سياسى
05-17-2007, 07:19 PM
محمد حسن علوان - الوطن السعودية
عندما وقف الكوميديان الشهير، رسول بيتر، الكندي الجنسية، الهندي الأصل، ليؤدي وصلته الكوميدية التي احتشد لها جمع غفير في مدينة تورونتو الكندية، سَخِرَ بأسلوبه اللاذع من الأفكار العنصرية التي تهاجر مع أصحابها، قائلاً: كلنا كنديون، ولكني لاحظت من تجربتي هنا أنه عندما يلتقي صينيان، يسألان بعضهما: من أي مدينة في الصين جئت؟ وحسب الإجابة، قد يعبسان، أو يتعانقان، وعندما يلتقي هنديان في كندا، يكون السؤال: من أي إقليم أنت؟ وحسب الإجابة قد يتصافحان، أو يتصارعان، بينما عندما يلتقي أبيضان، ويطرحان السؤال نفسه، لا تعني لهما الإجابة أي شيء على الإطلاق، ففي النهاية سيذهبان معاً لتناول المرطبات على أي حال!
عندما وصل الآلاف من الطلاب السعوديين فجأة إلى هذه القارة التي يتكلم عنها رسول بيتر، ممتطين فرصاً تعليمية تكاد تجعلهم أكثر طلبة العلم حظاً في العالم، كان من الأمور الحضارية الجميلة التي قام بها هؤلاء المبتعثون والمبتعثات أن أسسوا لأنفسهم بعض المنتديات على الإنترنت، ليتبادلوا من خلالها المعلومات، ويتناقلوا بينهم الأخبار، ويستفيدوا من تجارب بعضهم في كل الشؤون المتعلقة بالابتعاث، ابتداءً من إجراءات التأشيرة، وحتى اختيار الجامعة.
وبالفعل، لعبت هذه المنتديات دوراً كبيراً في توجيه وتشجيع وإفادة الكثير من المبتعثين، وأنقذت الكثير منهم من وطأة الحيرة والتشتت وغياب المعلومة، وانتعشت هذه المنتديات بالكثير من الموضوعات الجادة، وامتلأت بمعلومات مفيدة عن الجامعات، والمدن، والقوانين، والإجراءات، ونصائح السكن، والأمور المالية، وغيرها، حتى صارت خيمة إنسانية جميلة، يلجأ إليها المحتاج، ويتوافر فيها المتطوعون، بل ويتوافد إليها الكثيرون من غير السعوديين، بحثاً عن معلومات تساعدهم في مسيرتهم الدراسية، ولكن ماذا حدث؟
عندما استقر الطلاب السعوديون أخيراً على مقاعد الدراسة، وانتهى عناؤهم الأوليّ مع التأشيرة، والسفر، والسكن، والتسجيل، واللغة، وغيرها، بدا أنهم تذكروا فجأة رسالتهم الأيديولوجية، ومشاكلهم الطائفية، فقرروا استيرادها في صناديق مشبوهة من الوطن، عبر المحيط، إلى أمريكا، لاسيما تلك المشكلة الأثيرة المحببة لدى مدمني الجدل: السنة والشيعة.
ويبدو أن "بعض" الطلاب السعوديين من السّنة لم ينتبهوا إلى أن الشيعة يشاركونهم الوطن منذ تأسيسه إلا عندما رأوهم يجلسون بجوارهم في مقاعد الجامعات الأمريكية! فأصابتهم الدهشة، وانهالوا عليهم بأسئلة السلم والحرب، ولاحقوهم في أعقاب المحاضرات، وممرات الجامعات، بأسئلة قديمة، وتهم شهيرة، يحمل بعضها رائحة الفضول ومحاولة الفهم والتعرف، ويحمل بعضها الآخر رائحة التحرش، والاستفزاز، ومحاولة فرض السيطرة، وبدأ "بعض" المتطرفين في تحويل منتديات المبتعثين تلك إلى ساحة صراع ديكي، وطائفي، تطرح مواضيع جدلية لا علاقة لها بما أنشئت لأجله تلك المنتديات، متناسين أن هناك المئات من المواقع الفائضة التي تتسع لهذه الترهات الطائفية، والتحرش التاريخي، والاتهامات العقدية، والتحريض الاجتماعي، في غرف سوداء، مخصصة لهذا الجدل البغيض، وليس في منتديات المبتعثين التي يبحث روادها عن معلومات مفيدة لتحصيلهم العلمي، ودعماً معنوياً وأخوياً أثناء الغربة!
إن الدراسة في أمريكا الشمالية بالذات، هي فرصة عظيمة للاستشفاء من أمراض التعايش العدائي بين الطوائف، ومدرسة كبيرة لتعلم كيفية العيش في الوطن الواحد، بأفكار مختلفة. فلا يوجد بقعة في الأرض، على مدى التاريخ، استقبلت أعراقاً متنوعة من البشر، ليعيشوا في أرض واحدة، تحت قانون واحد، محتفظين بتعدد أديانهم، وعقائدهم، وطوائفهم دون مساس، مثلما فعلت قارة أمريكا الشمالية، بحاضرتيها: الولايات المتحدة، وكندا. ورغم أن هذه الهجرة التاريخية لم تمض دون أخطاء إنسانية فادحة، ليس أقلها تهجير الهنود الحمر، واستعباد السود، إلا أن مسيرة المشروع الأمريكي الشمالي ما زالت تتقدم بدأب نحو تحقيق مبادئ مجتمع المهاجرين الثلاث: العدالة، والحرية، والمساواة.
لأن هذا ما هاجر الناس طلباً له، وتركوا وراءهم الأوطان التي لوثتها القوميات والطوائف المتصارعة. ولقد حققت نجاحات هائلة، رغم أنها ما زالت ترتكب الأخطاء من حين لآخر، إلا أنه لا يزال المشروع الأنجح على مستوى الحجم والتأثير في التاريخ، وانخفضت مؤشرات العنصرية بشكل كبير عما كانت عليه في بدايات القرن، فبعد أن كان الفرد الأسود يشنق خفية، ويجلس في مقاعد الدرجة الثانية، أصبح كل ما يشتكي منه من عنصرية لا يتعدى ممارسات الأفراد في الشارع، والمدارس، بل أصبح باراك أوباما، السيناتور الأسود، يرشح نفسه لرئاسة أمريكا بكل ثقة.
وبعد أن كان اليهودي ممنوعاً من الأكل في المطاعم العامة، ومجبراً على العيش في أحياء بعينها، ولا يسعه حتى المشي بأمان في الشارع دون أن يتعرض للضرب والإهانة، أصبح اليهود من أكبر اللوبيات المسيطرة في عوالم المال والاقتصاد في القارة بأكلمها، ويقيمون في أفخم مناطق السكن على الإطلاق، ولم يعد أحد في أمريكا يفرق بين الألماني الأصل، أو الإيطالي، أو الأيرلندي إلا إذا استدعى ذاكرة الأجداد، وأغنيات الجدات، ودخل المسلمون مجلس الشيوخ الأمريكي ممثلين في السيناتور أليسون كيث الذي غير البروتوكولات القائمة منذ مئات السنين، وأصرّ على أن يقسم على القرآن بدلاً من الإنجيل، ولم يعترض على ذلك أحد، حتى الهنود الحمر، الذين يعدّ صوتهم من أخفض الأصوات، وأكثرها حياءً في المطالبة بحقوقهم التي صادرها الغزاة، لم يكونوا نسياً منسيا، بل اهتمت بهم الحكومات، لاسيما الكندية، وبذلت جهوداً كبيرة لإعادة الاعتبار لثقافتهم، ولغتهم، باعتبارهم السكان الأصليين، وتمت رسمياً إدانة تصرفات البيض إزاءهم في مقررات التعليم العام، وصار يطلق عليهم رسمياً "الأصليون"، وليس "الهنود الحمر"، وتم إعفاؤهم من الضرائب تماماً "في كندا"، ومنحهم أراض شاسعة، وأولوية في الكثير من الحقوق، كنوع من الاعتذار المتأخر عما فعله هؤلاء الأسلاف، بأولئك الأسلاف، في أزمان الجهل، والعنصرية، والظلم. فأين الطلاب السعوديون الطائفيون عن كل هذا؟
يعلنُ خادم الحرمين الشريفين في كل مناسبة أن هذا وطن الجميع، ولا يوجد مناطق درجة أولى، ومناطق درجة ثانية على الإطلاق، بينما يعمل بعض أبنائه المبتعثين في المنتديات على عزل الشيعة، ويطالبون بشكل صريح، في مواضيع متعددة، بعدم المساواة معهم، وبتر الأطراف الشيعية من المنتدى، "أحدهم استخدم كلمة البتر حرفياً!"، كونها تخالفهم المنهج والمعتقد. هذه مطالبة وفكر طلاب سعوديين اختارتهم وزارة التعليم العالي لإكمال دراستهم في أفضل دول العالم تعليماً، وأكثرها إيماناً بحرية الدين والمعتقد، ووجوب العدالة والمساواة بين كل طوائف المجتمع، ولكنهم رسبوا بجدارة في كل الاختبارات الأساسية: الوطنية، والعدالة، والمساواة، والحرية، ونجحوا بامتياز في امتحانات العزة الآثمة، والتعصب الأعمى، والجهل الطائفي البغيض، في قلب أمريكا!
لا أدري لماذا اختار بعض الطلاب السعوديين أن يكونوا من المخفقين، ويشغلوا وقتهم بهذا الجدل الطائفي العقيم. حملوا طائفيتهم معهم من السعودية، إلى أمريكا، ليتعاركوا بها وسط الجامعات الأمريكية، وكأنهم يمثلون مشهداً مسرحياً من العصور الوسطى، يضحك عليه الواقف والعابر. وبدلاً من أن يكمل بعضهم واجباته الدراسية، ويستفيد من أجوائه المحيطة، تراه عاكفاً على الإنترنت، ينقش في منتدى المبتعثين موضوعاً طويلاً عن الشيعة والسنة، وكأنه، رعاه الله، سيحلّ القضية التي عمرها 1400 سنة بموضوعه البسيط ذاك، في الوقت الذي تشكو فيه وزارة التعليم العالي من تزايد عدد الطلاب الذين لم يتمكنوا من إكمال سنة اللغة الإنجليزية، واضطروا للعودة إلى الوطن بخفي حنين.
* كاتب سعودي
عندما وقف الكوميديان الشهير، رسول بيتر، الكندي الجنسية، الهندي الأصل، ليؤدي وصلته الكوميدية التي احتشد لها جمع غفير في مدينة تورونتو الكندية، سَخِرَ بأسلوبه اللاذع من الأفكار العنصرية التي تهاجر مع أصحابها، قائلاً: كلنا كنديون، ولكني لاحظت من تجربتي هنا أنه عندما يلتقي صينيان، يسألان بعضهما: من أي مدينة في الصين جئت؟ وحسب الإجابة، قد يعبسان، أو يتعانقان، وعندما يلتقي هنديان في كندا، يكون السؤال: من أي إقليم أنت؟ وحسب الإجابة قد يتصافحان، أو يتصارعان، بينما عندما يلتقي أبيضان، ويطرحان السؤال نفسه، لا تعني لهما الإجابة أي شيء على الإطلاق، ففي النهاية سيذهبان معاً لتناول المرطبات على أي حال!
عندما وصل الآلاف من الطلاب السعوديين فجأة إلى هذه القارة التي يتكلم عنها رسول بيتر، ممتطين فرصاً تعليمية تكاد تجعلهم أكثر طلبة العلم حظاً في العالم، كان من الأمور الحضارية الجميلة التي قام بها هؤلاء المبتعثون والمبتعثات أن أسسوا لأنفسهم بعض المنتديات على الإنترنت، ليتبادلوا من خلالها المعلومات، ويتناقلوا بينهم الأخبار، ويستفيدوا من تجارب بعضهم في كل الشؤون المتعلقة بالابتعاث، ابتداءً من إجراءات التأشيرة، وحتى اختيار الجامعة.
وبالفعل، لعبت هذه المنتديات دوراً كبيراً في توجيه وتشجيع وإفادة الكثير من المبتعثين، وأنقذت الكثير منهم من وطأة الحيرة والتشتت وغياب المعلومة، وانتعشت هذه المنتديات بالكثير من الموضوعات الجادة، وامتلأت بمعلومات مفيدة عن الجامعات، والمدن، والقوانين، والإجراءات، ونصائح السكن، والأمور المالية، وغيرها، حتى صارت خيمة إنسانية جميلة، يلجأ إليها المحتاج، ويتوافر فيها المتطوعون، بل ويتوافد إليها الكثيرون من غير السعوديين، بحثاً عن معلومات تساعدهم في مسيرتهم الدراسية، ولكن ماذا حدث؟
عندما استقر الطلاب السعوديون أخيراً على مقاعد الدراسة، وانتهى عناؤهم الأوليّ مع التأشيرة، والسفر، والسكن، والتسجيل، واللغة، وغيرها، بدا أنهم تذكروا فجأة رسالتهم الأيديولوجية، ومشاكلهم الطائفية، فقرروا استيرادها في صناديق مشبوهة من الوطن، عبر المحيط، إلى أمريكا، لاسيما تلك المشكلة الأثيرة المحببة لدى مدمني الجدل: السنة والشيعة.
ويبدو أن "بعض" الطلاب السعوديين من السّنة لم ينتبهوا إلى أن الشيعة يشاركونهم الوطن منذ تأسيسه إلا عندما رأوهم يجلسون بجوارهم في مقاعد الجامعات الأمريكية! فأصابتهم الدهشة، وانهالوا عليهم بأسئلة السلم والحرب، ولاحقوهم في أعقاب المحاضرات، وممرات الجامعات، بأسئلة قديمة، وتهم شهيرة، يحمل بعضها رائحة الفضول ومحاولة الفهم والتعرف، ويحمل بعضها الآخر رائحة التحرش، والاستفزاز، ومحاولة فرض السيطرة، وبدأ "بعض" المتطرفين في تحويل منتديات المبتعثين تلك إلى ساحة صراع ديكي، وطائفي، تطرح مواضيع جدلية لا علاقة لها بما أنشئت لأجله تلك المنتديات، متناسين أن هناك المئات من المواقع الفائضة التي تتسع لهذه الترهات الطائفية، والتحرش التاريخي، والاتهامات العقدية، والتحريض الاجتماعي، في غرف سوداء، مخصصة لهذا الجدل البغيض، وليس في منتديات المبتعثين التي يبحث روادها عن معلومات مفيدة لتحصيلهم العلمي، ودعماً معنوياً وأخوياً أثناء الغربة!
إن الدراسة في أمريكا الشمالية بالذات، هي فرصة عظيمة للاستشفاء من أمراض التعايش العدائي بين الطوائف، ومدرسة كبيرة لتعلم كيفية العيش في الوطن الواحد، بأفكار مختلفة. فلا يوجد بقعة في الأرض، على مدى التاريخ، استقبلت أعراقاً متنوعة من البشر، ليعيشوا في أرض واحدة، تحت قانون واحد، محتفظين بتعدد أديانهم، وعقائدهم، وطوائفهم دون مساس، مثلما فعلت قارة أمريكا الشمالية، بحاضرتيها: الولايات المتحدة، وكندا. ورغم أن هذه الهجرة التاريخية لم تمض دون أخطاء إنسانية فادحة، ليس أقلها تهجير الهنود الحمر، واستعباد السود، إلا أن مسيرة المشروع الأمريكي الشمالي ما زالت تتقدم بدأب نحو تحقيق مبادئ مجتمع المهاجرين الثلاث: العدالة، والحرية، والمساواة.
لأن هذا ما هاجر الناس طلباً له، وتركوا وراءهم الأوطان التي لوثتها القوميات والطوائف المتصارعة. ولقد حققت نجاحات هائلة، رغم أنها ما زالت ترتكب الأخطاء من حين لآخر، إلا أنه لا يزال المشروع الأنجح على مستوى الحجم والتأثير في التاريخ، وانخفضت مؤشرات العنصرية بشكل كبير عما كانت عليه في بدايات القرن، فبعد أن كان الفرد الأسود يشنق خفية، ويجلس في مقاعد الدرجة الثانية، أصبح كل ما يشتكي منه من عنصرية لا يتعدى ممارسات الأفراد في الشارع، والمدارس، بل أصبح باراك أوباما، السيناتور الأسود، يرشح نفسه لرئاسة أمريكا بكل ثقة.
وبعد أن كان اليهودي ممنوعاً من الأكل في المطاعم العامة، ومجبراً على العيش في أحياء بعينها، ولا يسعه حتى المشي بأمان في الشارع دون أن يتعرض للضرب والإهانة، أصبح اليهود من أكبر اللوبيات المسيطرة في عوالم المال والاقتصاد في القارة بأكلمها، ويقيمون في أفخم مناطق السكن على الإطلاق، ولم يعد أحد في أمريكا يفرق بين الألماني الأصل، أو الإيطالي، أو الأيرلندي إلا إذا استدعى ذاكرة الأجداد، وأغنيات الجدات، ودخل المسلمون مجلس الشيوخ الأمريكي ممثلين في السيناتور أليسون كيث الذي غير البروتوكولات القائمة منذ مئات السنين، وأصرّ على أن يقسم على القرآن بدلاً من الإنجيل، ولم يعترض على ذلك أحد، حتى الهنود الحمر، الذين يعدّ صوتهم من أخفض الأصوات، وأكثرها حياءً في المطالبة بحقوقهم التي صادرها الغزاة، لم يكونوا نسياً منسيا، بل اهتمت بهم الحكومات، لاسيما الكندية، وبذلت جهوداً كبيرة لإعادة الاعتبار لثقافتهم، ولغتهم، باعتبارهم السكان الأصليين، وتمت رسمياً إدانة تصرفات البيض إزاءهم في مقررات التعليم العام، وصار يطلق عليهم رسمياً "الأصليون"، وليس "الهنود الحمر"، وتم إعفاؤهم من الضرائب تماماً "في كندا"، ومنحهم أراض شاسعة، وأولوية في الكثير من الحقوق، كنوع من الاعتذار المتأخر عما فعله هؤلاء الأسلاف، بأولئك الأسلاف، في أزمان الجهل، والعنصرية، والظلم. فأين الطلاب السعوديون الطائفيون عن كل هذا؟
يعلنُ خادم الحرمين الشريفين في كل مناسبة أن هذا وطن الجميع، ولا يوجد مناطق درجة أولى، ومناطق درجة ثانية على الإطلاق، بينما يعمل بعض أبنائه المبتعثين في المنتديات على عزل الشيعة، ويطالبون بشكل صريح، في مواضيع متعددة، بعدم المساواة معهم، وبتر الأطراف الشيعية من المنتدى، "أحدهم استخدم كلمة البتر حرفياً!"، كونها تخالفهم المنهج والمعتقد. هذه مطالبة وفكر طلاب سعوديين اختارتهم وزارة التعليم العالي لإكمال دراستهم في أفضل دول العالم تعليماً، وأكثرها إيماناً بحرية الدين والمعتقد، ووجوب العدالة والمساواة بين كل طوائف المجتمع، ولكنهم رسبوا بجدارة في كل الاختبارات الأساسية: الوطنية، والعدالة، والمساواة، والحرية، ونجحوا بامتياز في امتحانات العزة الآثمة، والتعصب الأعمى، والجهل الطائفي البغيض، في قلب أمريكا!
لا أدري لماذا اختار بعض الطلاب السعوديين أن يكونوا من المخفقين، ويشغلوا وقتهم بهذا الجدل الطائفي العقيم. حملوا طائفيتهم معهم من السعودية، إلى أمريكا، ليتعاركوا بها وسط الجامعات الأمريكية، وكأنهم يمثلون مشهداً مسرحياً من العصور الوسطى، يضحك عليه الواقف والعابر. وبدلاً من أن يكمل بعضهم واجباته الدراسية، ويستفيد من أجوائه المحيطة، تراه عاكفاً على الإنترنت، ينقش في منتدى المبتعثين موضوعاً طويلاً عن الشيعة والسنة، وكأنه، رعاه الله، سيحلّ القضية التي عمرها 1400 سنة بموضوعه البسيط ذاك، في الوقت الذي تشكو فيه وزارة التعليم العالي من تزايد عدد الطلاب الذين لم يتمكنوا من إكمال سنة اللغة الإنجليزية، واضطروا للعودة إلى الوطن بخفي حنين.
* كاتب سعودي