جمال
05-19-2007, 11:30 AM
الشيخ/ علي حسن غلوم
ملتقى الجمان : جريدة الوطن
شهد تاريخ البشرية حروباً دينية عنيفة تركت آثارها المدمرة لأزمان طويلة على البشر وعلى المادة، وخلقت أجواء من الكراهية الدفينة، وزرعت بذور حروب مستقبلية لا تقلّ عنفاً ولا امتداداً عن سابقاتها.
ولعل من يقرأ القضية على عجل سيجد أن حسّ القداسة الغيـبية في ما يتبناه الناس من الأديان، وحرارة الإيمان التي تسري في عروق المؤمنين بها، هي التي تدفعهم إلى إلغاء الآخر ومن ثم العمل على محوه من الوجود، وبذلك يتحول المؤمن بالدين إلى شخصية عدوانية ساحقة ضد الإنسان الآخر "الكافر".
وهذا مايجعل من الحروب الدينية أمراً طبيعياً أمام الخلافات الدينية، سواء أكانت منطلقة من عمق الإيمان، أو من استغلال الشعار، ولهذا يدعو البعض إلى إلغاء الدين من حياة الإنسان لتستطيع الإنسانية أن تحصل على السلام.
ونحن بدورنا لا ننكر أن للدين ـ ونخص الإسلام في حديثنا هذا ـ تأثيراً على الوجدان الإنساني أكثر من أي فكر آخر، ولكن ليس معنى ذلك أن الروح الدينية تنطلق من فكرة إلغاء الآخر، بل هي تدعو إلى الانفتاح عليه ومحاورته واستخدام الحكمة والمنطق كوسيلة للإقناع (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، نعم الجهل والتخلف اللذان يسيطران على بعض المجتمعات المتدينة أو الأفراد المتدينين هما اللذان يدفعان إلى المواجهة الخاطئة والعنف اللامبرر.
ثم إن الحروب قد تنشأ من اعتداء الآخر الذي يعمل على العدوان على الموقع الديني عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً، مما يجعل الحرب أمراً وقائياً أو دفاعياً ولا يمثل عندهم تنفيساً لعقد، بل علاج للواقع الصعب.
هذا فضلاً عن أن اتهام الدين بأنه السبب الرئيسي في إشعال الحروب كلامي غير دقيق، فالخلافات العرقية والقومية والاقتصادية والسياسية كانت ومازالت وراء كثير من الحروب التي لربما تسترت بشعار ديني لتكتسب من القداسة ما يكفل لها فرص الإنتصار في المعركة من خلال تجييش الشعوب ودفعها للقتال إلى النهاية.
بل إن الدين ـ لاسيما الإسلام ـ ألغى الفروق العرقية والقومية والجغرافية، فهو على هذا يمثل عاملاً مهماً في تجفيف منابع الحرب وإلغاء أسبابها، خصوصا مع التأكيد على نبذ التعصب وأنه (من تَعصب أو تُعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه) حديث شريف.
ولربما يمكننا القول أن الدين بطرحه القضايا الإنسانية للمضطهدين أو المحرومين أو المستعبدين كعناوين كبرى لحركته في ساحة الصراع والمواجهة، قد جعل الحروب التي يخوضها المؤمنون حروباً "إنسانية" في عنوانها الأولي المباشر، لاحروباً دينية بمعناها التقليدي.
إن من يحمل الدين علماً وعملاً ووعياً ومسؤوليةً لن تكون الحرب خياره الأول في التعامل مع الآخر المختلف، بل هو خياره الأخير فيما لو اعتدي عليه أو سعى الآخرون لإلغائه من الوجود.
تاريخ النشر: السبت 19/5/2007
ملتقى الجمان : جريدة الوطن
شهد تاريخ البشرية حروباً دينية عنيفة تركت آثارها المدمرة لأزمان طويلة على البشر وعلى المادة، وخلقت أجواء من الكراهية الدفينة، وزرعت بذور حروب مستقبلية لا تقلّ عنفاً ولا امتداداً عن سابقاتها.
ولعل من يقرأ القضية على عجل سيجد أن حسّ القداسة الغيـبية في ما يتبناه الناس من الأديان، وحرارة الإيمان التي تسري في عروق المؤمنين بها، هي التي تدفعهم إلى إلغاء الآخر ومن ثم العمل على محوه من الوجود، وبذلك يتحول المؤمن بالدين إلى شخصية عدوانية ساحقة ضد الإنسان الآخر "الكافر".
وهذا مايجعل من الحروب الدينية أمراً طبيعياً أمام الخلافات الدينية، سواء أكانت منطلقة من عمق الإيمان، أو من استغلال الشعار، ولهذا يدعو البعض إلى إلغاء الدين من حياة الإنسان لتستطيع الإنسانية أن تحصل على السلام.
ونحن بدورنا لا ننكر أن للدين ـ ونخص الإسلام في حديثنا هذا ـ تأثيراً على الوجدان الإنساني أكثر من أي فكر آخر، ولكن ليس معنى ذلك أن الروح الدينية تنطلق من فكرة إلغاء الآخر، بل هي تدعو إلى الانفتاح عليه ومحاورته واستخدام الحكمة والمنطق كوسيلة للإقناع (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، نعم الجهل والتخلف اللذان يسيطران على بعض المجتمعات المتدينة أو الأفراد المتدينين هما اللذان يدفعان إلى المواجهة الخاطئة والعنف اللامبرر.
ثم إن الحروب قد تنشأ من اعتداء الآخر الذي يعمل على العدوان على الموقع الديني عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً، مما يجعل الحرب أمراً وقائياً أو دفاعياً ولا يمثل عندهم تنفيساً لعقد، بل علاج للواقع الصعب.
هذا فضلاً عن أن اتهام الدين بأنه السبب الرئيسي في إشعال الحروب كلامي غير دقيق، فالخلافات العرقية والقومية والاقتصادية والسياسية كانت ومازالت وراء كثير من الحروب التي لربما تسترت بشعار ديني لتكتسب من القداسة ما يكفل لها فرص الإنتصار في المعركة من خلال تجييش الشعوب ودفعها للقتال إلى النهاية.
بل إن الدين ـ لاسيما الإسلام ـ ألغى الفروق العرقية والقومية والجغرافية، فهو على هذا يمثل عاملاً مهماً في تجفيف منابع الحرب وإلغاء أسبابها، خصوصا مع التأكيد على نبذ التعصب وأنه (من تَعصب أو تُعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه) حديث شريف.
ولربما يمكننا القول أن الدين بطرحه القضايا الإنسانية للمضطهدين أو المحرومين أو المستعبدين كعناوين كبرى لحركته في ساحة الصراع والمواجهة، قد جعل الحروب التي يخوضها المؤمنون حروباً "إنسانية" في عنوانها الأولي المباشر، لاحروباً دينية بمعناها التقليدي.
إن من يحمل الدين علماً وعملاً ووعياً ومسؤوليةً لن تكون الحرب خياره الأول في التعامل مع الآخر المختلف، بل هو خياره الأخير فيما لو اعتدي عليه أو سعى الآخرون لإلغائه من الوجود.
تاريخ النشر: السبت 19/5/2007