المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية في حوار مع العلامةالمرجع فضل الله



سيد مرحوم
07-05-2004, 12:22 PM
مراجعة كتاب: المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية في حوار مع المرجع آية الله فضل الله

http://www.islamonline.net/Arabic/news/2003-04/22/images/pic10.jpg

المؤلف: سليم الحسني

عدد الصفحات: 208 من القطع المتوسط

الاصدار: طهران 1993م ـ 1413هـ


مراجعة : حيدر سعيد

------------------------------------------------------------

يمتاز الواقع الشيعي ـ عبر المراحل التاريخية ومنذ عصر الغيبة الكبرى ـ بتوفره على حلقة متقدمة تنبثق عنه ويرتبط بها في علاقة تكاملية استطاعت ان تتجاوز التحديات التي واجهها الوجود الشيعي في صور متعددة، بل وارتبط نموه ونهوضه بطبيعة تلك العلاقة. فالمرجعية الشيعية بما تمثله من امتداد وتواصل لحركة الرسالة وعطائها استطاعت ان تحفظ للوجود الشيعي اتصاله الصافي بالمنابع الاصلية التي يستمّد منها رؤيته وفهمه وموقفه وأداءه، وبالمقابل فانه يتعامل في هذه الرؤية والفهم والموقف والاداء بروح من القداسة العالية التي تمكّن القرار المرجعي من الفعل والتأثير والنجاح.

ان العلاقة العضوية بين المرجعية والوجود الشيعي تجعل الازمة التي يعيشها اي من الطرفين تهديداً شاملاً لكليهما، والتحدي الذي يستهدف اياً منهما سبباً لاستنفار جميع الحلقات التي يتكون منها الواقع الشيعي بأكمله.

وفي وقت تواجه فيه المرجعية الشيعية عناصر ازمة متجهة نحو التبلور والاتساع خصوصاً بعد غياب العديد من الاسماء الكبيرة في العالم المرجعي، تلحّ ضرورة العمل على احتواء عناصر الازمة ومواجهتها بروح واعية منفتحة، حفاظاً على الموقع المقدس الذي تتبوأه المرجعية، ذلك الكيان الذي يؤمن به الشيعة ضامناً للوجود الشيعي استمراراً وبقاءً ونمواً. الا ان مباشرة التعامل مع الازمة بعناصرها الذاتية والموضوعية، ومهما كانت في منطلقاتها سليمة وخالصة، لايمكن أن تثمر عن تجاوز الأزمة إذا لم تضف اليها عناصر سلبية اخرى، مالم تكن المعالجة في العمق ومن الداخل. فالاحساس السائد بما يحيط المرجعية من مشاكل داخلية وخارجية ترتقي إلى مستوى التحدي التحقيقي والازمة القائمة مما لا مجال لانكاره أو غضّ الطرف عنه، وتشترك مختلف مستويات الوضع الشيعي في هذا التشخيص العام، وان كان تلمّس هذه المشكلة وتشخيصها يتفاوت في النوع والمقدار بين الدارس الحوزوي والمثقف الاكاديمي.

ولكنّ خصوصية الموقع المرجعي ـ خصوصاً مع لحاظ طابع القداسة ـ تفرض أن يكون المتصدي للازمة تشخيصاً واثارة ومعالجة من داخل الموقع المرجعي ليتمكّن من الانفتاح في تسمية الاشياء بسمياتها ووضع الحلول والمعالجات اللازمة.

ولعل الاستاذ سليم الحسني قد انطلق من هذه الرؤية في اعداد دراسته مبتنية على الحوار الذي اجراه في هذا الشأن مع موقع متميز من داخل الكيان المرجعي، ولا يخفى ما يعبّر عنه حوار مع آية الله العلامة السيد محمد حسين فضل الله.

ان المؤلف لم يشأ ان يتعامل مع الازمة المرجعية الا من داخلها ولذلك اكتفى في دراسته على ثلاثة فصول ثبت فيها رؤاه التي كانت منسجمة مع ما يطرحه العلامة فضل الله، ليدع القسم الاكبر من الكتاب في فصله الرابع للحوارات التي اجراها في اوقات تتقارب أو تتباعد مع السيد العلامة، ثم ينهي كتابه بملحقين مهمين لعلمين من اعلام المرجعية الشيعية المعاصرة التي انفتحت على الواقع الإسلامي كله، شيعّية وغير شيعّية. الملحقات هما اطروحة المرجعية الصالحة التي طرحها الامام الشهيد محمد باقر الصدر (رض) في العقد السابع من هذا القرن، ورسالة الامام الخميني الراحل (رحمه الله) إلى العلماء، التي وجهها في الخامس عشر من شهر رجب عام 1409هـ(22 شباط 1989م).

ان الاستاذ الحسني يبدو قد استهدف من تثبيت الحوارات والملحقين وافراد القسم الاكبر من الكتاب لها يقول: ان هذه الوثائق تنطلق من داخل الوضع الحوزوي وواقع المرجعية في تحديد ابعاد الازمة التي يواجهها الموقع الاول والمتقدم في الوجود الشيعي، وهي تنطلق بما يتحسسه جمهور هذا الوجود الشيعي وطليعته الواعية والمثقفة. ان الامر يستدعي استجابة سريعة لتحدّ يتسارع في خطواته وازمة تسابق الزمن في مرحلة دخل فيها الإسلام الصراع الحضاري الشامل والمباشر، وفي عصر ابرز سماته الصحوة الإسلامية المتنامية بما في صميمها من تنام سريع لمتطلبات ينبغي للمرجعية الإسلامية أن تلبيها.

المرجعية.. المبدأية، القداسة، الاشكالية

ميزتان أساسيتان يثبتهما الباحث الاستاذ سليم الحسني في مقدمة دراسته، انهما المبدأية والقداسة.

فرغم ان التاريخ الشيعي شهد في الغالب مراجع يميلون إلى اعتزال السياسة اكثر من اولئك الذين يهتمون بها، الا ان المبداية الصارمة كانت تّميز كلا النموذجين، لان المرجع باعتباره حالة قيادية كان يمثل الامانة على مبادىء الإسلام رغرم المغريات والتهديدات، لانه دائماً انما ينطلق من خلال الموقف الشرعي الذي يميله ايمانه الكامل به، وعلى ذلك فقد بقيت المرجعية في نظر الحكام (الموقع المستعصي الذي لا يمكن فرض موقفه عليه) ص5.

اما فيما يتعلق بالقداسة، فأن جماهير الشيعة يتميزون عمن سواهم بالارتباط الوثيق بالمرجع محفوفاً بمظاهر القداسة والتعظيم، وبالاستناد إلى الاسس العقائدية التي يتحرك في ضوئها الشيعي.

ولكن اشكالية ينبّه عليها الباحث ترافق هذه العلاقة تتمثل في كونها غالبا عاطفية لم تطرأ عليها «عملية توظيف ممنجهة (....) «بحيث يتحول الانشداد العاطفي إلى رصيد فاعل ومؤثر في خدمة أهداف الإسلام الكبرى» ص6.

ان هذه الاشكالية كانت هي الثغرة التي اكتشفها المستعمر، وفي ضوء عدم التكافؤ بين تطور أساليبه وتقليدية الوضع الشيعي حدثت الانتكاسات حتى قامت «نهضة من الوعي في بعض اجزاء المرجعية».

الملاحظ في هذه النهضة انها كانت تمثل حالات فردية كما في مثالي الامام الخميني والشهيد الصدر ـ رضوان الله عليهما ـ فـ«استطاعت ان تحقق انجازات ضخمة في حدود الظروف التي عاشت فيها» ص7.

ويمكننا ان نسجّل للباحث هذه الإلتفاتة ان الانجازات الضخمة للامام الخميني والشهيد الصدر قد تعدت حدود ظروفها في مجالات شتى، الا انّها فيما يتعلق بالوضع المرجعي لم تتّعد حدود ظروفها، فما ان يرحل الشهيد الصدر أو الامام الخميني حتى يعود الوضع المرجعي إلى سابق عهده من الرتابة والتقليدية، كل ذلك بسبب التعقد الذي يكتنف هذا الكيان، مما يحتاج إلى نهضة واسعة شاملة تؤسس وضعاً جديداً.

ان المرجعية التي يتصورها الباحث في ضوء رؤى آية الله السيد محمد حسين فضل الله ينبغي ان تكون قريبة من قضايا العصر ومتوفرة على رؤية حركية تحيط بالواقع السياسي والاجتماعي والثقافي اسلامياً وعالمياً بما ينأى بها عن الاستغراق بالشؤون الحوزوية الخاصة. ان الباحث لا يريد من حواراته مع السيد فضل الله الوقوف عن حدود الدراسة والتقييم والتشخيص، بل يبحث عن مشروع ناهض يضع المرجعية الدينية في صورتها المطلوبة حاضراً أو مستقبلاً، وهو ما يصطلح عليه بـ(المرجعية الشاملة).


المرجعية.. عناصر القوة

نظرة تاريخية تجليلية سريعة يمر بها المؤلف في الفصل الاول (المرجعية والمجتمع.... عناصر القوة في مرجعية الشيعة)، فيعرض في هذا الفصل قدرة المرجعية على تخطي الحدود وتجاوز الاطراف الرسمية للحكومات والحواجز الاقليمية للدول، بحيث توفرت للمرجعية في ضوء ذلك امكانية قيادة حركات مهمة وتوجيه احداث خطيرة حتى خارج وسطها الاجتماعي، مثال ثورة التنباك في ايران عام 1891م والتي فجّرتها فتوى السيد محمد حسن الشيرازي من سامراء.

فالمرجعية الدينية حقيقية كبيرة بمكانتها التي تحتلّها في واقع الاُمّة ورغم ان السلطات جهدت في اضعافها وتقليل تأثيرها ولكنها تتحاشى دائماً ـ في البلاد الشيعية أو ذات الاغلبية الشيعية ـ ان تصطدم معها، فالمرجعية سلطة ذات نفوذ على الشيعة اكثر من النفوذ الرسمي، وموقفها مقدّم عند التعارض مع الموقف الحكومي

يسجل الباحث ان هذا التأثير ناشىء من الموقع الديني، وان هذه الاهمية مستمدة من قوّة الاُمّة «الرصيد الاكبر للمرجعية» مما يجعل قوّة المرجعية محصلة اجتماع عنصري أساسيين هما: الدين والاُمّة فهل هذه هي الحقيقة ـ يتساءل الباحث ـ أم ان للمرجعية دوراً ذاتياً في صناعة قدرتها؟

وللاجابة على هذا السؤال يعود الباحث إلى ارشيف الحوزة العلمية عبر مراحلها التاريخية المختلفة، فهو لا يريد ان يقف عند النظرة الاولية التي تظهر عنصر الاُمّة والدين منفصلين عن بعضهما البعض فيتحرك كلّ منهما مستقلاً في اعطاء المرجعية قوتها الميدانية. انّه يرى ان هذين العنصرين يتداخلان إلى الحّد الذي يعتمد فيه كلّ منهما على الآخر.

يقول الاستاذ سليم الحسني: «والمكانة الدينية قد تتحول إلى موقع محدود إذا فقدت المرجعية قدرتها الحركية وانعزلت عن الأمة. صحيح انها تظلّ تحتفظ بقدسيتها، ولكن دائرة المؤمنين بهذه القدسية تتسع أو تضيق حسب اتساع أو ضيق القاعدة الجماهيرية الملتزمة بالاسلام. فالمرجع الديني يكسب المرجعية قوّة ذاتية محدودة في حالة انغلاقها على نفسها وخضوعها لاجوائها الخاصة، ويتحول هذا الموقع إلى قوّة كبيرة عندما تكون المرجعية نشطة في دائرة تحركها وسط الاُمّة ص15 ـ 16. مثال تحوّل العشائر العراقية إلى الارتباط الوثيق بالمرجعية خلافاً لما كانت عليه سابقاً، وذلك خلال القرن التاسع عشر. يقول الحسني: «ان هذا التحول المؤثر رافقه في نفس النقطة امتلاك المرجعية رصيد جماهيري ضخم (كذا)، فضمنت بذلك عنصر الاُمّة وقوّت به مكانتها الدينية (وهو العنصر الثاني لقوتها) ص16. ان المكانة الدينية لا ينتجها ذلكما العنصران فقط، فكفاءة المرجع وشخصيته لها دور كبير. فثمة مسألة مهمة في الحضور القوي للمرجعية في اوساط الاُمّة، حيث ان الناس يتعاملون مع الموقف الميداني والسلوك الاجتماعي، اما المنزلة الفكرية والعلمية فهي مقاييس حوزوية لا يتعامل الناس على أساسها مع المرجع. وعلى ذلك فـ«ان الاُمّة حين تعيش مرجعها رمزاً كبيراً، فأنها لا تنتظر فتواه حتى تؤدي واجبها، بل انها تسارع إلى هذا الموقف بمجرد أن يبدي رغبته» ص18.

ويؤكد الباحث ان ثورة التنباك ونتائجها الايجابية وجهت انظار الاُمّة اكثر إلى المرجعية كمصدر قوّة وحيد يستطيع تحقيق طموحاتها ومصالحها، بيد ان المسألة لم تستمرّ كذلك ابان احداث المشروطة، حيث انقسم موقف علماء الدين بين مؤيد ومناهض للمشروطة، وانقسمت الاُمّة في ضوء ذلك، ورغم النتائج السياسية الضخمة للحركة الدستورية فقد حدث «شرخ اجتماعي خطير في الاُمّة»، وعلى هذا الصعيد يشخّص المؤلف نقطة مهمة «دخلت العشائر كرقم فيه لدعم موقف الاطراف المتنازعة وهي سابقة خطيرة في هذا المجال، لان وقوف الاُمّة إلى جانب مرجع ضد آخر، يعني انقسامها على نفسها، وتحوّل المرجعية من قيادة الاُمّة إلى طرف متنازع مع قسم منها» ص21.

ويقف الباحث عند حرب الفتاوى المتضادة التي لولا انها لم تتزامن في الصدور ولم يتح لجميعها الانتشار الواسع لادت إلى التقاتل، على أنّها ادت إلى ان يستسيغ الناس اعدام الشيخ فضل الله النوري عندما انتصرت المشروطة في ايران.

ان الباحث يرى ان الاحداث التي صنعتها المرجعية في الساحة الايرانية في تاريخها الحديث انطلقت من موقف السيد محمد حسن الشيرازي في قضية التنباك، بل وتعدّت ذلك في انعكاساتها إلى العراق، حيث توجيهها كان يصدر من الحوزة العلمية في النجف الاشرف بالدرجة الاساسية، مما عزّز موقع المرجعية على حدّ سواء في العراق وايران. الا ان الاحداث التي وقعت في العراق لم تشهد انقساماً في الموقف المرجعي، و«مثّلت حركة الجهاد اكبر صورة لوحدة الموقف في الاوساط الحوزوية في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، وكان طبيعياً ان تلقى هذه الحركة تجاوباً فاعلاً من قبل الاُمّة».

ان التعامل الدقيق مع الظرف السياسي والحضور الميداني القوي على الساحة هما اللذان خلقا المبادرة المرجعية السريعة، واتاح لها امكانية تحقيق القرار المرجعي من قبل الاُمّة التي تبنته سيراً على نهج مراجعها. وفي الوقت ذاته فان غياب القرار المرجعي الحاسم في بعض المسائل كان السبب وراء فقدان الصفة القيادية وخروج العلماء عن دائرة الحدث. ويضرب المؤلف مثالاً في هذا الصدد من حادثة الوساطة ابان ثورة النجف التي اندلعت في آذار عام 1918م.

ان خطورة ذلك تكمن في ان آراء العلماء ستنظر اليها فئات من الناس على انها قابلة للقبول أو الرفض أو التعديل.

بيد أن الامر لم يستمرّ طويلاً فسرعان ما تصدّرت المرجعية حركة الساحة من خلال فتوى الميرزا محمد تقي الشيرازي الذي استطاع عبر هذه الفتوى (صدرت في 23 كانون الثاني 1919) ان يحشدّ قاعدة جماهيرية واسعة تسير فى خط المرجعية. ويبرز المؤلف اعتماد الشيرازي على العمل التنظيمي الذي مثّل في تلك المرحلة وماتلاها «ذراعاً فاعلاً للمرجعية» خصوصاً ان الاحزاب والجمعيات القائمة آنذاك كانت تتميز بشكل عام بتأسسها على يد علماء الدين.

وتمثلت اعلى صور «التلاحم المرجعي ـ الشعبي» في ثورة العشرين التي يشير الباحث إلى انها رغم عدم تحقيقها لاهدافها السياسية، فانها اظهرت المرجعية على انها قوّة سياسية كبيرة تشكل هاجساً مرعباً للانجليز والسلطات العراقية فيما بعد. لقد كان الحضور المرجعي كبيراً جداً بحيث ان السلطة العراقية عانت من ازمة سياسية حادة جراء الفتاوى القاطعة التي صدرت بعد معاهدة عام 1922م مع بريطانيا حتى تسلّم عبدالمحسن السعدون الوزارة واقدم على تسفير الشيخ مهدي الخالصي والسيد أبي الحسن الاصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني مع عدد كبير من العلماء إلى ايران في حزيران عام 1923م، فكانت تلك الخطوة انعطافة خطيرة في تاريخ الحوزة العلمية والتاريخ العراقي أيضاً.

يقول الحسني: « لم تظهر بعدها الاوساط العلمية والمرجعية بصورتها السابقة التي رسمتها عبر سلسلة حافلة من المواقف الكفوءة على المستويين السياسي والجماهيري، حتى بعد عودة السيد أبي الحسن الاصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني إلى العراق، ولم تظهر لعلماء الدين إلاّ مواقف متباعدة تجاه بعض الاحداث السياسية مثل موقف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في احداث العراق خلال الفترة 1933 ـ 1935م، وتأييد بعض مراجع الدين لحركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م. وقد اصبح واضحاً ان فاصلة قد حدثت بين الاُمّة وبين المرجعية «كذا»، حيث وقعت الاُمّة تحت تأثير التيارات الفكرية والسياسية اللااسلامية وأبرزها التيار الشيوعي، واهتمت الحوزة العلمية بشؤونها الخاصة.

ونتيجة لذلك، تعاملت الاُمّة على انها تفتقد إلى القيادة الدينية، وتعاملت المرجعية على انها تفتقر إلى القاعدة الدينية»ص 33.

كنا نتمنى ان يواصل الاستاذ الحسني في هذا الفصل قراءته التحليلية لتاريخ المرجعية وعلاقتها بالامة وعلاقة الاُمّة بها والمواقف التي صدرت عنها لاحقاً، خصوصاً ان احداثاً كبيرة قد شهدها التاريخ المرجعي والوضع الشيعي تستدعي الاهتمام، وامثلتنا في ذلك: فتوى تكفير الشيوعية في العقد السادس والتي صدرت عن الامام محسن الحكيم «قدس سره» وأيده العلماء والحركة الإسلامية والاُمّة في موقفه هذا، وكذلك مواقف الامام الشهيد الصدر «رض»، واحداث الثورة الايرانية في ايران بل وأيضاً تصدي المرجعية لاحداث آذار عام 1991م «انتفاضة شعبان» في العراق.

كما اننا نأمل ان يعالج البحث العلاقة بين المرجعية والحركة الإسلامية من خلال قراءته التاريخية التحليلية.

ولا يسعنا إلاّ ان نشير إلى ان هذا الفصل يحتاج توسعاً اشمل مما هو عليه بحيث يستوعب عناصر القوة والضعف واشكاليات العلاقة بين المرجعية والاُمّة من جهة وبين المرجعية والحركة الإسلامية من جهة اخرى، فضلاً عن اننا نسجّل على المؤلف عنونته للفصل بـ «المرجعية والمجتمع.. عناصر القوة في مرجعية الشيعة»، لان عناصر الضعف كانت أيضاً تتحرك بين سطوره، وان لم يسمّها المؤلف أو يشخّصها بعناوين واضحة.

المرجعية.. تساؤلات تعبّر عن ازمة

يصدّر الاستاذ الحسني فصله الثاني المعنون بـ «اشكاليات الواقع الشيعي» باثارة اسئلة ملحّة ساخنة: «هل ان المرجعية الشيعية تواجه ازمة؟ ـ هل ستواجه المرجعية زمن تحدّ بعدما كانت هي التي تصنع زمن التحدي؟ ـ هل انتهى عصر العطاء المرجعي؟ ـ ما هي مسؤولية الحوزات العلمية ازاء واقعها الذاتي وازاء الواقع الاسلامي؟ ـ ثم: من هو البديل المستقبلي؟» ص 37.

ان المسألة ترتبط بواقع اسلامي كبير وليس بشخص أو موقع، فالجهة المضادة تراهن على تحديده وارجاعه عن المساحات التي شغلها. ولاسيما بعد ان ارتقى الامام الخميني «رض» بموقع المرجعية إلى اعلى مستوى في مواجهة الواقع السياسي العالمي.

لقد نظر الباحث إلى الفراغين الذين خلفهما رحيل الامام الخميني «رض» فوجد ان احدهما «الفراغ القيادي» ان استطاعت ايران ان تتجاوزه بتعيين آية الله السيد علي الخامنئي خليفة للامام الراحل وولياً فقهياً، فان الفراغ الآخر لا يخضع لقرار سياسي وانما يرتبط بالجانب العقائدي للشيعة «ذلك هو موقع المرجعية الدينية التي تصدّى لها الامام الخميني في حياته». ص 38.

يقول الباحث: «ان مقلدي المراجع الآخرين من الحركيين كانوا ينظرون إلى الامام الخميني على انّه قائد المسلمين وولي أمرهم. لذلك فانهم كانوا يتبعون امره في الشؤون السياسية والاجتماعية وغيرها، باستثثناء الاحكام الشرعية في العبادات والمعاملات حيث يرجعون فيها إلى مقلديهم، مما يعني ان مرجعية الامام الخميني لم تتحرك في دائرة مقلديه فقط، انما تجاوزتهم إلى غيرهم، نتيجة التصدي القيادي والولاية الفقهية التي تبناها.

لقد خلقت المرجعية الخمينية ولاسيما الحركيين منهم، بضرورة انطلاق المرجعية الدينية انطلاقة تتجاوز الاطر التي وضعت نفسها فيها أو التي فرضت عليها.. وان تسير على طريقة الامام الخميني، حتى وان اختلفت معه في بعض الاسس الفقهية». ص 39 ـ 40.

ونضيف إلى القول السابق للباحث: ان المرجع الشهيد الصدر «رض» كان مثالاً حياً ـ لما يتمتع به من طابع حركي على امتثال مرجع من مراجع المسلمين ـ له وجوده وامتداداته ومقلدوه وانضوائه تحت مرجعية الامام الخميني «رض». كنا نتمنى لو ان الباحث توقف عن موقف الشهيد الصدر «رض» الذي وضع نفسه في موضع الامتثال لاوامر الامام الخميني «رض» باعتبار ذلك موقفاً يؤشر اثارات معينة في اغناء البحث من حيث الوضع المرجعي العام، وكذلك ما انعكس عن ذلك الموقف من آثار على الصعيد الشعبي وحلقاته الحركية على وجه الخصوص.

ان الباحث يعتقد مع آية الله السيد فضل الله انّه رغم الاجواء التي فرضها انجاز الامام الخميني «رض» على الحوزات العلمية فان تحول المرجعية الشيعية إلى مرجعية على شاكلة المرجعية التي صنعها الامام الخميني «رض» يبدو بعيداً، يقول السيد فضل الله: «لان مرجعية الامام التي اخذت هذا الحجم العالمي كانت منطلقة من عناصر الشخصية الذاتية ولاسيما شجاعة الموقف ورحابة الافق، ومن الظروف الموضوعية التي هيّأت له الكثير من الشروط الواقعية التي ساهمت في الوصول إلى هذه النتائج». ص 41




ويعرض المؤلف مشكلة اخرى يثيرها العلامة فضل الله بقوله: «ان مسألة المرجعية التي تتحرك في واقعها الحالي في دائرة الفتاوى، قد تختلف في خطوطها الفتوائية عن نظرة القيادة إلى ما فيه مصلحة الاُمّة، وبذلك يحصل التجاذب بين فتوى المرجعية وبين حركة القيادة، كما ان طبيعة موقعي القيادتين اللذين يطلّ احدهما على الآخر قد يوجد الكثير من الضغط والضغط المضاد.. الحركة والحركة المضادة، مما يتسبب في ارباك الواقع الاسلامي». ص 43.

ان فكرة الفصل بين موقعي المرجعية والقيادة غير مرفوضة من قبل السيد فضل الله، ولكن في حدود الحل الاستثنائي الذي تفرضه ظروف الواقع، ويوضح المؤلف ان هذه «الاثنينية المفروضة» تستبطن مشكلة تسير مع الزمن، وينطلق المؤلف من رأي السيد فضل الله ليتحدث عن مشكلة تستتبع الفصل بين القيادة والمرجعية «تكرّس حالة تقليدية في الواقع الشيعي، متمثلة في الابقاء على تقليد المرجعية، وعدم انفتاحها على الواقع السياسي، وهذا ما يمثل عودة إلى الوراء، إلى ما قبل مرجعية الامام الخميني» ص 44.

وهذه المشكلة ستجعل الحركات الإسلامية ـ فيما يراه الباحث ـ في مواجهة ان تبقى مراوحة في مكانها بعد ان انطلقت بقوة وفاعلية بفضل تصدي المرجع ـ الامام الخميني ـ الذي أعطاها قوّة دفع ضخمة، ووفر لها عناصر الثقة المطلوبة، فأضحى التحرك الاسلامي حالة متحدية تجاوزت مرحلة المدافعة.

ويؤشر الباحث على ظاهرة تعاني منها الحركات الإسلامية بالذات، تتمثل بأن الحركة لا يمكنها تجاوز المرجعية، ومن جملة اهدافها نقل المرجعية من الجمود إلى الحركة، فكانت تواجه دائماً في الزمن الواحد مرجعاً يدعم توجهاتها، فيما يقف آخر في موقف معارض، أو ان المرجع الحركي الذي يتبناها قد يخلفه مرجع آخر لا يؤمن بالحركية، مما يولّد «ظاهرة مضطربة» يفسرها العلاّمة فضل الله بأن المرجع هو نتاج عاملين اساسيين هما الحوزة العلمية التي ينشأ فيها، والظروف الموضوعية التي تحكم ذهنيته، يقول المؤلف: «ان السيد فضل الله يرى في هذه الظاهرة مشكلة كبيرة تواجه الحركة الإسلامية، وتؤثر سلباً على الواقع الاسلامي. لان تقليدية المرجعية وانغلاقها في حدودها الخاصة، يجعلها تعيش التخلف امام حركة التطور في الواقع الاسلامي. وفي ذلك تعيش التخلف امام حركة التطور في الواقع الاسلامي. وفي ذلك اهتزاز مخيف في اساسيات التركيبة الشيعية، حيث تقتضي الحالة الصحيحة ان يكون الموقع القيادي للامة والمتمثل بمرجعيتها، هو الرائد والمواجه للامة، لا ان يحدث العكس فتكون الاُمّة اسبق منه في حركة التطور.

وتبدو هذه المشكلة بمظهر مرعب حين ننظر إلى ما يحيط بالواقع الاسلامي من تحديات منهجية تستهدفه فكراً وسلوكاً». ص 49

وتلحّ على الباحث صورة الرعب الفكري والثقافي التي «لا تكاد تكون واضحة عن المرجعية وهي ان توضحت فلا تحرك فيها رغبة جادة لتقديم مشاريع حلّ. وفي ذلك يقول السيد فضل الله: «ان العالم الاسلامي يسبق المرجعية بالتطور». ص 49 ـ 50.

ويؤكد المؤلف في هذا السياق ان المسألة لم تعد قراراً شخصياً لان التحدي لم يعد يتحرك باتجاه واحد ومظهر مشخص ليمكن تحديده ومواجهته، وعلى ذلك «فان توجهات المرجع وقناعاته ليست خيارات حرة مطروحة امامه بلا ترتيب «.....» انما هناك عوامل موضوعية لا يمكن تجاوزها إذا اراد ان يحقق للاسلام ولجمهوره طموحاته الكبيرة» ص 52.

ان المشكلة بحجمها الحقيقي،كما يوضحه الباحث من خلال رؤية آية الله السيد فضل الله، تعني امكانية حقيقية لتجمع مكونات مع تقادم الزمن ينتج عنها أن لا يقنع الجمهور الذي اكتسب ثقافة واعية بالصورة التقليدية للمرجعية، بعد ان اصبحت الحركية حالة شيعية عامة. فلابد من حلّ عاجل يوقف اتساع الانفصام بين القاعدة الجماهيرية ومرجعيتها الدينية.

ويؤكد المؤلف: «ولا نعني من خلال هذه المسألة، ان تمرداً شيعياً سيحدث ضد المرجعية. فمثل هذه الصورة المظلمة مستبعدة في الحياة الشيعية لاعتبارات مذهبية وتاريخية واجتماعية كثيرة. ولكننا نعني ان الانفصام سيكون امراً عملياً وواقعاً محتوماً. بفعل الفاصلة العريضة بين الجمهور والمرجعية... انها الفاصلة التي تزداد اتساعاً بين جمهور يتطور ويعيش التطور في حياته.... وبين مرجعية ظلت تعيش التقليدية في اجوائها الخاصة». ص 53 ـ 54

سيد مرحوم
07-05-2004, 12:27 PM
ا

لعلاّمة فضل الله.. مشروع المرجعية الشاملة

ثلاث مرتكزات اساسية ينطلق من خلالها البحث فيما يحدده آية الله السيد محمد حسين فضل الله من مشروع خاص للمرجعية الدينية يصطلح عليه الباحث بـ «المرجعية الشاملة» وضعه عنواناً للفصل الثالث. هذه المرتكزات هي: المرجع ـ المؤسسة المرجعية ـ الاُمّة الإسلامية ويضع «السيد فضل الله لهذه المرتكزات علاقات ترابطية وثيقة بحيث تندمج كلّها لتشكل في محصلتها النهائية الواقع الاسلامي المطلوب القادر على تلبية مستلزمات حركة الإسلام في مواجهة التحديات الحضارية المضادة» ص 75

ولعل هذا الفصل هو اهم محاور الدراسة بما يعرضه من افكار ورؤى العلاّمة فضل الله، وبما يحمله من مشروع مرجعي تترتب عليه «ازالة الحواجز التي تحجب عناصر التركيبة الإسلامية بعضها عن البعض الآخر». ص 75

فيما يتعلق بالمواصفات الذاتية لشخصية المرجع يعرض المؤلف رأي السيد فضل الله في عدم القول بالاعلمية شرطا في المرجعية، بل وعدم انحصارها في الفقه والاصول لان المطلوب من الفقيه ان يكون «مرجعاً لا مفتياً». ويوضح المؤلف ان العلاّمة فضل الله يذهب ابعد «في اثارة مسألة حساسة يتفق عليها فقهاء الشيعة لكنهم لا يتحدثون بها بالشكل الذي يجد لها مصداقاً عن الواقع». ص 59 هذه المسألة الحساسة هي امتداد المرجعية مع العمر حتى النهاية. فرغم ان الفقهاء يجمعون على فقدان المرجع لشروط المرجعية لدى فقدانه قواه الذهنية إلاّ ان الاعتبارات الاجتماعية تقف بقوة ضد مجرد طرح الفكرة على الواقع، والمسألة ليست نظرية فقهية جديدة، وانما امكانية تقديمها للواقع.

ويؤكد الباحث ان السيد العلاّمة فضل الله لا يدعو في هذا الصدد إلى «صدمة اجتماعية متحدية، انما يرى ضرورة ان يتحرك الخط الجديد متمثلاً في اشخاصه بطريقة متوازنة بحيث يعطي المعاني الروحية التي يعيشها الخط القديم، وبذلك ليتمكن المجتمع من تقبّل الانطلاقة الجديدة». ص 60

ان المرجع يراه العلاّمة فضل الله قد اصبح في الوجهة السياسية في العالم، ولذلك فهو يولي مسألة المؤهلات الشخصية للمرجع اهتماماً كبيراً، الامر الذي يعبّر عنه المؤلف بأن آراء السيد فضل الله تتركز حول منهجية الاعداد الواعي للمرجع في المجتمع الاسلامي. ان المرجع المطلوب هو المنفتح على العالم كله «من خلال انفتاح الإسلام على العالم» وهو الشخص الواعي «للاحداث بحيث يتابعها يومياً حتى في صغريات الامور». ص 62

ويثبت الباحث قول السيد فضل الله فيما يتعلق بالعوامل الموضوعية الملحّة التي تحتم وجود هذه المؤهلات في شخصية المرجع من خلال الحاجة الاجتماعية والسياسية للموقف الشرعي في حياة الناس، اذ يقول السيد العلاّمة: «فان الفقيه حتى في دائرته الفقهية لا يستطيع ان يبتعد عن قضايا العصر. وإذا كان معزولاً عن مسألة الاجتهاد لتكون اكثر القضايا التي يعيشها الناس لا يملك عليها جواباً، لانه لا يملك معرفة فيها، ولذلك ينعدم دوره كمرجع حتى في المسائل الفقهية». ص 63

يقول الباحث تأسيساً على آراء السيد العلاّمة: «فان المرجع الديني الذي يراد له ان يحقق التحول المطلوب في الوسط الشيعي، وان ينهض بالمسؤوليات الضخمة في عالم المسلمين، انما تتحرك مصاديقه في نطاق محدود عددياً من حيث الخيارات. وهو ما يمكن تشخيصه جماهيرياً من خلال رصد الساحة الإسلامية بشكل عام والشيعية بشكل خاص، وما يتصل بهما من الوضع الدولي في دائرته الواسعة». ص 63 ـ 64

اما يما يخص المؤسسة المرجعية «الركيزة الثانية في مشروع المرجعية الشاملة» فان المؤلف يتحدث عن امتلاك السيد فضل الله لمنهجية متكاملة حول بناء المؤسسة المرجعية التي يختلف مع صيغتها التقليدية «حيث ان طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بعالم المسلمين، وضخامة التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية تفرض احداث نقلة اساسية في الواقع المرجعي كجهاز يحيط بشخص المرجع، وتشكيل مفرداته في صيغة جديدة لها صفة العمل المؤسسي المنظّم». ص 64

ان منهجية العمل للمؤسسة المرجعية تقوم على اساس دائرتين رئيسيتين:

الدائرة الاولى: ابعاد المرجعية عن الصفة الشخصية لئلا تموت بموته، ولئلا تنطبع بالخصوصيات الفردية في وقت يفترض فيه الشمول والتكامل فلا يتحدد امتدادها الزمني بحياة المرجع. ان السيد فضل الله يريد ان يكون للمرجعية «خط استراتيجي واضح» لا يتغيّر بتغير المراجع وتعاقب ادوارهم الحياتية.

اما في الدائرة الثانية، فيدعو آية الله السيد فضل الله إلى تخلّي المرجعية عن حالتها التقليدية في الميل إلى الوسط الحوزوي بعيداً عن الاهتمامات العامة في حياة المسلمين وفي الواقع الدولي بشكل عام. ان السيد فضل الله يفترض في المرجعية ان تكون مطلّة على قضايا العالم
«ولو من ناحية اتخاذ المواقف السياسية أو المواقف الثقافية أو الاجتماعية التي تطلّ على كل مواقع المرجعية..». ص 66

ويشير المؤلف إلى ان الهيكلية التي يخطط لها العلاّمة فضل الله لا يمكن ان تتحقق إلاّ من خلال شخص المرجع فلابد إلى جانب المؤهلات الشخصية من «خبرة عملية توافر عليها الفقيه في حياته من خلال انفتاحه على قضايا العالم، وحضوره الفاعل في الساحات الثقافية والسياسية والاجتماعية العامة، ومدى الانجازات التي حققها عبر تفاعله مع الاوساط الإسلامية وغير الإسلامية في مستوياتها ومجالاتها المتنوعة». ص 66 ـ 67
ان مشروع بناء المؤسسة المرجعية ـ كما يفهمه المؤلف من افكار السيد العامّة ـ هو محاولة جادة لاعطاء الإسلام دوره الحقيقي في الحياة.

ويستنتج الباحث من خلال منهجية السيد فضل الله في مشروعه للمرجعية الدينية الشاملة ان الاُمّة الإسلامية تتدخل كجزء حيوي حسب مرتكزين اساسيين، هما التماسك الجماهيري، والتواصل المرجعي ـ الجماهيري. ومن خلال المرتكز الاول يبيّن ان تعددية المرجعية قد ساهمت في توفير خيارات حركية للامة، ولكن هذه التعددية ناتجة عن خلفية تقليدية تحكم الوسط الشيعي في طريقة اختيار المراجع وفق قاعدة الاعلمية في الفقه والاصول، وبقدر ما في ذلك من ايجابية ففي المقابل تعكس هذه الخيارات المتعددة توزعاً جماهيرياً على اتجاهات متعددة «مما قد يضعف الموقف الجماهيري العام والموقف المرجعي العام في الحالات الحساسة والحرجة التي تواجه الواقع الاسلامي» ص 69.

ويرى الباحث ان السيد العلاّمة يميل بقوة إلى وحدة المرجعية انطلاقاً من مواصفات المرجع بما يحقق للامة من تماسك اجتماعي «من خلال وحدة الموقف، ووحدة الرؤية التي تستند على استيعاب شامل للحالة الإسلامية في واقعها المعاصر وأفقها المستقبلي» ص 71.

ويقول المؤلف أيضاً: «ان التحدي المضادّ الذي يهدد الوجود الشيعي، لا ينظر إليه على انّه وجود متعدد، انما يتعامل معه على انّه واقع واحد. وهذا ما يستدعي العمل على تحقيق التماسك الفعلي في الحياة الشيعية، حتى يمكن الوقوف امام تيار التحديات الهائلة» ص 71.

وحول المرتكز الثاني «التواصل المرجعي ـ الجماهيري» يقرر الباحث ظاهرة معروفة في الحياة الشيعية هي «وجود فاصلة بين المرجع والاُمّة»، وعبر دراسة رأي السيد فضل الله في هذا الشأن يؤكد الباحث انّه يدعو إلى نمط من التواصل بين المرجعية والاُمّة يبلغ درجة الالتقاء الكامل. «يقول آية الله السيد محمد حسين فضل الله (.. ان المطلوب ان يكون للمرجع الرشد الفقهي والرشد الاجتماعي والرشد السياسي والرشد الحركي مع الاستقامة الاخلاقية والقوة الروحية، بحيث يستطيع من خلالها ان يطلّ على قضايا الاُمّة، وان ينفتح على كلّ الخبرات وعلى كل الطاقات.....» ص 72.

والتواصل الذي يراه الباحث في ثنايا حواره مع السيد العلاّمة لا ينحصر في الدائرة الشيعية، وانما يشمل الدائرة الإسلامية العامة، بل والعالم كله. ان اسس التواصل تحدد بالموقف العملي لا بالحالة النظرية. «فالتواصل لا يكون احاطة ثقافية بظروف المسلمين، بل لابدّ من معايشة حقيقية تعزز مواقف متجددة حسب تجدد الظروف والاوضاع» ص 73.

الحوارات

في الفصل الرابع يثبت الباحث الحوارات التي اجراها مع آية الله السيد محمد حسين فضل الله في اربعة احاديث، نكتفي لعرض عناوينها الرئيسة محيلين القارىء إلى الكتاب ليتسنى له الوقوف مباشرة على اراء وافكار وتصورات السيد العلاّمة.

في الحديث الاول الذي اجراه الاستاذ سليم الحسني مع السيد فضل الله في 16 شباط 1992م تطالعنا العناوين التالية: تجربة القرن الماضي ـ ازمة البدائل المرجعية ـ التعددية المرجعية ـ الدور المطلوب من المرجع ـ نماذج رائدة للمرجعية ـ تنظيم الحوزة.

وفي الحديث الثاني(18 شباط 1992م) نحو مشروع شامل للمرجعية ـ الولاية والمرجعية ـ حاجة المرجع إلى الثقافة العامة ـ نظرتان للتجديد ـ عوامل الارتباك في حركة المرجعيات ـ الاعلمية ليست شرطاً للمرجعية ـ مشكلة العمر عند المراجع ـ الصراع بين القديم والجديد في مسألة المرجعية ـ المطلوب... وحدة المرجعية ـ عناصر القوة والضعف في المرجعية الشيعية.

وتتمحور عناوين الحديث الثالث(3 شباط 1993) حول: الكوابح التقليدية ـ عصر مرجعي جديد ـ حاجات المرجعية المتزايدة ـ العلماء والاُمّة. مسؤولية مشتركة ـ المرجع.. أعلم أم أفضل؟ الاحساس العام بضرورة تطوّر المرجعيات ـ مسؤولية صنع التحوّل في واقع المرجعية ـ عناصر القوة في المرجعية الشاملة ـ محتملات الازمة بين المرجعيات ـ محتملات التصدع في جمهور المقلّدين.

اما عناوين الحديث الثالث(9 شباط 1993م) فهي مناقشة المقترحات المطروحة حول المرجعية ـ المجلس الفقهي ـ وحدة المرجعية والولاية ـ الخمس والزكاة.. للولي أم للمرجع؟ ـ تجزئة التقليد ـ البحث أم التأجيل؟ ـ مؤتمر لفقهاء الشيعة ـ بين الولاية والممرجعية الشاملة ـ طموحات مستقبلية.

لقد آثرنا أن نحيل القاريء إلى مطالعة مباشرة لهذه الحوارات لاننا اردنا منه أن يقف مع السيد فضل الله في انفتاحه الواعي على ما تحسّه الاُمّة من أزمة وما يطرحه من حلول تعالج المشكلة وتؤسس لواقع جديد. كما اننا في الوقت نفسه ندعو إلى قراءة متأنية واعية لاطروحة المرجعية الصالحة للامام الشهيد الصدر (رض) ـ الملحق الاول، ولرسالة الامام الخميني (رض) إلى العلماء ـ الملحق الثاني

سيد مرحوم
08-16-2004, 05:53 PM
يرفع لارتباط الموضوع وعودة تساؤلاته للواقع0