المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرضاعة من المجاعة ..............علي يوسف المتروك



فاطمي
05-28-2007, 01:17 AM
كتب:علي يوسف المتروك


في مصر التي عودتنا دائما على تفاعلها مع كافة الآراء والمنطلقات، الفقهية، والعمق الحضاري الذي يتأصل في أوساطها الدينية والحضارية، ومايمثله الأزهر الشريف من تراث ضخم وعمق انفتح على كافة المذاهب الإسلامية، وحمل لواءه قديما المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت، فضمت موسوعة المرحوم عبدالناصر آراء جميع المذاهب الإسلامية، خرج علينا أحد علماء الأزهر ليثير قضية ليس لها رصيد على صعيد الواقع المعاش، وهي رضاعة الكبار، مما أثار ضجة صاخبة لم يهدأ أوارها حتى الآن، وقد فتحت شهية الكثير من المتربصين بالدين الإسلامي لتشويه هذا الدين، عبر كافة وسائل الإعلام، ومنها مواقع الإنترنت، واتهام المسلمين بالإباحة الجنسية، فجعلوا من هذه القضية مادة دسمة للسخرية والاستهزاء والإساءة إلى أحكام الشريعة، وإلى أمهات المسلمين.

إن حديث سالم مولى أبي حذيفة هو محور كل هذا الجدل الدائر والناظر إلى النصوص المرورية ينتهي إلى النتائج التالية، إن هذا الحديث أي حديث سالم يعارضه أحاديث كثيرة، روت بعضها أم المؤمنين عائشة، وحتى من التزم بصحة ذلك الحديث لوروده في كتب الصحاح حصره في حادثة معينة، وفي نطاق ضيق، أي ليس قابلا للتعميم، ولم يعمل به أحد لا أم المؤمنين عائشة ولا غيرها من الصحابة، ولا بقية أمهات المؤمنين، وقد نقده بعض العلماء بشدة قديما وحديثا، فقد قال تاج الدين السبكي وهو عالم معروف: إن محمد ابن خليل الاندلسي، كان يرى أن أم المؤمنين عائشة لم تعمل بهذه الفتيا، وان الأحاديث الأخرى تعارضه، وليس عندي من قول جازم لا من قطع ولا من ظن غالب وراء هذا، وقال كثير من العلماء إن حديث رضاع الكبار نص مشوه في كلماته، وانه لايصح الاحتجاج به، ولعل التحقيق يكشف حقائق أخرى وراء هذه المسألة، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

دخل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وعندي رجل فاشتد عليه ذلك، ورأيت الغضب في وجهه فقلت: يارسول الله انه أخي من الرضاعة فقال: عليه الصلاة والسلام (انظرن من إخوانكن من الرضاعة فإن الرضاعة من المجاعة) وتفسير هذا الحديث أن الرضاعة في حولين للطفل مما ينبت اللحم والعظم، ويسد الجوع لقوله تعالى: »والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين« واجمع رواة الحديث ومنهم ابن عباس وعطاء والثوري وعبدالله ابن مسعود وابن عمر ان كل ماوراء الحولين غير محرم.

وبعد هذا فهل يعقل أن أم المؤمنين عائشة وهي التي سمعت وروت ووعت حديث رسول الله، وهي التي منعت عمها من الدخول عليها إلا بإذن رسول الله، أن تقوم بإرسال الرجال إلى أختها أم كلثوم وبنات أختها ليرضعنهم ليدخلوا عليها بلا ستر أو استئذان، في مجتمع تحكمه عادات وأعراف، ويخيم عليه عطر الرسالة ونفحاتها، وفي بيوت ضمت حرم رسول الله وأزواجه من أمهات المؤمنين، ومن هنا فإن من روج لهذه الأحاديث أراد النيل عن قصد من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد قيل حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له، وقد نبهنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال:

»سيكثر الكذابون من رواة الحديث من بعدي، فما فارق وعارض الكتاب والسنة، فاضربوه بعرض الحائط«، وقد أعرض فقهاء الامامية، فعندما يمرون على هذه الأحاديث يقولون الرشد في تركها، وأصل الشبهة أن أم المؤمنين عائشة إذا تفرست بطفل خيرا، وأرادت أن يدخل عليها بعد بلوغه أمرت بنات أختها أن يرضعنه، وهو صغير فإذا كبر دخل عليها، وهذا ماجاء في شرح الزرقاني على الموطأ.

وروى مالك عن سالم ابن عبدالله ابن عمر أن أم المؤمنين عائشة أرسلت به وهو رضيع إلى أختها أم كلثوم فقالت: ارضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي، قال سالم: فارضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات، ثم مرضت ولم تكمل العشر فلم أكن أدخل على أم المؤمنين عائشة، وروى مالك أيضا، أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبدالله بن سعد إلى أختها فاطمة ليرضع عشر رضعات ففعلت، فكان يدخل عليها، وبهذه الأحاديث الواضحة فسر العلماء هذه القضية لتكون منسجمة مع كتاب الله وسنة رسوله.

إن أحوج مانحتاج إليه اليوم فتح باب الحوار على مصراعيه، ومناقشة كل القضايا التي تحوم حولها الشبهات، انسجاما مع قول الباري جل شأنه (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) النساء 83 والآية الكريمة تعني المرجعية الشرعية التي تحسم الخلاف.

إنني أهيب بفضيلة شيخ الأزهر، الذي أحال صاحب الإفتاء إلى لجنة تحقيق، أن تتألف هذه اللجنة من كبار علماء الأزهر، لبحث هذه القضية واستقصاء أبعادها، والاطلاع على كل ماورد من أحاديث حولها على ضوء الكتاب والسنة، ونشر نتائج التحقيق ليطلع الناس على أبعاد تلك القضية، وما توصل اليه التحقيق فيها.

كما أنوه بصوت عال للمجهود الكبير والبحث المعمق الذي قام به سماحة العالم الجليل الدكتور سيد مسلم الجابري، حول هذه القضية وماتوصل إليه من نتائج اعتمدت على جزء منها لكتابة هذا المقال، وأتمنى على سماحته أن ينشر بحثه في إحدى الصحف المحلية، ليطلع عليه القراء والمختصون من المهتمين في الشؤون الدينية من العلماء الأفاضل، لتتم الفائدة فنكون بذلك كمن وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)،، والله الموفق.

تاريخ النشر: الاحد 27/5/2007