المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يتعاطفون مع السفاح ليشتهروا بالرحمة



مجاهدون
07-06-2004, 10:22 AM
صافي ناز كاظم

«أعرف قضاة حكموا بالظلم ليشتهروا بين الناس بالعدل»، هذه مقولة مشهورة، لعل قائلها هو المجاهد الوطني مصطفى كامل، قفزت أمامي لتلبس هؤلاء المتعاطفين مع بائع العراق، الذي أحل قومه دار البوار، المجرم صدام حسين، مع تعديل مناسب: هؤلاء يتعاطفون مع السفاح ليخدعوا الناس بالرحمة.

يتمسك صدام حسين بأنه «رئيس دولة»، كأنه قد حصل على المنصب شرعيا بالانتخاب والاختيار الحر. ويتساءل: بأي قانون تحاكمونني؟ كأنه يعرف «القانون»، الذي لم يخطر على باله حين أعدم العلامة محمد باقر الصدر وشقيقته آمنة بنت الهدى، والآلاف غيرهما من العلماء والمجتهدين والأبرياء، من دون أن تطرف له عين أو يستشعر وخزة ضمير يتساءل عن حق إنسان متهم، بالظن، في ادعاء ودفاع وقضاء واستئناف ونقض، بل لم يخطر على باله حين قتل، سيده ومسؤوله و«رئيس دولته» احمد حسن البكر، ثم مشى في جنازته، وحين أطاح برقاب رفاقه في ضربة «سيف» واحدة، بعد أن قرر، هو وحده، أنهم خونة والخائن ـ كما أفتى ـ «ما له عندنا إلا السيف»، وحين لم يتح الفرصة لرافع يده برجاء كلمة واحدة تنقذ عنقه، زاعقاً فيه، «إطلااااع»، كأنه كان عبداً من عبيده توارثه عن أجداده.

تذيع الفضائيات لقطات من وثائق مسجلة لجولات حضرة «رئيس الدولة» يستوقف فيها المواطنين، يكلمهم من شباك سيارته الفارهة الأمامي وزوجته ساجدة، بشعرها الأصفر المصبوغ، في المقعد الخلفي شاهدة وهو يلقي محاضرة: «هذا دماغ لا بد يكون به مخ»، يرتعد الرجل المتوقف أمامه ويهز رأسه:

«تمام سيدي»، ويواصل حضرة «رئيس الدولة»، السائل الآن عن القانون والمحامي: «ما يكفي تهز رأسك، لازم تفهم»! يتكلم بعنجهية وعجرفة، متحكم فظ في ملجأ للقطاء، يعرف أنه ما من أحد هناك يحاسبه، لا أب ولا أم ولا أهل ولا عشيرة ولا حق ولا قانون، شعب بأكمله مخطوف ومكبل ومكمم ومحبوس ـ رهينة ـ في سراديب وأنفاق وأقبية من كل شكل ونوع، حتى أقرب المقربين غير آمن، حتى أشرس كلابه المتوحشة، لا تعرف متى يميتها السم والرصاص والإذابة. يتبجح «أسير الحرب» السابق، ناعتاً بوش بالمجرم، كأنه لم يتقدم بطلب ـ تم رفضه من هيئة حقوق الانسان ـ ليظل عند «بوش» أسيراً ولا يتم تسليمه للعراقيين. ألم يكن الأجدر به أن يفرح بانتقاله من أيدي المحتل الأميركي «الغاصب» ليكون في حضانة أهله؟

لكن متى كان صدام حسين عراقياً منتمياً الى أهله، خائفاً عليهم، حريصاً على دمائهم، حارساً لأعراضهم، مدافعاً عن حياضهم لحظة القصف والدّك والدهس بأحذية المحتل الذي انتهك سيادة الوطن؟ متى؟ يسأل عن حق في «الكويت» ولم يعرف كيف يحمي «بغداد»، ولا يخجل مع ذلك أن يصر على أنه «رئيس دولة» العراق! ألا تكفيه جريمة تمكينه الأعداء احتلال البلاد ليستحق بها الإعدام ألف مرة.

يتألم واحد من المتعاطفين مع السفاح لأن «القاضي» صغير السن. ما عمر القاضي؟ في عشرينياته؟ في ثلاثينياته؟ في أربعينياته؟ وكم كان عمر صدام عندما تربع قاضياً على العراق سارقاً أمواله، ساحباً غطاءه البنكي من الذهب والدولارات ليكدسها في حاويات وزكائب، مليارات تحت يده تسهل له الإفساد والإنفاق على من يشاء وكيفما شاء وفقاً لأهوائه ونزواته التي لم تحقق له شبعاً؟

وكم كان عمر «عدي» و«قصي» عندما تسلطا على أنفاس الناس يقطعان الآذان والألسن والأيدي وما هو أفدح؟
ثم من أين تأتي المحكمة بقاض عراقي تعدى الخمسين أو الستين أو السبعين بعد سنوات حكم صدامية لم تأل جهداً في السعي لإبادة الحكماء والعلماء والمفكرين ورجال القانون وأساطينهم، بالهدر والتسفيه وبالتهميش وبالنفي، إن لم يكن بالقتل وبالسكتات الدماغية؟

وما هو هذا المنطق الأعرج المتربص بكل ناطق بالحق، يرميه إذا أشار الى جرائم صدام كأنه يختار جرائم بوش، وإذا ندد بجرائم بوش كأنه يعفو عن جرائم صدام، فكأنه من المحتم أن نظل نختار بين شرين إذا شئنا الخلاص من أيهما، وهما أسوأ من بعضهما البعض.
لو كان هناك اختلاف أو تناقض بين المجرمين صدام وبوش، بين الاحتلال بلون الأرضية والاحتلال الأجنبي السافر، لما أسبغ بوش على صدام لقب «أسير حرب»، ولما استغاث صدام بحقوق الانسان لكي يظل بأيدي المحتل الأميركي، ولما تمكنت ابنته رغد من التزين والابتسام لعدسات التصوير، بخلفية بيتها الصاخب الثراء الذي تسميه «بسيطاً»، وهي تحكي عن «حقوق» الوالد بصفته «رئيس دولة» يرى أن «فرجه قريب»!

إن الذين يتعاطفون اليوم مع «آلام» صدام، لحظة قصاص الله بهوانه وإذلاله، يظلمون «آلام» الشعب العراقي ظلماً جارحاً لا شفاء منه، ويغمطون حقها في أن ترى نهاية عادلة لسفاح مستبد لم يرع في أبناء وطنه إلاً ولا ذمة، وينتزعون من الضحايا وأهلهم وعداً من الله سبحانه وتعالى بأن يشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم. إنها ليست الشماتة، لكنه «القصاص»، والعبرة، وليتعظ من له «دماغ به مخ» بحكاية قارون المغرور الجـبار، الذي كان من قوم موسى فبغى عليهم وأشاع الفــــساد في الأرض، واغتر به مــــن يريدون الحياة الدنيا، كلما خرج في زينته، وتمنوا مثل ما أوتى، وفي سورة «القصص» يأتي قول الله سبحانه وتعالى في الآيتين الكريمتين، رقم 81 و82، ليرينا عاقبة المتكبرين:

«فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن منَّ الله علينا لخسف بنا، ويكأنه لا يفلح الكافرون». صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين.