بركان
05-08-2007, 07:20 AM
خالد حنفي علي - مصريون
لعل الدرس الذي يجب أن تستلهمه المنطقة العربية من العمليات الانتحارية الأخيرة في المغرب والجزائر ، هو الانتباه الدائم إلى خطر أحزمة الفقر (المناطق العشوائية) التي تحيط بغالبية مدننا وعواصمنا، فالشباب الذين خرجوا من الضواحي الفقيرة للدار البيضاء أو من الأحياء "القصديرية" الفقيرة المنتشرة بجنوب العاصمة الجزائر ليفجروا أنفسهم ،لم يكن يعلنوا سوى صرخة احتجاج على البيئة الاقتصادية المشوهة التي خلفت لديهم فكرا دينيا تكفيريا يريد تدمير الأخر أيا كان هو: دولة أو أشخاصا، حتى أصبحنا أمام قنابل بشرية موقوتة تنتظر محفزات لتفجيرها في وجه السلطات.
ولئن كانت سياسات المسكنات الاقتصادية التي تتبعها الدول العربية ترجئ هذه
الانفجارات أو تقلل منها ، فإنها لن تمنعها ما لم يتم التعامل مع أحزمة الفقر
تلك بطريقة جذرية، تعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعدالة لمواطنيها
الذين يعانون الفقر، والبطالة، وتدني الخدمات (كهرباء ومياه وصحة) إلى مستويات لا إنسانية.ولن يتحقق التعامل الجذري مع هذه الأحزمة إلا عبر إصلاح المنفذ المكون لها منذ عقود، وهو نمط التنمية العربي المشوه الذي ركز جل اهتمامه منذ الاستقلال في أوساط القرن العشرين على تنمية المدن أو المراكز سواء اقتصاديا (فرص عمل، وبنية تحتية، وخدمات) وسياسيا (مركز للعمل السياسي والقوى السياسية)، واجتماعيا (تشكل الطبقة الوسطى) وثقافيا وإعلاميا (صحف ومراكز أدبية وإعلامية(في المقابل تم تهميش الأطراف في خطط التنمية والإنفاق الحكومي والخدمات الاقتصادية، وهو ما دفع بسكان تلك المناطق إلى التحرك نحو المركز للاستفادة من مزاياه، حيث ظهرت المناطق العشوائية المحيطة بالعواصم العربية، والتي تعيش حالة من التهميش بأنواعه الاقتصادية والثقافية والسياسية.
هذا النمط التنموي المشوه يكاد يلحظه كل مواطن عربي من الخليج للمحيط، ففي مصر مثلا نجد أن العاصمة القاهرة - الأوفر حظا بمخصصات التنمية تنمويا منذ أكثر من خمسين عاما- يحيط بها 81 منطقة عشوائية، من إجمالي 1221 منطقة عشوائية في مصر.
ولأن نمط الدولة المركزية ذات السطوة السياسية والاقتصادية ساد في المشرق
والمغرب العربي، لذا لم يختلف الأمر كثيرا في سوريا، فتشير دراسة حديثة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن أكثر من 38 في المئة من الفقراء يعيشون في المناطق الحضرية السورية التي تضم 50 في المئة من السكان.
كما أن 58 في المئة من الفقراء يعيشون في الإقليم الشمالي (حلب، أدلب، الرقة، دير الزور، حسكة ) الذي يمثل نحو 45 في المئة من السكان. والنسبة الباقية –كما تشير الدراسة- تتركز في بعض أحزمة الفقر حول المدن وجيوب الفقر في ريف المنطقة الساحلية وريف السويداء.
ومثل ذلك المشهد نراه في المغرب، حيث الدار البيضاء والرباط هما المركزان
للدولة بكل خدماتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، بينما الأطراف لا تحظى
بنفس القدر من التنمية، ومن هنا تكونت أحياء الصفيح العشوائية ملاصقة للمدن،
حتى إنها أصبحت أشبه بجيتوات اجتماعية للفقراء، امتدت من شمال المغرب إلى
جنوبه، وتكاد تخنق المدن الكبرى.
وعبر العقود المنصرمة، جذرت الدول العربية هذه العلاقة المشوهه بين المدينة
والريف، أو المركز والأطراف، لا سيما في ضوء تبنيها لمشروع حداثي غربي تقوم فلسفته على أن بناء قوة الدولة يبدأ من المركز المسيطر سياسيا واقتصاديا
وثقافيا، وليس الأطراف التي مثلت على الدوام القطاع الريفي، والذي عرف تدنيا من أولويات الدولة العربية الحديثة. وفي سياق هذا المشروع تشكلت الطبقة الوسطى العربية في الخمسينيات والستينيات وتركزت في المركز أو المدينة العربية، عبر إنفاق الدولة على مصادر تكونها مثل الوظائف الحكومية والقطاع العام والتعليم المجاني، وتوفير الخدمات الصحية، والجامعات وغيرها.
غير أن هذا النمط التنموي الذي شابه عدم عدالة في توزيع الموارد الاقتصادية
تعرض لهزة إثر تغير المنظور الغربي للتنمية الاقتصادية، حيث لم تعد الدولة هي اللاعب الاقتصادي الرئيسي، إنما تم إعادة الاعتبار بقوة للقطاع الخاص وآليات السوق الحر في إطار عمليات رسملة العالم. وتعبيرا عن هذه المنظومة تم إطلاق برامج الإصلاح الاقتصادي التي قلصت من دور الدولة في إتاحة فرص العمل وتوفير البنى التحتية عبر تقييد الإنفاق العام من أجل الالتزام بالسياسات المالية.
ولأن المنطقة العربية رخوة وتابعة هيكليا للمنظومة الدولية المسيطرة، لذا بدأت
دولها في اجتراح برامج الخصخصة وبيع القطاع العام وتقليص الإنفاق الحكومي
واطلاق سعر الصرف لآليات السوق في عقد التسعينيات، وهو ما أنتج بدوره تداعيات اقتصادية سواء على صعيد تدهور العملات الوطنية وارتفاع مستويات التضخم وعجز الموازنات. وانعكس كل هذا بالسلب على أوضاع الطبقة الوسطى التي مثلت رمانة الاستقرار في الدول العربية. وغذى الإضرار بتلك الطبقة من ظاهرة أحزمة الفقر والمناطق العشوائية التي تقدر بعض الدراسات والتقارير الدولية سكانها بأكثر من56% من العرب.
اللافت أن تلك الأحزمة لم تعد فقط مقتصرة على المهاجرين من الريف المتلهفين
لخدمات ومزايا المركز، إنما انضم لهم فئات متعلمة ذات أوضاع اقتصادية متدنية
ناقمة على المدينة، وتريد اختراقها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وهو ما رشح هذه
المناطق العشوائية لتكون قنابل موقوتة.
ولعل العقدين الأخيرين عرفا بعضا من الانفجارات ذات الطبيعة المكتومة، فمثلا
ارتبط ظهور الجماعات الدينية المتطرفة بأحزمة الفقر التي تحيط بالعاصمة
القاهرة، كما حدث في عين شمس والمطرية وإمبابة، حيث سعت فيها هذه الجماعات للترويج لفكرها عبر لعب دور خدماتي بديل للدولة المركزية، وهو ما قمعته هذه الأخيرة.
ولا يختلف ذلك في دولة كالمغرب مع اختلاف السياق والتفاصيل، حيث خرج انتحاريو مدينة الدار البيضاء الذين فجروا أنفسهم في عام 2003 من أحياء الصفيح المحيطة بالمدينة.وعادوا مرة أخرى ليؤكدوا وجودهم عندما نفذوا عمليات انتحارية في عام2007 ، كما أن العلاقة الاقتصادية المشوهه بين المركز والأطراف فجرت أزمة دارفور في غرب السودان، ومن قبلها الجنوب، وكذلك في الشرق. هذه المناطق ترى أن عدم العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية بين المركز الشمالي وبقية الأقاليم السودانية هو أحد الأسباب الرئيسية للتمرد.
ولا تستثنى منطقة الخليج الغنية بالنفط من ظاهرة أحزمة الفقر، وإن اختلفت أسباب تكونها عن الدول المشرقية والمغربية، فنمط التنمية الريعي المصحوب بعدم العدالة في توزيع الموارد بين المواطنين والمناطق خلف وراءه أحزمة فقر. فعلى سبيل المثال، ففي مدينة غنية كالرياض لم يكن أحد ليجرؤ أن يتحدث عن الأحياء الفقيرة بها، إلا بعد زيارة ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) إلى هذه الأحياء في نوفمبر 2002.وتتعمق أزمة أحزمة الفقر في الخليج، بوجود عمالة أجنبية تعمل في المدن والمركز، ثم تخرج منها في نهاية اليوم، لتعيش على هامشها في أوضاع اقتصادية مزرية سواء من حيث الراوتب أو المعاملة. وخطورة هذه العمالة أن حجمها في مجلس التعاون الخليجي (السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان) يصل إلى أكثر
من 10 ملايين عامل أجنبي و3 ملايين من أفراد عائلاتهم. وتكرر احتجاج هؤلاء العمال في السنوات الأخيرة في دول الخليج على سوء المعاملة التي يتعرضون لها، والتأخر في تقاضي رواتبهم .
لقد انتهجت بعض الدول العربية عدة مسارات للتعامل مع أحزمة الفقر، منها منع توسيع نطاق هذه الأحزمة، عبر تقييد عمليات البناء والسكن في محيط العواصم، كما سعت برامج حكومية لتنمية وتحسين الأحوال الاقتصادية لهذه المناطق، عبر إنشاء بنية تحتية وإطلاق برامج المشروعات الصغيرة لخلق فرص عمل.
ففي المغرب مثلا أطلقت الحكومة قبل ثلاث سنوات برنامجا تمويليا وخدميا يستمر إلى عام 2010، لإنهاء ظاهرة مدن الصفيح عبر منع البناء في هذه المناطق وتقديم قروض صغيرة للأسر الموجودة بها. وهذا النمط من البرامج موجود في دول عربية أخرى كمصر وسوريا، وكذلك تونس التي أقامت "صندوق 26/26" لدعم المناطق الأكثر فقرا.
ورغم كل ذلك، فلا تزال هذه البرامج ذات فعالية محدودة بسبب تعمق ظاهرة المناطق العشوائية منذ عقود في الدول العربية.
كما أن الأمر يقتضي أكثر من مجرد ضخ أموال محدودة لتسكين أحوال فقراء هذه المناطق، فلا بد من جرأة تنموية توزع الموارد الاقتصادية والسياسية والثقافية بشكل عادل بين مناطق الوطن الواحد وتواجه أمراض الفساد المستشرية، وتعيد للمجتمعات العربية اللحمة الاقتصادية التي تفسخت جراء ازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء والتي أنتجت لنا في نهاية الأمر بعض الانتحاريين الذين يرفعون شعار الدين رغم أنهم أبناء أزمة عدالة وفقر وعدم مساواة اقتصادية في المجتمع.
* باحث وصحفي مصري
khaled1972@maktoob.com
لعل الدرس الذي يجب أن تستلهمه المنطقة العربية من العمليات الانتحارية الأخيرة في المغرب والجزائر ، هو الانتباه الدائم إلى خطر أحزمة الفقر (المناطق العشوائية) التي تحيط بغالبية مدننا وعواصمنا، فالشباب الذين خرجوا من الضواحي الفقيرة للدار البيضاء أو من الأحياء "القصديرية" الفقيرة المنتشرة بجنوب العاصمة الجزائر ليفجروا أنفسهم ،لم يكن يعلنوا سوى صرخة احتجاج على البيئة الاقتصادية المشوهة التي خلفت لديهم فكرا دينيا تكفيريا يريد تدمير الأخر أيا كان هو: دولة أو أشخاصا، حتى أصبحنا أمام قنابل بشرية موقوتة تنتظر محفزات لتفجيرها في وجه السلطات.
ولئن كانت سياسات المسكنات الاقتصادية التي تتبعها الدول العربية ترجئ هذه
الانفجارات أو تقلل منها ، فإنها لن تمنعها ما لم يتم التعامل مع أحزمة الفقر
تلك بطريقة جذرية، تعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعدالة لمواطنيها
الذين يعانون الفقر، والبطالة، وتدني الخدمات (كهرباء ومياه وصحة) إلى مستويات لا إنسانية.ولن يتحقق التعامل الجذري مع هذه الأحزمة إلا عبر إصلاح المنفذ المكون لها منذ عقود، وهو نمط التنمية العربي المشوه الذي ركز جل اهتمامه منذ الاستقلال في أوساط القرن العشرين على تنمية المدن أو المراكز سواء اقتصاديا (فرص عمل، وبنية تحتية، وخدمات) وسياسيا (مركز للعمل السياسي والقوى السياسية)، واجتماعيا (تشكل الطبقة الوسطى) وثقافيا وإعلاميا (صحف ومراكز أدبية وإعلامية(في المقابل تم تهميش الأطراف في خطط التنمية والإنفاق الحكومي والخدمات الاقتصادية، وهو ما دفع بسكان تلك المناطق إلى التحرك نحو المركز للاستفادة من مزاياه، حيث ظهرت المناطق العشوائية المحيطة بالعواصم العربية، والتي تعيش حالة من التهميش بأنواعه الاقتصادية والثقافية والسياسية.
هذا النمط التنموي المشوه يكاد يلحظه كل مواطن عربي من الخليج للمحيط، ففي مصر مثلا نجد أن العاصمة القاهرة - الأوفر حظا بمخصصات التنمية تنمويا منذ أكثر من خمسين عاما- يحيط بها 81 منطقة عشوائية، من إجمالي 1221 منطقة عشوائية في مصر.
ولأن نمط الدولة المركزية ذات السطوة السياسية والاقتصادية ساد في المشرق
والمغرب العربي، لذا لم يختلف الأمر كثيرا في سوريا، فتشير دراسة حديثة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن أكثر من 38 في المئة من الفقراء يعيشون في المناطق الحضرية السورية التي تضم 50 في المئة من السكان.
كما أن 58 في المئة من الفقراء يعيشون في الإقليم الشمالي (حلب، أدلب، الرقة، دير الزور، حسكة ) الذي يمثل نحو 45 في المئة من السكان. والنسبة الباقية –كما تشير الدراسة- تتركز في بعض أحزمة الفقر حول المدن وجيوب الفقر في ريف المنطقة الساحلية وريف السويداء.
ومثل ذلك المشهد نراه في المغرب، حيث الدار البيضاء والرباط هما المركزان
للدولة بكل خدماتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، بينما الأطراف لا تحظى
بنفس القدر من التنمية، ومن هنا تكونت أحياء الصفيح العشوائية ملاصقة للمدن،
حتى إنها أصبحت أشبه بجيتوات اجتماعية للفقراء، امتدت من شمال المغرب إلى
جنوبه، وتكاد تخنق المدن الكبرى.
وعبر العقود المنصرمة، جذرت الدول العربية هذه العلاقة المشوهه بين المدينة
والريف، أو المركز والأطراف، لا سيما في ضوء تبنيها لمشروع حداثي غربي تقوم فلسفته على أن بناء قوة الدولة يبدأ من المركز المسيطر سياسيا واقتصاديا
وثقافيا، وليس الأطراف التي مثلت على الدوام القطاع الريفي، والذي عرف تدنيا من أولويات الدولة العربية الحديثة. وفي سياق هذا المشروع تشكلت الطبقة الوسطى العربية في الخمسينيات والستينيات وتركزت في المركز أو المدينة العربية، عبر إنفاق الدولة على مصادر تكونها مثل الوظائف الحكومية والقطاع العام والتعليم المجاني، وتوفير الخدمات الصحية، والجامعات وغيرها.
غير أن هذا النمط التنموي الذي شابه عدم عدالة في توزيع الموارد الاقتصادية
تعرض لهزة إثر تغير المنظور الغربي للتنمية الاقتصادية، حيث لم تعد الدولة هي اللاعب الاقتصادي الرئيسي، إنما تم إعادة الاعتبار بقوة للقطاع الخاص وآليات السوق الحر في إطار عمليات رسملة العالم. وتعبيرا عن هذه المنظومة تم إطلاق برامج الإصلاح الاقتصادي التي قلصت من دور الدولة في إتاحة فرص العمل وتوفير البنى التحتية عبر تقييد الإنفاق العام من أجل الالتزام بالسياسات المالية.
ولأن المنطقة العربية رخوة وتابعة هيكليا للمنظومة الدولية المسيطرة، لذا بدأت
دولها في اجتراح برامج الخصخصة وبيع القطاع العام وتقليص الإنفاق الحكومي
واطلاق سعر الصرف لآليات السوق في عقد التسعينيات، وهو ما أنتج بدوره تداعيات اقتصادية سواء على صعيد تدهور العملات الوطنية وارتفاع مستويات التضخم وعجز الموازنات. وانعكس كل هذا بالسلب على أوضاع الطبقة الوسطى التي مثلت رمانة الاستقرار في الدول العربية. وغذى الإضرار بتلك الطبقة من ظاهرة أحزمة الفقر والمناطق العشوائية التي تقدر بعض الدراسات والتقارير الدولية سكانها بأكثر من56% من العرب.
اللافت أن تلك الأحزمة لم تعد فقط مقتصرة على المهاجرين من الريف المتلهفين
لخدمات ومزايا المركز، إنما انضم لهم فئات متعلمة ذات أوضاع اقتصادية متدنية
ناقمة على المدينة، وتريد اختراقها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وهو ما رشح هذه
المناطق العشوائية لتكون قنابل موقوتة.
ولعل العقدين الأخيرين عرفا بعضا من الانفجارات ذات الطبيعة المكتومة، فمثلا
ارتبط ظهور الجماعات الدينية المتطرفة بأحزمة الفقر التي تحيط بالعاصمة
القاهرة، كما حدث في عين شمس والمطرية وإمبابة، حيث سعت فيها هذه الجماعات للترويج لفكرها عبر لعب دور خدماتي بديل للدولة المركزية، وهو ما قمعته هذه الأخيرة.
ولا يختلف ذلك في دولة كالمغرب مع اختلاف السياق والتفاصيل، حيث خرج انتحاريو مدينة الدار البيضاء الذين فجروا أنفسهم في عام 2003 من أحياء الصفيح المحيطة بالمدينة.وعادوا مرة أخرى ليؤكدوا وجودهم عندما نفذوا عمليات انتحارية في عام2007 ، كما أن العلاقة الاقتصادية المشوهه بين المركز والأطراف فجرت أزمة دارفور في غرب السودان، ومن قبلها الجنوب، وكذلك في الشرق. هذه المناطق ترى أن عدم العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية بين المركز الشمالي وبقية الأقاليم السودانية هو أحد الأسباب الرئيسية للتمرد.
ولا تستثنى منطقة الخليج الغنية بالنفط من ظاهرة أحزمة الفقر، وإن اختلفت أسباب تكونها عن الدول المشرقية والمغربية، فنمط التنمية الريعي المصحوب بعدم العدالة في توزيع الموارد بين المواطنين والمناطق خلف وراءه أحزمة فقر. فعلى سبيل المثال، ففي مدينة غنية كالرياض لم يكن أحد ليجرؤ أن يتحدث عن الأحياء الفقيرة بها، إلا بعد زيارة ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) إلى هذه الأحياء في نوفمبر 2002.وتتعمق أزمة أحزمة الفقر في الخليج، بوجود عمالة أجنبية تعمل في المدن والمركز، ثم تخرج منها في نهاية اليوم، لتعيش على هامشها في أوضاع اقتصادية مزرية سواء من حيث الراوتب أو المعاملة. وخطورة هذه العمالة أن حجمها في مجلس التعاون الخليجي (السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان) يصل إلى أكثر
من 10 ملايين عامل أجنبي و3 ملايين من أفراد عائلاتهم. وتكرر احتجاج هؤلاء العمال في السنوات الأخيرة في دول الخليج على سوء المعاملة التي يتعرضون لها، والتأخر في تقاضي رواتبهم .
لقد انتهجت بعض الدول العربية عدة مسارات للتعامل مع أحزمة الفقر، منها منع توسيع نطاق هذه الأحزمة، عبر تقييد عمليات البناء والسكن في محيط العواصم، كما سعت برامج حكومية لتنمية وتحسين الأحوال الاقتصادية لهذه المناطق، عبر إنشاء بنية تحتية وإطلاق برامج المشروعات الصغيرة لخلق فرص عمل.
ففي المغرب مثلا أطلقت الحكومة قبل ثلاث سنوات برنامجا تمويليا وخدميا يستمر إلى عام 2010، لإنهاء ظاهرة مدن الصفيح عبر منع البناء في هذه المناطق وتقديم قروض صغيرة للأسر الموجودة بها. وهذا النمط من البرامج موجود في دول عربية أخرى كمصر وسوريا، وكذلك تونس التي أقامت "صندوق 26/26" لدعم المناطق الأكثر فقرا.
ورغم كل ذلك، فلا تزال هذه البرامج ذات فعالية محدودة بسبب تعمق ظاهرة المناطق العشوائية منذ عقود في الدول العربية.
كما أن الأمر يقتضي أكثر من مجرد ضخ أموال محدودة لتسكين أحوال فقراء هذه المناطق، فلا بد من جرأة تنموية توزع الموارد الاقتصادية والسياسية والثقافية بشكل عادل بين مناطق الوطن الواحد وتواجه أمراض الفساد المستشرية، وتعيد للمجتمعات العربية اللحمة الاقتصادية التي تفسخت جراء ازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء والتي أنتجت لنا في نهاية الأمر بعض الانتحاريين الذين يرفعون شعار الدين رغم أنهم أبناء أزمة عدالة وفقر وعدم مساواة اقتصادية في المجتمع.
* باحث وصحفي مصري
khaled1972@maktoob.com