المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لبنانيون شباب يجمعون على الهجرة ... ويختلفون على وجهة السفر



أمير الدهاء
05-16-2007, 09:20 PM
بيروت - محمد غندور الحياة - 07/05/07//

كل شيء أصبح جاهزاً. المكسّرات. العصير. الطعام. الأقراص المدمجة، ونحن. سهرة وداعية لأحد الاصدقاء الذي تخرّج أخيراً وسيسافر الى احدى دول الخليج للعمل براتب مغرٍ وسيارة ومنزل. سؤال طرحته على المجتمعين ومعظمهم من المتخرجين حديثاً» لماذا تفضلون السفر والى أين؟ أوروبا أم الخليج؟» سكت الجميع. اختفت الابتسامات... تغيّرت وساد صمت لا يوحي الا بالغربة. نظرت الى سليم (خريج ادارة أعمال من الجامعة الأميركية) فقال: «ما هذا السؤال السخيف، لماذا نسافر؟ من أجل من سأبقى؟ ما هذا البلد الذي لا يعطي مواطنيه الا حروباً ودماراً ويأساً وبؤساً. لن أبقى، سأرحل الى دبي، حيث السياسة معدومة، ونشرات الأخبار لن تعني لي شيئاً هناك».
على ارض المطار


ما قاله سليم، عكّر أجواء السهرة وحوّلها الى نقاش حاد. الكل متفق على السفر. والكل يعلم أن لبنان لم يعد يرضي أحلامهم ولا طموحاتهم. الا أن الخلاف بات على وجهة السير، أوروبا أم الخليج. تخرّج هادي( تصميم اعلانات، الجامعة اللبنانية- الأميركية) قبل نحو سنتين، لم يجد عملاً على رغم محاولات عدة، فقد الأمل بتسوية أو حل للأزمة الراهنة في لبنان، حصل على تأشيرة دخول الى كندا بمساعدة خاله المقيم هناك. سيسافر بعد أسبوع. رفض هادي عروضا عدة من الإمارات وقطر والبحرين للعمل فيها لأسباب تتعلق بالمعيشة والطقس والعادات والتقاليد ويقول:» لن أعيش في الخليج، أريد بلادا أكثر انفتاحاً وتطوراً. أريد كندا، بلد المسارح والمعارض والثقافات المندمجة، والنساء المتحررات، حيث لا عادات وتقاليد بالية».

يريد هادي الانفتاح على عالم آخر جديد. لا يوافق أحمد (خريج اقتصاد من الجامعة اللبنانية) على ما طرحه هادي ويعتبر أن دول الخليج تتقدم بشكل ملحوظ لتقارب أوروبا في ثقافتها وعاداتها وحتى شوارعها خصوصاً دبي (التي يعمل في أحد شركاتها) باتت الأكثر تطوراً في العالم من حيث وسائل الاتصال والتكنولوجيا. ويضيف أحمد:» باتت أوروبا متحيزة ضد العرب، بعد الأحداث السياسية العالمية التي تتوالى، كما ان النظرة المعلّبة للعربي بوصفه مرادفاً للإرهابي، أو ان العربي لا يزال يعيش في الكهوف والعصور المتحجرة، تمنعني من التوجه الى هناك. دول الخليج أقرب الى ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وعلى الأقل لن نشعر بغربة قاهرة هناك».

ما طرحه أحمد، شوّش أفكار باسم( خريج ادراة أعمال من الجامعة اليسوعية) الذي لم يعد قادراً على الاختيار بين أوروبا والخليج بعد ما سمعه، فراح يُقارن بينهما. فبحسب قوله أن اوروبا ستكون تجربة جديدة له وعلى وجه التحديد فرنسا، سيختلط فيها بمختلف الأجناس والأشكال والألوان، الا أن الشيء نفسه موجود في دبي. التعاطي بين البشر أسهل في الخليج والعادات الاجتماعية أقرب الى البيئة التي خرج منها. الطقس في الخليج مزعج وكذلك في أوروبا. مراكز الدراسات والبحوث العلمية أكثر دقة في الغرب، والتطور التكنولوجي والطرقات الواسعة والطبيعة الخلابة أفضل من الشرق. جرّب باسم أن يفتش على شيء مغر في المنطقتين، صرخ قائلاً «وجدتها، النساء في أوروبا أجمل وأكثر جاذبية بنظري، لا عمليات تجميل ولا مكياج، ولا من يحزنون. سأعمل في أوروبا»... ما قاله أحمد أضحك الجميع وأنعش أجواء السهرة، الا أن طاولة الطعام بقيت وحيدة، والعصير لم يُسكب، والمكسرات تنتظر من يلتهمها. تشير الاحصاءات الى أن أكثر من 60% من المهاجرين اللبنانيين هم شباب، وأن 30 % من اللبنانيين يفكرون ملياً بالهجرة، خصوصاً بعد الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، وتشير الاحصاءات أيضاً أن الغالبية هم من خريجي الجامعات حديثاً.

نفهم مما تقدّم أن البعض يرى السفر حلاً لمشاكله وأن البعض يفضل اوروبا والبعض الآخر يفضل الخليج.... ويبقى لبنان على رغم كل ميّزات اوروبا والخليج بلداً حضارياً تمتزج فيه الثقافة الغربية بالشرقية، بحره يلامس جبله، مناخه معتدل. وبعض الوظائف رواتبها ممتازة. اذاً ما يطلبه فريقاً الخليج وأوروبا موجود في لبنان فلمَ السفر؟

تجيب سحر( طالبة إعلام) أن لبنان لم يعد ملكاً لمواطنيه، بل هو ساحة نزاع دولية. تتفق رؤى (طالبة سياحة) مع ما تقوله سحر وتضيف « لا أريد أن أكون دمية في يد سياسي أو رجل دولة أو زعيم طائفة، أريد أن أكون حرة في قراراتي واختياراتي من دون أن ارجع الى طائفتي أو الى حزب مسيطر». يأخذ ريان وهو ناشط في أحد الأحزاب السياسية الحديث الى أبعد من السياسة ليقول» لنبتعد قليلاً عن السياسة ونرى مشاكلنا الاقتصادية، فاتورة الهاتف هي الأغلى في العالم. المياه تصل بتقطع. لا ضمان اجتماعياً. الكهرباء تغيب غيبات صغرى وكبرى». المحور الثاني من السهرة بات أكثر حدّة، تناسى الجميع جمال أوروبا وأموال الخليج وغرقوا في مشاكلهم اليومية. تابع فراس (خريج حقوق) ما بدأه ريان مفنداً المشاكل الاجتماعية والصحية والبيئية والحياتية واليوميّة، متطرقاً الى مشكلة المشاكل، الطائفية التي تطغى على العديد من الشركات والمؤسسات، اذ اصبحت الوظيفة بحسب الطائفة، وأضاف أن لبنان لم يعد بلداً آمناً للسكن في ظل الاغتيالات والتفجيرات وأخيراً عمليات الخطف.

فجأة وقف أحمد ودعا الجميع الى طاولة الطعام، وقف الجميع وتوجهوا اليها من دون أن يهمسوا ببنت شفّة. «الطعام لذيذ»، «شو طيب».

سهرة كانت مقررة للضحك والنراجيل والحديث عن الصحة والأحوال، كشفت أن جيلا لم يعد يثق بأن لبنان وطنه النهائي، وأن الهجرة أفضل خيار. وأن البقاء في لبنان والغوص في مشاكله لن يجلب الا سكتة قلبية أو انفجاراً أو عملية خطف ربما يكون أحد المجتمعين من ضحاياها.