سيد مرحوم
07-05-2004, 08:28 PM
هل يحق للمرأة ان تكون مرجعاً دينيّا؟
الاثنين 05 يوليو 2004 05:25
غالب حسن الشابندر
صميم القضيَّة
ناقش فقهاء الشيعة مدى أهليِّة المرأة للاضطلاع بمهمة الإفتاء، أي أن تكون مرجعاً دينيِّاً لتحديد تكاليفنا الشرعية وبيان أحكامنا الدينية، بحيت تكون مبرئة للذمة كما يكتب الفقهاء في الصفحة الأولى من رسائلهم العملية الكريمة، ويكاد يكون الراي الغالب هو عدم الجواز، أي ليس لها صلاحية الإفتاء، وبالتالي، لا يحق لها ان تكون مرجعاً، فقد إشترطوا ( الرجوليِّة ) على حد تعبير السيّد الخوئي أو ( الذكوريِّة ) بتعبير آخرين ــ وهناك فارق بين الصيغتين بطبيعة الحال ــ ولكن لم يسجل هذا الموقف درجة السيادة المطلقة، فقد نقل السيّد الحكيم رحمه الله في كتابه الكبير ( مستمسك العروة الوثقى ) قوله (... وأمّا أعتبار الرجوليِّة: فهو كسابقه عند العقلاء... ليس عليه دليل ظاهر غير دعوى إنصراف إطلاقات الأدلة إلى الرجل وأختصاص بعضها به. لكن لو سُلِّم فليس يصلح رادعاً عن بناء العقلاء، وكأنّه لذلك أفتى بعض المحققين بجواز تقليد الأنثى والخنثى ) ــ المستمسك 1 / 43 ــ
أنّ بناء العقلاء في التقليد هو رجوع الجاهل الى العالم، ولا فرق في ذلك بين المراة و الرجل، كذلك العبد والحر، لان ملاك الرجوع يمكن أن يتوفّر في هذا الرجل أو تلك المرأة، وذلك مما ينسجم مع النظرة الإسلامية للإنسان، وهل هناك ما يمنع بانّ تتمتَّع إمرأة ما بقدرة إكتشافيّة إستنباطيِّة تفوق زميلها، بل وربما تتمتع بانسقة مذاقيّة يفتقر إليه الكثير من الرجال على صعيد تقدير حاجات الإنسان وتحديد مشاكله وتشخيص حلولها الأقرب للواقع، ولو على مستوى أبناء جنسها على أقل تقدير؟
إذن ليس هناك أدلّة قاطعة!
هل يحق للمرأة ان تكون مرجعاً دينيا؟
يقول السيِّد الخوئي رحمه الله ( ... والصحيح أن المُقلَّد يُعتبر فيه الرجوليِّة، ولا يسوغ تقليد المرأة بوجه، وذلك لأنّا قد أستفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة الشرعيّة المرغوبة من النساء إنّما هي التحجّب والتستر، وتصدّي الأمور البيتيِّة، دون التدخّل فيما ينافي تلك الأمور، ومن الظاهر إنّ التصدي للإفتاء ـ بحسب العادة ـ جعل للنفس في معرض الرجوع والسؤال لأنهما مقتضى الرئاسة للمسلمين، ولا يرضى الشارع بجعل المرأة معرضاً لذلك أبداً، كيف ولم يرض باماتها للرجال في صلاة الجماعة فما ظنك بكونها قائمة بأمورهم ومديرة لشؤون المجتمع ومتصديّة للزعامة الكبرى للمسلمين، وبهذا الامر المرتكز القطعي في أذهان المتشرعة يقيَّد الأطلاق، ويردع عن السيرة العقلائيِّة الجارية على رجوع الجاهل الى العالم مطلقا رجلاً كا أو إمرأة ) ـ الاجتهاد والتقليد ص 226 ــ
لا أعر ف ما يقصد الفقيه الكبير بالتستر.
هل يعني التستر المكوث في البيوت كما أمر الله تعالى نساء النبيّ الكريم؟
هل يعني التستر الإختفاء تحت الثياب بمقاساتها الشرعية على خلاف ببعض التفاصيل وكفى الله المؤمنين شرَّ القتال؟
هل يعني التستر الإبتعاد الكلي عن مجتمع الرجال... لا مخالطة ولو من بعد؟
هل التستر هو الإبتعاد النسبي عن مجتمع الرجال، والنسبة تقدير موكول الى أوضاع المجتمع وأحكامه وتقاليده؟
هل الموظفة المحجَّبة في دائرة مختلطة لم تكن متسترة مثلا؟
لستُ أ دري...
يقول السيّد رحمه الله ( لأنّا قد أستفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة المرغوبة من النساء إنّما هي التحجّب )!
هل التحجّب مرغوب شرعي ام واجب شرعي؟ أليس هناك خلل في التعبير؟
هل التعبير بالرغبة يدخل في مملكة الإلزام؟
يبدو لي أنّ السيِّد يمضي هنا الحجاب بالكامل الذي يتضمّن إخفاء الوجه والكفين وجوباُ او على سنة الإحتياط الوجوبي، ويمضي موقفاً حادّاً تجاه الاختلاط، فهو ممنوع بشكل حاد، أي هو معادل موضوعي للانفصال الكامل بين الجنسين !
هذا ما أستفيده من بعض الصيغ المنقولة عنه رحمه الله ...
فمن أدلة السيّد على المنع المذكور ( أن أحكام المرآة الشرعية في الشريعة الأسلامية من قبيل وجوب الحجاب عليها، وعدم جواز إختلاطها بالرجال، وعدم جواز توليّها للأمور العامة، يُستفاد منه ردع الشارع ـ بالنسبة إلى المرأة في مقام الإفتاء ــ عن عموم السرة العقلائية الشامل للرجال والنساء في قضيَّة رجوع الجاهل إلى العالم، فتخصّص حجيَّة السيرة بالقدر المتيقن في باب الإفتاء، وهو الذكر خاصّة ) ـ نقلا عن الا جتهاد والتقليد لشمس الدين نقلا عن دروس في فقه الشيعة ص 282 ــ
ولكن رغم ذلك يحتار القاريئ في فهم حدود وماهيّة وشخصية ( عدم جواز الاختلاط بالرجال )، هي كلمة غامضة مشوشة، فهل تعبِّر هذه الصيغة عن موقف واضح يزيل الحيرة ويبني سلوكاً مطمئنا؟!
في تصوري، كي يستقيم موقف السيِّد بخصوص تقليد المرأة ينبغي أن يشمل الحجاب إخفاء الوجه واليدين، بعيدة عن الرجال، لا تختلط بهم في دائرة ولا مسجد، وربما ولا شارع، صفان متوازيان من البشر، صف للرجال وصف للنساء، وبينهما فاصل مكاني معتّد به، يتراجع بين سعة وضيق تحت طائلة الحذر والخوف، أو صفوف الرجال للامام وصفوف النساء للوراء في حقل معرفي او فضاء خطابي...!
هنا يستقيم الوضع!
يرد الشيخ شمس الدين على دليل السيِّد رحمه الله بقوله ( أنّ هذه الأمور ـ عدا الحجاب ــ لم يثبت في الشريعة بنحو قاطع كونها من أحكام المرأة فإن حرمة الأختلاط مطلقا، وحرمة تولّي الأمور العامّة مطلقاً مورد للخلاف بين الفقهاء، وللبحث فيها مجال، فلا يصلحان لاستفادة الردع منهما عن السيرة العقلائية، وليس كلما ذهب أليه المشهور من الفقهاء صواب لا ريب فيه، وأما الحجاب فالمشهور جواز كشف الوجه والكفين، والرأي الذي ذهب إليه بنحو الإحتياط بوجوب ستر الوجه والكفين ليس الرأي المشهور بين الفقهاء، فلا يمكن يُستفاد منه الردع بطريق أولى ) ـ المصدر ص 283 ــ
ولكن لماذا هذا العقد الأزلي بين مشروعيِّة تقليد المرأة وضرورة الأختلاط؟
ألا يمكن سؤالها من وراء حجاب ؟
أطرح هذا السؤال وتمتلكني حيرة، لانّ التاريخ ينقل الكثير من مشاهد الحوار بين النبي والنساء أمام الصحابة الأخيار منهم وغير الاخيار، وفي الزمن المعاصر كان ( الانترنت ) عامل حل حاسم لهذه المشكلة، خاصّة اذا كانت المرأة المُقلََّدة من ذوي الطموح البسيط على مستوى عدد المقلدين! وإذا قلنا بحق المرأة أن تكون مرجعاً لابناء جنسها تنحل المشكلة، بل سوف تُيسِّر للمجتمع الاسلامي الكثير من الأمور، لعلّ منها توفير فرصة الإحساس الأنثوي في تقدير أحكام المرأة.
أنّ تحريم السيِّد يستند إلى موانع إجرائية وليست موانع تجسِّد بنية حكم قائم براسه يتحدى الزمن، وتلك هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وهي بلاء التاريخ في شطره ا لحسن من تخليق الحدث... ألم تحدث الناس بالفقه من وراء حجاب كما يقولون؟
ومن ثمّ أبنتها زينب الحوراء؟
أنتم تقولون ذلك.
السيِّد الجليل ربط أزليِّا بين الأختلاط والفتيا!
أن تكون مرجعاً يعني ان تكون مختلطا!
هل بامكاني ان اسأل كم هي مساحة الا ختلاط بين الكثير من الفقهاء والناس؟
مجرّد سؤال؟
ألا يمكن ان يكون بين المرأة المجتهدة وبين الناس وسطاء؟
كل وسيط من جنس المرسل إليه، وهل النشاط السياسي للقيادات العالمية بعيدة عن سنة الوسطاء المدورسين على مستوى الإنتماء من كل ناحية حتى على مستوى الهويّة الجنسية؟
فلماذا هذا الربط الأزلي بين القضيتين؟
مشاكل دولية كبيرة تهدد العالم تُحل عن طريق الرسائل وا لوسطاء، ووسائل الاتصال الصوتي البعيدة تغني اليوم عن كل مشافهة مباشرة، فهل كل ذلك لا يكفي لحل هذه المعضلة لو صحّت في الواقع؟
حوارات علميّة في غاية التعقيد تتم على بعد آلاف الاميال تخرج بنتائج باهرة تغير صورة العالم، فهل في كل ذلك ذكرى؟
ولكن ماذا لو كان هناك فقيه لا يحرّم الاختلاط بدرجة من الدرجات؟
هل يعني هذا ان فتيا المرأة عند هذا الفقيه ماضية؟
لنفترض ذلك وهو ليس بالنادر.
تقبل رواية المرأة ولا تقبل فتواها، و(... هل حال الفتوى إلاّ كحال الرواية، ولذا يُستدل بأدلة حجيِّة الخبر على حجيِّة الفتوى من دون إختصاص لحجيِّة الرواية بالرجال... )
كذلك قال بعض الفقهاء
مع أنّ أدلة حجيِّة الرواية نفسها هي أدلّة حجيّة الفتيا، فلماذا هذا التفكيك والتجزئة؟ لهذا السبب، ولأنَّ بناء العقلاء هو عودة الجاهل الى العالم بصرف النظر عن لونه وجنسيته وقوميته حكم بعض الفقهاء بجواز تقليد الأنثى والخنثى... وللحديث بقية...
الدليل الروائي (1)
يستدل فريق المنع بحسنة أبي خديجة ونصّها ( محمّد بن عليّ بن الحسين باسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّأل، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلا م: إيّاكم أن يُحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن إنظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فأنّي جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه ) ــ الوسائل 27 باب واحد ح 5 ــ
لنقرأ السند في البداية ..
الراويّة أبو خديجة
• حول الاسم والكنية واللّقب: ــ
لقد أختلف في اسم هذ الرجل كثيراً، بل الى حدّ الارباك، نحاول هنا القيام باستقراء للصور المطروحة في هذا الشأن.
** الشيخ الطوسي: ــ
لقد عنونه الشيخ الطوسي بقوله: ( سالم بن مكرم، يُكنّى أبا خديجة، ومكرّم يُكنى أبا سلمة )، وعنونه أيضاً بقوله: ( سالم بن أبي سلمة، وهو أبو خديجة ) ـ الفهرست رقم 337 ــ فهو سالم، وكنيته أبو خديجة، وأبوه مكرّم وكنيته أبو سلمة، وعنونه في رجاله في عدة الا مام الصادق ( سالم بن مكرّم أبو خديجة الجمال الكوفي مولى بني أسد ) ـ رقم 116 ــ
ومن دون توثيق، ولكن الطوسي يذكر شخصاً آخر في رجاله من أصحاب الصادق بعنوان ( سالم بن سلمة أبو خديجة الرواجني الكوفي مولى ) ـ رقم 117 ـ ومن دون توثيق، فهل هما متحدان ؟ في تصوري ذلك أقرب للواقع لأن مفردات التطابق كثيرة، فهناك الا سم الشخصي ـ سالم ـ والكنية ـ أبو خديجة ـ والموطن ـ الكوفة ـ والحالة الاجتماعية ـ مولى ـ والتكرار سهو من المصنف أو خطأ من النسّاخ،، ومهما يكن نستطيع الخروج بحصيلة تقول: أنَّ الرجل في حساب الشيخ الطوسي هو: ( سالم أبو خديجة بن مكرّم أبي سالم الجمّال الكوفي مولى بني اسد )، والاقرب للصواب أنه ذات الراوية ( سالم بن سلمة أبو خديجة الكوفي ).
**الشيخ النجاشي: ــ
الشيخ النجاشي في رقم ( 501 ) يقول صراحة بأن كنية الرجل أساساً هي أبو خديجة، ولكن الصادق عليه السلام استبدل كنيته هذه بـ ( أبو سلمة )، ولقبه ( الكنّأسِيّ ) كذلك ( صاحب الغنم مولى بني أسد الجمّال )، وبالتالي يكون اسمه ( سالم ابو سلمة بن مكرّم الكُنّأسيّ صاحب الغنم الجمال مولى بني أسد )، وذلك في ضوء معطيات النجاشي ـ رقم 501 ــ ولكن النجاشي نفسه وفي رقم ( 509 ) يقول هناك راوية باسم ( سالم بن أبي سالم الكِندي السجستاني، حديثه ليس بالنقيّ، وأن كنّأ لا نعرف منه إلاّ خيرا )، فهل هما متحدان ؟ من الصعب قبول هذا الرأي، لانّ هناك مفارقة كبيرة بالكنيّة كما أنّ هناك فارقاً كبيرأ بالتقييم، فكم هي المسافة كبيرة بين قوله ( ثقة، ثقة )، وبين قوله ( حديثه ليس بالنقي )؟!، كما أنّ لهذا الرجل كتاباً يرويه عنه النجاشي بسند غير السند الذي يروي به كتاب ( سالم أبو سلمة بن مكرّم أبي خديجة )، مع ملاحظ ثالثة، أن لهذا الاخير ولد راوية، هو الآخر اسمه ( محمّد بن سالم بن أبي سلمة ) لم يوثّق ـ النجاشي رقم 877 ــ وجده معروف، كان يروي عن الغلاة، وقد ضعّفه أبن عدي ولكن لم يمنع من كتابة حديثه ـ لسان الميزان 7 / 535 ــ على أنّ كثيراً من علماء الرجال السنة ضعّفوه كما في لسان الميزان نفسه ــ 5 / 364 ــ وبالتالي فليس هما متحدان.
وبالتالي يمكن الخروج بحصيلة مؤدّاها بان الرجل في حساب النجاشي هو: ( سالم أبو خديجة بن مكرّم سابقاً وأبو سلمة بن مكرّم لاحقاً الكُنانسي، صاحب الغنم مولى بني أسد / 501 )، وهو ليس ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني / 509 ).
** الشيخ الكشي: ــ
قال الكشي ( محمّد بن مسعود قا ل: سألت أبا الحسن علي بن الحسن، عن أسم أبي خديجة؟ قال: سالم بن مكرّم، فقلت له: ثقة؟ فقال: صالح، وكان من أهل ا لكوفة، وكان جمّالاً، وذكر أنه حمل أبا عبد الله عليه السلام من مكّة إلى المدينة. قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لا تكتني بأبي خديجة، قلت: فَبِمَ أكتني؟ قال: بأبي سلمة، وكان سالم من أصحاب أبي الخطاب، وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس، وكان عامل المنصور على الكوفة الى أبي الخطاب، لمّأ بلغه أنّهم قد أظهروا الأباحات ودعو الناس الى نبوّة ابي الخطاب، وأنّهم يجتمعون في المسجد ولزموا الأساطين يورّون الناس أنّهم قد لزموها للعبادة، وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً، لم يفلت منهم إلاّ رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم، فلمّأ جنَّ الليل خرج من بينهم فتخلّص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرّم الجمّأل الملقب بابي خديجة، فذكر بعد ذلك أنّه تاب، وكان ممّن يروي الحديث. ) ــ رقم 661 ــ
قراءة هذا النص بدقة تكشف لنا عن مقتربات مهمة تفيدنا الى حدٍ بعيد في تصفية الموقف من هذا الراوية الذي ارتبك في خصوصه الرجاليون، وما نحتاجه منها الان هي: ــ
مقترب ( 1 ): أنّ الكشي ينص على أنّ اسم الرجل هو ( سالم أبو خديجة سابقا / أبو سلمة لاحقاً بن مكرم الجمّأل )، وهو الرأي الذي ذهب إليه النجاشي.
مقترب ( 2 ): أنّ كنيّة الرجل كانت ابا خديجة والامام الصادق هو الذي حبّذ له استبدالها الى أبي سلمة.
فهل كان الكشي هو مصدر هذه المعلومات عن الرجل المذكور؟ سواء بالنسبة للطوسي أو النجاشي، مع العلم أن الطوسي كان قد هذّب واختصر كتابه الاخيتار، كما انّ النجاشي كان مُطّلعاً على الكتاب ونقده ـ رقم 1018 ــ؟
أنّ المعلومات التي يفيدنا بها الكشي مفيدة، خاصّة أن سنده في هذه المعلومات صحيح حسب معطيات علم الرجال الشيعي، فأن علي بن الحسن بن فضّأل يوثقوه رغم كونه فطحيّأ، كما أن عبد الرحمن بن أبي هاشم هو عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم البجلي الذي كان ثقة كبيراً، ومن هنا يمكن ألاعتماد على هذه المعلومات في تثبيت اسم الرجل، وهو ( سالم أبو خديجة سابقاً / ابو سلمة لاحقاً بن مكرّم ).
ونحن أذ جمعنا هذه المعطيات مع بعضها، مع ملاحطة تسمية البرقي للرجل ( سالم أبو خديجة صاحب الغنم، ويُكنّى ايضاً أبا سلمة بن أكرم ) لتوصلنا الى أن صيغة الاسم كما اوردها النجاشي هي الاقرب للصواب ( سالم أبو خديجة سابقا / ابو سلمة لاحقاً بن مكرّم ).
• حول رواية كتابه.
للشيخ الطوسي الى كتابه طريقان، أحدهما عن (... عن الحسن بن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عنه ـ سالم بن مكرّم )، والثاني عن ( أبن أبي الجيد، عن أبن الوليد، عن الصّفار، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البزاز، عن سالم بن أبي سلمة، وهو أبو خديجة ).للنجاشي طريق واحد هو: ( أخبرنا عليّ بن أحمد بن طاهر... عن الحسن بن عليّ الوشّأء عن أبي خديجة بكتابه ).
والمفارقة أن رواي الكتاب في الفهرست هو الوشّاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، يعني الرواي الاساسي هو أحمد بن عائذ، فيما الراوي الاساسي للكتاب في النجاشي هو الحسن بن عليّ الوشّأء ).
ويبدو لي أن موقف الشيخ الطوسي اقرب للصواب، لانّ هناك علاقة متينة بين سالم وبين أحمد بن عائذ ثبّتها النجاشي في ترجمة هذا الاخير ـ رقم 246 ــ ولأنّ أحمد بن عائذ رواية سالم بن مكرّم. وينبغي أن نفرّق بين كتاب الرجل الذي نحن بصدده وكتاب ( سالم بن أبي سَلَمة الكندي )، فهو راوية أخر، وله كتاب آخر.
• إشكاليّة التقييم.
** ذهب أكثر الرجاليين الى أن توثيق النجاشي وابن فضّأل يعارضه تضعيف الشيخ الطوسي، وأنطلاقاً من ذلك ينبغي في خصوصه التوقف، ولكن قد يناقش بعضهم هذه النتيجة بما يلي: ــ
أولاً: إنّ الطوسي كما وثّقه في مكان ضعّفه في مكان آخر، فقد نقل العلامّة الحلي ( سالم بن مكرّم يُكنى ابا خديجة، ومكرّم يُكنّى أبا سلمة، قال الشيخ الطوسي أنّه ضعيف، وقال في موضع آخر أنّه ثقة... )، ولكن العلاّ مة لم يذكر لنا الموضع الثاني، مصدره مجهول، فيما تضعيف الشيخ موجود صراحة في فهرسته، أكثر من ذلك أن ا لشيخ الطوسي ضعّفه مرّتين، الأولى في ( الفهرست ) والثانية في ( الاستبصار ) فقد قال فيه ( ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا نحتاج إلى ذكره ) ــ 2 / 36 ــ
ثانيّاً: أنّ تضعيف الشيخ راجع الى توهّم الاتحاد بين سالم بن مكرّم من جهة وسالم بن أبي سلمة، وهو الرجل الذي ذكره النجاشي رقم ( 509 ) والذي قلنا انه غير ( سالم أبو خديجة سابقا / ابو سلمة لاحقا بن مكرّم )، وأن هذا الوهم متأت من التقارب بين اسم الشخص في كلا العنوانين ( سالم ) من جهة، والتقارب بين كنية الأب لدى الشيخ ـ مكرّم أبو سلمة ـ وبين أسم أب الرجل الثاني في كتاب النجاشي المرقم( 509 ) والذي هو ( سالم بن أبي سلمة ) من جهة اخرى! حيث أنّ ( أبو سلمة ) هنا بمثابة أسم وليس كنية لدى النجاشي، وهو ضعيف في تقييم النجاشي، فالشيخ الطوسي بنى على أتحادهما، أي اتحاد ( سالم بن مكرّم ) برقم ( 116 ) مع ( سالم بن أبي سلمة ) المذكور في تضعيفات النجاشي ( 509 ).
هذا الموقف يستحق الملاحظات التالية: ــ
1: أنّ التشابه بين مُعطيات الاسمين ضمن معلومات الطوسي تتعدّى الاسم، كما بيّنا سابقا، ولذا يكون الاتحاد ليس وهميّاً على أكبر تقدير.
2: أنّ حاصل هذه المعالجة يقضي بأن الشيخ الطوسي سرّب تضعيف النجاشي في شخص ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني ) إلى ( سالم بن سلمة ) الى ( سالم بن مكرّم ) ـ راجع معجم الخوئي 8 ص 26 ـ حيث يقول ان تضعيف الطوسي لسالم بن مكرّم مبني ( على أنه متحد مع سالم بن أبي سلمة الذي مرّ كلام النجاشي وابن الغضائري... فالتضعيف لا يكون راجعاً الى سالم بن مكرّم الذي ليس بابن سلمة بل هو نفسه مُكنّى بابي سلمة... ). وفي الحقيقة يجب ان يبرهن صاحب هذه المعالجة على أن أبا سلمة في النجاشي ( 509 ) هو نفسه سلمة في رجال الطوسي ( 117 )، ولم يقم بذلك، كما انه بعيد الى حدِ ما، كما سنبين لاحقا.
3: أنّ هذه المعالجة تقتضي أنّ ( سالم بن سلمة / 117 ) الوارد في رجال الطوسي هو ذاته ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني / 509 ) الوارد في رجال النجاشي، ولكن لا تساعد المُعطيات على ذلك، فإنّهما وأن كانا متشابهين بالاسم الاولي ( سالم )، ولكن أسم الاب في رجال الطوسي / 117 ( سلمة )، فيما هو في رجال النجاشي / 509، ( أبو سلمة )، ثم النجاشي ينسبه الى سجستان، وهي نسبة غائبة في تعريف الطوسي، بعد ذلك نجد النجاشي قد ضعّفه فيما الطوسي اهمله! بينما نجد هناك اكثر من مقترب يجمع بين ( سالم أبو سلمة بن مكرم أبو خديجة ) وبين ( سالم بن سلمة أبو خديجة ) كما بينّا قبل قليل، فالاتحاد بينهما هو الاظهر، وليس بين ( سالم أبوخديجة بن مكرّم أبي سلمة ) وبين ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني ).
4: أنّ هذا الرد يُبني على استفادة الشيخ الطوسي من تضعيف النجاشي لـ ( سالم بن سلمة )، وهي محاولة لا دليل عليها، فيما نرى الطوسي جاء على ذكر ( سالم بن سلمة) بعد ( سالم بن مكرّم ) بلا توثيق.
5: إنّ مثل هذا التوهم المزعوم ينبغي ان يصدر من معطيات الطوسي نفسه، أي من معلومات الشيخ، والشيخ لم يُضعف ( سالم بن سلمة ).
** ولنفترض عدم صلاحية الكلام السابق، ولكن ماذا نقول عن ارتداده وكفره واصطفافه مع المنحرفين؟ فـإن مثل هذا الموقف مخيف حتى لو كان فيما بعد.
** بالنسبة إلى تغيير كنيته، وأنها كانت بنصيحة من الامام الصادق لا دليل عليها غير شهادته هو، وبالتالي لا تشكل أهمية، خاصّة وانها تشي ببعض المدح والتقييم، بل قد تشي بعلاقة خاصّة.
ولست أدري كيف يمكن تشييد فقه مصيري يتعلق بأدق قضايا الانسان بالاعتماد على رجال ورواة لا تثبت وثاقتهم الاّ بالكاد؟ مسألة وجدانية هنا تفرض نفسها، نحن بالتجربة نعاني من مخبرين يشهد لهم الكثير من الناس بالوثاقة والعدالة، تجمعنا معهم العقيدة و المصير و القرابة والجغرافية، فكيف بمثل ( سالم بن مكرّم ) الذي تبعدنا عنه مئات السنين؟ وهو بهذه الحالة من التردّد بين رجال الحديث والرواية، الذين هم بدورهم خاضعون لعشرات المؤثرات.
[
الاثنين 05 يوليو 2004 05:25
غالب حسن الشابندر
صميم القضيَّة
ناقش فقهاء الشيعة مدى أهليِّة المرأة للاضطلاع بمهمة الإفتاء، أي أن تكون مرجعاً دينيِّاً لتحديد تكاليفنا الشرعية وبيان أحكامنا الدينية، بحيت تكون مبرئة للذمة كما يكتب الفقهاء في الصفحة الأولى من رسائلهم العملية الكريمة، ويكاد يكون الراي الغالب هو عدم الجواز، أي ليس لها صلاحية الإفتاء، وبالتالي، لا يحق لها ان تكون مرجعاً، فقد إشترطوا ( الرجوليِّة ) على حد تعبير السيّد الخوئي أو ( الذكوريِّة ) بتعبير آخرين ــ وهناك فارق بين الصيغتين بطبيعة الحال ــ ولكن لم يسجل هذا الموقف درجة السيادة المطلقة، فقد نقل السيّد الحكيم رحمه الله في كتابه الكبير ( مستمسك العروة الوثقى ) قوله (... وأمّا أعتبار الرجوليِّة: فهو كسابقه عند العقلاء... ليس عليه دليل ظاهر غير دعوى إنصراف إطلاقات الأدلة إلى الرجل وأختصاص بعضها به. لكن لو سُلِّم فليس يصلح رادعاً عن بناء العقلاء، وكأنّه لذلك أفتى بعض المحققين بجواز تقليد الأنثى والخنثى ) ــ المستمسك 1 / 43 ــ
أنّ بناء العقلاء في التقليد هو رجوع الجاهل الى العالم، ولا فرق في ذلك بين المراة و الرجل، كذلك العبد والحر، لان ملاك الرجوع يمكن أن يتوفّر في هذا الرجل أو تلك المرأة، وذلك مما ينسجم مع النظرة الإسلامية للإنسان، وهل هناك ما يمنع بانّ تتمتَّع إمرأة ما بقدرة إكتشافيّة إستنباطيِّة تفوق زميلها، بل وربما تتمتع بانسقة مذاقيّة يفتقر إليه الكثير من الرجال على صعيد تقدير حاجات الإنسان وتحديد مشاكله وتشخيص حلولها الأقرب للواقع، ولو على مستوى أبناء جنسها على أقل تقدير؟
إذن ليس هناك أدلّة قاطعة!
هل يحق للمرأة ان تكون مرجعاً دينيا؟
يقول السيِّد الخوئي رحمه الله ( ... والصحيح أن المُقلَّد يُعتبر فيه الرجوليِّة، ولا يسوغ تقليد المرأة بوجه، وذلك لأنّا قد أستفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة الشرعيّة المرغوبة من النساء إنّما هي التحجّب والتستر، وتصدّي الأمور البيتيِّة، دون التدخّل فيما ينافي تلك الأمور، ومن الظاهر إنّ التصدي للإفتاء ـ بحسب العادة ـ جعل للنفس في معرض الرجوع والسؤال لأنهما مقتضى الرئاسة للمسلمين، ولا يرضى الشارع بجعل المرأة معرضاً لذلك أبداً، كيف ولم يرض باماتها للرجال في صلاة الجماعة فما ظنك بكونها قائمة بأمورهم ومديرة لشؤون المجتمع ومتصديّة للزعامة الكبرى للمسلمين، وبهذا الامر المرتكز القطعي في أذهان المتشرعة يقيَّد الأطلاق، ويردع عن السيرة العقلائيِّة الجارية على رجوع الجاهل الى العالم مطلقا رجلاً كا أو إمرأة ) ـ الاجتهاد والتقليد ص 226 ــ
لا أعر ف ما يقصد الفقيه الكبير بالتستر.
هل يعني التستر المكوث في البيوت كما أمر الله تعالى نساء النبيّ الكريم؟
هل يعني التستر الإختفاء تحت الثياب بمقاساتها الشرعية على خلاف ببعض التفاصيل وكفى الله المؤمنين شرَّ القتال؟
هل يعني التستر الإبتعاد الكلي عن مجتمع الرجال... لا مخالطة ولو من بعد؟
هل التستر هو الإبتعاد النسبي عن مجتمع الرجال، والنسبة تقدير موكول الى أوضاع المجتمع وأحكامه وتقاليده؟
هل الموظفة المحجَّبة في دائرة مختلطة لم تكن متسترة مثلا؟
لستُ أ دري...
يقول السيّد رحمه الله ( لأنّا قد أستفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة المرغوبة من النساء إنّما هي التحجّب )!
هل التحجّب مرغوب شرعي ام واجب شرعي؟ أليس هناك خلل في التعبير؟
هل التعبير بالرغبة يدخل في مملكة الإلزام؟
يبدو لي أنّ السيِّد يمضي هنا الحجاب بالكامل الذي يتضمّن إخفاء الوجه والكفين وجوباُ او على سنة الإحتياط الوجوبي، ويمضي موقفاً حادّاً تجاه الاختلاط، فهو ممنوع بشكل حاد، أي هو معادل موضوعي للانفصال الكامل بين الجنسين !
هذا ما أستفيده من بعض الصيغ المنقولة عنه رحمه الله ...
فمن أدلة السيّد على المنع المذكور ( أن أحكام المرآة الشرعية في الشريعة الأسلامية من قبيل وجوب الحجاب عليها، وعدم جواز إختلاطها بالرجال، وعدم جواز توليّها للأمور العامة، يُستفاد منه ردع الشارع ـ بالنسبة إلى المرأة في مقام الإفتاء ــ عن عموم السرة العقلائية الشامل للرجال والنساء في قضيَّة رجوع الجاهل إلى العالم، فتخصّص حجيَّة السيرة بالقدر المتيقن في باب الإفتاء، وهو الذكر خاصّة ) ـ نقلا عن الا جتهاد والتقليد لشمس الدين نقلا عن دروس في فقه الشيعة ص 282 ــ
ولكن رغم ذلك يحتار القاريئ في فهم حدود وماهيّة وشخصية ( عدم جواز الاختلاط بالرجال )، هي كلمة غامضة مشوشة، فهل تعبِّر هذه الصيغة عن موقف واضح يزيل الحيرة ويبني سلوكاً مطمئنا؟!
في تصوري، كي يستقيم موقف السيِّد بخصوص تقليد المرأة ينبغي أن يشمل الحجاب إخفاء الوجه واليدين، بعيدة عن الرجال، لا تختلط بهم في دائرة ولا مسجد، وربما ولا شارع، صفان متوازيان من البشر، صف للرجال وصف للنساء، وبينهما فاصل مكاني معتّد به، يتراجع بين سعة وضيق تحت طائلة الحذر والخوف، أو صفوف الرجال للامام وصفوف النساء للوراء في حقل معرفي او فضاء خطابي...!
هنا يستقيم الوضع!
يرد الشيخ شمس الدين على دليل السيِّد رحمه الله بقوله ( أنّ هذه الأمور ـ عدا الحجاب ــ لم يثبت في الشريعة بنحو قاطع كونها من أحكام المرأة فإن حرمة الأختلاط مطلقا، وحرمة تولّي الأمور العامّة مطلقاً مورد للخلاف بين الفقهاء، وللبحث فيها مجال، فلا يصلحان لاستفادة الردع منهما عن السيرة العقلائية، وليس كلما ذهب أليه المشهور من الفقهاء صواب لا ريب فيه، وأما الحجاب فالمشهور جواز كشف الوجه والكفين، والرأي الذي ذهب إليه بنحو الإحتياط بوجوب ستر الوجه والكفين ليس الرأي المشهور بين الفقهاء، فلا يمكن يُستفاد منه الردع بطريق أولى ) ـ المصدر ص 283 ــ
ولكن لماذا هذا العقد الأزلي بين مشروعيِّة تقليد المرأة وضرورة الأختلاط؟
ألا يمكن سؤالها من وراء حجاب ؟
أطرح هذا السؤال وتمتلكني حيرة، لانّ التاريخ ينقل الكثير من مشاهد الحوار بين النبي والنساء أمام الصحابة الأخيار منهم وغير الاخيار، وفي الزمن المعاصر كان ( الانترنت ) عامل حل حاسم لهذه المشكلة، خاصّة اذا كانت المرأة المُقلََّدة من ذوي الطموح البسيط على مستوى عدد المقلدين! وإذا قلنا بحق المرأة أن تكون مرجعاً لابناء جنسها تنحل المشكلة، بل سوف تُيسِّر للمجتمع الاسلامي الكثير من الأمور، لعلّ منها توفير فرصة الإحساس الأنثوي في تقدير أحكام المرأة.
أنّ تحريم السيِّد يستند إلى موانع إجرائية وليست موانع تجسِّد بنية حكم قائم براسه يتحدى الزمن، وتلك هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وهي بلاء التاريخ في شطره ا لحسن من تخليق الحدث... ألم تحدث الناس بالفقه من وراء حجاب كما يقولون؟
ومن ثمّ أبنتها زينب الحوراء؟
أنتم تقولون ذلك.
السيِّد الجليل ربط أزليِّا بين الأختلاط والفتيا!
أن تكون مرجعاً يعني ان تكون مختلطا!
هل بامكاني ان اسأل كم هي مساحة الا ختلاط بين الكثير من الفقهاء والناس؟
مجرّد سؤال؟
ألا يمكن ان يكون بين المرأة المجتهدة وبين الناس وسطاء؟
كل وسيط من جنس المرسل إليه، وهل النشاط السياسي للقيادات العالمية بعيدة عن سنة الوسطاء المدورسين على مستوى الإنتماء من كل ناحية حتى على مستوى الهويّة الجنسية؟
فلماذا هذا الربط الأزلي بين القضيتين؟
مشاكل دولية كبيرة تهدد العالم تُحل عن طريق الرسائل وا لوسطاء، ووسائل الاتصال الصوتي البعيدة تغني اليوم عن كل مشافهة مباشرة، فهل كل ذلك لا يكفي لحل هذه المعضلة لو صحّت في الواقع؟
حوارات علميّة في غاية التعقيد تتم على بعد آلاف الاميال تخرج بنتائج باهرة تغير صورة العالم، فهل في كل ذلك ذكرى؟
ولكن ماذا لو كان هناك فقيه لا يحرّم الاختلاط بدرجة من الدرجات؟
هل يعني هذا ان فتيا المرأة عند هذا الفقيه ماضية؟
لنفترض ذلك وهو ليس بالنادر.
تقبل رواية المرأة ولا تقبل فتواها، و(... هل حال الفتوى إلاّ كحال الرواية، ولذا يُستدل بأدلة حجيِّة الخبر على حجيِّة الفتوى من دون إختصاص لحجيِّة الرواية بالرجال... )
كذلك قال بعض الفقهاء
مع أنّ أدلة حجيِّة الرواية نفسها هي أدلّة حجيّة الفتيا، فلماذا هذا التفكيك والتجزئة؟ لهذا السبب، ولأنَّ بناء العقلاء هو عودة الجاهل الى العالم بصرف النظر عن لونه وجنسيته وقوميته حكم بعض الفقهاء بجواز تقليد الأنثى والخنثى... وللحديث بقية...
الدليل الروائي (1)
يستدل فريق المنع بحسنة أبي خديجة ونصّها ( محمّد بن عليّ بن الحسين باسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّأل، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلا م: إيّاكم أن يُحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن إنظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فأنّي جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه ) ــ الوسائل 27 باب واحد ح 5 ــ
لنقرأ السند في البداية ..
الراويّة أبو خديجة
• حول الاسم والكنية واللّقب: ــ
لقد أختلف في اسم هذ الرجل كثيراً، بل الى حدّ الارباك، نحاول هنا القيام باستقراء للصور المطروحة في هذا الشأن.
** الشيخ الطوسي: ــ
لقد عنونه الشيخ الطوسي بقوله: ( سالم بن مكرم، يُكنّى أبا خديجة، ومكرّم يُكنى أبا سلمة )، وعنونه أيضاً بقوله: ( سالم بن أبي سلمة، وهو أبو خديجة ) ـ الفهرست رقم 337 ــ فهو سالم، وكنيته أبو خديجة، وأبوه مكرّم وكنيته أبو سلمة، وعنونه في رجاله في عدة الا مام الصادق ( سالم بن مكرّم أبو خديجة الجمال الكوفي مولى بني أسد ) ـ رقم 116 ــ
ومن دون توثيق، ولكن الطوسي يذكر شخصاً آخر في رجاله من أصحاب الصادق بعنوان ( سالم بن سلمة أبو خديجة الرواجني الكوفي مولى ) ـ رقم 117 ـ ومن دون توثيق، فهل هما متحدان ؟ في تصوري ذلك أقرب للواقع لأن مفردات التطابق كثيرة، فهناك الا سم الشخصي ـ سالم ـ والكنية ـ أبو خديجة ـ والموطن ـ الكوفة ـ والحالة الاجتماعية ـ مولى ـ والتكرار سهو من المصنف أو خطأ من النسّاخ،، ومهما يكن نستطيع الخروج بحصيلة تقول: أنَّ الرجل في حساب الشيخ الطوسي هو: ( سالم أبو خديجة بن مكرّم أبي سالم الجمّال الكوفي مولى بني اسد )، والاقرب للصواب أنه ذات الراوية ( سالم بن سلمة أبو خديجة الكوفي ).
**الشيخ النجاشي: ــ
الشيخ النجاشي في رقم ( 501 ) يقول صراحة بأن كنية الرجل أساساً هي أبو خديجة، ولكن الصادق عليه السلام استبدل كنيته هذه بـ ( أبو سلمة )، ولقبه ( الكنّأسِيّ ) كذلك ( صاحب الغنم مولى بني أسد الجمّال )، وبالتالي يكون اسمه ( سالم ابو سلمة بن مكرّم الكُنّأسيّ صاحب الغنم الجمال مولى بني أسد )، وذلك في ضوء معطيات النجاشي ـ رقم 501 ــ ولكن النجاشي نفسه وفي رقم ( 509 ) يقول هناك راوية باسم ( سالم بن أبي سالم الكِندي السجستاني، حديثه ليس بالنقيّ، وأن كنّأ لا نعرف منه إلاّ خيرا )، فهل هما متحدان ؟ من الصعب قبول هذا الرأي، لانّ هناك مفارقة كبيرة بالكنيّة كما أنّ هناك فارقاً كبيرأ بالتقييم، فكم هي المسافة كبيرة بين قوله ( ثقة، ثقة )، وبين قوله ( حديثه ليس بالنقي )؟!، كما أنّ لهذا الرجل كتاباً يرويه عنه النجاشي بسند غير السند الذي يروي به كتاب ( سالم أبو سلمة بن مكرّم أبي خديجة )، مع ملاحظ ثالثة، أن لهذا الاخير ولد راوية، هو الآخر اسمه ( محمّد بن سالم بن أبي سلمة ) لم يوثّق ـ النجاشي رقم 877 ــ وجده معروف، كان يروي عن الغلاة، وقد ضعّفه أبن عدي ولكن لم يمنع من كتابة حديثه ـ لسان الميزان 7 / 535 ــ على أنّ كثيراً من علماء الرجال السنة ضعّفوه كما في لسان الميزان نفسه ــ 5 / 364 ــ وبالتالي فليس هما متحدان.
وبالتالي يمكن الخروج بحصيلة مؤدّاها بان الرجل في حساب النجاشي هو: ( سالم أبو خديجة بن مكرّم سابقاً وأبو سلمة بن مكرّم لاحقاً الكُنانسي، صاحب الغنم مولى بني أسد / 501 )، وهو ليس ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني / 509 ).
** الشيخ الكشي: ــ
قال الكشي ( محمّد بن مسعود قا ل: سألت أبا الحسن علي بن الحسن، عن أسم أبي خديجة؟ قال: سالم بن مكرّم، فقلت له: ثقة؟ فقال: صالح، وكان من أهل ا لكوفة، وكان جمّالاً، وذكر أنه حمل أبا عبد الله عليه السلام من مكّة إلى المدينة. قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لا تكتني بأبي خديجة، قلت: فَبِمَ أكتني؟ قال: بأبي سلمة، وكان سالم من أصحاب أبي الخطاب، وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس، وكان عامل المنصور على الكوفة الى أبي الخطاب، لمّأ بلغه أنّهم قد أظهروا الأباحات ودعو الناس الى نبوّة ابي الخطاب، وأنّهم يجتمعون في المسجد ولزموا الأساطين يورّون الناس أنّهم قد لزموها للعبادة، وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً، لم يفلت منهم إلاّ رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم، فلمّأ جنَّ الليل خرج من بينهم فتخلّص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرّم الجمّأل الملقب بابي خديجة، فذكر بعد ذلك أنّه تاب، وكان ممّن يروي الحديث. ) ــ رقم 661 ــ
قراءة هذا النص بدقة تكشف لنا عن مقتربات مهمة تفيدنا الى حدٍ بعيد في تصفية الموقف من هذا الراوية الذي ارتبك في خصوصه الرجاليون، وما نحتاجه منها الان هي: ــ
مقترب ( 1 ): أنّ الكشي ينص على أنّ اسم الرجل هو ( سالم أبو خديجة سابقا / أبو سلمة لاحقاً بن مكرم الجمّأل )، وهو الرأي الذي ذهب إليه النجاشي.
مقترب ( 2 ): أنّ كنيّة الرجل كانت ابا خديجة والامام الصادق هو الذي حبّذ له استبدالها الى أبي سلمة.
فهل كان الكشي هو مصدر هذه المعلومات عن الرجل المذكور؟ سواء بالنسبة للطوسي أو النجاشي، مع العلم أن الطوسي كان قد هذّب واختصر كتابه الاخيتار، كما انّ النجاشي كان مُطّلعاً على الكتاب ونقده ـ رقم 1018 ــ؟
أنّ المعلومات التي يفيدنا بها الكشي مفيدة، خاصّة أن سنده في هذه المعلومات صحيح حسب معطيات علم الرجال الشيعي، فأن علي بن الحسن بن فضّأل يوثقوه رغم كونه فطحيّأ، كما أن عبد الرحمن بن أبي هاشم هو عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم البجلي الذي كان ثقة كبيراً، ومن هنا يمكن ألاعتماد على هذه المعلومات في تثبيت اسم الرجل، وهو ( سالم أبو خديجة سابقاً / ابو سلمة لاحقاً بن مكرّم ).
ونحن أذ جمعنا هذه المعطيات مع بعضها، مع ملاحطة تسمية البرقي للرجل ( سالم أبو خديجة صاحب الغنم، ويُكنّى ايضاً أبا سلمة بن أكرم ) لتوصلنا الى أن صيغة الاسم كما اوردها النجاشي هي الاقرب للصواب ( سالم أبو خديجة سابقا / ابو سلمة لاحقاً بن مكرّم ).
• حول رواية كتابه.
للشيخ الطوسي الى كتابه طريقان، أحدهما عن (... عن الحسن بن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عنه ـ سالم بن مكرّم )، والثاني عن ( أبن أبي الجيد، عن أبن الوليد، عن الصّفار، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البزاز، عن سالم بن أبي سلمة، وهو أبو خديجة ).للنجاشي طريق واحد هو: ( أخبرنا عليّ بن أحمد بن طاهر... عن الحسن بن عليّ الوشّأء عن أبي خديجة بكتابه ).
والمفارقة أن رواي الكتاب في الفهرست هو الوشّاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، يعني الرواي الاساسي هو أحمد بن عائذ، فيما الراوي الاساسي للكتاب في النجاشي هو الحسن بن عليّ الوشّأء ).
ويبدو لي أن موقف الشيخ الطوسي اقرب للصواب، لانّ هناك علاقة متينة بين سالم وبين أحمد بن عائذ ثبّتها النجاشي في ترجمة هذا الاخير ـ رقم 246 ــ ولأنّ أحمد بن عائذ رواية سالم بن مكرّم. وينبغي أن نفرّق بين كتاب الرجل الذي نحن بصدده وكتاب ( سالم بن أبي سَلَمة الكندي )، فهو راوية أخر، وله كتاب آخر.
• إشكاليّة التقييم.
** ذهب أكثر الرجاليين الى أن توثيق النجاشي وابن فضّأل يعارضه تضعيف الشيخ الطوسي، وأنطلاقاً من ذلك ينبغي في خصوصه التوقف، ولكن قد يناقش بعضهم هذه النتيجة بما يلي: ــ
أولاً: إنّ الطوسي كما وثّقه في مكان ضعّفه في مكان آخر، فقد نقل العلامّة الحلي ( سالم بن مكرّم يُكنى ابا خديجة، ومكرّم يُكنّى أبا سلمة، قال الشيخ الطوسي أنّه ضعيف، وقال في موضع آخر أنّه ثقة... )، ولكن العلاّ مة لم يذكر لنا الموضع الثاني، مصدره مجهول، فيما تضعيف الشيخ موجود صراحة في فهرسته، أكثر من ذلك أن ا لشيخ الطوسي ضعّفه مرّتين، الأولى في ( الفهرست ) والثانية في ( الاستبصار ) فقد قال فيه ( ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا نحتاج إلى ذكره ) ــ 2 / 36 ــ
ثانيّاً: أنّ تضعيف الشيخ راجع الى توهّم الاتحاد بين سالم بن مكرّم من جهة وسالم بن أبي سلمة، وهو الرجل الذي ذكره النجاشي رقم ( 509 ) والذي قلنا انه غير ( سالم أبو خديجة سابقا / ابو سلمة لاحقا بن مكرّم )، وأن هذا الوهم متأت من التقارب بين اسم الشخص في كلا العنوانين ( سالم ) من جهة، والتقارب بين كنية الأب لدى الشيخ ـ مكرّم أبو سلمة ـ وبين أسم أب الرجل الثاني في كتاب النجاشي المرقم( 509 ) والذي هو ( سالم بن أبي سلمة ) من جهة اخرى! حيث أنّ ( أبو سلمة ) هنا بمثابة أسم وليس كنية لدى النجاشي، وهو ضعيف في تقييم النجاشي، فالشيخ الطوسي بنى على أتحادهما، أي اتحاد ( سالم بن مكرّم ) برقم ( 116 ) مع ( سالم بن أبي سلمة ) المذكور في تضعيفات النجاشي ( 509 ).
هذا الموقف يستحق الملاحظات التالية: ــ
1: أنّ التشابه بين مُعطيات الاسمين ضمن معلومات الطوسي تتعدّى الاسم، كما بيّنا سابقا، ولذا يكون الاتحاد ليس وهميّاً على أكبر تقدير.
2: أنّ حاصل هذه المعالجة يقضي بأن الشيخ الطوسي سرّب تضعيف النجاشي في شخص ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني ) إلى ( سالم بن سلمة ) الى ( سالم بن مكرّم ) ـ راجع معجم الخوئي 8 ص 26 ـ حيث يقول ان تضعيف الطوسي لسالم بن مكرّم مبني ( على أنه متحد مع سالم بن أبي سلمة الذي مرّ كلام النجاشي وابن الغضائري... فالتضعيف لا يكون راجعاً الى سالم بن مكرّم الذي ليس بابن سلمة بل هو نفسه مُكنّى بابي سلمة... ). وفي الحقيقة يجب ان يبرهن صاحب هذه المعالجة على أن أبا سلمة في النجاشي ( 509 ) هو نفسه سلمة في رجال الطوسي ( 117 )، ولم يقم بذلك، كما انه بعيد الى حدِ ما، كما سنبين لاحقا.
3: أنّ هذه المعالجة تقتضي أنّ ( سالم بن سلمة / 117 ) الوارد في رجال الطوسي هو ذاته ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني / 509 ) الوارد في رجال النجاشي، ولكن لا تساعد المُعطيات على ذلك، فإنّهما وأن كانا متشابهين بالاسم الاولي ( سالم )، ولكن أسم الاب في رجال الطوسي / 117 ( سلمة )، فيما هو في رجال النجاشي / 509، ( أبو سلمة )، ثم النجاشي ينسبه الى سجستان، وهي نسبة غائبة في تعريف الطوسي، بعد ذلك نجد النجاشي قد ضعّفه فيما الطوسي اهمله! بينما نجد هناك اكثر من مقترب يجمع بين ( سالم أبو سلمة بن مكرم أبو خديجة ) وبين ( سالم بن سلمة أبو خديجة ) كما بينّا قبل قليل، فالاتحاد بينهما هو الاظهر، وليس بين ( سالم أبوخديجة بن مكرّم أبي سلمة ) وبين ( سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني ).
4: أنّ هذا الرد يُبني على استفادة الشيخ الطوسي من تضعيف النجاشي لـ ( سالم بن سلمة )، وهي محاولة لا دليل عليها، فيما نرى الطوسي جاء على ذكر ( سالم بن سلمة) بعد ( سالم بن مكرّم ) بلا توثيق.
5: إنّ مثل هذا التوهم المزعوم ينبغي ان يصدر من معطيات الطوسي نفسه، أي من معلومات الشيخ، والشيخ لم يُضعف ( سالم بن سلمة ).
** ولنفترض عدم صلاحية الكلام السابق، ولكن ماذا نقول عن ارتداده وكفره واصطفافه مع المنحرفين؟ فـإن مثل هذا الموقف مخيف حتى لو كان فيما بعد.
** بالنسبة إلى تغيير كنيته، وأنها كانت بنصيحة من الامام الصادق لا دليل عليها غير شهادته هو، وبالتالي لا تشكل أهمية، خاصّة وانها تشي ببعض المدح والتقييم، بل قد تشي بعلاقة خاصّة.
ولست أدري كيف يمكن تشييد فقه مصيري يتعلق بأدق قضايا الانسان بالاعتماد على رجال ورواة لا تثبت وثاقتهم الاّ بالكاد؟ مسألة وجدانية هنا تفرض نفسها، نحن بالتجربة نعاني من مخبرين يشهد لهم الكثير من الناس بالوثاقة والعدالة، تجمعنا معهم العقيدة و المصير و القرابة والجغرافية، فكيف بمثل ( سالم بن مكرّم ) الذي تبعدنا عنه مئات السنين؟ وهو بهذه الحالة من التردّد بين رجال الحديث والرواية، الذين هم بدورهم خاضعون لعشرات المؤثرات.
[