المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جنّة آدم (ع) - دور الطفولة البشرية - راي المرجع فضل الله وكبار المفسرين المعاصرين



سيد مرحوم
07-05-2004, 01:54 PM
جنّة آدم (ع) دور الطفولة البشرية
السيد عبدالسلام زين العابدين(ابومالك الموسوي)




من «المقولات الجريئة» التي تسجّل على (السيِّد محمد حسين فضل الله) هو قوله: إنّ آدم (ع) كان «طيِّباً ساذجاً»، وإنّ الجنّة كانت تمثِّل «دورة تدريبيّة» له، وإنّهُ كان يعيش «الضعف البشري». ويرى البعض أنّها «لا تليق نسبتها بنبيّ من أنبياء الله، بل ولا يرضى أحدٌ من النّاس بأن ينسب إليه بعضها».
ـ ثماني مقولات «جريئة»!
والمقولات الّتي تسجّل على السيد فضل الله ضمن المقولات «الجريئة» الّتي «يعرفُ كُلُّ عالم بصير أنّها لا تنسجمُ مع مدرسة أهل البيت (ع) »، هي:
1 ـ معصية آدم كمعصية إبليس.
2 ـ الفرق بين آدم وإبليس هو في الإصرار والتوبة.
3 ـ آدم ينسى ربّه، وينسى موقعه منه.
4 ـ آدم استسلم لأحلامه الخياليّة، وطموحاته الذاتيّة.
5 ـ آدم طيّب وساذج: لا وعي لديه.
6 ـ آدم يعيش الضعف البشري أمام الحرمان.
7 ـ آدم يمارس الرغبة المحرّمة.
8 ـ الدورة التدريبيّة لآدم (ع).

وقد تبدو المقولتان الاُولى (معصية آدم كمعصية إبليس)، والثانية (الفرق بين آدم وإبليس هو في الإصرار والتوبة)، غريبتان وجريئتان، بَيْد أنّ الرجوع إلى سياق الحديث والأحاديث الاُخرى للسيِّد في نفس كتاب (من وحي القرآن)، يظهر المقصود بصورة جليّة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
إنّ المقولتين جاءتا في السياق كمقولة واحدة، وفي سياق واحد، ولا يمكن تجزئتهما بهذا الشكل .. حيث إنّ (السيِّد) يصرّح بأنّ معصية إبليس كانت «تمرّداً واستكباراً على الله»، بينما لم تكن معصية آدم (ع) «تمرّداً على الله وعصياناً لإرادته» ]من وحي القرآن/ 1/ 182[، كما ويصرّح بأنّ معصية إبليس كانت معصية لأمر مولويّ، بينما كانت معصية آدم لنهي إرشاديّ، «وأنّ كلمة المعصية لا تختصّ بالمعصية القانونيّة المستتبعة للعقاب، فيصحّ لنا أن نطلق على التمرّد على أوامر الطبيب كلمة العصيان، فنقول: عصيتُ أمر الطبيب». ]من وحي القرآن/ 1/ 186[

ومن أجل أن تتّضح الصورة، ونقف على كلمات (السيِّد) حول قصّة آدم ومعصيته وإغوائه .. لابدّ وأن نعيش نظريّته في قصة آدم (ع)، المستمدّة من القرآن الكريم، ولماذا أسكن الله تعالى الانسان الجنّة وقد خلقه ليمارس دور الخلافة على الأرض؟ ولابُدّ، قبل أن نطرح نظراته الأساسيّة حول ذلك، أن أستعرض ـ باختصار ـ نظريّات وأقوال العلماء الأعلام في ذلك، لنرى أنّ ما قاله (السيِّد) ليس جديداً على الإطلاق ..

--------------------------------------------

ـ النصّ القرآني:

(وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُن أنْتَ وزَوْجُكَ الجنّةَ وكُلاَ مِنْها رَغَداً حَيثُ شِئْتُما ولا تَقرَبا هذه الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمين * فَأزَلّهُما الشّيطانُ عَنْها فَأخْرَجَهُما مِمّا كانا فيهِ وقُلْنا اهْبِطُوا بَعْضُكُم لِبَعْض عَدُوٌّ ولَكُم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِين * فَتَلَقّى آدمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمات فَتابَ عليهِ إنّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم) ]البقرة/ 35 ـ 37[.
(وَلَقَد عَهِدنا إلى آدمَ منْ قبلُ فَنَسيَ ولم نَجِد لهُ عزما * وإذْ قُلْنا للملائِكَةِ اسْجُدوا لآدَمَ فسَجَدوا إلاّ إبليسَ أبى * فَقُلنا يا آدَمُ إنّ هذا عَدُوٌّ لكَ ولِزَوجِكَ فلا يُخرجنّكما مِنَ الجنّة فَتَشْقى * إنّ لكَ ألاّ تَجوعَ فيها ولا تَعْرى * وأنّكَ لا تظمأُ فيها ولا تَضْحى * فَوَسْوَسَ إليه الشّيطانُ قالَ يا آدمُ هَلْ أدُلُّكَ على شجرة الخُلْدِ ومُلْك لا يبلى * فأكلا منها فَبَدَتْ لَهُما سَوءاتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عليهما مِن وَرَقِ الجَنّةِ وعَصى آدمُ ربَّهُ فَغوى * ثُمَّ اجتباهُ رَبُّهُ فتابَ عليه وَهَدَى) ]طه/ 115 ـ 122[.
(فَوَسْوَسَ لَهُما الشّيْطانُ لِيُبديَ لَهُما ما وُرِيَ عَنْهُما مِن سوءاتِهِما وقالَ ما نهاكُما ربُّكما عن هذهِ الشَّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكونا مَلَكَيْنِ أوْ تكونا مِنَ الخالِدين * وَقاسَمَهُما إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِين * فَدَلّاهُما بِغُرُور فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَة بَدَت لَهُما سوءاتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَليهما مِن وَرَقِ الجَنّةِ وناداهُما رَبُّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَن تِلْكُما الشَّجَرَةِ وأقُل لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبين * قالاَ رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسنا وإن لَّم تَغْفِر لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرين) ]الأعراف/ 20 ـ 23[.



ـ نظرية المرجع الشهيد الصّدر: الجنّة دار حضانة استثنائيّة

http://www.alsadr.20m.com/sadr12.jpg



في بحثه القيِّم: «خلافة الانسان وشهادة الأنبياء» استعرض المرجع الشهيد محمدباقر الصدر الدور الأوّل لـ (مسار الخلافة الربّانيّة على الأرض) تحت عنوان (التمهيد لدور الخلافة)، اعتبر فيه أنّ آدم (ع) يمتاز بـ (فارق جوهريّ) عن أيِّ إنسان آخر، «وهو أنّ كلّ إنسان يمرُّ في مرحلة الطفولة بدور احتضان إلى أن يبلغ رشده; لأنّ هذه المرحلة لا تسمحُ للانسان بالاستقلال ومواجهة مشاكل الحياة وتحقيق أهداف الخلافة، فلابُدّ من حضانة ينمو الطفل من خلالها ويُربّى في إطارها إلى أن يستكمل رُشده. وكلُّ طفل يجد عادةً في أبويه وجوّهما العائلي الحضانة اللاّزمة له، غير أنّ الانسان الأوّل ـ آدم ـ الّذي لم ينشأ في جوّ عائلي من هذا القبيل كان بحاجة إلى دار حضانة استثنائيّة يجد فيها التنمية والتوعية الّتي تؤهِّله لمماسة دور الخلافة على الأرض، من ناحية فهم الحياة ومشاكلها الماديّة، ومن ناحية مسؤوليّاتها الخُلقيّة والروحيّة. وقد عبّر القرآن الكريم عن دار الحضانة الاستثنائيّة ـ الّتي وفّرت للإنسان الأوّل ـ بالجنّة».
«وكان أوّل تكليف وجِّه إليه أن يُمسك عن شجرة معيّنة في تلك الجنينة; ترويضاً للانسان الخليفة على أن يتحكّم في نزواته، ويكتفي من الاستمتاع بطيبات الدنيا بالحدود المعقولة من الاشباع الكريم، ولا ينساق مع الحرص المحموم على المزيد من زينة الحياة الدنيا ومتعها وطيِّباتها، لأنّ هذا الحرص هو الأساس لكلِّ ما شهده المسرح بعد ذلك من ألوان استغلال الانسان للانسان».
«وقد استطاعت المعصية الّتي ارتكبها آدم بتناوله من الشجرة المحرّمة أن تُحدِث هزّةً روحيّة كبيرة في نفسه، وتفجِّرَ في أعماقه الإحساس بالمسؤوليّة من خلال مشاعر الندم، وطَفِقَ في اللحظة يخصفُ على جسده من ورقِ الجنّة; ليواري سوءته، ويستغفر الله تعالى لذنبه».
«وبهذا تكامل وعيه في الوقت الّذي كانت قد نضجت لديه خبرات الحياة المتنوِّعة، وتعلّم الأسماء كلّها، فحان الوقت لخروجه من الجنّة إلى الأرض الّتي استخلف عليها; ليمارس مسيرته نحو الله من خلال دوره في الخلافة». ]الإسلام يقود الحياة/ 151 ـ 153[



نظريّة العلامة الطباطبائي: آدم (ع) وجنّةُ الاعتدال

http://www.alradhy.com/alqudes/tabtabaei/tabatbaie1.jpg

يرى العلامة الطباطبائي أنّ قصّة آدم والجنّة «تمثِّلُ حال الانسان بحسب طبعه الأرضي المادي»، وأنّ الجنّة تمثِّل «جنّة الاعتدال»، حذّرهُ الله تعالى فيها من «الإسراف باتّباع الهوى، والتعلّق بسراب الدنيا، ونسيان جانب الربِّ تعالى بترك عهده إليه وعصيانه واتِّباع وسوسة الشيطان الّذي يُزيِّنُ لهُ الدّنيا ويصوّرُ لهُ ويُخيّلُ إليه أنّهُ لو تعلّق بها ونسي ربّه اكتسب بذلك سلطاناً على الأسباب الكونيّة، يستخدمها ويستذلُّ بها كلّ ما يتمنّاه من لذائذ الحياة، وأنّها باقية له وهو باق لها، حتّى إذا تعلّق بها ونسي مقام ربِّه ظهرت له سوآت الحياة ولاحت له مساوئ الشقاء بنزول النوازل وخيانة الدهر ونكول الأسباب وتولِّي الشيطان عنه، فطفق يخصفُ عليه من ظواهر النعم يستدرك بموجود نعمة مفقود اُخرى، ويميل من عذاب إلى ما هو أشدُّ منه، ويعالج الدّاء المؤلم بآخر أكثر منه ألماً حتّى يُؤمر بالخروج من جنّةِ النّعمة والكرامة إلى مهبط الشقاء والخيبة». ]الميزان/ 14/ 218 ـ 219[

العهد المنسيّ: عهد الربوبيّة والعبوديّة

وينطلق العلامة الطباطبائي في هذه النظرة، من قوله تعالى: (وَلَقَد عَهِدنا إلى آدَمَ مِن قَبلُ فنَسيَ ولَم نَجِد لهُ عَزْماً) ]طه/ 115[.
والآية تصرِّح بأن آدم (ع) قد أصابه النسيان: (فَنَسِيَ ولم نَجِد لَهُ عَزْما)، والّذي نَسِيَهُ هو (العهد) كما يظهر من السِّياق، بَيدَ أنّ الكلام يدور في عالم التفسير حول تحديد (العهد) الّذي نسيه آدم (ع).

هناك ثلاثة أحتمالات يطرحها العلامة الطباطبائي في ذلك:

الإحتمال الأوّل: العهد هو النهي عن الاقتراب من الشجرة: (ولا تَقْرَبا هذهِ الشّجرةَ فَتكونا مِنَ الظّالمين) ]البقرة/ 35[.
الإحتمال الثاني: العهد هو تحذيره من إبليس ومكائده، بقوله تعالى: (إنّ هذا عدوٌ لكَ ولزوجِكَ فلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الجنّةِ فَتَشْقى) ]طه/ 117[.
الإحتمال الثالث: العهد هو عهد الربوبيّة والعبوديّة، بمعنى الميثاق العمومي المأخوذ من جميع الناس، ومن الأنبياء خاصّة بوجه آكد وأغلظ.

يضعّف العلامة الطباطبائي الإحتمالين الأوّل والثاني، ويختار الثالث ليكون نسيان العهد بمعنى نسيان عهد الربوبيّة بغفلةِ الانسان عن ذكر مقام ربِّه بالالتفات إلى نفسه أو ما يعود ويرجع إليها، حيث يقول: «والإحتمال الأوّل غير صحيح لقوله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُما الشّيطان ... وقالَ ما نَهاكُما ربُّكما عن هذهِ الشَّجَرَةِ إلاّ أن تَكونا مَلَكَيْنِ أو تكونا مِنَ الخالدين * وقاسَمَهُما إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِين) ]الأعراف/ 20 ـ 21[.
فهما قد كانا حين اقتراف الخطيئة واقتراب الشجرة على ذكر من النهي، وقد قال تعالى: (فَنَسِيَ ولَم نَجِد لَهُ عَزْما) فالعهد المذكور ليس هو النهي عن قرب الشجرة.
وأمّا الإحتمال الثاني (وهو أن يكون العهد المذكور هو التحذير من اتِّباع إبليس) فهو وإنْ لم يكن بالبعيد كلّ البعد، لكن ظواهر الآيات لا تُساعد عليه، فإنّ العهد مخصوص بآدم (ع) كما هو ظاهر الآية. مع أنّ التحذير كان لهما معاً. وأيضاً ذيل الآيات وهو على طبق صدرها في سورة طه يناسب العهد بمعنى الميثاق الكلِّي، لا العهد بمعنى التحذير عن إبليس».

ثمّ يوضِّح العلامة الطباطبائي معنى الميثاق على الربوبيّة بقوله: «هو أنْ لا ينسى الانسان كونه تعالى ربّاً أي مالكاً مدبِّراً، أي لا ينسى الانسان أبداً ولا في حال أنّهُ مملوكٌ طلق لا يملك لنفسه شيئاً، لا نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، أي لا ذاتاً ولا وصفاً ولا فعلاً».
«والخطيئة الّتي تقابله هو إعراض الإنسان عن ذكر مقام ربِّه والغفلة عنهُ بالإلتفات إلى نفسه أو ما يعود ويرجع إلى نفسه من زخارف الحياة الدنيا الفانية البالية». ]الميزان/ 1/ 128[

ويؤكِّد صاحب تفسير (الميزان) أنّ (جنّة الاعتدال) كانت «قبل تشريع أصل الدين»، وأنّها «جنّة برزخيّة ممثّلة في عيشة دنيويّة»، وأنّ العهد كذلك «عهد قبل تشريع أصل الدين الواقع عند الأمر بالخروج من الجنّة والهبوط إلى الأرض»، وما وقع فيه آدم (ع) من المعصية والغواية كان قبل الاجتباء والهداية، كما هو واضح من السّياق: (وعَصى آدَمُ ربَّهُ فَغَوى * ثمّ اجْتباه رَبُّهُ فتابَ عليه وهَدى) ]طه/ 121 ـ 122[، ولذلك كان «النهيُ إرشاديّاً لا مولويّاً».



رؤية السيِّد السبزواري: جنّةُ آدم (ع) والمراحل العشر

http://www.alsabzuwari.com/images/pic/030b.jpg


يرى السيِّد عبدالأعلى السبزواري (قده) في تفسيره القيِّم (مواهب الرّحمن) أنّه يُستفاد من مجموع الآيات الواردة في خلق آدم (ع) أنّه مرّ بمراحل عشر لا تخلو ذرِّيَّته منها أيضاً، وهي:

المرحلة الاُولى ـ ما قبل نفخ الرّوح: وهي بمنزلة الجنين في سائر أفراد الانسان.
المرحلة الثانية ـ نفخ الرّوح: وهي بمنزلة تكريم المولود، وهي حالة اعتناء الله تعالى بآدم (ع) وتعظيمه، وأمره بسجود الملائكة له.

المرحلة الثالثة ـ التربية: وهي تعليم الله تعالى الأسماء كلّها لآدم، وهي بمنزلة تعليم الوالدين وتربيتهما للولد.

المرحلة الرابعة ـ بيان الفضل: وهي مرحلة السجود لآدم (ع).

المرحلة الخامسة ـ التمتّع واللّعب: وهي مرحلة إسكان آدم (ع) الجنة.

المرحلة السادسة ـ تزاحم الأهواء والأفكار والآمال: وهي مرحلة إرشاد آدم (ع) إلى ترك الأكل من الشجرة ... وهي مرحلة التمييز في أفراد الانسان.

المرحلة السابعة ـ التمايل الجنسي وتوليد المثل: وهي مرحلة ظهور السوءة (فَبَدَت لَهُما سَوءاتهما) ]طه/ 121[، وهي ظاهرة في أفراد الانسان.

المرحلة الثامنة ـ العيش والبقاء الدائمي: المستفاد من تعليق قوله تعالى: (إنّ لكَ أن لا تَجوعَ فيها ولا تَعْرى) ]طه/ 118[، على ترك الأكل من الشجرة، والعيش والبقاء غير الدائمي المستفاد من قوله تعالى: (ولَكُم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِين) ]البقرة/ 36[.

المرحلة التاسعة ـ التكليف والعمل: إمّا في طريق الهداية والإيمان، أو الكفر والخسران.

المرحلة العاشرة ـ النتائج: إمّا الثواب، أو العقاب.

هذه هي المراحل الّتي مرّ بها آدم (ع) والّتي يمرّ بها الانسان.
ومن الواضح أنّ السيِّد السبزواري يذهب إلى أن جنّة آدم كانت تمثِّل مرحلةً إعداديّة ودورة تمهيديّة تكامل فيها آدم (ع) حتى وصل إلى أن يكون أهلاً للتكليف والمسؤوليّة وهي المرحلة التاسعة والعاشرة. ]راجع: مواهب الرّحمن/ 1/ 207 ـ 208[


ـ رؤية (السيِّد فضل الله): المرحلة تمهيديّة، والنواهي إرشاديّة، والمعصية عفويّة

http://tahqeq.jeeran.com/Image6صصسصس333.jpg

لم تكن رؤية (السيِّد) بعيدةً عن رؤى هؤلاء الأعلام، بل هي ذاتها، ولا يوجد اختلاف إلاّ في التعبير واُسلوب الأداء .. وتتلخّص رؤية صاحب (من وحي القرآن) بما يلي:

أوّلاً: مرحلة الجنّة تجربة الانسان الأُولى

إنّ تجربة آدم وحوّاء (ع) كانت تجربة الانسان الأولى في الوجود، وكانت «مرحلة تمهيديّة»، و «تجربة تدريبيّة»; ليمارسا بعدها دور الخلافة على الأرض.

ثانياً: لا سابقة مع الغشّ والكذب

«لم تكن لهذين المخلوقين أيّة تجربة سابقة مع الغشِّ والكذب والخداع واللّفِّ والدّوران .. كان الصِّدق .. وكانت البساطة في مواجهة الأشياء، وكانت العفويّة في تقبّل الكلمات»، ولهذا «لم يتصوّرا أنّ هناك غشّاً في النوايا، وخداعاً في الأساليب، بل كلّ ما عندهما الصفاء والنقاء والنظر إلى الحياة من وجه واحد، هو الحقيقة بعينها».

ثالثاً: الاستسلام للأماني الإبليسيّة

كان إبليس لهما بالمرصاد «من موقع حقده وحسده وعداوته، فمشى إليهما في صورة الملاك الناصح ليقول لهما: إنّ هذا النهي عن الأكل من الشجرة لا يلزمهما، بل سيحصلان ـ من خلال تجاوزه ـ على لذّة الخلود والانطلاق في أجواء الملائكة»، ولهذا «استسلما للكلمات المغلّفة بغلاف من البراءة والنُّصح، من دون أن يشعرا بأنّ ذلك يمثِّل تمرّداً على الله وعصياناً لإرادته».

رابعاً: النهي الإرشادي لا المولوي

إنّ النهي في قوله تعالى: (ولا تَقربا هذه الشجرة فتكونا مِنَ الظّالمين) ]البقرة/ 35[ كان إرشادياً ولم يكن مولوياً، «باعتبار أنّ نتيجته فقدان نعيم الجنّة لا التعرّض لعقاب الله»، ولهذا «فلا منافاة فيها لفكرة العصمة من قريب أو بعيد». ]من وحي القرآن/ 1/ 185[ ]راجع: من وحي القرآن/ 15/ 171[

خامساً: المعصية الإرشادية لا المولوية

ولا يتنافى ذلك مع ظواهر الآيات القرآنية الّتي تنسبُ المعصية والغواية والظلم إلى آدم (ع) كقوله تعالى: (وعصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) ]طه/ 121[، (قالا ربّنا ظَلَمنا أنفُسَنا وإنْ لم تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنكُونَنَّ مِنَ الخاسرين) ]الأعراف/ 23[، وقوله: (ولا تَقْرَبا هذه الشّجَرة فَتكونا مِنَ الظّالمين) ]البقرة/ 35[، وذلك:


1 ـ «إنّ كلمة المعصية لا تختص بالمعصية القانونية المستتبعة للعقاب، فيصح لنا أن نطلق على التمرّد على أوامر الطبيب كلمة العصيان، فنقول: عصيت أمر الطبيب».

2 ـ «كلمة (الغواية) ضدّ الرّشد، ولكن الرّشد قد يكون في جانب المصلحة الدنيويّة أو الذاتيّة وقد يكون في إطار المصلحة الأُخرويّة».

3 ـ «وكذلك كلمة (التوبة) فإنّها تعبّر عن الرجوع عن الخطأ سواء كان فيما يتعلق بالأمور الدنيويّة أو الاُخرويّة، فيقال: تاب فلان عن العمل المضرّ من دون أي يكون مُحرّماً في نفسه». ]ن.م/ 1/ 186[

4 ـ «أمّا (الظّلم) فقد يظلمُ الانسان نفسه إذا منعها من الفرص الطيّبة الّتي تجلبُ لها الراحة الذاتيّة، وقد يُطلقُ الظلم على تعريضها للعقاب الاُخروي». ]ن.م/ 187[
5 ـ «أمّا طلب المغفرة والرّحمة، فإنّه قد ينطلق من الشعور بالإساءة إلى مقام الله في ترك اتّباع نصائحه، وبمنافاة ذلك لحقِّ العبوديّة للخالق». ]ن.م/ 187[

سادساً: دور التوبة والتراجع عن الخطأ

«لم يترك الله سبحانه لإبليس أن يجني ثمرة انتصاره، فأوحى لآدم بالطريقة المثلى الّتي يستطيع من خلالها أن يتراجع عن خطئه، لتكون أساساً ثابتاً في علاقته بالله عزّوجلّ».

سابعاً: الهبوط تخطيطٌ لكون جديد، وليس عقوبة

«لم تكن عملية الهبوط عقوبةً لهذا الانحراف عن أوامر الله، بل هي تخطيطٌ لكون جديد يتحرّك فيه الانسان على أساس هدى الله، فيما يوجّه إليه من خلال رسالاته». ]ن.م[

هذه هي خلاصة رؤية (السيِّد) لقصّة آدم (ع) في الجنّة، وفقاً لما جاء في تفسيره (من وحي القرآن) وقد أكّدها في أكثر من مناسبة وندوة ومحاضرة، وهي رؤية قرآنيّة أصيلة، نابعة من الآيات المباركة .. ولم ينفرد بها، بل إنّ الكثير من المفسّرين قد أشار إليها، وقد بلورها المرجع الشهيد محمّدباقر الصّدر في نظريّته المعروفة لمسار الخلافة الربّانية على الأرض، كما مرّ آنفاً.

وهل هناك تفسيرٌ أفضل وأحسن من هذا التفسير وأكثر مراعاة للعصمة؟


-----------------------------------
المصدر :مراجعات في عصمة الانبياء من منظور قراني

hsein_iran
07-05-2004, 02:07 PM
مولانا الحبيب السيد مرحوم
والله يا أخي
لولا أنهم عبثوا في منتدى منار وأضاعوا لي مواضيعي

لعدت وعلقت هنا

ربما تذكر الحوار الذي حصل معي في ياحسين(شيعي شيعي) ونقلته لكم هنا

هذا الحوار هو أكبر دليل على عجز أبناء جعفر مرتضى وعلي الكوراني