على
05-24-2007, 03:18 PM
بعدما أعادت فتوى رضاع الكبير الجدل حول حكم الاختلاط نفسه
الرياض: هدى الصالح
رغم تقديم الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر اعتذارا عن فتواه، التي قال فيها بـ«إرضاع المرأة زميلها في العمل»، لمنع الخلوة المحرمة بينهما، إلا أن الجدل حول هذه الفتوى لم يتوقف، وساهم هذا الجدل في تسليط الضوء على قضية اخرى، غير قضية الشيخ الازهري المثيرة عن ارضاع زميل العمل.
الجدل في بعض جوانبه اتجه إلى قضية أخرى لا تقل تعقيدا عن قضية الرضاع، وهي قضية استأثرت بنصيب كبير من الخلاف والاختلاف في الأوساط الإسلامية الشعبية منها والرسمية، خصوصا مع تعقد الحياة العملية ونزول المرأة المسلمة إلى سوق العمل، وثقافة الوظيفة العامة ومكانها وأجوائها، والعلاقات مع زملاء العمل... وكل هذه الصور التي يفرضها واقع عملي جديد.
مسألة «الاختلاط» في بيئة العمل بين الرجال والنساء، ما حكمها، وماذا يرى فيها المفتون والفقهاء المسلمون، وهل كل اختلاط محرم، أم انه يختلف باختلاف طبيعة المكان، وطبيعة العمل، وكونه مكانا مفتوحا ورسميا؟
وهل هناك حكم خاص في الفقه القديم يتعلق بشيء اسمه: الاختلاط؟
هذه الأسئلة وغيرها، تطرحها «الشرق الأوسط» على بعض المختصين في السياق التالي: وحسب بعض الملاحظين، فإنه ما كان أصلا شرعيا منذ العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين في اختلاط النساء بالرجال ـ من دون خلوة محرمة ـ في الأسواق والمنازل والمساجد، بما في ذلك المعارك والغزوات، كان هو الشيء الطبيعي والأصلي، ولم يكن بحاجة لفتوى تبحث في حرمة أو جواز الاختلاط، لكن الأمر بالنسبة للمجتمعات الإسلامية في الوقت الحالي بلغ الى حد ان يفتي شيخ أزهري، بجواز إرضاع زميلة العمل لزميلها، من اجل منع الاختلاط، في حين أن الاختلاط نفسه، كما يرى باحثون، هو الذي يحتاج الى بحث ونظر وضبط له، حتى لا يصبح الاختلاط، هكذا محرما، من دون تحديد أو ضبط.
* تحجر... واختلاط العمل جائز سألنا الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر وعضو الاتحاد العالمي لعلماء للمسلمين عن فتوى الشيخ عطية، حول ارضاع الكبير، فكان رأيها أن الفتوى صدرت، ممن ينظرون إلى المرأة نظرة أنثوية بحتة، لاإنسانية، باعتبار المرأة مثارا للفتنة والشهوة مع إغفال خلق الله للمرأة من نفس واحدة مع الرجل، لضمان التكافل والتعاون بينهما، مضيفة: تمسكوا بأحاديث غير معللة قصد منها «إثارة الشبهات وإحداث البلبلة والإساءة للإسلام»، بالهاء العامة في القضايا الصغيرة وإبعادهم عن القضايا الجوهرية.
وابتعدت الداعية السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين عن التفسير السابق في مسألة توقيت إصدار فتوى الشيخ الأزهري وأسبابها، بعدما أثارته من ردود فعل حادة من كلا الجنسين بقولها، «الفتوى التي اجتهد فيها احد علماء الأزهر، إنما جسدت امتهانا للمرأة»، مضيفة استناد العالم الأزهري في فتواه على أساس خاطئ تركز على تسليمه بتحريم الاختلاط، محاولا إيجاد مخرج للإباحة في ظل الظروف الاجتماعية المعاصرة، التي تفرض اختلاط الجنسين في أماكن العمل وغيرها، والذي بحسب العابدين لا يحتاج إلى فتوى إرضاع المرأة لزميلها لكثرة النصوص الشرعية من القرآن والسنة المؤكدة على إباحة الاختلاط.
* العزل أثار الاحتقان بين الجنسين وفي مسألة الاختلاط ووجود النساء في ذات المكان الذي فيه الرجال، انقسمت الآراء حول ذلك على اتجاهين، أحدهما: أوجب أن يعزل ويحال بين الرجل والمرأة حيلولة شاملة، بحيث لا يخالط أو يشارك احدهما الآخر في عمل من أعمال الحياة العامة، فالمرأة للبيت والرجل للأعمال كلها خارج المنزل، لا عدوان لأحدهما على الآخر.
والاتجاه الآخر اعتمد مبدأ «النساء شقائق الرجال»، ورأى أن الإسلام يقر الاختلاط العفيف المحترم، استنادا إلى ما في شعائر الحج من اختلاط، وكذلك الصلاة في المساجد، وأيضا الجهاد ومجالس المواعظ والتعليم... جميعها شهدت الاختلاط في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، كما أكدت الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر، مضيفة أن الأساس في الشريعة الإسلامية، استنادا الى نصوص شرعية متعددة، المشاركة بين الرجال والنساء، بداية بالمسجد وانتهاء بالغزوات والجهاد إلى جانب تخصيص مجلس علم خاص للنساء من قبل الرسول الكريم لرفع الحرج عنهن، لبحث ما يختص بشأن النساء في الأحكام الشرعية، بما في ذلك ما كان من حرص الرسول الكريم في المناسبات الدينية والاجتماعية على جمع المسلمين والمسلمات، لاسيما في صلاة العيدين. ودعت أستاذة الفقه المقارن إلى ضرورة الالتزام بما حدده النص القرآني من ضوابط المشاركة، التي منها عدم المزاحمة بين الرجال والنساء، إضافة إلى عدم التبرج والخضوع في القول في الأماكن العامة، فضلا على عدم خلوة المرأة بالرجل، مؤكدة جواز اجتماع الرجال والنساء في مكان العمل بشرط تجنب الخلوة غير الشرعية والالتزام بالضوابط الشرعية.
وحول النتائج السلبية للعزل، قالت د. صالح إن «كل ممنوع مرغوب»، وانفتاح المجتمع وانتظامه من خلال الضمير والمراقبة سيؤثر بشكل ايجابي على مستوى المشاركة وتنمية المجتمعات، حيث أن النساء شقائق الرجال، مشيرة الى أن العزل تسبب في بث مشاعر الاحتقان والترقب من قبل الجنسين، فالحرية الطبيعية ستحقق، بحسب الدكتورة سعاد صالح، إشباعا في النفس.
* الخلوة محرمة والاختلاط مباح من جهتها أكدت سهيلة زين العابدين تحريم الإسلام للخلوة، مقابل إباحته للاختلاط، مستشهدة بحديث الرسول الكريم «لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان»، إلى جانب آية «المباهلة»، التي اعتبرتها من أكثر الأدلة صراحة على إباحة الاختلاط، والتي نزلت عقب فرض الحجاب، حيث أن الآية أشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان سيجلب معه نساءه وأولاده للمباهلة مع وفد أساقفة نجران.
ورغم موافقة سهيلة زين العابدين على إباحة الشريعة الإسلامية للاختلاط بشكل عام، إلا أنها لا تؤيده في المدارس والجامعات، لما قد ينجم عن ذلك من إشكاليات أخلاقية، مشجعة في المقابل على الاختلاط في المجالس العامة العلمية والندوات والمحاضرات، فالعزل من وجهة نظرها يعني «منع المرأة من المشاركة في الحياة العامة». وبينت الداعية السعودية أن عزل الجنسين، استحدثته المجتمعات الإسلامية في العهد العثماني، مشيرة إلى عودة عادات وتقاليد أمم وشعوب في عصر الجاهلية للظهور على السطح، أدت بدورها إلى التراجع الحضاري مرة أخرى، عقب إلباسها الغطاء الشرعي الإسلامي، ومنها ما ذكرته سهيلة عن القاعدة الاجتماعية السائدة القائلة، «لا تخرج المرأة من بيت والدها سوى إلى منزل زوجها ومنهما إلى قبرها».
* الاصل في الشريعة الاختلاط وتبقى قضية الاختلاط في الحياة الاجتماعية رغم تحذير بعض التيارات منها، بوصفها نافذة لتغريب وتحرير المرأة في المجتمعات الإسلامية، بالنسبة لفضل الفضل، وهو باحث سعودي، مهتم بقضايا المرأة في الاسلام، وقد كتب بحثا حول الاختلاط واخر حول الحجاب، تبقى قضية الأصل والقاعدة فيها في الشريعة الإسلامية هو اختلاط الجنسين وليس العزل والفصل، كما هو سائد. معتبرا إياه أمرا مستحدثا.
ويستشهد فضل بما ورد في الأحاديث الصحيحة أن أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانوا إذا صلوا معه الجمعة انصرفوا إلى بيت امرأة من الأنصار فأطعمتهم وناموا عندها، وفي حديث صحيح آخر، أن رجلا دعا الرسول الكريم إلى الطعام، فاشترط الرسول عليه أن يأخذ أم المؤمنين عائشة معه، وفي حديث صحيح أيضا أن احد الأنصار تزوج فدعا الرسول وأصحابه إلى طعامه فكانت الزوجة هي التي تخدم القوم، وفي الحديث أن أسماء امرأة الزبير كانت تجمع نوى التمر من ضواحي المدينة لناضح زوجها (والناضح هي الدابة التي ينضح بها الماء من البئر) فمر بها الرسول الكريم، وهو راجع مع أصحابه فرآها فأناخ لها ناقتها ليردفها معه فقالت أسماء «تذكرت غيرة الزبير فأبيت». وعزز فضل الفضل هذه النصوص مع العهد النبوي بما ورد في التاريخ الإسلامي العملي والقولي والمجمع عليه، وكله يؤكد أن الاختلاط، من حيث الأصل، ليس أمرا منهى عنه في الشريعة الإسلامية، وإنما خلوة الرجل بالمرأة هي ما حذر منها الرسول الكريم، موضحا أن الاختلاط كان موجودا في العهد النبوي وزمن الخلفاء الراشدين. ومع تأييده لمسألة الاختلاط في العمل والأسواق أوضح الفضل ضرورة التقيد بالضوابط الشرعية التي منها تجنب الخلوة، والالتزام بالحجاب الشرعي والابتعاد عن إثارة الفتنة من خلال التعامل.
ونوه الفضل إلى أن سنة المجتمع الاختلاط، الذي من خلاله تكسب المرأة قوة الشخصية والجرأة في اتخاذ القرار وطلب العمل وتأهيلها لتحمل مسؤولية منزلها، مضيفا أن عزل المرأة يتسبب في تقويض قدراتها ومداركها إلى جانب التقليل من فرص العمل، داعيا إلى ضرورة الالتزام بالطبيعة البشرية.
وفي قضية سد الذرائع والشبهات من خلال عزل الجنسين في الحياة الاجتماعية بكل جوانبها، قال الفضل إن القاعدة الشرعية تنص على أن تحريم محلل كما هو تحليل محرم والأصل في الاختلاط الإباحة، مشددا على عدم جواز استبدال النصوص الشرعية، التي أكدت جواز اختلاط النساء بالرجال، كما كان حاصلا في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين بحجة سد الذرائع. وبين الفضل أن معالجة التصرفات الشاذة، التي قد تحدث، من تحرشات لفظية وجسدية للنساء في البيئات الاجتماعية المختلطة، وهو ما يستند اليه المحرمون لاختلاط الجنسين، لا تكون سوى من خلال سن قوانين صارمة وعقوبات للمخالفين، وليس من خلال تحريم الاختلاط، «فلا يعاقب الجميع بسبب تصرفات فردية»، كما ذكر.
* الاختلاط يقضي على التلهف للجنس الآخر من جانبه أيد الدكتور عبد العزيز الحربي، الأستاذ في جامعة أم القرى الاسلامية بمكة المكرمة، ومدير مركز إحياء التراث الإسلامي، عودة اختلاط الجنسين في الحياة العامة، كما كان عليه الحال سابقا، في ظل الحرص على التقيد بالضوابط الشرعية.
وأضاف الحربي، أن للاختلاط فوائد عدة، منها أنها تتيح الفرصة للرجل لمعرفة المرأة لطلب الزواج منها خلال ذهابها وإيابها، إلى جانب كسر الكثير من الحواجز التي تكون احد الأسباب في طمع الشباب وانجذابهم المبالغ للجنس الآخر: «فتباعد الجنسين أحدهما عن الآخر يقضي بشدة التطلب (تطلب كل منهما لصاحبه وتلهفه عليه)» كما قال.
وأوضح الحربي أن الاختلاط في الشريعة الإسلامية غير محرم، وإنما تحريمه أتى من الأضرار التي قد ينجم عنها، والتي أهم أسبابها عدم التزام النساء بالحشمة والتبرج، مضيفا ضرورة تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة في أمور عدة.
وقال الدكتور الحربي، إن سلبيات الاختلاط تكمن في عدم وضع عقوبات للردع لمخالفة المتجاوزين بالتحرش اللفظي والجسدي إلى جانب عدم التزام النساء في الحجاب الشرعي.
الرياض: هدى الصالح
رغم تقديم الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر اعتذارا عن فتواه، التي قال فيها بـ«إرضاع المرأة زميلها في العمل»، لمنع الخلوة المحرمة بينهما، إلا أن الجدل حول هذه الفتوى لم يتوقف، وساهم هذا الجدل في تسليط الضوء على قضية اخرى، غير قضية الشيخ الازهري المثيرة عن ارضاع زميل العمل.
الجدل في بعض جوانبه اتجه إلى قضية أخرى لا تقل تعقيدا عن قضية الرضاع، وهي قضية استأثرت بنصيب كبير من الخلاف والاختلاف في الأوساط الإسلامية الشعبية منها والرسمية، خصوصا مع تعقد الحياة العملية ونزول المرأة المسلمة إلى سوق العمل، وثقافة الوظيفة العامة ومكانها وأجوائها، والعلاقات مع زملاء العمل... وكل هذه الصور التي يفرضها واقع عملي جديد.
مسألة «الاختلاط» في بيئة العمل بين الرجال والنساء، ما حكمها، وماذا يرى فيها المفتون والفقهاء المسلمون، وهل كل اختلاط محرم، أم انه يختلف باختلاف طبيعة المكان، وطبيعة العمل، وكونه مكانا مفتوحا ورسميا؟
وهل هناك حكم خاص في الفقه القديم يتعلق بشيء اسمه: الاختلاط؟
هذه الأسئلة وغيرها، تطرحها «الشرق الأوسط» على بعض المختصين في السياق التالي: وحسب بعض الملاحظين، فإنه ما كان أصلا شرعيا منذ العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين في اختلاط النساء بالرجال ـ من دون خلوة محرمة ـ في الأسواق والمنازل والمساجد، بما في ذلك المعارك والغزوات، كان هو الشيء الطبيعي والأصلي، ولم يكن بحاجة لفتوى تبحث في حرمة أو جواز الاختلاط، لكن الأمر بالنسبة للمجتمعات الإسلامية في الوقت الحالي بلغ الى حد ان يفتي شيخ أزهري، بجواز إرضاع زميلة العمل لزميلها، من اجل منع الاختلاط، في حين أن الاختلاط نفسه، كما يرى باحثون، هو الذي يحتاج الى بحث ونظر وضبط له، حتى لا يصبح الاختلاط، هكذا محرما، من دون تحديد أو ضبط.
* تحجر... واختلاط العمل جائز سألنا الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر وعضو الاتحاد العالمي لعلماء للمسلمين عن فتوى الشيخ عطية، حول ارضاع الكبير، فكان رأيها أن الفتوى صدرت، ممن ينظرون إلى المرأة نظرة أنثوية بحتة، لاإنسانية، باعتبار المرأة مثارا للفتنة والشهوة مع إغفال خلق الله للمرأة من نفس واحدة مع الرجل، لضمان التكافل والتعاون بينهما، مضيفة: تمسكوا بأحاديث غير معللة قصد منها «إثارة الشبهات وإحداث البلبلة والإساءة للإسلام»، بالهاء العامة في القضايا الصغيرة وإبعادهم عن القضايا الجوهرية.
وابتعدت الداعية السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين عن التفسير السابق في مسألة توقيت إصدار فتوى الشيخ الأزهري وأسبابها، بعدما أثارته من ردود فعل حادة من كلا الجنسين بقولها، «الفتوى التي اجتهد فيها احد علماء الأزهر، إنما جسدت امتهانا للمرأة»، مضيفة استناد العالم الأزهري في فتواه على أساس خاطئ تركز على تسليمه بتحريم الاختلاط، محاولا إيجاد مخرج للإباحة في ظل الظروف الاجتماعية المعاصرة، التي تفرض اختلاط الجنسين في أماكن العمل وغيرها، والذي بحسب العابدين لا يحتاج إلى فتوى إرضاع المرأة لزميلها لكثرة النصوص الشرعية من القرآن والسنة المؤكدة على إباحة الاختلاط.
* العزل أثار الاحتقان بين الجنسين وفي مسألة الاختلاط ووجود النساء في ذات المكان الذي فيه الرجال، انقسمت الآراء حول ذلك على اتجاهين، أحدهما: أوجب أن يعزل ويحال بين الرجل والمرأة حيلولة شاملة، بحيث لا يخالط أو يشارك احدهما الآخر في عمل من أعمال الحياة العامة، فالمرأة للبيت والرجل للأعمال كلها خارج المنزل، لا عدوان لأحدهما على الآخر.
والاتجاه الآخر اعتمد مبدأ «النساء شقائق الرجال»، ورأى أن الإسلام يقر الاختلاط العفيف المحترم، استنادا إلى ما في شعائر الحج من اختلاط، وكذلك الصلاة في المساجد، وأيضا الجهاد ومجالس المواعظ والتعليم... جميعها شهدت الاختلاط في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، كما أكدت الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر، مضيفة أن الأساس في الشريعة الإسلامية، استنادا الى نصوص شرعية متعددة، المشاركة بين الرجال والنساء، بداية بالمسجد وانتهاء بالغزوات والجهاد إلى جانب تخصيص مجلس علم خاص للنساء من قبل الرسول الكريم لرفع الحرج عنهن، لبحث ما يختص بشأن النساء في الأحكام الشرعية، بما في ذلك ما كان من حرص الرسول الكريم في المناسبات الدينية والاجتماعية على جمع المسلمين والمسلمات، لاسيما في صلاة العيدين. ودعت أستاذة الفقه المقارن إلى ضرورة الالتزام بما حدده النص القرآني من ضوابط المشاركة، التي منها عدم المزاحمة بين الرجال والنساء، إضافة إلى عدم التبرج والخضوع في القول في الأماكن العامة، فضلا على عدم خلوة المرأة بالرجل، مؤكدة جواز اجتماع الرجال والنساء في مكان العمل بشرط تجنب الخلوة غير الشرعية والالتزام بالضوابط الشرعية.
وحول النتائج السلبية للعزل، قالت د. صالح إن «كل ممنوع مرغوب»، وانفتاح المجتمع وانتظامه من خلال الضمير والمراقبة سيؤثر بشكل ايجابي على مستوى المشاركة وتنمية المجتمعات، حيث أن النساء شقائق الرجال، مشيرة الى أن العزل تسبب في بث مشاعر الاحتقان والترقب من قبل الجنسين، فالحرية الطبيعية ستحقق، بحسب الدكتورة سعاد صالح، إشباعا في النفس.
* الخلوة محرمة والاختلاط مباح من جهتها أكدت سهيلة زين العابدين تحريم الإسلام للخلوة، مقابل إباحته للاختلاط، مستشهدة بحديث الرسول الكريم «لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان»، إلى جانب آية «المباهلة»، التي اعتبرتها من أكثر الأدلة صراحة على إباحة الاختلاط، والتي نزلت عقب فرض الحجاب، حيث أن الآية أشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان سيجلب معه نساءه وأولاده للمباهلة مع وفد أساقفة نجران.
ورغم موافقة سهيلة زين العابدين على إباحة الشريعة الإسلامية للاختلاط بشكل عام، إلا أنها لا تؤيده في المدارس والجامعات، لما قد ينجم عن ذلك من إشكاليات أخلاقية، مشجعة في المقابل على الاختلاط في المجالس العامة العلمية والندوات والمحاضرات، فالعزل من وجهة نظرها يعني «منع المرأة من المشاركة في الحياة العامة». وبينت الداعية السعودية أن عزل الجنسين، استحدثته المجتمعات الإسلامية في العهد العثماني، مشيرة إلى عودة عادات وتقاليد أمم وشعوب في عصر الجاهلية للظهور على السطح، أدت بدورها إلى التراجع الحضاري مرة أخرى، عقب إلباسها الغطاء الشرعي الإسلامي، ومنها ما ذكرته سهيلة عن القاعدة الاجتماعية السائدة القائلة، «لا تخرج المرأة من بيت والدها سوى إلى منزل زوجها ومنهما إلى قبرها».
* الاصل في الشريعة الاختلاط وتبقى قضية الاختلاط في الحياة الاجتماعية رغم تحذير بعض التيارات منها، بوصفها نافذة لتغريب وتحرير المرأة في المجتمعات الإسلامية، بالنسبة لفضل الفضل، وهو باحث سعودي، مهتم بقضايا المرأة في الاسلام، وقد كتب بحثا حول الاختلاط واخر حول الحجاب، تبقى قضية الأصل والقاعدة فيها في الشريعة الإسلامية هو اختلاط الجنسين وليس العزل والفصل، كما هو سائد. معتبرا إياه أمرا مستحدثا.
ويستشهد فضل بما ورد في الأحاديث الصحيحة أن أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانوا إذا صلوا معه الجمعة انصرفوا إلى بيت امرأة من الأنصار فأطعمتهم وناموا عندها، وفي حديث صحيح آخر، أن رجلا دعا الرسول الكريم إلى الطعام، فاشترط الرسول عليه أن يأخذ أم المؤمنين عائشة معه، وفي حديث صحيح أيضا أن احد الأنصار تزوج فدعا الرسول وأصحابه إلى طعامه فكانت الزوجة هي التي تخدم القوم، وفي الحديث أن أسماء امرأة الزبير كانت تجمع نوى التمر من ضواحي المدينة لناضح زوجها (والناضح هي الدابة التي ينضح بها الماء من البئر) فمر بها الرسول الكريم، وهو راجع مع أصحابه فرآها فأناخ لها ناقتها ليردفها معه فقالت أسماء «تذكرت غيرة الزبير فأبيت». وعزز فضل الفضل هذه النصوص مع العهد النبوي بما ورد في التاريخ الإسلامي العملي والقولي والمجمع عليه، وكله يؤكد أن الاختلاط، من حيث الأصل، ليس أمرا منهى عنه في الشريعة الإسلامية، وإنما خلوة الرجل بالمرأة هي ما حذر منها الرسول الكريم، موضحا أن الاختلاط كان موجودا في العهد النبوي وزمن الخلفاء الراشدين. ومع تأييده لمسألة الاختلاط في العمل والأسواق أوضح الفضل ضرورة التقيد بالضوابط الشرعية التي منها تجنب الخلوة، والالتزام بالحجاب الشرعي والابتعاد عن إثارة الفتنة من خلال التعامل.
ونوه الفضل إلى أن سنة المجتمع الاختلاط، الذي من خلاله تكسب المرأة قوة الشخصية والجرأة في اتخاذ القرار وطلب العمل وتأهيلها لتحمل مسؤولية منزلها، مضيفا أن عزل المرأة يتسبب في تقويض قدراتها ومداركها إلى جانب التقليل من فرص العمل، داعيا إلى ضرورة الالتزام بالطبيعة البشرية.
وفي قضية سد الذرائع والشبهات من خلال عزل الجنسين في الحياة الاجتماعية بكل جوانبها، قال الفضل إن القاعدة الشرعية تنص على أن تحريم محلل كما هو تحليل محرم والأصل في الاختلاط الإباحة، مشددا على عدم جواز استبدال النصوص الشرعية، التي أكدت جواز اختلاط النساء بالرجال، كما كان حاصلا في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين بحجة سد الذرائع. وبين الفضل أن معالجة التصرفات الشاذة، التي قد تحدث، من تحرشات لفظية وجسدية للنساء في البيئات الاجتماعية المختلطة، وهو ما يستند اليه المحرمون لاختلاط الجنسين، لا تكون سوى من خلال سن قوانين صارمة وعقوبات للمخالفين، وليس من خلال تحريم الاختلاط، «فلا يعاقب الجميع بسبب تصرفات فردية»، كما ذكر.
* الاختلاط يقضي على التلهف للجنس الآخر من جانبه أيد الدكتور عبد العزيز الحربي، الأستاذ في جامعة أم القرى الاسلامية بمكة المكرمة، ومدير مركز إحياء التراث الإسلامي، عودة اختلاط الجنسين في الحياة العامة، كما كان عليه الحال سابقا، في ظل الحرص على التقيد بالضوابط الشرعية.
وأضاف الحربي، أن للاختلاط فوائد عدة، منها أنها تتيح الفرصة للرجل لمعرفة المرأة لطلب الزواج منها خلال ذهابها وإيابها، إلى جانب كسر الكثير من الحواجز التي تكون احد الأسباب في طمع الشباب وانجذابهم المبالغ للجنس الآخر: «فتباعد الجنسين أحدهما عن الآخر يقضي بشدة التطلب (تطلب كل منهما لصاحبه وتلهفه عليه)» كما قال.
وأوضح الحربي أن الاختلاط في الشريعة الإسلامية غير محرم، وإنما تحريمه أتى من الأضرار التي قد ينجم عنها، والتي أهم أسبابها عدم التزام النساء بالحشمة والتبرج، مضيفا ضرورة تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة في أمور عدة.
وقال الدكتور الحربي، إن سلبيات الاختلاط تكمن في عدم وضع عقوبات للردع لمخالفة المتجاوزين بالتحرش اللفظي والجسدي إلى جانب عدم التزام النساء في الحجاب الشرعي.