زوربا
05-11-2007, 07:09 AM
ظل الناس يبحثون عن أنسابهم منذ أن صار آدم جدهم كلهم وقد اشتهر مركز «فاميلي تري» منذ تأسس 1830 وفيه بليونا اسم لموتى في ثلاثة ملايين سجل يحتفظ بها في نفق تحت الجبل
واشنطن: محمد علي صالح
في الشهر الماضي، أعلن ستيفن نيل قسيس كنيسة في مونيغول في ايرلندا، اكتشاف اسم جوزيف كيرني، تاجر أحذية، وزوجته فيب، في سجل قديم للمصلين في الكنيسة يعود الى مائة وخمسين سنة تقريبا. وفيه أن الاثنين تزوجا في نفس الكنيسة.
لا تزال الكنيسة قائمة حتى اليوم، لكنها تحولت، قبل ثلاثين سنة، الى منزل خاص. هاجر افراد من عائلة كيرني الى اميركا في منتصف القرن التاسع عشر، عندما اجتاحت آيرلندا مجاعة بسبب فشل انتاج البطاطس، الطعام الرئيسي في ذلك الوقت. (بداية من سنة 1845 وخلال الخمس سنوات التالية، هاجر مليون شخص من آيرلندا الى أميركا).
في البداية، لم يهاجر جوزيف كيرني، تاجر الأحذية، الى اميركا. لكن شقيقه فرانسيس هو الذي هاجر، وكتب له ليلحق به «الى أرض الفرص اللانهائية». ووعده بأن يسجل باسمه، اذا هاجر، قطعة ارض كبيرة كان اشتراها. وهكذا، هاجر سنة 1850، جوزيف، ومعه زوجته واولاده الأربعة، واحد منهم فلموث، الذي كان عمره 19 سنة. يوم 29 ـ 3 ـ 1850، وصلت بهم السفينة «مارميون» الى ميناء نيويورك. وبعد سنتين في نيويورك، اتجهت العائلة الى ولاية انديانا. هناك تزوج فلموث كيرني من جين هارتفر، التي ولدت له، سنة 1967، ماري كيرني. في سنة 1890 تزوجها جاكون دنهام، وهكذا صار تحول اسمها العائلي من كيرني الى دنهام.
جاكون دنهام هو الجد الخامس لفتاة ولدت سنة 1942 في قرية صغيرة في ريف ولاية كنساس اسمها: آن دنهام. بعد ان أكملت الثانوية، رفضت جامعة كنساس القريبة، وسافرت الى هاواي لتدرس في جامعتها. كانت فتاة هادئة وعمرها 18 سنة، عندما قابلها في نفس الجامعة باراك اوباما، طالب مسلم من كينيا، وعمره 24 سنة. تحابا وتزوجا في نفس السنة. وولدت له، في سنة 1961، ابنا سماه على اسمه. لكن، لم يدم الزواج اكثر من سنتين، وترك الوالد هاواي الى جامعة هارفارد، وبعد الدكتوراه عاد الى كينيا. توفي الأب في حادث سير في كينيا (وكان عمر ابنه باراك اوباما الابن 21 سنة)، وتوفيت الأم بالسرطان في كنساس (وكان عمره 34 سنة).
قال نيل، قسيس الكنسية الآيرلندية، إن أميركيا اتصل به، وقال له انه قضى ثلاثة شهور في مركز الأنساب في سولت ليك سيتي (ولاية يوتا) يبحث في نسب آن دنهام، والدة اوباما، وعرف ان جدها الخامس، من ناحية والدها، هاجر الى اميركا من آيرلندا. وطلب من القسيس مساعدته في معرفة بقية القصة، وهو مثل مئات الآلاف حول العالم يدفعون عشرات الآلاف من الدولارات من اجل معرفة شجرة عائلتهم وأصولهم وفصولهم. واذا كانت عودة جذور اوباما الى آيرلندا مفاجئة، فإن جذور منافسته في الترشيح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي، هيلاري كلنتون، فيها مفاجئة ايضا. ففي سنة 1999، اكتشفت سيث غيتيل، باحث اميركي عمل، ايضا، في مركز ولاية يوتا، ان جدة هيلاري الثالثة، من ناحية امها، كانت ديلا روزنبيرغ، وكانت يهودية. وفي سنة 1998، كشفت جريدة «واشنطن بوست» مفاجأة ان مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، كانت يهودية. لكن، لم يكن ذلك مفاجئة بالنسبة لها، وصار واضحا انها كانت تعرف ذلك، لكنها تعمدت اخفاءه، رغم انها ادعت لنفس الجريدة بأنها لم تكن تعرف. غير ان كثيرا من الأميركيين ينظرون الى الجانب المضيء في هذه المفاجآت. وفي هذا قالت جريدة «نيويورك صن»: «يقدر أي انسان على أن ينظر الى نسب السناتور اوباما، ويقول ما يقول. ويقدر أي انسان على أن ينظر الى نسب السناتورة كلنتون، ويقول ما يقول. لكن تبقي حقيقة ناصعة، وهي عظمة وعاء الذوبان الأميركي. يفاجئنا الوعاء من وقت لآخر، لكنها مفاجآت تدعو للتأمل».
وفي الأسبوع الماضي، خاطب السناتور ادوارد كنيدي (ديمقراطي من ولاية ماساشوستس) مؤتمرا للمهاجرين من المكسيك. وقرأ عليهم فقرات من كتاب «امة من المهاجرين» (صدر سنة 1958)، الذي كان كتبه شقيقه جون كنيدي (قبل سنتين من فوزه رئيسا لأميركا). وقال السناتور: «هذا هو سر أميركا. أمة من كل الأمم. تقاليد قديمة، ودماء جديدة، وتصميم على اكتشاف الحدود الجديدة». وفي اليوم التالي، خاطب مؤتمر المكسيكيين رودي جولياني، عمدة مدينة نيويورك سابقا، ومرشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري في الانتخابات بعد سنتين. وقرأ عليهم فقرات من خطاب القاه الرئيس ابراهام لنكون سنة 1862، قال فيه: «ترحب اميركا بالفقراء والبؤساء والمحتاجين. لكنها، لا تحكم عليهم حسب تواريخ وصولهم اليها. تقدر على ان تكون اميركيا عظيما، ولو جئت قبل سنة. وتقدر على ان تعيش هنا لمائة سنة بدون ان تعرف ما هو معنى ان تكون اميركيا».
وظل الناس يبحثون عن انسابهم منذ ان صار آدم جدهم كلهم. لكن أقدم وأطول نسب سجل هو نسب عيسى المسيح. أرجعه انجيل متى الى النبي داود، ثم الى النبي ابراهيم. وفعل انجيل لوقا نفس الشيء، لكنه اضاف النسب حتى النبي آدم. واختلفا عن النسب بين عيسى وداود. وبعد مائة سنة، فسر الاختلاف «جوليوس الافريقي» (اصله من ليبيا)، وقال ان النسب بين عيسى وداود لن يحسم، وذلك بسبب عادة يهودية قديمة، هي ان تتزوج الأرملة شقيق زوجها، مما يعقد متابعة الانساب. ورسم مايكل انجلو، النحات الايطالي، سلسلة لوحات رائعة عن بعض جدود عيسي المسيح، منها لوحة فيها سليمان وداود، ولوحة فيها يوسف ويعقوب. وفصلت «سيرة ابن هشام» نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولخصها كتاب «الرحيق المختوم» الذي اصدرته رابطة العالم الاسلامي في مكة (سنة 1994). قال ان النسب ينقسم الى ثلاثة اقسام: الأول مؤكد، ويعود الى الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والثاني غير مؤكد، ويربط عدنان بقيدار بن اسماعيل بن ابراهيم. والثالث غير مؤكد ايضا، ويربط ابراهيم بأرفخشد بن سام بن نوح، ثم يربط نوح بأنوش بن شيث بن آدم.
لكن، حتى القبائل البدائية تحرص على متابعة انسابها. مثل قبيلة «الماروي» في نيوزيلندا، التي جعلت نسبها اساس ثقافتها، ويحفظ افرادها «واكاباكا» (شجرة العائلة)، ويرتلونها، ويتغنون بها. لا يؤمنون برب العالمين، لكنهم ينسبون جدهم الأخير الى رب، ويسمون انفسهم اسماء مثل «حفيد الرب» و«سليل الرب». وينسبون للرب، ايضا، الجبال والاشجار والانهار والبحار. وترك الفراعنة والاغريق والرومان والسومريون والأشوريون وغيرهم قوائم فيها انسابهم. ومن الانساب ما سجل، ومنها ما نقل شفاهة، أبا عن جد. وكتب أغنياء الأوروبيين انسابهم وافتخروا بها. لكن الفقراء لم يفعلوا ذلك، اولا، لأنهم لم يقدروا، وثانيا، لأنهم خجلوا من تدوين اسماء جدود فقراء. ولهذا، في بريطانيا حرص الارستقراطيون على تدوين اسماء جدودهم اكثر من عامة الناس. ثم جاء النازيون في المانيا، واهتموا بجذور «ماستر ريس» (العرق السيد).
لم تزدهر الهواية (بل اصبحت حرفة) مثما ازدهرت وسط الاميركيين، لأنهم امة من المهاجرين. ولأن جمعية مثل «بنات الثورة الاميركية» لا هم لها غير ذلك. جمعت انساب «الآباء المؤسسين» الذين اشتركوا في حرب الاستقلال، والذين وقعوا على وثيقة حقوق الانسان، وعلى الدستور على اعلان الاستقلال، وعلى الدستور الاميركي. لكن، حتى وقت قريب، فرقت ضد السود (اهملت سودا حاربوا في حرب الاستقلال). واعتمدت، مع غيرها، على سجلات الكنائس، وشهادات الميلاد، وسجلات المقابر، وشواهد القبور، وأوراق التشريح، واليوميات الخاصة، وقوائم الجنود في البنتاغون، وصحف، ووصايا.
وصارت متابعة النسب علم رياضيات. ومن مؤسسيه جورج داروين، ابن شارلز داروين (صاحب نظرية التطور). حول كل أب وأم الى ارقام (واحد للرجل واثنان للزوجة)، وحول الارقام الى قوانين ونظريات. باستعمال نفس النظرية، يحتاج الباحث الى 127 عملية حسابية ليربط الأمير وليام، ولي عهد بريطانيا، مع جده الكبير جيمس كرومبي، الذي ولد في سنة 1810، وتوفي سنة 1978. ويمكن للباحث ان يبدأ بجد كبير ويبحث عن احفاده الحاليين، او يبدأ بشخص حي، ويبحث عن جدوده.
بعد الانترنت، حدثت ثورة في متابعة الانساب. واشتهر مركز «فاميلي تري» (شجرة العائلة) التابع للكنيسة المورمونية في سولت ليك سيتي (ولاية يوتا). تركز الطائفة على العلاقات العائلية، ولهذا، منذ تأسيسها سنة 1830، ركزت على متابعة انساب اعضائها، وفي وقت لاحق، وفرت الخدمة لغير اعضائها. وتحتفظ بسجلاتها في نفق تحت جبل «غرانايت»، على مسافة قريبة من المدينة (حتى لا تدمر اذا وقع هجوم نووي).
وفيه بليونا اسم لموتى في ثلاثة ملايين سجل (لا يسجل المركز اسماء الاحياء).
ولا يحتاج الانسان ليذهب الى هناك، لأن المركز له ثلاثة آلاف فرع في 64 دولة، وتصل اليه، كل شهر، 100,000 لفة مايكروفيلم، فيها احصائيات عن تواريخ ميلاد ووفاة، وتسجيل اراضي ومنازل، وكل مصدر فيه نسب، قصير او طويل. ويقدم المركز خدماته مجانا، ويرحب بكل شخص، ولا يشترط الانتماء الديني للجماعة، ولن يضايق الذي لا ينتمي اليها.
عندما بدأ المركز عمله، قبل ثماني سنوات، وصل اليه، في يوم واحد، 60 مليون طلب، ويصله، في الوقت الحاضر، اربعون مليون طلب كل يوم.
وقبل سنتين، بدأت الجمعية الجغرافية الأميركية، وشركة «آي.بي.ام» للكمبيوتر اكبر برنامج في التاريخ لمتابعة الانساب، وسمته «جينوغرافي» (الجغرافيا الجينية). ورصدت له في السنة الماضية 60 مليون دولار. لكن، هذا مشروع اكبر من معرفة اسم الجد الخامس او السادس، لأنه يحاول ربط جينات الشعوب بان يدرس جينات 100,000 شخص في كل القارات (يجمع من كل شخص عينه من لعاب حلقه).
وصفت جريدة «نيويورك تايمز» المشروع بأنه: «بالنسبة لعلماء الاجتماع والاجناس مثل الوصول الى القمر بالنسبة لعلماء الفضاء والفلك». لكن، في السنة الماضية، بدا بعض الهنود الحمر (في اميركا) والابوريجنالز (في استراليا) يحتجون. وقال موريس فوكسنز، زعيم هنود حمر في ولاية ماساشوستس: «يريدون ان يبرهنوا على اننا كلنا مهاجرون. لماذا نوفر لهم هذه الفرصة؟» لكن، اتهمه آخرون بأنه يعاني من عقدة نقص ومن عنصرية، لأنه يخاف من اثبات ان الهنود الحمر، في النهاية، جزء من الدم البشري. وقال سبنسر ويلز مدير المشروع لجريدة «يو.اس.توداي»: «نريد ان نعرف من اين جئنا. ونحن متأكدون من اننا سنقدر على ان نبرهن على ذلك، لأننا كلنا اولاد عم، وبنات عم، فرقتنا اجيال وقرون وبحار وقارات». وقال ان العلماء متأكدون من ذلك لأنهم متأكدون من أن الناس الأوائل خرجوا من افريقيا، قبل ستين الف سنة تقريبا. وفي السنة الماضية، في اول نتائج توصلت اليها الدراسة، ثبت ان هناك «صلة جينية» بين سكان مالطا والفينيقيين، وان نصف سكان مالطا فيهم دم لبناني. ولم تكتمل الدراسة لتحديد اسماء ناس في مالطا او لبنان. لكن، تطوع اميركيون لتحليل جيناتهم، وكانت النتائج مفاجئة لهم كلهم، تقريبا: مثلا: يعرف نك دونوفريو، مسؤول في شركة «آي.بي.ام»، ان جدوده هاجروا الى اميركا من ايطاليا. لكنه لم يكن يعرف انهم، قبل عشر آلاف سنة، كانوا يعيشون في جبال زاغروس على الحدود بين ايران والعراق.
ومثلا: تعرف كارول كوفاك، في كليفلاند (ولاية اوهايو) ان جدودها هاجرو من سلوفينيا (جزء من يوغسلافيا سابقا، في شرق اوروبا). لكنها، عرفت مؤخرا ان جيناتها من نوع «هابولو او اتش» الذي يعود اصله الى جبال البرانس، على الحدود بين فرنسا واسبانيا.
مثلا: يعرف رود ادكنينز الأسود، ان جدوده جاءوا رقيقا من غرب افريقيا. لكنه عرف مؤخرا ان جيناته من نوع «هابلو.آي.ثرى.ايه» الذي ينتشر وسط قبيلة البانتو في جنوب افريقيا. ويعتقد ان بعضهم هاجر الى غرب افريقيا قبل أكثر من الفي سنة. ويعتقد ان هذا الجين هو «ام الجينات»، وانه موجود وسط شعوب في الشرق الأوسط، وشمال افريقيا، وغيرها.
واشنطن: محمد علي صالح
في الشهر الماضي، أعلن ستيفن نيل قسيس كنيسة في مونيغول في ايرلندا، اكتشاف اسم جوزيف كيرني، تاجر أحذية، وزوجته فيب، في سجل قديم للمصلين في الكنيسة يعود الى مائة وخمسين سنة تقريبا. وفيه أن الاثنين تزوجا في نفس الكنيسة.
لا تزال الكنيسة قائمة حتى اليوم، لكنها تحولت، قبل ثلاثين سنة، الى منزل خاص. هاجر افراد من عائلة كيرني الى اميركا في منتصف القرن التاسع عشر، عندما اجتاحت آيرلندا مجاعة بسبب فشل انتاج البطاطس، الطعام الرئيسي في ذلك الوقت. (بداية من سنة 1845 وخلال الخمس سنوات التالية، هاجر مليون شخص من آيرلندا الى أميركا).
في البداية، لم يهاجر جوزيف كيرني، تاجر الأحذية، الى اميركا. لكن شقيقه فرانسيس هو الذي هاجر، وكتب له ليلحق به «الى أرض الفرص اللانهائية». ووعده بأن يسجل باسمه، اذا هاجر، قطعة ارض كبيرة كان اشتراها. وهكذا، هاجر سنة 1850، جوزيف، ومعه زوجته واولاده الأربعة، واحد منهم فلموث، الذي كان عمره 19 سنة. يوم 29 ـ 3 ـ 1850، وصلت بهم السفينة «مارميون» الى ميناء نيويورك. وبعد سنتين في نيويورك، اتجهت العائلة الى ولاية انديانا. هناك تزوج فلموث كيرني من جين هارتفر، التي ولدت له، سنة 1967، ماري كيرني. في سنة 1890 تزوجها جاكون دنهام، وهكذا صار تحول اسمها العائلي من كيرني الى دنهام.
جاكون دنهام هو الجد الخامس لفتاة ولدت سنة 1942 في قرية صغيرة في ريف ولاية كنساس اسمها: آن دنهام. بعد ان أكملت الثانوية، رفضت جامعة كنساس القريبة، وسافرت الى هاواي لتدرس في جامعتها. كانت فتاة هادئة وعمرها 18 سنة، عندما قابلها في نفس الجامعة باراك اوباما، طالب مسلم من كينيا، وعمره 24 سنة. تحابا وتزوجا في نفس السنة. وولدت له، في سنة 1961، ابنا سماه على اسمه. لكن، لم يدم الزواج اكثر من سنتين، وترك الوالد هاواي الى جامعة هارفارد، وبعد الدكتوراه عاد الى كينيا. توفي الأب في حادث سير في كينيا (وكان عمر ابنه باراك اوباما الابن 21 سنة)، وتوفيت الأم بالسرطان في كنساس (وكان عمره 34 سنة).
قال نيل، قسيس الكنسية الآيرلندية، إن أميركيا اتصل به، وقال له انه قضى ثلاثة شهور في مركز الأنساب في سولت ليك سيتي (ولاية يوتا) يبحث في نسب آن دنهام، والدة اوباما، وعرف ان جدها الخامس، من ناحية والدها، هاجر الى اميركا من آيرلندا. وطلب من القسيس مساعدته في معرفة بقية القصة، وهو مثل مئات الآلاف حول العالم يدفعون عشرات الآلاف من الدولارات من اجل معرفة شجرة عائلتهم وأصولهم وفصولهم. واذا كانت عودة جذور اوباما الى آيرلندا مفاجئة، فإن جذور منافسته في الترشيح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي، هيلاري كلنتون، فيها مفاجئة ايضا. ففي سنة 1999، اكتشفت سيث غيتيل، باحث اميركي عمل، ايضا، في مركز ولاية يوتا، ان جدة هيلاري الثالثة، من ناحية امها، كانت ديلا روزنبيرغ، وكانت يهودية. وفي سنة 1998، كشفت جريدة «واشنطن بوست» مفاجأة ان مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، كانت يهودية. لكن، لم يكن ذلك مفاجئة بالنسبة لها، وصار واضحا انها كانت تعرف ذلك، لكنها تعمدت اخفاءه، رغم انها ادعت لنفس الجريدة بأنها لم تكن تعرف. غير ان كثيرا من الأميركيين ينظرون الى الجانب المضيء في هذه المفاجآت. وفي هذا قالت جريدة «نيويورك صن»: «يقدر أي انسان على أن ينظر الى نسب السناتور اوباما، ويقول ما يقول. ويقدر أي انسان على أن ينظر الى نسب السناتورة كلنتون، ويقول ما يقول. لكن تبقي حقيقة ناصعة، وهي عظمة وعاء الذوبان الأميركي. يفاجئنا الوعاء من وقت لآخر، لكنها مفاجآت تدعو للتأمل».
وفي الأسبوع الماضي، خاطب السناتور ادوارد كنيدي (ديمقراطي من ولاية ماساشوستس) مؤتمرا للمهاجرين من المكسيك. وقرأ عليهم فقرات من كتاب «امة من المهاجرين» (صدر سنة 1958)، الذي كان كتبه شقيقه جون كنيدي (قبل سنتين من فوزه رئيسا لأميركا). وقال السناتور: «هذا هو سر أميركا. أمة من كل الأمم. تقاليد قديمة، ودماء جديدة، وتصميم على اكتشاف الحدود الجديدة». وفي اليوم التالي، خاطب مؤتمر المكسيكيين رودي جولياني، عمدة مدينة نيويورك سابقا، ومرشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري في الانتخابات بعد سنتين. وقرأ عليهم فقرات من خطاب القاه الرئيس ابراهام لنكون سنة 1862، قال فيه: «ترحب اميركا بالفقراء والبؤساء والمحتاجين. لكنها، لا تحكم عليهم حسب تواريخ وصولهم اليها. تقدر على ان تكون اميركيا عظيما، ولو جئت قبل سنة. وتقدر على ان تعيش هنا لمائة سنة بدون ان تعرف ما هو معنى ان تكون اميركيا».
وظل الناس يبحثون عن انسابهم منذ ان صار آدم جدهم كلهم. لكن أقدم وأطول نسب سجل هو نسب عيسى المسيح. أرجعه انجيل متى الى النبي داود، ثم الى النبي ابراهيم. وفعل انجيل لوقا نفس الشيء، لكنه اضاف النسب حتى النبي آدم. واختلفا عن النسب بين عيسى وداود. وبعد مائة سنة، فسر الاختلاف «جوليوس الافريقي» (اصله من ليبيا)، وقال ان النسب بين عيسى وداود لن يحسم، وذلك بسبب عادة يهودية قديمة، هي ان تتزوج الأرملة شقيق زوجها، مما يعقد متابعة الانساب. ورسم مايكل انجلو، النحات الايطالي، سلسلة لوحات رائعة عن بعض جدود عيسي المسيح، منها لوحة فيها سليمان وداود، ولوحة فيها يوسف ويعقوب. وفصلت «سيرة ابن هشام» نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولخصها كتاب «الرحيق المختوم» الذي اصدرته رابطة العالم الاسلامي في مكة (سنة 1994). قال ان النسب ينقسم الى ثلاثة اقسام: الأول مؤكد، ويعود الى الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والثاني غير مؤكد، ويربط عدنان بقيدار بن اسماعيل بن ابراهيم. والثالث غير مؤكد ايضا، ويربط ابراهيم بأرفخشد بن سام بن نوح، ثم يربط نوح بأنوش بن شيث بن آدم.
لكن، حتى القبائل البدائية تحرص على متابعة انسابها. مثل قبيلة «الماروي» في نيوزيلندا، التي جعلت نسبها اساس ثقافتها، ويحفظ افرادها «واكاباكا» (شجرة العائلة)، ويرتلونها، ويتغنون بها. لا يؤمنون برب العالمين، لكنهم ينسبون جدهم الأخير الى رب، ويسمون انفسهم اسماء مثل «حفيد الرب» و«سليل الرب». وينسبون للرب، ايضا، الجبال والاشجار والانهار والبحار. وترك الفراعنة والاغريق والرومان والسومريون والأشوريون وغيرهم قوائم فيها انسابهم. ومن الانساب ما سجل، ومنها ما نقل شفاهة، أبا عن جد. وكتب أغنياء الأوروبيين انسابهم وافتخروا بها. لكن الفقراء لم يفعلوا ذلك، اولا، لأنهم لم يقدروا، وثانيا، لأنهم خجلوا من تدوين اسماء جدود فقراء. ولهذا، في بريطانيا حرص الارستقراطيون على تدوين اسماء جدودهم اكثر من عامة الناس. ثم جاء النازيون في المانيا، واهتموا بجذور «ماستر ريس» (العرق السيد).
لم تزدهر الهواية (بل اصبحت حرفة) مثما ازدهرت وسط الاميركيين، لأنهم امة من المهاجرين. ولأن جمعية مثل «بنات الثورة الاميركية» لا هم لها غير ذلك. جمعت انساب «الآباء المؤسسين» الذين اشتركوا في حرب الاستقلال، والذين وقعوا على وثيقة حقوق الانسان، وعلى الدستور على اعلان الاستقلال، وعلى الدستور الاميركي. لكن، حتى وقت قريب، فرقت ضد السود (اهملت سودا حاربوا في حرب الاستقلال). واعتمدت، مع غيرها، على سجلات الكنائس، وشهادات الميلاد، وسجلات المقابر، وشواهد القبور، وأوراق التشريح، واليوميات الخاصة، وقوائم الجنود في البنتاغون، وصحف، ووصايا.
وصارت متابعة النسب علم رياضيات. ومن مؤسسيه جورج داروين، ابن شارلز داروين (صاحب نظرية التطور). حول كل أب وأم الى ارقام (واحد للرجل واثنان للزوجة)، وحول الارقام الى قوانين ونظريات. باستعمال نفس النظرية، يحتاج الباحث الى 127 عملية حسابية ليربط الأمير وليام، ولي عهد بريطانيا، مع جده الكبير جيمس كرومبي، الذي ولد في سنة 1810، وتوفي سنة 1978. ويمكن للباحث ان يبدأ بجد كبير ويبحث عن احفاده الحاليين، او يبدأ بشخص حي، ويبحث عن جدوده.
بعد الانترنت، حدثت ثورة في متابعة الانساب. واشتهر مركز «فاميلي تري» (شجرة العائلة) التابع للكنيسة المورمونية في سولت ليك سيتي (ولاية يوتا). تركز الطائفة على العلاقات العائلية، ولهذا، منذ تأسيسها سنة 1830، ركزت على متابعة انساب اعضائها، وفي وقت لاحق، وفرت الخدمة لغير اعضائها. وتحتفظ بسجلاتها في نفق تحت جبل «غرانايت»، على مسافة قريبة من المدينة (حتى لا تدمر اذا وقع هجوم نووي).
وفيه بليونا اسم لموتى في ثلاثة ملايين سجل (لا يسجل المركز اسماء الاحياء).
ولا يحتاج الانسان ليذهب الى هناك، لأن المركز له ثلاثة آلاف فرع في 64 دولة، وتصل اليه، كل شهر، 100,000 لفة مايكروفيلم، فيها احصائيات عن تواريخ ميلاد ووفاة، وتسجيل اراضي ومنازل، وكل مصدر فيه نسب، قصير او طويل. ويقدم المركز خدماته مجانا، ويرحب بكل شخص، ولا يشترط الانتماء الديني للجماعة، ولن يضايق الذي لا ينتمي اليها.
عندما بدأ المركز عمله، قبل ثماني سنوات، وصل اليه، في يوم واحد، 60 مليون طلب، ويصله، في الوقت الحاضر، اربعون مليون طلب كل يوم.
وقبل سنتين، بدأت الجمعية الجغرافية الأميركية، وشركة «آي.بي.ام» للكمبيوتر اكبر برنامج في التاريخ لمتابعة الانساب، وسمته «جينوغرافي» (الجغرافيا الجينية). ورصدت له في السنة الماضية 60 مليون دولار. لكن، هذا مشروع اكبر من معرفة اسم الجد الخامس او السادس، لأنه يحاول ربط جينات الشعوب بان يدرس جينات 100,000 شخص في كل القارات (يجمع من كل شخص عينه من لعاب حلقه).
وصفت جريدة «نيويورك تايمز» المشروع بأنه: «بالنسبة لعلماء الاجتماع والاجناس مثل الوصول الى القمر بالنسبة لعلماء الفضاء والفلك». لكن، في السنة الماضية، بدا بعض الهنود الحمر (في اميركا) والابوريجنالز (في استراليا) يحتجون. وقال موريس فوكسنز، زعيم هنود حمر في ولاية ماساشوستس: «يريدون ان يبرهنوا على اننا كلنا مهاجرون. لماذا نوفر لهم هذه الفرصة؟» لكن، اتهمه آخرون بأنه يعاني من عقدة نقص ومن عنصرية، لأنه يخاف من اثبات ان الهنود الحمر، في النهاية، جزء من الدم البشري. وقال سبنسر ويلز مدير المشروع لجريدة «يو.اس.توداي»: «نريد ان نعرف من اين جئنا. ونحن متأكدون من اننا سنقدر على ان نبرهن على ذلك، لأننا كلنا اولاد عم، وبنات عم، فرقتنا اجيال وقرون وبحار وقارات». وقال ان العلماء متأكدون من ذلك لأنهم متأكدون من أن الناس الأوائل خرجوا من افريقيا، قبل ستين الف سنة تقريبا. وفي السنة الماضية، في اول نتائج توصلت اليها الدراسة، ثبت ان هناك «صلة جينية» بين سكان مالطا والفينيقيين، وان نصف سكان مالطا فيهم دم لبناني. ولم تكتمل الدراسة لتحديد اسماء ناس في مالطا او لبنان. لكن، تطوع اميركيون لتحليل جيناتهم، وكانت النتائج مفاجئة لهم كلهم، تقريبا: مثلا: يعرف نك دونوفريو، مسؤول في شركة «آي.بي.ام»، ان جدوده هاجروا الى اميركا من ايطاليا. لكنه لم يكن يعرف انهم، قبل عشر آلاف سنة، كانوا يعيشون في جبال زاغروس على الحدود بين ايران والعراق.
ومثلا: تعرف كارول كوفاك، في كليفلاند (ولاية اوهايو) ان جدودها هاجرو من سلوفينيا (جزء من يوغسلافيا سابقا، في شرق اوروبا). لكنها، عرفت مؤخرا ان جيناتها من نوع «هابولو او اتش» الذي يعود اصله الى جبال البرانس، على الحدود بين فرنسا واسبانيا.
مثلا: يعرف رود ادكنينز الأسود، ان جدوده جاءوا رقيقا من غرب افريقيا. لكنه عرف مؤخرا ان جيناته من نوع «هابلو.آي.ثرى.ايه» الذي ينتشر وسط قبيلة البانتو في جنوب افريقيا. ويعتقد ان بعضهم هاجر الى غرب افريقيا قبل أكثر من الفي سنة. ويعتقد ان هذا الجين هو «ام الجينات»، وانه موجود وسط شعوب في الشرق الأوسط، وشمال افريقيا، وغيرها.