «كنا مئات عدة من الأسرى واختلط الضباط المصريون بالعساكر بعد أن نزعوا (الكتافات) والرتب، ما دفع الإسرائيليين لابتكار حيلة لاصطياد الضباط وحرمونا من الماء ثلاثة أيام في المعسكر، ثم أحضروا (فنطاس مياه) به حنفيات، ورغم تهديد الرشاشات اندفع الجميع للحصول على شربة ماء لكنهم قالوا: الضباط يشربون أولاً. وبالفعل انطلت الحيلة على الضباط المصريين، وانطلقوا باتجاه الفنطاس، وما ان التقطت أفواههم الحنفيات حتى انهمر سيل الرصاص من المدافع ذاتية الحركة، وأبيدوا جميعاً أمام أعين العساكر».
وأضاف: «كان الرعب يتملكنا والماء المنهمر يغسل دماء الضباط الشهداء، وقال لنا ضابط إسرائيلي: (هؤلاء الضباط يظلمونكم ويميزون أنفسهم عنكم). وفي اليوم التالي فرزوا ضباط الصف وربطوا أيديهم إلى ظهورهم ومددوهم على الأرض، وجاءت دبابة اسرائيلية مرت فوق رؤوسهم وهرست أجسادهم مع الرمال، بعد أيام فوجئنا بالعساكر الإسرائيليين يطلبون من الجنود المصريين كتابة أسمائهم لتسليمها إلى الصليب الأحمر الدولي. لكن ما إن أمسك الجنود بالورق والأقلام حتى قتلتهم القناصة من أبراج حراسة المعسكر، واكتشفنا أنهم فعلوا ذلك للتخلص من جميع القادرين على القراءة والكتابة».
وعن قصص هروبه يقول درويش: «الأولى حينما لاحظت فتحة في الأسلاك الشائكة في سور معسكر الاعتقال بالحسنة، فاتفقت مع عشرة عساكر أن نهرب وجرينا مع أول غفلة للحارس في المساء، فاكتشف الإسرائيليون أمرنا وأطلقوا الرصاص والطلقات الكاشفة، لكنني دفنت نفسي في الرمال وواصلت الهرب بين منطقة المليس والقنطرة. وهنا وقعت في الأسر للمرة الثانية، وأمر ضباط دورية اسرائيلية بنقلنا في سيارات إلى شرق العريش، حيث معسكر الاعتقال الكبير، وكان عبارة عن مربع مساحته كيلو متر مربع، حفروا حوله قناة مياه، لا يمكن الشرب منها، جلسنا في المعسكر الذي وصلته أول يوليو 1967، وجاء قائد المنطقة بصحبة موشي دايان وكان الإسرائيليون يرفعون دايان في الهواء ويهتفون باسمه».
ويضيف: «كان اليهود يتعمدون إيذاءنا نفسيا...العطش يذبحنا، ولا يمكننا الشرب من القناة المحيطة وذات يوم استخدمت الحذاء الميري في الشرب، جمعت أربطة الأحذية من زملائي ورميت (البيادة) من فوق السلك الشائك.
وبالفعل شربنا أكثر من مرة بهذه الطريقة، حتى اكتشفنا ذات مرة القائد الإسرائيلي النقيب بنيامين بن اليعازر، وكان يتكلم العربية بلهجة عراقية. وسأل بن إليعازر عن الفاعل ولزمت الصمت، فقال له أحد العساكر المصريين (كنا عطشانين) ورد عليه (خوش)، وهي كلمة عبرية تعني (كويس) ثم أطلق عليه النار».
وتابع: «ثم أمر بن إليعازر بنزع أحذيتنا من معسكر الاعتقال لحرماننا من الشرب فيها، ونقلونا عراة في سيارات عسكرية إلى داخل إسرائيل، وفي وسط تل أبيب كانت أيادينا مكبلة في السيارات المكشوفة، وطلاب المدارس الإسرائيلية يسخرون منا ويقذفوننا بالحجارة والزجاج، حتى وصلنا إلى قاعدة عتليت شمال حيفا، وكانت معسكراً مهجورا للقوات الإنكليزية، مليئا بالثعابين والنحل والشوك وطوال ثلاثة شهور كان يصرف لنا ربع رغيف (توست) كل يوم (ناكله حاف)، وأكملت عاماً في هذا المعسكر، حتى لاحظنا أن الإسرائيليين يأخذون بعض الجنود الأسرى لإجراء فحوصات طبية. وفوجئنا بزملائنا يعودون من المستشفى وبطونهم مفتوحة، وأجريت لهم عمليات جراحية، وبعد فترة يأخذون الأشخاص أنفسهم لكنهم لا يعودون.
وتيقنا أنهم يسرقون كلى المصريين وأعضاءهم الداخلية، حتى جاء علي الدور بعد فحوصات عدة، وفي يوم اجراء العملية الإسرائيلية قررت الهرب أو الموت، وكنت ممدداً على النقالة في سيارة جيب بصحبة ثلاثة عساكر وطبيب إسرائيلي وقمت بضرب مقود السيارة على رأس تبة، ونطقت بالشهادتين، وانقلبت السيارة وهربت ومكثت عند (عرب إسرائيل) وعالجوني من الحادث وهربت إلى العريش في بالات الزبالة. وبمساعدة بدو سيناء، وصلت إلى قناة السويس عند الدفرسوار، وسبحت إلى منتصف المعبر الضيق، حتى تلقفتني دورية صاعقة مصرية في ساعات الفجر الأولى، ونجوت بأعجوبة وكان أول من استقبلني اللواء علي عبد الخبير، وعدت إلى منزلي لأكتشف أن أهلي أقاموا سرادق عزاء، ولم يصدقوا أنني نجوت».
أما الرقيب السابق حمادة عبد اللطيف فيشير إلى أنه كان موظفاً عادياً جاء عليه الدور للتجنيد، وكانت وحدته يوم 5 يونيو عند منطقة جبل الكونتيلا مع حدود إسرائيل، وهي المنطقة الحدودية التي تركها المراقبون الدوليون، وتم إعداد مواقع النيران وكان حكمدار مجموعة مدافع جيردنوف، ففوجئ في الصباح بحصار الكتيبة وتم ضرب القائد، فانقطعت الاتصالات وبدأ الانسحاب العشوائي لدرجة أن البعض كان يذهب نحو إسرائيل من دون أن يدري.
وقال عبد اللطيف: «إن عدد الكتيبة كان نحو ستمئة فرد، وبعد 16 يوماً من الحصار والمطاردات كنت أشرب، من بولي وفجأة انقطع البول نظراً إلى عدم وجود أي طعام أو شراب فقط كنت آكل حشائش وأشياء من هذا القبيل، وفي اليوم السادس عشر وقعت في الأسر، حيث تم اعتقالي في منجم قديم حوّلته القوات الإسرائيلية إلى معسكر للأسرى، تم تعصيب أعيننا جميعاً، وذهبنا إلى معسكر آخر فوجدت أكثر من 650 فرداً، وكان هذا المعسكر في صحراء النقب تقريباً، وقضينا فيه 45 يوماً من الفظائع والانتهاكات والتعذيب اليومي».
وأضاف: «وصلنا إلى المعسكر الخاص بالأسرى، وكانت جروحي كثيرة وفي معظم جسدي، وهو ما أصابني بحمى تيفودية إلا أن أحداً لم يهتم بهذه الجروح، وفي الصباح الباكر كنا نقف في طابور تمام، ويمر أحد القادة بين الصفوف ويشير إلى عشرة من الأسرى، فيندفع العساكر إلى الصفوف لاستخراج الأسرى الذين أشار إليهم القائد ويقف جنود الاحتلال أمام هؤلاء العشرة، وتعطى إليهم الأوامر بإطلاق النار على الأسرى، وبعد قتلهم تقوم عربة مدرعة بسحبهم إلى خارج المعسكر، ثم تعود بعد ذلك وهي خالية، حيث تلقي بهم في أقرب مكان، وذلك كله يتم ونحن في (طابور الذنب) من دون أن يحرك أحدنا ساكناً لأن الذي يعترض أو يتحرك يكون مصيره الموت. وكان الطعام المقرر عبارة عن كيس بسكويت بالكمون، وهو لا يكفي لإطعام طفل أو قطة، وعندما نحاول طلب المزيد توجه إلينا اللكمات والضرب».
وتابع عبد اللطيف: «في الليل كنا نجلس في عنابر صغيرة جداً كل 24 أسيراً في عنبر، وكنا نخاف من الكلام والحزن يخيم علينا لأننا نعيش في حالة انتظار دائم للموت، وبمرور 45 يوماً كان هناك 450 جندياً وضابطاً من الأسرى البالغ عددهم 650 أسيراً من مختلف الرتب قد لقوا حتفهم وهم عزل وأسرى ولم يتبق سوى 250 أسيراً، وأنا منهم وبمرور الأيام حضرت إلينا إذاعية اسرائيلية، وكانت تسألنا عن أسمائنا واسم الكتيبة، ومنذ ذلك الوقت عرفت أننا أحياء، لأنه أعقب ذلك حضور الصليب الأحمر الدولي، وتم إدراج أسمائنا في كشوف. وعند حضور الصليب الأحمر كنت غارقاً في دمي والمرض كان قد اشتد علي، فتركني الجنود في العنبر، وعندما وقف الأسرى في (طابور علم موسى) كنت مازلت في العنبر فأمر بإخراجي من العنبر، فحملني أحد أصدقائي، وكان اسمه محمد محمد نوار من بنها (دلتا مصر)، وكشف عليّ الصليب الأحمر وتم ترحيلي أنا وزميلي ناجح خليفة بطرس للقنطرة شرق، ثم اتجهنا نحو القنطرة غرب من خلال لنش (زورق مائي)، وهناك دخلنا المستشفى معاً، وخلال وجودي في المستشفى شعرت أن المعاملة سيئة للغاية، إذ رفض طبيب المستشفى الاتصال بأهلي أو أسرتي لأنني جندي».
بدوره، تحدث الجندي أمين عبد الرحمن عطية عن معاناته: «تم استجوابي أكثر من عشر مرات، ووضعوني في الحبس الانفرادي، وسئلت عن التسليح وأنواع المدفعية وضربوني بالكابلات الكهربائية، وأطلقوا عليّ الكلاب، كما تم ترغيبي بالمخدرات والنساء، ثم قاموا بتعليقي وضربي بالكرباج ووضع عصا غليظة في الأماكن الحساسة».
وقال طغيان شعيب جيد: «قام الجنود الإسرائيليون بضربنا بكعب البندقية ما تسبب في إصابتي بانزلاق غضروفي أعاني منه حتى الآن، وعلقوا لنا نجمة داود على (الأفرولات) التي نلبسها، لقد شاهدتهم يضربون بعض الأسرى بالنابالم في وجوههم».
واستعرض اللواء متقاعد حمدي شعراوي ما حدث لهم في معسكر بئر السبع: «تم تجميعنا وكانوا ينادون على الأسرى، ثم تجري تصفيتهم، ولا نراهم بعد ذلك. وعندما نقلونا إلى معسكر عتليت بالقرب من حيفا كانت السيارات تقف في الأماكن المزدحمة بالإسرائيليين حتى يقوموا بالبصق وإلقاء الحجارة علينا».
وأكد الحاج حسن حسين الملاح من سيناء «أن الجنود الإسرائيليين كانوا يجمعون الأسرى المصريين بعربات النقل ويوهمونهم بأنهم سينقلونهم في أتوبيسات للتوجه إلى منطقة القناة ويأمرونهم بالوقوف صفوفاً ووجوههم متجهة إلى البحر ثم يطلقون عليهم الرصاص ويتركونهم قتلى ويغادرون المكان وتتوالى العملية نفسها في أفواج عدة من الأسرى الذين بلغ عددهم التقريبي ثلاثمئة أسير. إن هذه الجثث ظلت على سطح الأرض أكثر من عشرة أيام حتى تمكن بعدها أهالي المنطقة من دفنها في هذه المنطقة».