المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إكمال الوفاء بسيرة خامس الخلفاء الحسن بن علي ريحانة المصطفى



زوربا
05-08-2007, 06:53 AM
وليد الطبطبائي - الوطن

(2/1)



تخطئ مناهجنا الدراسية حين تعتبر عصر الخلفاء الراشدين ينتهي بالامام علي بن ابي طالب عليه السلام الخليفة الرابع بعد الصديق أبي بكر والفاروق عمر وذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنهم اجمعين، ان عصر الخلفاء الراشدين يمتد الى خامس الخلفاء امير المؤمنين الامام الحسن بن علي عليهما السلام والذي آلت اليه الخلافة عن حب وطوع من المسلمين قبل ان يصطلح مع معاوية بن أبي سفيان ثم يتنازل له عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين في عام سمي بعام (الجماعة).. تحقيقا لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: »ان ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين« (رواه البخاري 7109).
وفيما يأتي وقفات سريعة مع الخليفة الخامس الامام الحسن عليه السلام من مولده الى وفاته..

مولده

في وسط بحر متلاطم من الشرك والوثنية والجاهلية التي عمت جزيرة العرب، سطع نور في المدينة المنورة وفاح شذا وعطر أرجاءها، فانتشت باريجها افئدة محمد واهل بيته عليهم السلام..
يومها خلق اول مولود ذكر في اشرف بيت عربي في النسب والعزة، فألقته الزهراء الى الحياة في منتصف شهر رمضان، لثلاث انقضت من الهجرة، فأشرقت الوجوه استبشارا، وانطلقت الحناجر حمدا وشكرا.
وولد الحسن فتناوله أبوه من يد القابلة، وقدمه الى جده، فتلقفه الجد الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بشغف واذن في اذنيه وحنكه بريقه وباركه.

تسميته بالحسن

قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام: لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: »اروني ابني، ما سميتموه«؟ قلت سميته حربا قال: »بل هو حسن..«.
قال أبو احمد العسكري: سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن وكناه »أبا محمد« ولم يكن اسم الحسن يعرف في الجاهلية.

نشأته

نشأ الحسن في بيت يهبط فيه الوحي، وتهوي اليه القلوب، فتسربت الى قلبه عظمة جده، ونفذ اليه مجد اسرته، فترعرع مغمورا بشرف الرسالة، ونور الدعوة، ويسمع ذكر الله ومبادئ الدين، فيغدو كبيرا في طفولته، وعظيما في حداثته، واماما في صغره..
إنا وان احسابنا كرمت
لسنا على الاحساب نتكل
نبني كما كانت اوائلنا
تبني، ونفعل مثلما فعلوا

تعلق الجد بالحفيد

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد التعلق بالحسن واخيه الاصغر منه الحسين، وكان يحملهما على ظهره، يلاعبهما ويقول: نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان انتما.. فبأبي انت وامي يا رسول الله يا من نشرت التوحيد في الارجاء، وعمرت قلوب المسلمين بالايمان، وقهرت الجبابرة والطغاة، ما ارحمك واطيبك يا رسول الله صلى الله عليك وآله وسلم.

محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته المسلمين لمحبة الحسن

ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للحسن: »اللهم اني احبه، فأحبه، واحب من يحبه« قال أبو هريرة، فما رأيته الا دمعت عيناي. رواه احمد في مسنده.
ـ وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي والحسن والحسين يثبان على ظهره، فيباعدهما الناس، فقال: »دعوهما، بأبي هما وامي، من احبني فليحب هذين«.
ـ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: »اللهم اني احبه فأحبه« رواه مسلم.
ـ وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: »كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمص لسان الحسن أو شفته، وانه لمن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله« رواه أحمد في مسنده.

صفة الحسن وشبهه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

كان الحسن أبيض، مشربا بحمرة، ادعج العينين (الدعج: شدة سواد العين في شدة بياضها).
وكان شديد الشبه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أبي خالد، قلت لأبي جحيفة: »رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم، كان اشبه الناس به الحسن بن علي« رواه البخاري.
وعن عقبة بن الحارث، قال: اني لمع ابي بكر اذ مر على الحسن بن علي فوضعه على عنقه، ثم قال: »بأبي شبه النبي لا شبيها بعلي، قال: وعلي معه فجعل عليّ يضحك« رواه البخاري.

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

عن حذيفة وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: »الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة« رواه احمد في مسنده.

الحسن والحسين ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: »هما ريحانتاي من الدنيا« رواه البخاري.

سيادته في الدنيا والآخرة

عن ابي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، والحسن الى جنبه ينظر الى الناس مرة واليه مرة ويقول: »ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين« رواه البخاري.
والحديث فيه علم من اعلام النبوة، ومنقبة عظيمة للحسن عندما بويع له بالخلافة بعد استشهاد ابيه في التاسع عشر من رمضان سنة اربعين للهجرة وبويع للحسن في شهر رمضان من هذه السنة، ولما رأى الحسن انقسام الامة فريقين، فريق معه وفريق مع معاوية ورأى ان الامر لا يستقيم، فغلب مصلحة المسلمين وحقن دماءهم فتنازل عن الخلافة بعد ستة اشهر الا اياما دون ذلة، بل رغبة فيما عند الله، فرأى امر الدين، ومصلحة الامة.

لقد سلك الامام الحسن من معاوية مسلك ابن آدم الصالح حين رفض مقاتلة أخيه، وقال: »لئن بسطت يدك اليَّ لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك«، وكان اثر الصلح على المسلمين ووقعه عليهم اول الامر سلبيا فأين معاوية من الحسن ولكن الاثر الآجل كان عظيما اذ حقنت دماء المسلمين وتفرغ المسلمون للجهاد في سبيل الله ونشر دين الله في آسيا وافريقيا ولذلك سمي هذا العام بعام الجماعة.
وللحديث بقية (باذن الله).

altabtabae@hotmail.com

علي علي
05-11-2007, 10:56 PM
انتهاء عهد الخلافة الراشدة

وليد طبطبائي

انتهى المطاف معنا في المقال السابق بتنازل الامام الحسن بن علي عليهما السلام لمعاوية رضي الله عنه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها الله اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها الله اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها الله اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت« رواه احمد في المسند.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان خلافة النبوة ثلاثون عاما بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: »الخلافة في امتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك رواه الترمذي في سننه.
وانما كملت الثلاثون بخلافة الحسن، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الاول من سنة 41هـ، وذلك كمال ثلاثين سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه توفى في ربيع الاول سنة 11هـ، وهذا من دلائل النبوة وبذلك تكون مرحلة الخلافة انتهت بتنازل الحسن عليه السلام وتلا ذلك ملك عضوض أي الشديد الذي فيه خير وشر وعسف وشدة.
لقد كان الحسن قدوة للمسلمين في الترفع عن حطام الدنيا وطلب ما عند الله واحتساب الاجر والمثوبة، لأن الزهد في المناصب امر يثقل على النفس البشرية، والسعيد من آثر الباقي على الفاني.

قال الشاعر:
أمران مفترقان لست تراهما
يتشوقان لخلطة وتلاقي
طلب المعاد مع الرياسة والعلا
فدع الذي يفنى لما هو باقي
فكان الحسن خير معلم لنا كيف نزهد في الجاه والسلطان والملك ابتغاء مرضاة الله، ولم يقلل ذلك من شأن الحسن بل ازداد رفعه وسيادة بتنازله في الدننيا واصبح رمزا لنكران الذات ومعلما للايثار، ومدرسة للأمة عبر الاجيال.. ولذلك استحق السيادة بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: »ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين«.

الحسن في المدينة بعد الصلح

ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية ورجع بمن معه من اصحابه وبني هاشم الى المدينة واستقر بها، وكان بالمدينة وقتها عدد كبير من علماء الصحابة وكانت الاجواء هناك تفوح بطلب العلم وتدارس القرآن والحديث والفقه.

وفاة الحسن

لما احتضر الحسن بن علي قال للحسين: ادفنوني عند ابي ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ الا ان تخافوا الدماء، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا فيَّ دما، ادفنوني في مقابر المسلمين، فلما قبض تسلح الحسين وجمع مواليه، فقال له أبو هريرة: اانشدك الله وصية اخيك فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء، وكان مروان بن الحكم قد عارض دفنه في جوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: لا يدفن هناك ابدا، فلم يزل له أبو هريرة وجابر بن عبدالله، وابن عمر، وعبدالله بن جعفر، والمسور بن مخرمة وغيرهم حتى رجع ثم دفنوه في البقيع بجانب امه الزهراء البتول عليها وعلى ابيها السلام.


وكان ابو هريرة رضي الله عنه قد قال للذين منعوا الحسن من الدفن بجوار جده: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع ابيه فمنع أكانوا قد ظلموه؟ فقالوا: نعم، قال: فهذا ابن بني الله قد جيء ليدفن مع ابيه.

وقد صلى على الحسن بن علي عليهما السلام سعيد بن العاص وكان الحسين قد قدم سعيد بن العاص للصلاة على الحسن، لأنه كان واليا على المدينة لمعاوية، وقد اعتزل قبلها الفتنة ولم يقاتل مع معاوية، وكان سعيد يبكي وهو يصلي عليه، ووقف ابو هريرة على مسجد رسول الله يبكي وينادي بأعلى صوته: يا ايها الناس مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فابكوا (البداية والنهاية لابن كثير).
وكانت وفاته على الصحيح سنة 51 للهجرة، بأثر السم، فمات شهيدا وستظل الامة الاسلامية مدينة لهذا السيد الجليل الذي حمل لواء الالفة والوحدة وحفظ الدماء، وساهم في الاصلاح بين الناس، وقدم بجهاده الرائع، وبصره الجميل، مثالا يقتدى على مر العصور، وكر للدهور وتوالي الزمان، وكان في سيرته عبرة لمن اعتبر وتبصرة لمن ادّكر، وما احسن قول الشاعر محمد اقبال رحمه الله:

في روض فاطمة نما غصنان
لم ينجبهما من النيرات سواها
فأمير قافلة الجهاد وقطب دائره
الوئام والاتحاد ابناها
حسن الذي صان الجماعة بعدما
أمسى تفرقها يحل عراها
ترك الإمامة ثم أصبح في الديار
إمام ألفتها وحسن علاها

المراجع

ـ1 الحسن بن علي: دراسة وتحليل ـ تأليف كامل سليمان ـ دار الكتاب اللبناني 1979.
ـ2 الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ محمد رضا ـ دار الكتب العلمية ـ 1987.
ـ3 أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب: شخصيته وعصره ـ د.علي الصلابي ـ دار التوزيع والنشر الاسلامية ـ 2004 القاهرة.

altabtabae@hotmail.com

تاريخ النشر: الجمعة 11/5/2007