المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة تأسيس الشرطة السرية الامريكية



زوربا
05-11-2007, 07:06 AM
تأسست الشرطة السرية عام 1835 لمكافحة تزوير الدولار.. ثم توسع عملها لحماية الرئيس ونائبه ومرشحي الرئاسة والمواقع الحساسة


واشنطن: منير الماوري

عندما طلب القائمون على حملة السيناتور الديمقراطي الأميركي الأسود باراك أوباما ـ الساعي لترشيح نفسه لرئاسة الولايات المتحدة عن الحزب الديمقراطي ـ من الشرطة السرية الأميركية توفير الحماية الشخصية له، اشتبه خصومه في أنه يسعى لمساواة نفسه بمنافسته هيلاري كلينتون التي تحميها الشرطة السرية، رغم أن الحماية المتوفرة لها تأتي بصفتها سيدة أولى سابقة، وليس بصفتها مرشحة للرئاسة.

هذا الاشتباه في حقيقة نوايا باراك أوباما ومساعديه، أبطلته الشرطة السرية الأميركية نفسها بسرعة استجابتها للطلب. فلو لم يتوفر للشرطة السرية معلومات ذات مصداقية من مصادر أخرى عن مخاطر قد يتعرض لها باراك أوباما، لما ضيعت الشرطة السرية وقتها، ولما ضيعت أموال دافع الضريبة الأميركية لإرضاء غرور هذا المرشح أو ذاك في وقت مبكر جدا من خوض الصراع الانتخابي.

بادرت الشرطة السرية بإرسال عناصرها لمرافقة باراك أوباما، مؤكدة أنه يستحق الحماية، وهو الأمر الذي كانت ستفعله آجلا أو عاجلا عندما يقترب موعد التصفيات بين الديمقراطيين، خصوصا والرجل لديه حظوظ قوية في الفوز بترشيح الحزب، إذا ما استمرت شعبيته في التصاعد على نفس المنوال السائر عليه حاليا، وبالتالي فإن حياته من حيث المبدأ يمكن أن تتعرض للخطر من قبل المتطرفين الرافضين لرؤية رجل أسود على عتبات البيت الأبيض.

ولكن السؤال المطروح، هو عن الشرطة السرية نفسها.. هل من واجبها أن توفر الحماية للمرشحين؟ وعلى أي أساس؟ وما هي قصة تأسيس هذه الشرطة، وأي جهة تتبع؟ وما هي مهماتها الأخرى؟

المفارقة ان المواطنين الأميركيين لا يعرفون الكفاية عن الشرطة السرية في بلادهم، لعدم تدخلها في شؤونهم، بل إن أكثر الملتصقين بالشرطة السرية الأميركية، هم المسؤولون الأجانب الزائرون للولايات المتحدة، خصوصا رؤساء الدول ورؤساء الوزارات القادمين بدعوات رسيمة، ويفترض أن تحميهم الشرطة السرية، كما تحمي الرئيس الأميركي ونائبه.

ومن هنا يمكن القول إن المهام المعروفة للشرطة السرية هي حماية كبار الشخصيات، وحراسة المبان الرسمية للدولة وعلى رأسها البيت الأبيض الأميركي. وقد لا يلحظ عابر الطريق في واشنطن وجود أفراد الشرطة السرية، إلا إذا حاول القفز إلى داخل سور البيت الأبيض، أو إلقاء أي مقذوف إلى داخل السور، فسرعان ما سيجد نفسه محاطا بعشرات الرجال بملابس مدنية عادية شاهرين فوهات مسدساتهم عليه، ثم سيجد نفسه مقيدا في إحدى السيارات خلال دقائق معدودة في مشهد يتكرر كثيرا في واشنطن، ومعظم ضحايا هذا المشهد المتكرر غالبا ما يكونون من المشردين أو مختلي العقول.

ومن الغريب في قصة الشرطة السرية الأميركية، أنها رغم مسؤوليتها في حماية الرئيس ونائبه، وحماية المقار الرسمية، فإنها حتى وقت قريب كانت تتبع إداريا وزارة الخزانة الأميركية، وليس وزارة العدل كما هو الحال بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالية (إف.بي.آي).

ولمعرفة علاقة الشرطة السرية بوزارة الخزانة الأميركية، قبل أن يتم تصحيح الوضع في عام 2003 بضم هذه الشرطة لوزارة الأمن الداخلي حديثة النشأة، لتصبح وزارة الأمن الداخلي هي الجهة المشرفة على الخدمات السرية في علاقة أكثر منطقية، مما كانت عليه مع علاقة الشرطة السرية مع وزارة الخزانة.

تبعية الشرطة السرية لوزارة الخزانة (المالية) عند التأسيس لم تأت من فراغ، بل إن هذه التبعية تقودنا لمعرفة قصة تأسيس هذه الشرطة السرية والغرض الأساسي من وجودها، حيث أنها تأسست عام 1835 لمكافحة تزوير العملة الأميركية (الدولار)، قبل أن يتم توسيع مهامها في وقت لاحق لتشمل حماية الشخصيات وحراسة المقار الرسمية إضافة إلى التحقيق في جرائم محاولات الاغتيال والاعتداء على الشخصيات الخاضعة للحماية، والتحقيق أيضا في جرائم التزوير والنصب والاحتيال المالي.

ولا يقتصر وجود الشرطة السرية الأميركية على واشنطن العاصمة، بل لها أكثر من 150 مكتبا في جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها. وتعتبر الشرطة السرية من أقدم وأهم الجهات الأمنية في الولايات المتحدة، وتضم عناصر مدنية ومحققين يتجاوز عددهم 3200 عنصرا، إضافة إلى أكثر من 1300 عسكري مدرب تدريبا عاليا في مراكز تدريب خاصة قرب واشنطن، ويعمل بالشرطة السرية كذلك حوالي 2000 شخص من موظفي الخدمات المساعدة من تقنيين وإداريين.

ومن مهام الشرطة السرية أيضا توفير الحماية لأسر الرؤساء والرؤساء السابقين لمدة عشر سنوات بعد تركهم الرئاسة، وفقا لتعديل تم إدخاله على مهام الشرطة السرية عام 1997، حيث كانت الحماية قبل ذلك العام تستمر مدى حياة كل رئيس سابق، كما يحظى أطفال الرؤساء السابقين بالحراسة إلى أن يبلغوا السادسة عشرة. ومن مسؤولية الشرطة السرية توفير الحماية للرؤساء الأجانب أثناء زياراتهم للولايات المتحدة وكذلك زوجاتهم، ولكن ليس من مسؤلويتها حماية مرافقيهم، كما تحمي مقار البعثات الأجنبية في واشنطن من أي خطر قد تتعرض له هذه البعثات. وترافق الشرطة السرية كذلك المسؤولين الأميركيين الكبار أثناء زياراتهم للخارج مثل وزيرة الخارجية أو نائب الرئيس.

كما يتحتم على الشرطة السرية الأميركية أن توفر الحماية لمرشحي الرئاسة ونوابهم قبل 120 يوما من الانتخابات العامة، ولكن في وضع باراك أوباما تم توفير الحراسة له قبل 18 شهرا من الانتخابات، وهو وقت مبكر عما درجت عليه الحاجة، ويبدو أن تعرض كثير من قيادات الأميركيين الأفارقة للاغتيال طوال التاريخ الأميركي الحديث أدى لظهور مخاوف على حياة النجم الأسود الصاعد. وتحسبا لحدوث ما لا تحمد عقباه، فقد بات السناتور باراك اوباما تحت حماية حراس شخصيين من الشرطة السرية، وفقا لما أكده متحدث باسمها.

فقد قال المتحدث دارين بلاكفورد ان وزير الأمن الداخلي مايكل شيرتوف اجاز بعد التشاور مع احدى لجان الكونغرس للأجهزة السرية في الولايات المتحدة تولي حماية المرشح الى الرئاسة السناتور باراك اوباما. واوضح ان هؤلاء الحراس الشخصيين بدأوا يمارسون مهمتهم مع اوباما. ولم يحدد ما اذا كان توفير هذه الحماية ناجما عن تهديد ما. وقال المتحدث «لا نؤكد وجود تهديدات ولا ننفيها». وفي انتخابات 2004، استفاد المرشحان الديمقراطيان جون كيري وجون ادواردز من حماية الشرطة السرية في فبراير (شباط) 2004، اي قبل تسعة اشهر من الانتخابات. وحتى الآن لم يحصل على نفس ميزة الحماية التي حصل عليها باراك اوباما، أي من المرشحين الديمقراطيين الآخرين باستثناء هيلاري كلينتون.

أما المرشحون جون ادواردز ودنيس كوسينيش وجوزف بيدن وبيل ريتشاردسون ومايك غرافل وكريستوفر دود، فلم ترسل لهم الشرطة السرية أية حماية، ولم يطلبوا هذه الحماية أصلا.

ورغم توسع الشرطة السرية في مهام الحماية التي اكتسبتها فيما يبدو من خلال وجود مقر وزارة الخزانة في مجمع البيت الأبيض الرئاسي بالعاصمة واشنطن، فتم في وقت مبكر الاستفادة من وجودها لحماية البيت الأبيض وساكنيه، ولكن ما زالت الشرطة السرية تمارس مهامها الأساسية في محافحة الجرائم المالية.

وقد تولت الشرطة السرية في عام 2006 بالتعاون مع شرطة دولة جورجيا التحقيق في عملية دولية لتزوير العملات امتدت من جيب انفصالي في تلك الجمهورية السوفياتية السابقة الى ولاية ميريلاند الأميركية، حيث تم العثور على اوراق مالية مزورة فئة مائة دولار، في مطبعة بجنوب اوسيتيا، وهي منطقة بلا حكومة معترف بها، وتم نقل 20 مليون دولار من الاوراق المالية المزورة الى اسرائيل والولايات المتحدة، طبقا للمحققين. كما ظهرت العملات المزورة من فئة مائة دولار في جورجيا وروسيا.

وجرى تبادل الدولارات المزورة في عديد من الأماكن في منطقة بالتيمور، كما ظهرت ايضا في نيويورك ونيوارك وبافلو، طبقا لأوراق القضية والتقرير المقدم للكونغرس الذي اعدته الشرطة السرية. وذكر التقرير الذي صدر في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ان كميات الأوراق المالية المزورة المنتجة في تلك المنطقة دخلت الولايات المتحدة ورفعت نسبة العملة المزورة بصورة درامية.

ورفضت الشرطة السرية في ذلك الحين التعليق على الموضوع بسبب «حساسية التحقيقات والاعتبارات السياسية». إلا أن التقرير المقدم للكونغرس عن القضية ذكر أن الشرطة السرية أجرت تحقيقات عن مشتبهين في إسرائيل وروسيا وجمهورية جورجيا، عملوا على اصدار أوراق مالية أميركية مزورة. كما تصادر الشرطة السرية الأميركية عملات مزورة بكميات كبيرة كل سنة، تقول إنها صادرة في كوريا الشمالية، تحمل ارقاما مسلسلة مختلفة وميزات تجعل من الصعب اكتشاف التزوير بسهولة. وعلاوة على مكافحة تزوير العملات، فإن الشرطة السرية الأميركية تتدخل في ملاحقة جرائم الاحتيال المالي عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني، وتضع نصب عينيها حاليا مطاردة عصابات الاحتيال التي تعمل على إيصال رسائل احتيال إلى ملايين الضحايا باستخدام البريد الالكتروني. ‏‎