مجاهدون
06-07-2007, 11:00 AM
أمير الأخضرية» يكشف «أسرار الجبل» وتصفياته الداخلية
الجزائر – كميل الطويل
الحياة - 07/06/07//
http://www.alhayat.com/special/features/06-2007/Item-20070606-01fe05d2-c0a8-10ed-01b1-6996c36a2764/omar_15.jpg_200_-1.jpg
عمر شيخي. (الحياة)
لم ينج سوى قلة من قادة الجماعات المسلحة الذين صنعوا الأحداث في التسعينات لكي يرووا حقيقة ما كان يحصل في معاقلهم في جبال الجزائر. ومن بين هؤلاء الناجين، اختارت الغالبية الصمت.
عمر شيخي (أبو رقية) ليس واحداً من هؤلاء. فـ «أمير الأخضرية» في ولاية البويرة (جنوب شرقي العاصمة الجزائرية)، لا يُخفي أنه كان واحداً من أقرب المقربين لقادة «الجماعة الإسلامية المسلحة»، بما في ذلك جمال زيتوني وعنتر زوابري، وهما الرجلان اللذان يوصفان بأنهما أكثر قادة الجماعات تطرفاً ودموية.
لقد كان في الحقيقة واحداً من قلة يشكلون «الحلقة الضيقة» المحيطة بهما، حتى حين بدأ ينفك «عقد الجماعة» وينفر من حولهما قادة الكتائب وأمراء المناطق. وانطلاقاً من هذه الصلة الشخصية التي يملكها بـ «أمراء الجبل»، يستطيع عمر تقديم رواية لا يعرفها إلا «قلة القلة» عن «أسرار» ما كان يحصل بين قادة الجماعات: خلافاتهم و «محاكم التفتيش» التي أقاموها، والتصفيات التي طاولت كثيرين منهم.
يعيش شيخي في العاصمة الجزائرية اليوم. فهو نزل من الجبل في النصف الثاني من عقد التسعينات. يُحكى أنه لم ينزل بمحض إرادته، إذ أن أجهزة الأمن اعتقلته قبل أن يتوصل إلى اتفاق معها على تسوية وضعه بموجب قوانين المصالحة الوطنية والوئام المدني. نزل عمر شيخي من الجبل، لكنه ترك هناك شقيقه العضو الآخر في «الجماعة المسلحة» الذي قُتل في معركة مع قوات الأمن الجزائرية في 1994. ترك هناك أيضاً ثلاثة من أشقاء زوجته، قُتلوا جميعاً على يد قوات الأمن خلال معاركها مع «الجماعة» في التسعينات. ترك هناك أيضاً كثيرين من رفاقه السابقين من قادة الجماعات وعناصرها، وجزءاً من عمره.
يحاول شيخي أن يعيد بناء حياته مجدداً بعد سنوات طويلة قضاها في ما يُطلق عليه الجزائريون «الكازمات»، وهي كناية عن مخابئ للمسلحين في الجبال. لكنه يعرف أنه لا يستطيع الفرار إلى الأبد من «ماضيه». ابنته رقية التي بلغت الحادية عشرة تسأله عن عمها وأخوالها الثلاثة. «أقول لها أنهم ماتوا في حادث سير. لكنني أعرف أنها لم تعد تصدقني. لا بد أنها تسمع أخباراً من زميلاتها ورفاقها والجيران. ابني ما زال صغيراً (8 سنوات). لكنه سيعرف الحقيقة بلا شك».
في ما يأتي رواية شيخي الذي التقته «الحياة» مرتين في الجزائر الشهر الماضي، لـ «أسرار الجبل».
الالتحاق بـ «الجبل» ونشأة «الجماعة المسلحة»:
«كنا ننشط في مجموعة تُعرف باسم «جماعة الأخضرية»، وكانت محسوبة على «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». وعلى رغم أننا لم نبدأ العمل المسلح سوى بعد الغاء الانتخابات في 1992، إلا أنني كنت متوارياً منذ صيف 1991 عندما حصل صدام بيننا وبين قوات الأمن التي أرادت نزع شعار «البلدية الإسلامية» عن بلدية الأخضرية ووضع شعار «من الشعب وإلى الشعب» مكانه. فبدأنا التحضير للعمل المسلح.
اتصلنا بجماعات عدة كانت ناشطة في تلك الفترة – مثل جماعة الأخ عبدالقادر شبوطي (حركة الدولة الإسلامية) والأخ منصور الملياني (جماعة الأفغان) والأخ محمد علال (موح ليفيي) الذي كانت لديه مجموعته التي تضم من بين عناصرها علي زوابري (شقيق عنتر زوابري) وعبدالحق العيادة (الأمير الأول لـ «الجماعة الإسلامية المسلحة»). وكانت هناك أيضاً مجموعة مستقلة هي مجموعة توفيق حطاب (الذي قتل رئيس الوزراء السابق المسؤول السابق للاستخبارات قاصدي مرباح، وهو الأخ الأكبر لحسان حطاب، مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» لاحقاً). (...) بعد فشل اجتماع تمزقيدة (لوحدة الجماعات المسلحة في نهاية آب (أغسطس) وأول أيلول (سبتمبر) 1992 عُقد لقاء في منطقة براقي (ضواحي العاصمة)، حضره ثمانية أشخاص تقريباً، وفيه تأسست «الجماعة الإسلامية المسلحة» وعُيّن عبد الحق العيادة (أبو عدلان) أميراً عليها.
(...) واستمر العيادة أميراً على «الجماعة» حتى صيف 1993 عندما اعتقل في المغرب، فعُقد اجتماع في منطقة بوقرّة (أحد معاقل «الجماعة» في ولاية البليدة) نُصّب فيه الأخ عيسى بن عمار أميراً. لكن قوات الأمن سرعان ما قتلته بعد أسابيع من تعيينه، فحل محله مباشرة جعفر الأفغاني (مراد سيد أحمد). وكان جعفر مقاتلاً من الطراز الرفيع، ودامت إمارته حتى شباط (فبراير) 1994 عندما قتلته قوات الأمن، فحل محله الضابط الشرعي لـ «الجماعة» شريف قوسمي الذي حصلت في عهده «الوحدة» تحت راية «الجماعة» (ضمت تياراً من «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بقيادة الشيخ محمد السعيد، وممثلين عن «حركة الدولة الإسلامية» التي يقودها عبدالقادر شبوطي والسعيد مخلوفي النقيب السابق في الجيش الجزائري). (...) وبعد الوحدة (التي أُعلنت في أيار (مايو) 1994)، جرت جهود لضم «الجيش الإسلامي للإنقاذ» إليها، ولكن من دون جدوى. ثم قُتل شريف قوسمي في أيلول 1994 فحل محله جمال زيتوني».
«رسائل الإنقاذ»
في تلك الفترة (بين 1993 و1995) حصلت اتصالات بين الحكم الجزائري وشيوخ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المعتقلين وعلى رأسهم الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج من أجل التوصل إلى اتفاق على وقف العنف في البلاد. وبناء على تلك الاتصالات، أوفد قادة «الإنقاذ» بعض شيوخ الجبهة المفرج عنهم إلى «الجبل» للقاء قادة الجماعات المسلحة سراً. فتم الاتصال بـ «جيش الإنقاذ» و «الجماعة المسلحة». فما هي قصة ذلك الاتصال؟
يقول عمر شيخي:
«اتصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بنا فعلاً في تلك الفترة. أجرت الجبهة في الحقيقة اتصالين: ذهب القياديان عبدالقادر بوخمخم وعلي جدي إلى «جيش الإنقاذ» في منطقتي الشرق والغرب للقاء «الأمير الوطني» مدني مزراق في الشرق وأحمد بن عيشة «أمير منطقة الغرب»، في حين اتصل بنا كمال قمازي. صعد إلى الجبل لعندنا في منطقة بوقرة، في إمارة جمال زيتوني. فقلنا لقمازي وكنا أنا وزيتوني وعنتر زوابري و «أبو صالح» ومحمد السعيد:
شهادة لله، هل نحن في جهاد أم لسنا في جهاد؟ فقال: أنتم في جهاد. فتناقشنا في الأمر. خُصص له ولمحمد السعيد خيمة، ناما فيها. ومن جملة ما قاله محمد السعيد رحمه الله: إذا ذهبت إلى الشيخ علي بن حاج (حيث كان موضوعاً في «إقامة» تابعة للدولة في العاصمة، في انتظار جلاء نتيجة اتصال قادة الجبهة بالجماعات المسلحة) قُل له رجاء أن لا يذكر في كتاباته «الجماعات الإسلامية المسلحة»، فهذه دعوة إلى التفرقة.
نحن توحدنا (عام 1994) في إطار «الجماعة الإسلامية المسلحة»، والإنسان الذي لا يريد الإنضمام إلى «الجماعة الإسلامية المسلحة» هو إنسان يريد التفرقة. (...)
وقال قمازي من جملة ما قال إن الدخول والخروج إلى «جنان المفتي» (الإقامة الرسمية الموضوع فيها بن حاج) سهل وبسيط. سأدخل وأبلغ الشيخ بن حاج والشيوخ (شيوخ الجبهة) كيف تجري الأمور، وأعود إليكم مقاتلاً. وكان هناك بعض المعارضين في «الجماعة» الذين قالوا إننا لن نتركه ينزل من الجبل. عليه أن يقعد هنا. لكنه قال إن عليه أن يذهب لإبلاغ الشيخ علي بن حاج بما يحصل. فقلنا له إنه يمكنه ذلك. أما ما جرى بين علي جدي وبوخمخم وقادة «جيش الإنقاذ» فإن الله أعلم به. لم تصلنا أخبارهم».
ويوضح شيخي: «صعد قمازي إلينا في إمارة زيتوني، لكن الاتصال مع علي بن حاج تم قبل ذلك في إمارة شريف قوسمي. وقال علي بن حاج في رسالته التي كانت في جيب قوسمي عندما قُتل (في أيلول 1994): واصلوا الجهاد، وإذا خرجت (من السجن) سأكون جندياً معكم. وفي الحقيقة، كانت هناك رسالتان من بن حاج في عهد زيتوني. الأولى يدعو فيها إلى الحوار ويقول إن علينا أن نتحاور ويحضنا على قراءة كتاب عن طريقة الحوار مع العدو.
واعتقد أنه أرسل لنا نسخة منه. أما الرسالة الثانية فكانت رداً على رسالة بعث بها زيتوني إليه يطلب فيها رأيه في شأن التصوير من الناحية الشرعية ويشتكي له من جماعة مزراق («جيش الإنقاذ») ورفضهم الانضمام إلى الوحدة وكيف أنهم يتحدثون باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فرد بن حاج في رسالته، كما أذكر، انه من ناحية التصوير يجب اتّباع أقوال العلماء، فهناك فتاوى للألباني وابن باز (توضح) كيف أن التصوير يكون للضرورة، ويعطي رأيه هو في المسألة. أما الشق الثاني من الرسالة فيقول فيها عن مدني مزراق إنه أخ لنا وعندما أخرج من السجن، بإذن الله، أوحّدكم. لكن الرسالة لم تُرض «الجماعة»، وانقطعت العلاقة مع قادة «الإنقاذ». كذلك تلقينا رسالة من الشيخ عباسي مدني عن الحوار، لكن رسالته لم يكن مفهوماً ماذا يقصد منها».
في نهاية عهد شريف قوسمي تولى «إمارة الجماعة» محفوظ طاجين (أبو خليل) لفترة وجيزة جداً. لكن جمال زيتوني قاد تياراً ممن يُطلق عليهم «السلفيين» في «الجماعة» وتولى الإمارة بنفسه. فما حقيقة ما حصل؟
يقول عمر شيخي: «عندما قُتل شريف قوسمي في أيلول 1994، كان معروفاً أن محفوظ طاجين هو نائبه الأول. لكن الخلافات كانت قائمة اذ اتهم محفوظ طاجين بأنه شيعي وجزأري (نسبة إلى تيار «الجزأرة»). كانت هناك أمور كثيرة جداً ضده. حتى في بعض المراكز (مراكز «الجماعة») كانت تجرى نقاشات في شأن محفوظ. أبو عبدالله أحمد (شريف قوسمي) اعتبر أن هناك من يُطلق اتهامات ضد محفوظ، ربما لا تكون صحيحة. غير أنه اقتنع في النهاية بأن ما يُقال ضده صحيح: صحيح انه ينتمي إلى «الجزأرة» وإلى الشيعة، وكان يستعد لفتح تحقيق في شأنه.
لكن الأقدار جاءت متسارعة. وعندما قُتل قوسمي، اجتمع أعضاء في مجلس الشورى - مثل خالد الساحلي و «أيوب» و «علي الأفغاني» - وكان هناك «أمير» و «نائب أمير»، وطبيعي أنه إذا قُتل الأمير يحل نائب الأمير محله. لكن مجموعة كبيرة من أمراء السرايا في العاصمة لم يرضوا بمحفوظ. وكذلك بعض المناطق لم ترض به. واجتمعت مجموعة في «المنطقة الأولى» وصعد معها زيتوني (إلى مقر «الجماعة») وحصل اجتماع تنازل فيه محفوظ طاجين عن الإمارة لمصلحة زيتوني.
وما هي خلفية الاتهامات ضد محفوظ بأنه «شيعي»؟
يقول عمر شيخي: «كان إرساله مقاتلين للتدرب في لبنان أحد الأسباب التي أثارت الشكوك حوله. سأله قوسمي عن هذا الأمر آنذاك، فأجابه بالحرف الواحد: نحن نستعمل الشيعة الإيرانيين، ولا نمشي في منهجهم. فقال له قوسمي: إن الشيعة لا يمكنك أن تستعملهم فهم سيستعملونك. حذار ثم حذار. لقد أرسلت وفداً (إلى «حزب الله» في لبنان) فحاذر أن ترسل وفداً آخر. لكن محفوظ لم يكترث بذلك. فهيأ دفعة ثانية ذهبت إلى لبنان. فُتح تحقيق مع الناس الذين ذهبوا الى لبنان، وأنا من الذين حققوا معهم. كان تحقيقاً عادياً. لم يكونوا راضين عن التدريبات، (وقالوا إن) منهجهم ومنهجنا مختلفان.
كانوا ينزلون إلى سورية ومنها إلى لبنان. ممثلهم يدعى رشيد ع. كان يتخذ من سورية مركزاً له. كان ممثل محفوظ في الحقيقة، لكنه كان يعمل بوصفه ممثلاً لـ «الجماعة». وفي إمارة زيتوني، قال له («الأمير») أن يعود من سورية إلى الجزائر، لكنه رفض. قال إن أميري محفوظ».
وكيف بدأت تلك العلاقة بين محفوظ والإيرانيين؟
«محفوظ ذهب بنفسه إلى لبنان حيث بقي قرابة ستة شهور. كان ذلك في 1991 عندما أراد الذهاب إلى حرب العراق (كانت مجموعة كبيرة من الجزائريين حضّرت نفسها للذهاب إلى العراق لـ «الجهاد» ضد القوات الأميركية خلال حرب الخليج في 1991). ذهب محفوظ إلى سورية آنذاك، وهو يقول، بحسب روايته، انه كان يريد الذهاب إلى العراق، فإذا به يلتقي صدفة (في سورية) فتحي الشقاقي زعيم «الجهاد الإسلامي» الفلسطيني. فقال: ماذا تفعلون هنا (لمجموعة الجزائريين)؟ تحدثا في دردشة قصيرة، وقال له فتحي الشقاقي (اغتالته إسرائيل في التسعينات) إذا أحببتم أن تنزلوا إلى لبنان نسهّل لكم الأمور.
فقال محفوظ: ما في إشكال، ننزل الى لبنان. نظّم لهم الشقاقي الأمور. تركهم في فيلا، وبعد فترة تم إدخالهم إلى لبنان حيث بقوا ستة شهور. دخلوا عن طريق فتحي الشقاقي. وهو يقول لنا إنه صلّى مع الشيعة، وفعل معهم كذا وكيت. لكننا لم نأخذ عليه قضية دخوله إلى لبنان آنذاك. ولكن بعد فترة بدأنا نرى رسائل تصله من مشايخ الشيعة في سورية، وهو أمر أخاف «الجماعة». كانوا (مشايخ الشيعة) يتعاملون مع محفوظ مباشرة (من دون المرور بقيادة «الجماعة»)».
ويروي شيخي قصة حصلت في الجبل بعد تنازل محفوظ طاجين عن الإمارة: «بقي محفوظ عضواً في مجلس الشورى لـ «الجماعة» بعدما تنازل عن الإمارة لمصلحة زيتوني. وأذكر أننا كنا نسير في سيارة على الطريق في منطقة بوقرة (معقل «الجماعة»)، فإذا بنا نلتقي ببعض الأخوة. لكن المكان كان مظلماً، فاعتقدنا أننا وقعنا في كمين للجيش. لكن الأخوة كانوا من جماعتنا. هم عرفونا لكننا لم نعرفهم. ففتحنا أبواب السيارة وقفزنا منها. رمى محفوظ بنفسه فأصيب بكسر. جلس مدة طويلة وهو مجبّر. نزل إلى العاصمة وارتاح. وكنا نُرسل وراءه إذا احتجنا إليه».
شخصية زيتوني
من هو جمال زيتوني، «الأمير» الذي بدأت «الجماعة المسلحة» تنحو في عهده منحى تكفيرياً وفُتحت في أيامه «محاكم التفتيش» ضد عناصر الجماعة أنفسهم؟
يقول شيخي: «اسمه الحقيقي جمال زيتوني، مولود سنة 1968 في منطقة بير خادم في العاصمة. مستوى تعليمه متوسط، لكنه يُحسن اللغة العربية والفرنسية. تكوينه الشرعي متوسط، وهو تتلمذ على يد شريف قوسمي ويقرأ الأمور الشرعية عنده.
كان يقوم بعمل تجاري (لديه محل لبيع الدجاج). متزوج وليس لديه أطفال. كان نائب رئيس المكتب التنفيذي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في منطقة بير خادم. اعتُقل في أحداث 1991 وبقي في المعتقل في الصحراء قرابة خمسة شهور أو ستة. ولما خرج من المعتقل التحق بالعمل المسلح. كان صديقاً لجعفر الأفغاني (الأمير الثالث لـ «الجماعة»).
كان إنساناً مقاتلاً بالغ الشجاعة، ويحب أهل العلم والضباط الشرعيين ويحترمهم كثيراً. (...)في البداية عين «أمير سرية» في منطقة بير خادم، ثم أصبح أمير «كتيبة الشهداء» في العاصمة. وهو مؤسس «الكتيبة الخضراء» وأميرها. كان ينتقي أفرادها من الكتائب المختلفة. يختار الأفضل أخلاقاً وطاعة وقتالاً. إذ يختارهم بنفسه. وكان عدد أفرادها في البداية حوالي 40، لكن الرقم كان يزيد وينقص. كانت كتيبة تابعة له مباشرة. فيها ديوان الأمير وحرسه الخاص.
(...) وزيتوني هو من اختار معقل «الجماعة» في بوقرة، وهي منطقة جبلية كبيرة. اكتشف الجيش معاقل «الجماعة» في مناطق البليدة ودخلها, لكن في بوقرة كانت هناك بعض المواقع لم يتمكن (الجيش) من الوصول إليها. فاختارها زيتوني مقراً لـ «الجماعة» بالاتفاق مع بعض عناصر «الكتيبة الخضراء».
قالوا له: اختر أنت منطقة، أو نحن نختارها لك. فاختار هو المنطقة. وتقرر أن يكون أعضاء مجلس الشورى وأعضاء هيئة الحل والعقد معه دائماً، في حين أن الناس الذين كانوا كثيري التحرك لا يأتون إلى المركز (مقر قيادة «الجماعة»). وإذا جاؤوا إليه، فإنهم يأتون بطريقة لا تسمح لهم بمعرفة الموقع، كأن يتم عصب أعينهم أو يأتون ليلاً في سيارة مغلقة. كانت تلك طريقته، ونحن وافقنا عليها. وأقمنا قرابة ثلاثة مراكز قيادة في بوقرة وكان زيتوني ينتقل فيها من منطقة إلى أخرى. وميزة بوقرة إنها منطقة جبلية تقابل منطقة الشريعة ومنطقة المدية، والجيش لم يعرف بمناطق تمركز قيادة «الجماعة» آنذاك في بوقرة، فلم يشن علينا هجمات».
الصراع مع «التكفيريين»
نأت «الجماعة المسلحة» في التسعينات بنفسها عن «التكفير»، ووصفت نفسها بأنها «جهادية سلفية»، قبل أن يتبنى زعيمها عنتر زوابري «الإمارة» في 1997 ويُكفّر عموم الشعب الجزائري في بيان «عموم الردة». فهل فعلاً لم تكن «الجماعة المسلحة» تكفيرية؟
يقول شيخي: «كانت «الجماعة» على صراع مع التكفيريين. بدأت المواجهات عندما اعتدى التكفيريون على عائلة رجل في الونشريس وسبوا بناته. فجاء هو وشكا إلى «الجماعة». فاقتحمت «الجماعة» مركزهم ووجدت فيه خليطاً من الأسلحة. ومن بين ما عثرت عليه سلاح من صنع عراقي.
وفي المرة الثانية حصلت مواجهة بالصدفة بين الطرفين، وقتلت «الجماعة» جميع التكفيريين الذين كانوا في المواجهة. لكن من حين إلى آخر كانت تحصل صدامات مع التكفيريين في جبال الونشريس».
تفكك «الجماعة»
في نهاية العام 1995 وبداية 1996 بدأت «الجماعة المسلحة» تتفكك إثر قتل جمال زيتوني ومجموعة من الأمراء المتحالفين معه زعيم تيار «الجزأرة» الشيخ محمد السعيد (ومعه عبدالرزاق رجام) بتهمة «التآمر» على «المنهج السلفي» لـ «الجماعة». فماذا حصل في تلك الفترة؟
يقول شيخي: «كلّف زيتوني قبل مقتله رضوان أبو بصير (مسؤول العلاقات الخارجية في «الجماعة») إقناع الجماعات بالبقاء في إطار «الجماعة المسلحة» على خلفية الانشقاقات التي حصلت إثر قتل محمد السعيد وعبد الرزاق رجام.
لكن فشل رضوان في إقناع الناس في عدم ترك «الجماعة» سبّب خلافات كبيرة بينه وبين زيتوني الذي شعر بأن رضوان - الملقّب «ماكادور»، وهو لقب لا يحبه إذ أنه اسم حارس مرمى لفريق كرة قدم في أوروبا، تخلى عنه. فشعر زيتوني أنه صار معزولاً. فعنتر زوابري فر الى منطقته بوفاريك وارتاح. وأنا قلت له إنني لن آتي اليه. جئت إلى العاصمة وارتحت لفترة، وكان يقول لي أنا مع السرية الفلانية والسرية الفلانية، فتعال لنلتقي، لكنني قلت إنني لن أستطيع أن أدخل في هذه المشاكل (على خلفية قتل السعيد).
فقال لي زيتوني أن أذهب الى الكتائب لأقنعها بأن لا تخرج عن «الجماعة». لكن كيف أستطيع إقناعهم؟ قلت له: إذا لم يستطع «ماكادور» أن يقنع الناس فكيف استطيع أنا.
أنت تدير مشاكل، وعنتر يدير مشاكل (بقتله جماعة «الجزأرة») ... لن اقوم بهذا الأمر. فبدأ زيتوني يبكي، ويبكي بغزارة. أَحب أن يورّطني، فقال لي أن أتولى مسؤولية العلاقات الخارجية (محل رضوان «مكادور»)، فقلت له: لا لن أتولاها. حملت سلاحي وذهبت أنا وعبد الرزاق البارا، المعتقل حالياً، في جولة من البليدة وحتى المدية تقريباً. وفي الطريق التقيت بـ «صخر الليبي» (من الأفغان الليبيين الذين كانوا يقاتلون مع «الجماعة»).
كان زيتوني قد تكلم معه وأعطاه صلاحيات. لكنني قلت لصخر: اذهب إلى ليبيا، لا تبقى هنا مع الكتائب تشرح لهم ضرورة البقاء في إطار «الجماعة» وعدم الخروج عليها. رجعت إلى مقر قيادة «الجماعة»، لكنني لم التق بزيتوني. راسلته مراسلة. وفي خلال تلك الرحلة جُرحت في الطريق، بعدما وقعت في كمين للجيش. أصبت في ساقي ولم استطع السير. فجاء مسؤول الديوان (في تموز/ يوليو 1996) وقال لي أن حسّان (أحد ألقاب جمال زيتوني) قُتل، سقط في كمين لجماعة الخارجين (عن «الجماعة»). فتولى الإمارة عنتر زوابري.
وفي تلك الفترة بدأت الناس تخرج من «الجماعة» أفراداً وجماعات. ومن بين الخارجين آنذاك «أبو خالد» (شواكري) الذي كان في أفغانستان وأبو لبابة الذي كان الحارس الشخصي لجمال زيتوني. وقد فرّا من «الجماعة».
وكانت لـ «أبي خالد» علاقة جيدة مع «صخر الليبي». وبعد فرار «أبو خالد» مباشرة راحوا (الموالين لعنتر زوابري) إلى صخر، وعذّبوه عذاباً شديداً (نزعوا قضيب بلاتين مزروع في يده، وهو حي). لم يكن عنتر حاضراً جلسة تعذيبه، فقد كان في مركز بعيد في منطقة البرواقية. كان مع كتيبة تدين له بالولاء التام. استنطقوه (لصخر) ولا أعرف ماذا قال لهم.
كما قتل زوابري رضوان «ماكادور» في 1997. كان رضوان في السنة الثالثة في الجامعة عندما التحق بـ «الجماعة». وقُتل أخوه سفيان أيضاً في الجبل في مواجهة مع الجيش عام 1993 أو 1994».
الجزائر – كميل الطويل
الحياة - 07/06/07//
http://www.alhayat.com/special/features/06-2007/Item-20070606-01fe05d2-c0a8-10ed-01b1-6996c36a2764/omar_15.jpg_200_-1.jpg
عمر شيخي. (الحياة)
لم ينج سوى قلة من قادة الجماعات المسلحة الذين صنعوا الأحداث في التسعينات لكي يرووا حقيقة ما كان يحصل في معاقلهم في جبال الجزائر. ومن بين هؤلاء الناجين، اختارت الغالبية الصمت.
عمر شيخي (أبو رقية) ليس واحداً من هؤلاء. فـ «أمير الأخضرية» في ولاية البويرة (جنوب شرقي العاصمة الجزائرية)، لا يُخفي أنه كان واحداً من أقرب المقربين لقادة «الجماعة الإسلامية المسلحة»، بما في ذلك جمال زيتوني وعنتر زوابري، وهما الرجلان اللذان يوصفان بأنهما أكثر قادة الجماعات تطرفاً ودموية.
لقد كان في الحقيقة واحداً من قلة يشكلون «الحلقة الضيقة» المحيطة بهما، حتى حين بدأ ينفك «عقد الجماعة» وينفر من حولهما قادة الكتائب وأمراء المناطق. وانطلاقاً من هذه الصلة الشخصية التي يملكها بـ «أمراء الجبل»، يستطيع عمر تقديم رواية لا يعرفها إلا «قلة القلة» عن «أسرار» ما كان يحصل بين قادة الجماعات: خلافاتهم و «محاكم التفتيش» التي أقاموها، والتصفيات التي طاولت كثيرين منهم.
يعيش شيخي في العاصمة الجزائرية اليوم. فهو نزل من الجبل في النصف الثاني من عقد التسعينات. يُحكى أنه لم ينزل بمحض إرادته، إذ أن أجهزة الأمن اعتقلته قبل أن يتوصل إلى اتفاق معها على تسوية وضعه بموجب قوانين المصالحة الوطنية والوئام المدني. نزل عمر شيخي من الجبل، لكنه ترك هناك شقيقه العضو الآخر في «الجماعة المسلحة» الذي قُتل في معركة مع قوات الأمن الجزائرية في 1994. ترك هناك أيضاً ثلاثة من أشقاء زوجته، قُتلوا جميعاً على يد قوات الأمن خلال معاركها مع «الجماعة» في التسعينات. ترك هناك أيضاً كثيرين من رفاقه السابقين من قادة الجماعات وعناصرها، وجزءاً من عمره.
يحاول شيخي أن يعيد بناء حياته مجدداً بعد سنوات طويلة قضاها في ما يُطلق عليه الجزائريون «الكازمات»، وهي كناية عن مخابئ للمسلحين في الجبال. لكنه يعرف أنه لا يستطيع الفرار إلى الأبد من «ماضيه». ابنته رقية التي بلغت الحادية عشرة تسأله عن عمها وأخوالها الثلاثة. «أقول لها أنهم ماتوا في حادث سير. لكنني أعرف أنها لم تعد تصدقني. لا بد أنها تسمع أخباراً من زميلاتها ورفاقها والجيران. ابني ما زال صغيراً (8 سنوات). لكنه سيعرف الحقيقة بلا شك».
في ما يأتي رواية شيخي الذي التقته «الحياة» مرتين في الجزائر الشهر الماضي، لـ «أسرار الجبل».
الالتحاق بـ «الجبل» ونشأة «الجماعة المسلحة»:
«كنا ننشط في مجموعة تُعرف باسم «جماعة الأخضرية»، وكانت محسوبة على «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». وعلى رغم أننا لم نبدأ العمل المسلح سوى بعد الغاء الانتخابات في 1992، إلا أنني كنت متوارياً منذ صيف 1991 عندما حصل صدام بيننا وبين قوات الأمن التي أرادت نزع شعار «البلدية الإسلامية» عن بلدية الأخضرية ووضع شعار «من الشعب وإلى الشعب» مكانه. فبدأنا التحضير للعمل المسلح.
اتصلنا بجماعات عدة كانت ناشطة في تلك الفترة – مثل جماعة الأخ عبدالقادر شبوطي (حركة الدولة الإسلامية) والأخ منصور الملياني (جماعة الأفغان) والأخ محمد علال (موح ليفيي) الذي كانت لديه مجموعته التي تضم من بين عناصرها علي زوابري (شقيق عنتر زوابري) وعبدالحق العيادة (الأمير الأول لـ «الجماعة الإسلامية المسلحة»). وكانت هناك أيضاً مجموعة مستقلة هي مجموعة توفيق حطاب (الذي قتل رئيس الوزراء السابق المسؤول السابق للاستخبارات قاصدي مرباح، وهو الأخ الأكبر لحسان حطاب، مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» لاحقاً). (...) بعد فشل اجتماع تمزقيدة (لوحدة الجماعات المسلحة في نهاية آب (أغسطس) وأول أيلول (سبتمبر) 1992 عُقد لقاء في منطقة براقي (ضواحي العاصمة)، حضره ثمانية أشخاص تقريباً، وفيه تأسست «الجماعة الإسلامية المسلحة» وعُيّن عبد الحق العيادة (أبو عدلان) أميراً عليها.
(...) واستمر العيادة أميراً على «الجماعة» حتى صيف 1993 عندما اعتقل في المغرب، فعُقد اجتماع في منطقة بوقرّة (أحد معاقل «الجماعة» في ولاية البليدة) نُصّب فيه الأخ عيسى بن عمار أميراً. لكن قوات الأمن سرعان ما قتلته بعد أسابيع من تعيينه، فحل محله مباشرة جعفر الأفغاني (مراد سيد أحمد). وكان جعفر مقاتلاً من الطراز الرفيع، ودامت إمارته حتى شباط (فبراير) 1994 عندما قتلته قوات الأمن، فحل محله الضابط الشرعي لـ «الجماعة» شريف قوسمي الذي حصلت في عهده «الوحدة» تحت راية «الجماعة» (ضمت تياراً من «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بقيادة الشيخ محمد السعيد، وممثلين عن «حركة الدولة الإسلامية» التي يقودها عبدالقادر شبوطي والسعيد مخلوفي النقيب السابق في الجيش الجزائري). (...) وبعد الوحدة (التي أُعلنت في أيار (مايو) 1994)، جرت جهود لضم «الجيش الإسلامي للإنقاذ» إليها، ولكن من دون جدوى. ثم قُتل شريف قوسمي في أيلول 1994 فحل محله جمال زيتوني».
«رسائل الإنقاذ»
في تلك الفترة (بين 1993 و1995) حصلت اتصالات بين الحكم الجزائري وشيوخ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المعتقلين وعلى رأسهم الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج من أجل التوصل إلى اتفاق على وقف العنف في البلاد. وبناء على تلك الاتصالات، أوفد قادة «الإنقاذ» بعض شيوخ الجبهة المفرج عنهم إلى «الجبل» للقاء قادة الجماعات المسلحة سراً. فتم الاتصال بـ «جيش الإنقاذ» و «الجماعة المسلحة». فما هي قصة ذلك الاتصال؟
يقول عمر شيخي:
«اتصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بنا فعلاً في تلك الفترة. أجرت الجبهة في الحقيقة اتصالين: ذهب القياديان عبدالقادر بوخمخم وعلي جدي إلى «جيش الإنقاذ» في منطقتي الشرق والغرب للقاء «الأمير الوطني» مدني مزراق في الشرق وأحمد بن عيشة «أمير منطقة الغرب»، في حين اتصل بنا كمال قمازي. صعد إلى الجبل لعندنا في منطقة بوقرة، في إمارة جمال زيتوني. فقلنا لقمازي وكنا أنا وزيتوني وعنتر زوابري و «أبو صالح» ومحمد السعيد:
شهادة لله، هل نحن في جهاد أم لسنا في جهاد؟ فقال: أنتم في جهاد. فتناقشنا في الأمر. خُصص له ولمحمد السعيد خيمة، ناما فيها. ومن جملة ما قاله محمد السعيد رحمه الله: إذا ذهبت إلى الشيخ علي بن حاج (حيث كان موضوعاً في «إقامة» تابعة للدولة في العاصمة، في انتظار جلاء نتيجة اتصال قادة الجبهة بالجماعات المسلحة) قُل له رجاء أن لا يذكر في كتاباته «الجماعات الإسلامية المسلحة»، فهذه دعوة إلى التفرقة.
نحن توحدنا (عام 1994) في إطار «الجماعة الإسلامية المسلحة»، والإنسان الذي لا يريد الإنضمام إلى «الجماعة الإسلامية المسلحة» هو إنسان يريد التفرقة. (...)
وقال قمازي من جملة ما قال إن الدخول والخروج إلى «جنان المفتي» (الإقامة الرسمية الموضوع فيها بن حاج) سهل وبسيط. سأدخل وأبلغ الشيخ بن حاج والشيوخ (شيوخ الجبهة) كيف تجري الأمور، وأعود إليكم مقاتلاً. وكان هناك بعض المعارضين في «الجماعة» الذين قالوا إننا لن نتركه ينزل من الجبل. عليه أن يقعد هنا. لكنه قال إن عليه أن يذهب لإبلاغ الشيخ علي بن حاج بما يحصل. فقلنا له إنه يمكنه ذلك. أما ما جرى بين علي جدي وبوخمخم وقادة «جيش الإنقاذ» فإن الله أعلم به. لم تصلنا أخبارهم».
ويوضح شيخي: «صعد قمازي إلينا في إمارة زيتوني، لكن الاتصال مع علي بن حاج تم قبل ذلك في إمارة شريف قوسمي. وقال علي بن حاج في رسالته التي كانت في جيب قوسمي عندما قُتل (في أيلول 1994): واصلوا الجهاد، وإذا خرجت (من السجن) سأكون جندياً معكم. وفي الحقيقة، كانت هناك رسالتان من بن حاج في عهد زيتوني. الأولى يدعو فيها إلى الحوار ويقول إن علينا أن نتحاور ويحضنا على قراءة كتاب عن طريقة الحوار مع العدو.
واعتقد أنه أرسل لنا نسخة منه. أما الرسالة الثانية فكانت رداً على رسالة بعث بها زيتوني إليه يطلب فيها رأيه في شأن التصوير من الناحية الشرعية ويشتكي له من جماعة مزراق («جيش الإنقاذ») ورفضهم الانضمام إلى الوحدة وكيف أنهم يتحدثون باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فرد بن حاج في رسالته، كما أذكر، انه من ناحية التصوير يجب اتّباع أقوال العلماء، فهناك فتاوى للألباني وابن باز (توضح) كيف أن التصوير يكون للضرورة، ويعطي رأيه هو في المسألة. أما الشق الثاني من الرسالة فيقول فيها عن مدني مزراق إنه أخ لنا وعندما أخرج من السجن، بإذن الله، أوحّدكم. لكن الرسالة لم تُرض «الجماعة»، وانقطعت العلاقة مع قادة «الإنقاذ». كذلك تلقينا رسالة من الشيخ عباسي مدني عن الحوار، لكن رسالته لم يكن مفهوماً ماذا يقصد منها».
في نهاية عهد شريف قوسمي تولى «إمارة الجماعة» محفوظ طاجين (أبو خليل) لفترة وجيزة جداً. لكن جمال زيتوني قاد تياراً ممن يُطلق عليهم «السلفيين» في «الجماعة» وتولى الإمارة بنفسه. فما حقيقة ما حصل؟
يقول عمر شيخي: «عندما قُتل شريف قوسمي في أيلول 1994، كان معروفاً أن محفوظ طاجين هو نائبه الأول. لكن الخلافات كانت قائمة اذ اتهم محفوظ طاجين بأنه شيعي وجزأري (نسبة إلى تيار «الجزأرة»). كانت هناك أمور كثيرة جداً ضده. حتى في بعض المراكز (مراكز «الجماعة») كانت تجرى نقاشات في شأن محفوظ. أبو عبدالله أحمد (شريف قوسمي) اعتبر أن هناك من يُطلق اتهامات ضد محفوظ، ربما لا تكون صحيحة. غير أنه اقتنع في النهاية بأن ما يُقال ضده صحيح: صحيح انه ينتمي إلى «الجزأرة» وإلى الشيعة، وكان يستعد لفتح تحقيق في شأنه.
لكن الأقدار جاءت متسارعة. وعندما قُتل قوسمي، اجتمع أعضاء في مجلس الشورى - مثل خالد الساحلي و «أيوب» و «علي الأفغاني» - وكان هناك «أمير» و «نائب أمير»، وطبيعي أنه إذا قُتل الأمير يحل نائب الأمير محله. لكن مجموعة كبيرة من أمراء السرايا في العاصمة لم يرضوا بمحفوظ. وكذلك بعض المناطق لم ترض به. واجتمعت مجموعة في «المنطقة الأولى» وصعد معها زيتوني (إلى مقر «الجماعة») وحصل اجتماع تنازل فيه محفوظ طاجين عن الإمارة لمصلحة زيتوني.
وما هي خلفية الاتهامات ضد محفوظ بأنه «شيعي»؟
يقول عمر شيخي: «كان إرساله مقاتلين للتدرب في لبنان أحد الأسباب التي أثارت الشكوك حوله. سأله قوسمي عن هذا الأمر آنذاك، فأجابه بالحرف الواحد: نحن نستعمل الشيعة الإيرانيين، ولا نمشي في منهجهم. فقال له قوسمي: إن الشيعة لا يمكنك أن تستعملهم فهم سيستعملونك. حذار ثم حذار. لقد أرسلت وفداً (إلى «حزب الله» في لبنان) فحاذر أن ترسل وفداً آخر. لكن محفوظ لم يكترث بذلك. فهيأ دفعة ثانية ذهبت إلى لبنان. فُتح تحقيق مع الناس الذين ذهبوا الى لبنان، وأنا من الذين حققوا معهم. كان تحقيقاً عادياً. لم يكونوا راضين عن التدريبات، (وقالوا إن) منهجهم ومنهجنا مختلفان.
كانوا ينزلون إلى سورية ومنها إلى لبنان. ممثلهم يدعى رشيد ع. كان يتخذ من سورية مركزاً له. كان ممثل محفوظ في الحقيقة، لكنه كان يعمل بوصفه ممثلاً لـ «الجماعة». وفي إمارة زيتوني، قال له («الأمير») أن يعود من سورية إلى الجزائر، لكنه رفض. قال إن أميري محفوظ».
وكيف بدأت تلك العلاقة بين محفوظ والإيرانيين؟
«محفوظ ذهب بنفسه إلى لبنان حيث بقي قرابة ستة شهور. كان ذلك في 1991 عندما أراد الذهاب إلى حرب العراق (كانت مجموعة كبيرة من الجزائريين حضّرت نفسها للذهاب إلى العراق لـ «الجهاد» ضد القوات الأميركية خلال حرب الخليج في 1991). ذهب محفوظ إلى سورية آنذاك، وهو يقول، بحسب روايته، انه كان يريد الذهاب إلى العراق، فإذا به يلتقي صدفة (في سورية) فتحي الشقاقي زعيم «الجهاد الإسلامي» الفلسطيني. فقال: ماذا تفعلون هنا (لمجموعة الجزائريين)؟ تحدثا في دردشة قصيرة، وقال له فتحي الشقاقي (اغتالته إسرائيل في التسعينات) إذا أحببتم أن تنزلوا إلى لبنان نسهّل لكم الأمور.
فقال محفوظ: ما في إشكال، ننزل الى لبنان. نظّم لهم الشقاقي الأمور. تركهم في فيلا، وبعد فترة تم إدخالهم إلى لبنان حيث بقوا ستة شهور. دخلوا عن طريق فتحي الشقاقي. وهو يقول لنا إنه صلّى مع الشيعة، وفعل معهم كذا وكيت. لكننا لم نأخذ عليه قضية دخوله إلى لبنان آنذاك. ولكن بعد فترة بدأنا نرى رسائل تصله من مشايخ الشيعة في سورية، وهو أمر أخاف «الجماعة». كانوا (مشايخ الشيعة) يتعاملون مع محفوظ مباشرة (من دون المرور بقيادة «الجماعة»)».
ويروي شيخي قصة حصلت في الجبل بعد تنازل محفوظ طاجين عن الإمارة: «بقي محفوظ عضواً في مجلس الشورى لـ «الجماعة» بعدما تنازل عن الإمارة لمصلحة زيتوني. وأذكر أننا كنا نسير في سيارة على الطريق في منطقة بوقرة (معقل «الجماعة»)، فإذا بنا نلتقي ببعض الأخوة. لكن المكان كان مظلماً، فاعتقدنا أننا وقعنا في كمين للجيش. لكن الأخوة كانوا من جماعتنا. هم عرفونا لكننا لم نعرفهم. ففتحنا أبواب السيارة وقفزنا منها. رمى محفوظ بنفسه فأصيب بكسر. جلس مدة طويلة وهو مجبّر. نزل إلى العاصمة وارتاح. وكنا نُرسل وراءه إذا احتجنا إليه».
شخصية زيتوني
من هو جمال زيتوني، «الأمير» الذي بدأت «الجماعة المسلحة» تنحو في عهده منحى تكفيرياً وفُتحت في أيامه «محاكم التفتيش» ضد عناصر الجماعة أنفسهم؟
يقول شيخي: «اسمه الحقيقي جمال زيتوني، مولود سنة 1968 في منطقة بير خادم في العاصمة. مستوى تعليمه متوسط، لكنه يُحسن اللغة العربية والفرنسية. تكوينه الشرعي متوسط، وهو تتلمذ على يد شريف قوسمي ويقرأ الأمور الشرعية عنده.
كان يقوم بعمل تجاري (لديه محل لبيع الدجاج). متزوج وليس لديه أطفال. كان نائب رئيس المكتب التنفيذي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في منطقة بير خادم. اعتُقل في أحداث 1991 وبقي في المعتقل في الصحراء قرابة خمسة شهور أو ستة. ولما خرج من المعتقل التحق بالعمل المسلح. كان صديقاً لجعفر الأفغاني (الأمير الثالث لـ «الجماعة»).
كان إنساناً مقاتلاً بالغ الشجاعة، ويحب أهل العلم والضباط الشرعيين ويحترمهم كثيراً. (...)في البداية عين «أمير سرية» في منطقة بير خادم، ثم أصبح أمير «كتيبة الشهداء» في العاصمة. وهو مؤسس «الكتيبة الخضراء» وأميرها. كان ينتقي أفرادها من الكتائب المختلفة. يختار الأفضل أخلاقاً وطاعة وقتالاً. إذ يختارهم بنفسه. وكان عدد أفرادها في البداية حوالي 40، لكن الرقم كان يزيد وينقص. كانت كتيبة تابعة له مباشرة. فيها ديوان الأمير وحرسه الخاص.
(...) وزيتوني هو من اختار معقل «الجماعة» في بوقرة، وهي منطقة جبلية كبيرة. اكتشف الجيش معاقل «الجماعة» في مناطق البليدة ودخلها, لكن في بوقرة كانت هناك بعض المواقع لم يتمكن (الجيش) من الوصول إليها. فاختارها زيتوني مقراً لـ «الجماعة» بالاتفاق مع بعض عناصر «الكتيبة الخضراء».
قالوا له: اختر أنت منطقة، أو نحن نختارها لك. فاختار هو المنطقة. وتقرر أن يكون أعضاء مجلس الشورى وأعضاء هيئة الحل والعقد معه دائماً، في حين أن الناس الذين كانوا كثيري التحرك لا يأتون إلى المركز (مقر قيادة «الجماعة»). وإذا جاؤوا إليه، فإنهم يأتون بطريقة لا تسمح لهم بمعرفة الموقع، كأن يتم عصب أعينهم أو يأتون ليلاً في سيارة مغلقة. كانت تلك طريقته، ونحن وافقنا عليها. وأقمنا قرابة ثلاثة مراكز قيادة في بوقرة وكان زيتوني ينتقل فيها من منطقة إلى أخرى. وميزة بوقرة إنها منطقة جبلية تقابل منطقة الشريعة ومنطقة المدية، والجيش لم يعرف بمناطق تمركز قيادة «الجماعة» آنذاك في بوقرة، فلم يشن علينا هجمات».
الصراع مع «التكفيريين»
نأت «الجماعة المسلحة» في التسعينات بنفسها عن «التكفير»، ووصفت نفسها بأنها «جهادية سلفية»، قبل أن يتبنى زعيمها عنتر زوابري «الإمارة» في 1997 ويُكفّر عموم الشعب الجزائري في بيان «عموم الردة». فهل فعلاً لم تكن «الجماعة المسلحة» تكفيرية؟
يقول شيخي: «كانت «الجماعة» على صراع مع التكفيريين. بدأت المواجهات عندما اعتدى التكفيريون على عائلة رجل في الونشريس وسبوا بناته. فجاء هو وشكا إلى «الجماعة». فاقتحمت «الجماعة» مركزهم ووجدت فيه خليطاً من الأسلحة. ومن بين ما عثرت عليه سلاح من صنع عراقي.
وفي المرة الثانية حصلت مواجهة بالصدفة بين الطرفين، وقتلت «الجماعة» جميع التكفيريين الذين كانوا في المواجهة. لكن من حين إلى آخر كانت تحصل صدامات مع التكفيريين في جبال الونشريس».
تفكك «الجماعة»
في نهاية العام 1995 وبداية 1996 بدأت «الجماعة المسلحة» تتفكك إثر قتل جمال زيتوني ومجموعة من الأمراء المتحالفين معه زعيم تيار «الجزأرة» الشيخ محمد السعيد (ومعه عبدالرزاق رجام) بتهمة «التآمر» على «المنهج السلفي» لـ «الجماعة». فماذا حصل في تلك الفترة؟
يقول شيخي: «كلّف زيتوني قبل مقتله رضوان أبو بصير (مسؤول العلاقات الخارجية في «الجماعة») إقناع الجماعات بالبقاء في إطار «الجماعة المسلحة» على خلفية الانشقاقات التي حصلت إثر قتل محمد السعيد وعبد الرزاق رجام.
لكن فشل رضوان في إقناع الناس في عدم ترك «الجماعة» سبّب خلافات كبيرة بينه وبين زيتوني الذي شعر بأن رضوان - الملقّب «ماكادور»، وهو لقب لا يحبه إذ أنه اسم حارس مرمى لفريق كرة قدم في أوروبا، تخلى عنه. فشعر زيتوني أنه صار معزولاً. فعنتر زوابري فر الى منطقته بوفاريك وارتاح. وأنا قلت له إنني لن آتي اليه. جئت إلى العاصمة وارتحت لفترة، وكان يقول لي أنا مع السرية الفلانية والسرية الفلانية، فتعال لنلتقي، لكنني قلت إنني لن أستطيع أن أدخل في هذه المشاكل (على خلفية قتل السعيد).
فقال لي زيتوني أن أذهب الى الكتائب لأقنعها بأن لا تخرج عن «الجماعة». لكن كيف أستطيع إقناعهم؟ قلت له: إذا لم يستطع «ماكادور» أن يقنع الناس فكيف استطيع أنا.
أنت تدير مشاكل، وعنتر يدير مشاكل (بقتله جماعة «الجزأرة») ... لن اقوم بهذا الأمر. فبدأ زيتوني يبكي، ويبكي بغزارة. أَحب أن يورّطني، فقال لي أن أتولى مسؤولية العلاقات الخارجية (محل رضوان «مكادور»)، فقلت له: لا لن أتولاها. حملت سلاحي وذهبت أنا وعبد الرزاق البارا، المعتقل حالياً، في جولة من البليدة وحتى المدية تقريباً. وفي الطريق التقيت بـ «صخر الليبي» (من الأفغان الليبيين الذين كانوا يقاتلون مع «الجماعة»).
كان زيتوني قد تكلم معه وأعطاه صلاحيات. لكنني قلت لصخر: اذهب إلى ليبيا، لا تبقى هنا مع الكتائب تشرح لهم ضرورة البقاء في إطار «الجماعة» وعدم الخروج عليها. رجعت إلى مقر قيادة «الجماعة»، لكنني لم التق بزيتوني. راسلته مراسلة. وفي خلال تلك الرحلة جُرحت في الطريق، بعدما وقعت في كمين للجيش. أصبت في ساقي ولم استطع السير. فجاء مسؤول الديوان (في تموز/ يوليو 1996) وقال لي أن حسّان (أحد ألقاب جمال زيتوني) قُتل، سقط في كمين لجماعة الخارجين (عن «الجماعة»). فتولى الإمارة عنتر زوابري.
وفي تلك الفترة بدأت الناس تخرج من «الجماعة» أفراداً وجماعات. ومن بين الخارجين آنذاك «أبو خالد» (شواكري) الذي كان في أفغانستان وأبو لبابة الذي كان الحارس الشخصي لجمال زيتوني. وقد فرّا من «الجماعة».
وكانت لـ «أبي خالد» علاقة جيدة مع «صخر الليبي». وبعد فرار «أبو خالد» مباشرة راحوا (الموالين لعنتر زوابري) إلى صخر، وعذّبوه عذاباً شديداً (نزعوا قضيب بلاتين مزروع في يده، وهو حي). لم يكن عنتر حاضراً جلسة تعذيبه، فقد كان في مركز بعيد في منطقة البرواقية. كان مع كتيبة تدين له بالولاء التام. استنطقوه (لصخر) ولا أعرف ماذا قال لهم.
كما قتل زوابري رضوان «ماكادور» في 1997. كان رضوان في السنة الثالثة في الجامعة عندما التحق بـ «الجماعة». وقُتل أخوه سفيان أيضاً في الجبل في مواجهة مع الجيش عام 1993 أو 1994».