فاتن
05-07-2007, 04:35 PM
http://www.aawsat.com/2007/05/06/images/media.418064.jpg
كاتب الرأي الذي كشف للعالم من خلال عموده في صحيفة «نيويورك تايمز» مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام
فيصل عباس
الوصول الى توماس فريدمان اشبه بمطاردة الشرطة لمجرم دولي، لم يرفض المقابلة اطلاقا، لكن «الامساك» به كان هو الامر الصعب.
فكاتب العمود الشهير في صحيفة «نيويورك تايمز» الذي تخصص لفترة طويلة بالكتابة عن «العولمة» هو شخص «معولم» حقا، فهو كل يوم في بلد ما. مساعدة فريدمان الشخصية، غوين غورمان، قالت للتطمين لا تقلق سيقحم المقابلة وسط برنامجه، على الرغم من انه مسافر في اليوم الذي سيلتقيك فيه.
فريدمان كاتب عمود، لكنه كشف للعالم مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز التاريخية للسلام. وهو الذي ظل يتناول طعام الغداء كل اسبوع مع وزير الخارجية الاميركية، حينها، جيمس بيكر، وهو المراسل الذي غطى الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982، وهو الذي يجوب العالم من اجل عمود صحافي اشبه بتقرير، لا تنظير وحسب. رجل مثير للجدل، ولكل سببه في انتقاده حتى داخل اميركا.
وفي ما يلي نص الحوار، الذي اجرته «الشرق الاوسط» في مكتب فريدمان بواشنطن:
* دعني أبدأ معك من موقفك الداعم لحرب العراق، كيف أثر ذلك على قراء مقالك، وبالتالي قراء صحيفتك، «نيويورك تايمز»، وهي صحيفة ليبرالية وموقفها كان معاديا للحرب؟
ـ بداية علينا أن نتحدث بدقة حول مقالاتي، دعني أنا أسألك... هل كنت تقرأ مقالاتي قبل بدء الحرب؟ علينا ألا نرى الأمور بالأسود والأبيض، أي ليس إما «مع» او «ضد» الحرب فقط... أعتقد أن مقالاتي التي سبقت الحرب كانت معقدة للغاية، فقد أظهرت شخصا يعاني صراعا داخليا عميقا، فقد كان لدي إيمان وأمل في عملية «دمقرطة» العالم العربي، ولنتذكر ما كان عليه النقاش قبل بدء الحرب، وماذا كان الموقف الفرنسي الحقيقي عندها، وهو ان العالم العربي لا يقدر على الديمقراطية، وكان لدي موقف مغاير.
من جهة ثانية، سبق لي تغطية حرب لبنان وأعرف الشيعة والسنة، فأنا لم اتعرف عليهما العام الماضي وحسب.
لذلك كان الجانب الآخر هو إدراكي أن عملية «دمقرطة» العالم العربي ستكون صعبة وستتطلب صبرا طويلا، لذلك علينا ألا نسلك ذلك الطريق بدون ان يكون لدينا حلفاء ووقت.
* ولكن ماذا كان تأثير موقفك على القراء؟
ـ هناك قراء يفهمونني، وهناك قراء لا يفهمونني... أنا لست من «المحافظين الجدد» ولم أؤمن أبدأ بقصة أسلحة الدمار الشامل. وبالمناسبة لو كان القرار قراري لما اعلنت هذه الحرب، ولكن نظرتي كانت كالتالي: جورج بوش كان سيفعلها (الحرب) بجميع الحالات، كان لدي خياران، أولهما أن ألقي بجسدي أمامه واتخذ موقفا اخلاقيا ونبيلا للغاية، كما فعل كثير من زملائي، اما الخيار الثاني فكان ادراك انه كان سيقوم بهذه الحرب بجميع الحالات، وأنني كنت استطيع ان استخدم صوتي لتوجيه الأمور، بحيث تصبح الحرب الصحيحة وبالطريقة الصحيحة.
* هل تعتقد اذاً انه تم تصنيفك عشوائيا في «حزمة» الصحافيين الذين هللوا للحرب؟
ـ تماما! لقد وضعت في نفس الحزمة مع أشخاص كثر اختلف معهم تماما. بالمناسبة لقد كنت من منتقدي الطريقة التي شنت فيها الحرب من اليوم الأول! هل تذكر أول مقال لي من العراق، الذي كتبته من أم قصر بعد 3 اسابيع على بدء الحرب؟ لقد كان عنوانه «أوقفوا التصفيق»، وقد نشر في نفس اليوم الذي اطيح فيه بتمثال صدام! (المقال يبدأ بقول فريدمان بأنه من الصعب الابتسام عندما تكون المياه مقطوعة، ومن الصعب التصفيق عندما تكون خائفا، ومن الصعب ان تقول «شكرا على تحريري» عندما يعني هذا التحرير ترك المجال للصوص في سرقة كل شيء).
* مقالك يعتبره كثيرون مؤشرا للأحداث، وأعلم أن الوضع في العراق معقد للغاية، حتى بالنسبة لكبار الاستراتيجيين، لكن هناك انتقادات لك بأنك لم تحسن التحليل. مثلا، منذ بدء الحرب وانت تستخدم عبارة «الـ 6 أشهر المقبلة ستكون مفصلية، فإما ان يتحسن الوضع او ينهار».. فماذا حدث برأيك؟
ـ رجاء قل لي ماذا كان علي أن أكتب! هل كان علي أن اكتب بعد الـ6 أشهر الأولى، أن العملية كانت فاشلة كليا؟ ربما، ولكن هل كان سيكون ذلك صحيحا؟ هل كان علي القول: حسنا، لقد اجريت انتخابات فعلا في هذا البلد (العراق) ولكن ذلك لا يهم لأننا لا نستطيع ان نرى مسبقا ان كانت الحكومة ستنجح. هل كان سيكون ذلك صحيحا صحافيا؟ أم أقول فلنمهل الأمر 6 أشهر او مهما كانت الفترة الزمنية التي ذكرتها؟ أنا لا اعتذر عن ذلك. ولكن من جهة ثانية، منذ نحو سنة توصلت الى أن الأمور لن تسير على ما يرام. لم اعد بحاجة الى مزيد من المراقبة، لذلك كتبت إن ما أملته لن يتحقق.
* يبدو أنه من الصعب الالتزام بأن تكون هذه المقابلة حوارا إعلاميا وحسب، فالسياسة تطغى على كل شيء. وهنا اسمح لي ان اسألك، برأيك كيف سينتهي الوضع في العراق؟
ـ حقيقة لا أعلم، أنا قلق. يؤسفني ذلك لأنني كنت أرى وضعا مماثلا لروسيا بعد الشيوعية، أملي لتلك المنطقة هو أن ينمو جيل جديد تحت نظام مختلف، وعلى المدى الطويل ان تتغير السياسة في تلك المنطقة من العالم.
ودعني اقول لك امرا آخر، لقد تحدثت عن العراق مرارا وتكرارا، ولكني لا أحب أن أعطي حوارات اعلامية لسبب وجيه، هو انني لا أرى الأمر مجرد قصة إعلامية، فهناك حقيقة طاغية بالمنطقة، انظر الى العراق مؤخرا، كم شخصا فجر نفسه في مسجد او مدرسة او مستشفى وتقريبا في كل مكان؟ لا اعتقد ان ذلك نتيجة الاحتلال الأميركي وحسب.
اعذرني، ولكني اعتقد ان هذا نتيجة حضارة مضطربة للغاية في هذه المرحلة، فإذا لم نكن نتحدث عن ذلك ونتحدث فقط عن القصة الإعلامية أي من خدع من، فلن أكون جزءا من ذلك النقاش. احداث 11 سبتمبر لم تأت من فراغ.
* من السهل على الكثيرين في العالم العربي أن يلوموا الآخر دائما على مشاكلهم، أليس كذلك؟
ـ وفي بلادنا نحن (أميركا) من السهل جدا القول بأنه تم خداعك اعلاميا وهذه كل القصة، ولكن أي شخص يقرأ مقالي يستطيع ان يعرف انني اتصارع مع ما اسميه «عجلة بن لادن»، وهي عجلة تبدأ بأنظمة ديكتاتورية معادية للديمقراطية، تعطي صلاحيات لمعلمين وقادة دين معادين للتقدم، وهذا هو الحال في كثير من البلدان العربية. وما يحدث هو انه تحدث «مباركة» متبادلة بين النظام وهؤلاء المعلمين، ويبقى الشعب خارج المعادلة. ويؤثر هؤلاء المعلمون على النظام التعليمي، فيبقى متخلفا، وبالتالي لا يستوعب الاسلام الحداثة والعالم العصري و«المسطح» (نسبة الى كتابه «العالم مسطح»، الذي يستعرض ويحلل «مسيرة» العولمة)، وما يحدث هو ان غضب هؤلاء الشباب يوجه الى أميركا واسرائيل وأناس في الخارج، بعيدا عن الأنظمة التي تحكمهم، وتدور العجلة.
هكذا انظر الى هذا الجزء من العالم.. لذلك اعذرني، اذا قلت ان هناك فرصة للابتعاد عن مثل هذا النموذج وتكوين اول حوار أفقي، حيث يمكن ان يكتب الشعب تعاقدا اجتماعيا، وذلك في اصعب مكان على الاطلاق في المنطقة، العراق.
واذا نجحنا في ذلك، فربما تكون هناك فرصة للديمقراطية ببقية البلدان. لذلك أعذرني، ان كنت اعتقد ان «عجلة بن لادن» غير صالحة للمنطقة ولاصدقائي العرب وللعالم، الذي ستكبر فيه ابنتاي. حتما كانت هناك مخاطر كبيرة في حرب العراق، ولكن ايضا الجائزة ستكون اكبر.
لذلك اذا قمنا بالأمر بالشكل السليم، لربما استطعنا توجيه المنطقة الى الاتجاه الصحيح.
لذلك لا اقدم أي اعتذارات، واذا اردت سأكون فرنسيا بامتياز في المرة المقبلة، بأن أؤمن بأن العرب غير مؤهلين للديمقراطية.
* حسنا، لقد مهدت لي الطريق لسؤالي التالي: انت تدرك بالتأكيد ان هناك كثيرون لا يطيقون آراءك في العالم العربي، فكيف تتعامل مع ذلك؟
ـ أدرك ذلك، ولكن من جهة ثانية اريدك أن تأتي معي ذات مرة الى العالم العربي وترى ردود الفعل التي احصل عليها. فكما تعلم الكثيرون يعرفون شكلي، لأنكم تنشرون صورتي مع مقالي في جريدة «الشرق الأوسط»، وكذلك يشاهدني كثيرون على الفضائيات العربية، أريدك ان ترى كم شخصا يأتي إلى ليقول: سيد فريدمان ارجوك تابع ما تكتبه، فانت تعبر عما نشعر به. من جهة ثانية ادرك ان ما ينشر في الصحف الرسمية (العربية) لا يعكس بحق آراء كل الناس في تلك المنطقة. اعتقد ان كثيرا من الناس في منطقتكم يدركون انني اقف الى جانبهم، وان ما اقوله هو انني أريدهم أن ينجحوا، وليس لأنني أكرههم. لقد عشت خمس سنوات في لبنان، كانت من أجمل السنوات. كما أقدر الصداقة والتنوع والثقافة الموجودة في تلك المنطقة، لذلك أريد لها النجاح، وربما اكثر مما تريده لنفسها، ولعل ذلك هو خطأي.
* أريد أن أسألك عن عمودك، كيف تأتي بالفكرة التي تريد ان تكتب عنها وكيف تحضر لها؟
ـ أبدأ يومي كل صباح بزيارة موقع «بي بي سي» (هيئة الاذاعة البريطانية)، احب الحصول على أخباري من مصدر غير أميركي، واعتقد ان تغطية البي بي سي الدولية، في ما يخص التلفزيون والراديو لا مثيل لها. ومن ثم أقرأ الـ«نيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» على الانترنت، ومن ثم موقع صحيفة «فايناننشال تايمز» (البريطانية) وأسبوعيا اقرأ مجلة «ايكونوميست« (البريطانية)، ومن ثم آتي الى المكتب، والباقي يعتمد على جدولي. اليوم، مثلا، تناولت الافطار مع كريغ مونداي، الرجل الذي سيخلف بيل غيتس في قيادة شركة مايكروسوفت، وقد كان كريغ احد معلميّ لكتابي «العالم مسطح».
تحدثنا على اخر التطورات وما الذي يجري في الصين، ومن ثم جئت الى المكتب لأقابلك، وقد تسألني لماذا اتحدث اليك؟ والجواب هو من الضروري ان اكون متاحا واجيب على الأسئلة المطروحة، خصوصا للصحافة العربية.
واسمح لي بأن استغل هذه الفرصة لأقول كم هو ضروري بالنسبة لي ان تقوم صحيفة «الشرق الأوسط» بنشر مقالي كي يستطيع غير المتحدثين بالانجليزية قراءة مقالي في اطار جريدة محترمة، ولذلك اوافق مباشرة على مثل طلبك لإجراء مقابلة، لأن ذلك يسمح لي بالوصول الى جمهور لا استطيع الوصول اليه عادة، وهذا أمر في غاية الأهمية.
* حسنا، ولكن كيف تأتيك فكرة العمود؟
ـ الفكرة هي انني كيف يمكن ان اقنع القارئ بما أؤمن به ان كنت لا أعلم انا بماذا أؤمن؟ هكذا أعمل، أبدأ بمحاورة نفسي، ماذا علي أن أفكر؟ اليوم سأتناول الغداء مثلا مع وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، وهو الآن في البنك الدولي. سأسأله سؤالا يدور في خلدي حاليا، أريد ان اؤمن بالأمل وحكومة افضل وقابلة للمحاسب (في العراق). اعلم ان الديمقراطية لن تأتي بين ليلة وضحاها في هذه المنطقة من العالم، لكن ماذا علي أن اصدق الآن، هل سنعود للجنرالات والنظام القديم؟
سأحاول الاتصال بإياد علاوي، الذي اصدر كتابا مؤخرا لأخذ رأيه، حاليا افكر بأنه هناك مشكلة في العالم العربي المسلم، مشكلة الأشخاص الذي اختطفوا الدين، وأشعر بأن علي التزاما ان افكر في ذلك أيضا.
* ماذا تتابع من الاعلام العربي؟
ـ للاسف لغتي العربية غير قوية، لذلك اعتمد على الترجمات، واحصل على خدمة ترجمة للاعلام العربي، واتابع كذلك موقع «ميمري» الإسرائيلي، فبين الخدمة العربية والإسرائيلية احصل على فكرة متزنة نوعا ما.
* ذكرت الـ«بي بي سي» وغيرها، هل من مصادر أخرى؟
ـ هناك من اصفهم بأنهم «مجموعة الحاصلين على ثقة عقلي»، أناس أثق بهم بشدة واتبادل معهم الأفكار، وما فعلته صباح اليوم مثلا مع كريغ مونداي هو أني ناقشته في مقال اكتبه. اتحدث مع الناس باستمرار.
* تعمل على مقالك ولديك كتب، ومؤخرا بدأت العمل الوثائقي، فكم عدد من يساعدونك؟
ـ فقط مساعدتي الشخصية التي قابلتها في الخارج، واقوم بابحاثي بنفسي، كما احدد افكاري بنفسي، وهناك أيضا «غوغل» (قالها مبتسما).
* لكن كثيرين يعتقدون ان لك فريقا كبيرا من المساعدين والباحثين، وان كل ما تفعله هو انك تحرر المعلومات التي يأتونك بها لتنشرها في المقال؟
ـ (ضاحكا بشدة) يا الهي، كم اتمنى ذلك! انت هنا في مكتبي، اين هو هذا الفريق؟ (ويضيف ضاحكا) نحن لا نخفي أحدا هنا، بامكانك البقاء طوال اليوم لترى في حال ظهر «فريق توماس فريدمان». أؤكد لك انني اقوم بعملي بنفسي، اعمل على متن الطائرة وخلال رحلاتي في القطار، اعمل في كل مكان، لا اضيع أي وقت.
* وهناك من يقول بأنك تحصل على الكثير من التسريبات من مصادر في الحكومة الاميركية، ألا تخشى ان تكون مستخدما في حال كان ذلك صحيحا؟
ـ اكتب العمود الصحافي منذ 1995 أي انني كتبت نحو 1000 مقال، أريد منك ان تعود وتراجع هذه المقالات الألف، وسأعطيك 100 دولار مقابل كل مرة أنسب فيها معلومة الى «مصدر رفيع في الادارة» مقابل ان تعطيني انت 100 دولار مقابل كل مصدر اذكره بالاسم.
* هل سيكون هذا الامر مكلفا للغاية بالنسبة لي؟
ـ لن أقول مستحيل، ولكن تقريبا من المستحيل أن أنسب الى أي مصدر مجهول. انه مقالي أنا، فلماذا اعطيه لشخص آخر. وبالمناسبة، هناك اشاعة اخرى تقول انني اقابل زعماء العالم كل يوم! مجددا فلنعد الى مقالاتي الألف كم منها تضمن مقابلة مع قائد او زعيم عالمي؟ أنا شخصيا لا أذكر سوى مقابلتي مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما اريد قوله هو ان هناك اشاعات... وهناك حقائق.
* بما أنك ذكرت لقاء خادم الحرمين الشريفين، الذي كشف فيه لك مبادرة السلام العربية وهو مهندسها، اريد ان اعرف القصة التي وراء القصة، كما نقول في الصحافة؟
ـ البداية كانت في منتدى دافوس عام 2002، الذي عقد في نيويورك تكريما للمدينة، بعد ما حدث في العام السابق (اعتداءات 11 سبتمبر)، وكنت اتحدث مع مسؤولين مغاربة، وأتساءل لماذا لا يضع العرب خطة سلام على ورق؟ وحصل بعد ذلك ان تناولت القهوة مع صديقي الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، وطرحت عليه الفكرة وقال لي لماذا لا تكتب عن ذلك؟ فكتبت فكرتي في صيغة خطاب من (الرئيس) جورج بوش الى جامعة الدول العربية، بعد ذلك ذهبت الى السعودية لإجراء مقابلة مع ولي العهد (في ذلك الوقت) الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وعندما طرحت الموضوع عليه اجابني قائلا: كأنك دخلت مكتبي واطلعت على ما في درجي، ومن ثم طرح رؤيته كاملة، وكان ذلك في منزله حوالي الساعة 2 صباحا، وكان ذلك بحضور عادل الجبير سفير السعودية في واشنطن، حاليا.
وكما ذكرت كشف الملك عبد الله (ولي العهد حينها) رؤيته كاملة، وكان موقفه بداية ان ينشر الموضوع منسوبا لمسؤول سعودي، لكنني طلبته قائلا ان الأمر لن يكون له تأثير سوى بالسماح لي بذكر اسمه.
وفكر بالأمر ليوم، ثم جاءني الرد بالموافقة. ومن بعد ذلك، نشر العمود، وخرجت انا من الصورة.
لم احاول ابدا ان اتفاخر وأقول «انا فعلت كذا وانا كشفت كذا»، لأنني كنت مؤمنا انه ليكون لهذه المبادرة أي تأثير فلا بد من اعطاء الحق لأصحابه، اي الملك السعودي والعالم العربي.
* استغرب البعض، حينها، من كون كاتب رأي هو الذي كشف عن المبادرة، وليس صحافيا او محاورا؟
ـ الأمر فاجأ حتى كثيرا من السعوديين.. بصراحة كل ما فكرت فيه هو ان تنجح هذه المبادرة، لذلك قررت الخروج من الصورة، لم أكن اجعل القضية متعلقة بي وبما كشفته، ولا تنس انني صحافي من «النيويورك تايمز» وانني كاتب يهودي، ولم اكن اريد اعطاء أي شخص ذخيرة يقلل فيها من شرعية هذه المبادرة. ببساطة، اعتقدت انه يجب اعطاء كامل الحق للمؤلف الحقيقي... الملك عبد الله بن عبد العزيز.
* هل تعلم انك تحولت الى «مدرسة» بسبب فعلتك هذه؟
ـ قاعدتي هي «اذا لم تذهب.. لن تتعلم»، افضل الآراء تأتي من المراسلين، وافضل كتاب الرأي كانوا في الاصل مراسلين ميدانيين. المبشر بالعلم .. والعولمة
* لا مجال للشك في أن فريدمان مؤمن بحق بالعولمة وعاشق للتكنولوجيا...واستطيع ان اضيف انه خفيف ظل كذلك. وصلت قبله الى الموعد، وعندما دخل الى مكتبه حياني، لكنه رفض محادثتي قبل ان يتفحص كومبيوتره.
اطلع على أخبار منطقة الشرق الأوسط من موقع الـ«بي بي سي». راجع بريده الالكتروني سريعا، قرأ عناوين صحيفته «نيويورك تايمز» سريعا... ومن ثم استأذن للخروج دقيقة. وانا في الانتظار تأملت المكان الذي غزته الكتب، مزيج من التاريخ والسياسة والاقتصاد، وكتب عن حضارات مختلفة، خصوصا العرب واليهود. على طاولته مجلات سياسية واقتصادية، تغطي عددا من مجلة «بلاي بوي» يضحك فريدمان ويقول مازحا ومشيرا الى المجلة «هذه يجب الا تكون هنا عادة».
عندما سألته، وهو الصحافي المولود عام 1953 والحاصل على ماجستير من كلية سانت انتوني بجامعة اكسفورد البريطانية في الدراسات الشرق الاوسطية، لماذا كبار الصحافيين في أميركا متقدمون في السن، أين شبابكم؟ كانت اول ردة فعل للصحافي الخمسيني «ماذا؟ هل تعتبرني كبيرا؟». الا انه اضاف أن «الوضع مختلف جدا» بالنسبة للشباب الداخلين الى الصحافة اليوم، فهم يواجهون مرحلة صعبة مقارنه ببداياته، فعندما التحق هو بالصحافة كانت غالبية الصحف الأميركية لها مكاتب ومراسلون عدة حول العالم، وكانت تتنافس في ذلك، بعكس ما يحصل اليوم حيث تتنافس الصحف في تقليص نفقاتها في ظل التحديات الجديدة.
لكن فريدمان الذي عمل بداية مع وكالة «يو.بي.اي» في لندن حصل على فرصته في العمل مراسلا لـ«نيويرك تايمز» في اواخر السبعينات ومطلع الثمانينات في بيروت، ومن ثم انتقل الى القدس، حيث عمل مديرا لمكتب الصحيفة هناك حتى عام 1989، عاد بعدها فريدمان الى أميركا وعمل في مناصب عدة في «التايمز»، من ضمنها مراسل لدى البيت الأبيض، وفي عام 1995 تحول الى كتابة المقالات، واستطاع فريدمان، المتزوج والأب لابنتين، خلال هذه الفترة وحتى يومنا هذا تأليف عدة كتب، من بينها «من بيروت الى القدس» و«اسرائيل: سيرة ذاتية بالصور» وكتاب اخر عن العولمة بعنوان «لكزس وشجرة الزيتون: فهم العولمة» وآخر عن العالم بعد 11 سبتمبر بعنوان «لونغتيودز اند اتيتيودز»... اضافة الى كتابه الأخير «ذا وورلد از فلات» (العالم مسطح)... وربما لأنه يؤمن بأن «العالم مسطح» فعلا قال لي فريدمان المشهور بشاربه الكثيف مازحا خلال اخذ صورة تذكارية معه «من يرى هذه الصورة لن يعرف من منا هو العربي!».
كاتب الرأي الذي كشف للعالم من خلال عموده في صحيفة «نيويورك تايمز» مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام
فيصل عباس
الوصول الى توماس فريدمان اشبه بمطاردة الشرطة لمجرم دولي، لم يرفض المقابلة اطلاقا، لكن «الامساك» به كان هو الامر الصعب.
فكاتب العمود الشهير في صحيفة «نيويورك تايمز» الذي تخصص لفترة طويلة بالكتابة عن «العولمة» هو شخص «معولم» حقا، فهو كل يوم في بلد ما. مساعدة فريدمان الشخصية، غوين غورمان، قالت للتطمين لا تقلق سيقحم المقابلة وسط برنامجه، على الرغم من انه مسافر في اليوم الذي سيلتقيك فيه.
فريدمان كاتب عمود، لكنه كشف للعالم مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز التاريخية للسلام. وهو الذي ظل يتناول طعام الغداء كل اسبوع مع وزير الخارجية الاميركية، حينها، جيمس بيكر، وهو المراسل الذي غطى الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982، وهو الذي يجوب العالم من اجل عمود صحافي اشبه بتقرير، لا تنظير وحسب. رجل مثير للجدل، ولكل سببه في انتقاده حتى داخل اميركا.
وفي ما يلي نص الحوار، الذي اجرته «الشرق الاوسط» في مكتب فريدمان بواشنطن:
* دعني أبدأ معك من موقفك الداعم لحرب العراق، كيف أثر ذلك على قراء مقالك، وبالتالي قراء صحيفتك، «نيويورك تايمز»، وهي صحيفة ليبرالية وموقفها كان معاديا للحرب؟
ـ بداية علينا أن نتحدث بدقة حول مقالاتي، دعني أنا أسألك... هل كنت تقرأ مقالاتي قبل بدء الحرب؟ علينا ألا نرى الأمور بالأسود والأبيض، أي ليس إما «مع» او «ضد» الحرب فقط... أعتقد أن مقالاتي التي سبقت الحرب كانت معقدة للغاية، فقد أظهرت شخصا يعاني صراعا داخليا عميقا، فقد كان لدي إيمان وأمل في عملية «دمقرطة» العالم العربي، ولنتذكر ما كان عليه النقاش قبل بدء الحرب، وماذا كان الموقف الفرنسي الحقيقي عندها، وهو ان العالم العربي لا يقدر على الديمقراطية، وكان لدي موقف مغاير.
من جهة ثانية، سبق لي تغطية حرب لبنان وأعرف الشيعة والسنة، فأنا لم اتعرف عليهما العام الماضي وحسب.
لذلك كان الجانب الآخر هو إدراكي أن عملية «دمقرطة» العالم العربي ستكون صعبة وستتطلب صبرا طويلا، لذلك علينا ألا نسلك ذلك الطريق بدون ان يكون لدينا حلفاء ووقت.
* ولكن ماذا كان تأثير موقفك على القراء؟
ـ هناك قراء يفهمونني، وهناك قراء لا يفهمونني... أنا لست من «المحافظين الجدد» ولم أؤمن أبدأ بقصة أسلحة الدمار الشامل. وبالمناسبة لو كان القرار قراري لما اعلنت هذه الحرب، ولكن نظرتي كانت كالتالي: جورج بوش كان سيفعلها (الحرب) بجميع الحالات، كان لدي خياران، أولهما أن ألقي بجسدي أمامه واتخذ موقفا اخلاقيا ونبيلا للغاية، كما فعل كثير من زملائي، اما الخيار الثاني فكان ادراك انه كان سيقوم بهذه الحرب بجميع الحالات، وأنني كنت استطيع ان استخدم صوتي لتوجيه الأمور، بحيث تصبح الحرب الصحيحة وبالطريقة الصحيحة.
* هل تعتقد اذاً انه تم تصنيفك عشوائيا في «حزمة» الصحافيين الذين هللوا للحرب؟
ـ تماما! لقد وضعت في نفس الحزمة مع أشخاص كثر اختلف معهم تماما. بالمناسبة لقد كنت من منتقدي الطريقة التي شنت فيها الحرب من اليوم الأول! هل تذكر أول مقال لي من العراق، الذي كتبته من أم قصر بعد 3 اسابيع على بدء الحرب؟ لقد كان عنوانه «أوقفوا التصفيق»، وقد نشر في نفس اليوم الذي اطيح فيه بتمثال صدام! (المقال يبدأ بقول فريدمان بأنه من الصعب الابتسام عندما تكون المياه مقطوعة، ومن الصعب التصفيق عندما تكون خائفا، ومن الصعب ان تقول «شكرا على تحريري» عندما يعني هذا التحرير ترك المجال للصوص في سرقة كل شيء).
* مقالك يعتبره كثيرون مؤشرا للأحداث، وأعلم أن الوضع في العراق معقد للغاية، حتى بالنسبة لكبار الاستراتيجيين، لكن هناك انتقادات لك بأنك لم تحسن التحليل. مثلا، منذ بدء الحرب وانت تستخدم عبارة «الـ 6 أشهر المقبلة ستكون مفصلية، فإما ان يتحسن الوضع او ينهار».. فماذا حدث برأيك؟
ـ رجاء قل لي ماذا كان علي أن أكتب! هل كان علي أن اكتب بعد الـ6 أشهر الأولى، أن العملية كانت فاشلة كليا؟ ربما، ولكن هل كان سيكون ذلك صحيحا؟ هل كان علي القول: حسنا، لقد اجريت انتخابات فعلا في هذا البلد (العراق) ولكن ذلك لا يهم لأننا لا نستطيع ان نرى مسبقا ان كانت الحكومة ستنجح. هل كان سيكون ذلك صحيحا صحافيا؟ أم أقول فلنمهل الأمر 6 أشهر او مهما كانت الفترة الزمنية التي ذكرتها؟ أنا لا اعتذر عن ذلك. ولكن من جهة ثانية، منذ نحو سنة توصلت الى أن الأمور لن تسير على ما يرام. لم اعد بحاجة الى مزيد من المراقبة، لذلك كتبت إن ما أملته لن يتحقق.
* يبدو أنه من الصعب الالتزام بأن تكون هذه المقابلة حوارا إعلاميا وحسب، فالسياسة تطغى على كل شيء. وهنا اسمح لي ان اسألك، برأيك كيف سينتهي الوضع في العراق؟
ـ حقيقة لا أعلم، أنا قلق. يؤسفني ذلك لأنني كنت أرى وضعا مماثلا لروسيا بعد الشيوعية، أملي لتلك المنطقة هو أن ينمو جيل جديد تحت نظام مختلف، وعلى المدى الطويل ان تتغير السياسة في تلك المنطقة من العالم.
ودعني اقول لك امرا آخر، لقد تحدثت عن العراق مرارا وتكرارا، ولكني لا أحب أن أعطي حوارات اعلامية لسبب وجيه، هو انني لا أرى الأمر مجرد قصة إعلامية، فهناك حقيقة طاغية بالمنطقة، انظر الى العراق مؤخرا، كم شخصا فجر نفسه في مسجد او مدرسة او مستشفى وتقريبا في كل مكان؟ لا اعتقد ان ذلك نتيجة الاحتلال الأميركي وحسب.
اعذرني، ولكني اعتقد ان هذا نتيجة حضارة مضطربة للغاية في هذه المرحلة، فإذا لم نكن نتحدث عن ذلك ونتحدث فقط عن القصة الإعلامية أي من خدع من، فلن أكون جزءا من ذلك النقاش. احداث 11 سبتمبر لم تأت من فراغ.
* من السهل على الكثيرين في العالم العربي أن يلوموا الآخر دائما على مشاكلهم، أليس كذلك؟
ـ وفي بلادنا نحن (أميركا) من السهل جدا القول بأنه تم خداعك اعلاميا وهذه كل القصة، ولكن أي شخص يقرأ مقالي يستطيع ان يعرف انني اتصارع مع ما اسميه «عجلة بن لادن»، وهي عجلة تبدأ بأنظمة ديكتاتورية معادية للديمقراطية، تعطي صلاحيات لمعلمين وقادة دين معادين للتقدم، وهذا هو الحال في كثير من البلدان العربية. وما يحدث هو انه تحدث «مباركة» متبادلة بين النظام وهؤلاء المعلمين، ويبقى الشعب خارج المعادلة. ويؤثر هؤلاء المعلمون على النظام التعليمي، فيبقى متخلفا، وبالتالي لا يستوعب الاسلام الحداثة والعالم العصري و«المسطح» (نسبة الى كتابه «العالم مسطح»، الذي يستعرض ويحلل «مسيرة» العولمة)، وما يحدث هو ان غضب هؤلاء الشباب يوجه الى أميركا واسرائيل وأناس في الخارج، بعيدا عن الأنظمة التي تحكمهم، وتدور العجلة.
هكذا انظر الى هذا الجزء من العالم.. لذلك اعذرني، اذا قلت ان هناك فرصة للابتعاد عن مثل هذا النموذج وتكوين اول حوار أفقي، حيث يمكن ان يكتب الشعب تعاقدا اجتماعيا، وذلك في اصعب مكان على الاطلاق في المنطقة، العراق.
واذا نجحنا في ذلك، فربما تكون هناك فرصة للديمقراطية ببقية البلدان. لذلك أعذرني، ان كنت اعتقد ان «عجلة بن لادن» غير صالحة للمنطقة ولاصدقائي العرب وللعالم، الذي ستكبر فيه ابنتاي. حتما كانت هناك مخاطر كبيرة في حرب العراق، ولكن ايضا الجائزة ستكون اكبر.
لذلك اذا قمنا بالأمر بالشكل السليم، لربما استطعنا توجيه المنطقة الى الاتجاه الصحيح.
لذلك لا اقدم أي اعتذارات، واذا اردت سأكون فرنسيا بامتياز في المرة المقبلة، بأن أؤمن بأن العرب غير مؤهلين للديمقراطية.
* حسنا، لقد مهدت لي الطريق لسؤالي التالي: انت تدرك بالتأكيد ان هناك كثيرون لا يطيقون آراءك في العالم العربي، فكيف تتعامل مع ذلك؟
ـ أدرك ذلك، ولكن من جهة ثانية اريدك أن تأتي معي ذات مرة الى العالم العربي وترى ردود الفعل التي احصل عليها. فكما تعلم الكثيرون يعرفون شكلي، لأنكم تنشرون صورتي مع مقالي في جريدة «الشرق الأوسط»، وكذلك يشاهدني كثيرون على الفضائيات العربية، أريدك ان ترى كم شخصا يأتي إلى ليقول: سيد فريدمان ارجوك تابع ما تكتبه، فانت تعبر عما نشعر به. من جهة ثانية ادرك ان ما ينشر في الصحف الرسمية (العربية) لا يعكس بحق آراء كل الناس في تلك المنطقة. اعتقد ان كثيرا من الناس في منطقتكم يدركون انني اقف الى جانبهم، وان ما اقوله هو انني أريدهم أن ينجحوا، وليس لأنني أكرههم. لقد عشت خمس سنوات في لبنان، كانت من أجمل السنوات. كما أقدر الصداقة والتنوع والثقافة الموجودة في تلك المنطقة، لذلك أريد لها النجاح، وربما اكثر مما تريده لنفسها، ولعل ذلك هو خطأي.
* أريد أن أسألك عن عمودك، كيف تأتي بالفكرة التي تريد ان تكتب عنها وكيف تحضر لها؟
ـ أبدأ يومي كل صباح بزيارة موقع «بي بي سي» (هيئة الاذاعة البريطانية)، احب الحصول على أخباري من مصدر غير أميركي، واعتقد ان تغطية البي بي سي الدولية، في ما يخص التلفزيون والراديو لا مثيل لها. ومن ثم أقرأ الـ«نيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» على الانترنت، ومن ثم موقع صحيفة «فايناننشال تايمز» (البريطانية) وأسبوعيا اقرأ مجلة «ايكونوميست« (البريطانية)، ومن ثم آتي الى المكتب، والباقي يعتمد على جدولي. اليوم، مثلا، تناولت الافطار مع كريغ مونداي، الرجل الذي سيخلف بيل غيتس في قيادة شركة مايكروسوفت، وقد كان كريغ احد معلميّ لكتابي «العالم مسطح».
تحدثنا على اخر التطورات وما الذي يجري في الصين، ومن ثم جئت الى المكتب لأقابلك، وقد تسألني لماذا اتحدث اليك؟ والجواب هو من الضروري ان اكون متاحا واجيب على الأسئلة المطروحة، خصوصا للصحافة العربية.
واسمح لي بأن استغل هذه الفرصة لأقول كم هو ضروري بالنسبة لي ان تقوم صحيفة «الشرق الأوسط» بنشر مقالي كي يستطيع غير المتحدثين بالانجليزية قراءة مقالي في اطار جريدة محترمة، ولذلك اوافق مباشرة على مثل طلبك لإجراء مقابلة، لأن ذلك يسمح لي بالوصول الى جمهور لا استطيع الوصول اليه عادة، وهذا أمر في غاية الأهمية.
* حسنا، ولكن كيف تأتيك فكرة العمود؟
ـ الفكرة هي انني كيف يمكن ان اقنع القارئ بما أؤمن به ان كنت لا أعلم انا بماذا أؤمن؟ هكذا أعمل، أبدأ بمحاورة نفسي، ماذا علي أن أفكر؟ اليوم سأتناول الغداء مثلا مع وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، وهو الآن في البنك الدولي. سأسأله سؤالا يدور في خلدي حاليا، أريد ان اؤمن بالأمل وحكومة افضل وقابلة للمحاسب (في العراق). اعلم ان الديمقراطية لن تأتي بين ليلة وضحاها في هذه المنطقة من العالم، لكن ماذا علي أن اصدق الآن، هل سنعود للجنرالات والنظام القديم؟
سأحاول الاتصال بإياد علاوي، الذي اصدر كتابا مؤخرا لأخذ رأيه، حاليا افكر بأنه هناك مشكلة في العالم العربي المسلم، مشكلة الأشخاص الذي اختطفوا الدين، وأشعر بأن علي التزاما ان افكر في ذلك أيضا.
* ماذا تتابع من الاعلام العربي؟
ـ للاسف لغتي العربية غير قوية، لذلك اعتمد على الترجمات، واحصل على خدمة ترجمة للاعلام العربي، واتابع كذلك موقع «ميمري» الإسرائيلي، فبين الخدمة العربية والإسرائيلية احصل على فكرة متزنة نوعا ما.
* ذكرت الـ«بي بي سي» وغيرها، هل من مصادر أخرى؟
ـ هناك من اصفهم بأنهم «مجموعة الحاصلين على ثقة عقلي»، أناس أثق بهم بشدة واتبادل معهم الأفكار، وما فعلته صباح اليوم مثلا مع كريغ مونداي هو أني ناقشته في مقال اكتبه. اتحدث مع الناس باستمرار.
* تعمل على مقالك ولديك كتب، ومؤخرا بدأت العمل الوثائقي، فكم عدد من يساعدونك؟
ـ فقط مساعدتي الشخصية التي قابلتها في الخارج، واقوم بابحاثي بنفسي، كما احدد افكاري بنفسي، وهناك أيضا «غوغل» (قالها مبتسما).
* لكن كثيرين يعتقدون ان لك فريقا كبيرا من المساعدين والباحثين، وان كل ما تفعله هو انك تحرر المعلومات التي يأتونك بها لتنشرها في المقال؟
ـ (ضاحكا بشدة) يا الهي، كم اتمنى ذلك! انت هنا في مكتبي، اين هو هذا الفريق؟ (ويضيف ضاحكا) نحن لا نخفي أحدا هنا، بامكانك البقاء طوال اليوم لترى في حال ظهر «فريق توماس فريدمان». أؤكد لك انني اقوم بعملي بنفسي، اعمل على متن الطائرة وخلال رحلاتي في القطار، اعمل في كل مكان، لا اضيع أي وقت.
* وهناك من يقول بأنك تحصل على الكثير من التسريبات من مصادر في الحكومة الاميركية، ألا تخشى ان تكون مستخدما في حال كان ذلك صحيحا؟
ـ اكتب العمود الصحافي منذ 1995 أي انني كتبت نحو 1000 مقال، أريد منك ان تعود وتراجع هذه المقالات الألف، وسأعطيك 100 دولار مقابل كل مرة أنسب فيها معلومة الى «مصدر رفيع في الادارة» مقابل ان تعطيني انت 100 دولار مقابل كل مصدر اذكره بالاسم.
* هل سيكون هذا الامر مكلفا للغاية بالنسبة لي؟
ـ لن أقول مستحيل، ولكن تقريبا من المستحيل أن أنسب الى أي مصدر مجهول. انه مقالي أنا، فلماذا اعطيه لشخص آخر. وبالمناسبة، هناك اشاعة اخرى تقول انني اقابل زعماء العالم كل يوم! مجددا فلنعد الى مقالاتي الألف كم منها تضمن مقابلة مع قائد او زعيم عالمي؟ أنا شخصيا لا أذكر سوى مقابلتي مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما اريد قوله هو ان هناك اشاعات... وهناك حقائق.
* بما أنك ذكرت لقاء خادم الحرمين الشريفين، الذي كشف فيه لك مبادرة السلام العربية وهو مهندسها، اريد ان اعرف القصة التي وراء القصة، كما نقول في الصحافة؟
ـ البداية كانت في منتدى دافوس عام 2002، الذي عقد في نيويورك تكريما للمدينة، بعد ما حدث في العام السابق (اعتداءات 11 سبتمبر)، وكنت اتحدث مع مسؤولين مغاربة، وأتساءل لماذا لا يضع العرب خطة سلام على ورق؟ وحصل بعد ذلك ان تناولت القهوة مع صديقي الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، وطرحت عليه الفكرة وقال لي لماذا لا تكتب عن ذلك؟ فكتبت فكرتي في صيغة خطاب من (الرئيس) جورج بوش الى جامعة الدول العربية، بعد ذلك ذهبت الى السعودية لإجراء مقابلة مع ولي العهد (في ذلك الوقت) الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وعندما طرحت الموضوع عليه اجابني قائلا: كأنك دخلت مكتبي واطلعت على ما في درجي، ومن ثم طرح رؤيته كاملة، وكان ذلك في منزله حوالي الساعة 2 صباحا، وكان ذلك بحضور عادل الجبير سفير السعودية في واشنطن، حاليا.
وكما ذكرت كشف الملك عبد الله (ولي العهد حينها) رؤيته كاملة، وكان موقفه بداية ان ينشر الموضوع منسوبا لمسؤول سعودي، لكنني طلبته قائلا ان الأمر لن يكون له تأثير سوى بالسماح لي بذكر اسمه.
وفكر بالأمر ليوم، ثم جاءني الرد بالموافقة. ومن بعد ذلك، نشر العمود، وخرجت انا من الصورة.
لم احاول ابدا ان اتفاخر وأقول «انا فعلت كذا وانا كشفت كذا»، لأنني كنت مؤمنا انه ليكون لهذه المبادرة أي تأثير فلا بد من اعطاء الحق لأصحابه، اي الملك السعودي والعالم العربي.
* استغرب البعض، حينها، من كون كاتب رأي هو الذي كشف عن المبادرة، وليس صحافيا او محاورا؟
ـ الأمر فاجأ حتى كثيرا من السعوديين.. بصراحة كل ما فكرت فيه هو ان تنجح هذه المبادرة، لذلك قررت الخروج من الصورة، لم أكن اجعل القضية متعلقة بي وبما كشفته، ولا تنس انني صحافي من «النيويورك تايمز» وانني كاتب يهودي، ولم اكن اريد اعطاء أي شخص ذخيرة يقلل فيها من شرعية هذه المبادرة. ببساطة، اعتقدت انه يجب اعطاء كامل الحق للمؤلف الحقيقي... الملك عبد الله بن عبد العزيز.
* هل تعلم انك تحولت الى «مدرسة» بسبب فعلتك هذه؟
ـ قاعدتي هي «اذا لم تذهب.. لن تتعلم»، افضل الآراء تأتي من المراسلين، وافضل كتاب الرأي كانوا في الاصل مراسلين ميدانيين. المبشر بالعلم .. والعولمة
* لا مجال للشك في أن فريدمان مؤمن بحق بالعولمة وعاشق للتكنولوجيا...واستطيع ان اضيف انه خفيف ظل كذلك. وصلت قبله الى الموعد، وعندما دخل الى مكتبه حياني، لكنه رفض محادثتي قبل ان يتفحص كومبيوتره.
اطلع على أخبار منطقة الشرق الأوسط من موقع الـ«بي بي سي». راجع بريده الالكتروني سريعا، قرأ عناوين صحيفته «نيويورك تايمز» سريعا... ومن ثم استأذن للخروج دقيقة. وانا في الانتظار تأملت المكان الذي غزته الكتب، مزيج من التاريخ والسياسة والاقتصاد، وكتب عن حضارات مختلفة، خصوصا العرب واليهود. على طاولته مجلات سياسية واقتصادية، تغطي عددا من مجلة «بلاي بوي» يضحك فريدمان ويقول مازحا ومشيرا الى المجلة «هذه يجب الا تكون هنا عادة».
عندما سألته، وهو الصحافي المولود عام 1953 والحاصل على ماجستير من كلية سانت انتوني بجامعة اكسفورد البريطانية في الدراسات الشرق الاوسطية، لماذا كبار الصحافيين في أميركا متقدمون في السن، أين شبابكم؟ كانت اول ردة فعل للصحافي الخمسيني «ماذا؟ هل تعتبرني كبيرا؟». الا انه اضاف أن «الوضع مختلف جدا» بالنسبة للشباب الداخلين الى الصحافة اليوم، فهم يواجهون مرحلة صعبة مقارنه ببداياته، فعندما التحق هو بالصحافة كانت غالبية الصحف الأميركية لها مكاتب ومراسلون عدة حول العالم، وكانت تتنافس في ذلك، بعكس ما يحصل اليوم حيث تتنافس الصحف في تقليص نفقاتها في ظل التحديات الجديدة.
لكن فريدمان الذي عمل بداية مع وكالة «يو.بي.اي» في لندن حصل على فرصته في العمل مراسلا لـ«نيويرك تايمز» في اواخر السبعينات ومطلع الثمانينات في بيروت، ومن ثم انتقل الى القدس، حيث عمل مديرا لمكتب الصحيفة هناك حتى عام 1989، عاد بعدها فريدمان الى أميركا وعمل في مناصب عدة في «التايمز»، من ضمنها مراسل لدى البيت الأبيض، وفي عام 1995 تحول الى كتابة المقالات، واستطاع فريدمان، المتزوج والأب لابنتين، خلال هذه الفترة وحتى يومنا هذا تأليف عدة كتب، من بينها «من بيروت الى القدس» و«اسرائيل: سيرة ذاتية بالصور» وكتاب اخر عن العولمة بعنوان «لكزس وشجرة الزيتون: فهم العولمة» وآخر عن العالم بعد 11 سبتمبر بعنوان «لونغتيودز اند اتيتيودز»... اضافة الى كتابه الأخير «ذا وورلد از فلات» (العالم مسطح)... وربما لأنه يؤمن بأن «العالم مسطح» فعلا قال لي فريدمان المشهور بشاربه الكثيف مازحا خلال اخذ صورة تذكارية معه «من يرى هذه الصورة لن يعرف من منا هو العربي!».