زوربا
05-02-2007, 07:25 AM
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/2-5-2007//270900_600007.jpg
ضريح الزبير بن العوام في قلب المدينة
إعداد: غازي الجاسم
لكل مدينة من مدن العالم قصة نشوء، وأسباب ادت الى ظهور هذه المدينة أو تلك. هنالك مدن تنشأ لأنها تتمتع بمواصفات محددة مثل طرق المواصلات او لوقوعها على الانهار. وفي الاغلب الاعم فإن اسبابا اقتصادية تقوم خلف نشأة المدن.
وعندما نتمعن في اسباب نشوء مدينة الزبير على التخوم النجدية العراقية فإن ذلك يفسر لنا اسباب النشوء والتطور اللاحق. فلقد تمتعت الزبير بشخصية خاصة بها تختلف الى حد كبير عن البصرة التي لا تبعد اكثر من 25 كيلو مترا عنها. فاللغة الزبيراوية المحكية تختلف تماما عن مثيلاتها في البصرة شرقا او في الناصرية شمالا وتختلف عن لهجات الجزيرة العربية رغم ان معظم سكانها جاء اليها في ازمنة متفاوتة من هناك. فلم تنشأ المدينة دفعة واحدة، بل ان كل عشيرة او مجموعة من الناس تفد اليها تضع بصماتها على المدينة.
لقد كان السبب الاساسي لنشوء مدينة الزبير هو وجود عدد من آبار الماء العذب مما استدعى توقف القوافل التجارية عندها خاصة تلك التي تكون قد قطعت مسافات في الصحراء الرملية فتضطر للتوقف للتزود بالماء، خاصة وان الزبير مفصولة عن البصرة بسباخ ممتد على طول المسافة بينهما. مما يضطر قوافل الحجاج والتجار للعسكرة في منطقة الزبير.
كان العقيلات هم سادة الصحراء بلا منازع، وهم الذين اخذوا على عاتقهم نقل البضائع عبر الصحراء لقرون مديدة حتى اوائل القرن العشرين عندما حلت طرق المواصلات الحديثة وتم شق الطرق وعندما امتدت شبكة القطارات في العراق بعد الحرب العالمية الاولى.
وكلمة عقيلات مشتقة من العقلة التي يعقل بها الجمل عند توقف القافلة للراحة والتزود بالماء لكن ما ان تفك العقلة عن البعير حتي يربطها العقيلي على رأسه ومن هنا اشتقت كلمة 'عقال' الذي يرتدى في الشرق الاوسط.
لقد بنى العقيلات مراكز عدة لهم على طريق القوافل مثل الزبير والخميسية، كما ان لهم حيا في بغداد وحلب وغيرها من المدن ونقلوا المتاجر من حلب الى نجد ومن الكويت الى حلب والعكس وتسمى القافلة القادمة من حلب - الحدرة - الحادرة، والذاهبة الى هناك - المشومه ويمكن القول بأن معظم العقيلات تعود اصولهم الى نجد ما عدا بعض الجماعات التي قطنت في الزبير في اوقات متفاوتة تعود اصولها الى جنوب العراق ولجأ الى الزبير عدد من الاحسائيين.
وشارك اهل الزبير في العمل مع اهل الكويت في مغاصات اللؤلؤ وفي السفر التجاري على متن السفن الكويتية. وارتبط اهل الزبير قديما بوشائج متينة مع اهل الكويت، ولجأ الى الكويت عدد كبير من الزبارة هربا من الصراعات الطاحنة التي كانت تدور في الزبير بين العائلات الحاكمة. وكان الصراع طاحنا بين آل - الزهير وآل - الثاقب وهما عائلتان حاكمتان هناك. وقد تحالف آل - الثاقب مع قبائل المنتفق. بينما استعان آل - الزهير بالسلطات العثمانية. ولقد ادى ذلك النزاع الى حصار الزبير من قبل عشائر المنتفق واوقعوا مذبحة في آل - الزهير مما ادى الى فرار من تبقى منهم الى الكويت. كما كان هنالك صراع مرير بين آل - الراشد وآل - سميط.
وكان بعض اطراف النزاع يلجأون دائما الى المنتفق وهم عشائر ثائرة منذ قرون مديدة ويثيرون الاضطرابات في المنطقة الجنوبية في العراق وعلى تخوم الكويت، وهم تحالف عشائري كبير يضم مئات افخاذ القبائل ويسيطرون على الفرات الادنى ونهر الغراف وصولا الى سوق الشيوخ في الناصرية الحالية، وكانت الزبير تتعرض لضغوط اخرى من قبائل الصحراء مثل الضفر التي هي تجمع لقبائل اخرى تضافرت فأخذت اسمها من ذلك التضافر، وكان آل السعدون زعماء المنتفق يمتلكون السطوة داخل المدينة، بل ان لهم مندوبين يعتبرون ذوي كلمة مسموعة داخل المدينة، وذلك الأمر اخل بالامن والاستقرار وادى الى هجرة العديد من التجار الى مواقع امنة ومستقرة مثل الكويت او البصرة.
الأحياء والشاحنات
كانت الطريق بين الزبير والبصرة موحلة طوال ايام السنة وعندما يفيض هور الحمار في فصل الربيع فإن سكان الزبير يستخدمون الابلام للوصول الى البصرة، وتم تعبيد طريق من الزبير الى البصرة في اربعينات القرن الماضي، وتنقسم الزبير الى احياء مثل 'الديره' و'الزهيرية' و'محلة الشمال' و'الرشيدية'، كان نشوء الزبير بفضل الماء والعقيلات وطريق التجارة، وبافتتاح الطرق الحديثة واستخدام الشاحنات، فقدت الزبير مكانتها التجارية مما اضطر العديد من سكانها للبحث عن اعمال في العديد من البلدان خاصة المملكة العربية السعودية والكويت.
وعندما قمت بعدد من الزيارات للزبير في عام 2003 و2004 لم اجد احدا من سكان الزبير القدامى وحل محلهم اناس قدموا من كل فج وصوب، ولابد ان نقول ان تزايد عدد سكان الزبير جاء نتيجة لسنوات القحط في نجد وعدم نزول المطر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مما ادى الى نزوح مجموعات كبيرة من السكان باتجاه الكويت والزبير، مثل آل العبدالكريم والفضل والعنيزي والقرطاس والسميط والضاحي، ثم تبعهم في اوقات لاحقة السويدان والزهير وآل وطبان وال جويسر وال الفداغ والذكير والبسام، ولم يكن القحط وحده السبب في تلك الهجرات، بل كان عدم الاستقرار والحروب في قلب الجزيرة العربية هي سبب آخر لتلك الهجرات.
ولابد من الاشارة الى ان السلاح الذي تبرم به الكويتيون للفلسطينيين وللحاج امين الحسيني في اوائل الثلاثينات من القرن الماضي هربه الزبيريون عبر الصحراء الى فلسطين.
يتبقى ان نقول ان نشوء الزبير قبل قرون من الزمن وباقي امارات العقيلان قد اخذت في الربع الاول من القرن العشرين تتراجع، واندثرت حتى اللهجة الزبيرية وهي لهجة احبها اهل الكويت وقلدوها، ومازال العديد من الكويتيين يرددون بشغف بعض الالفاظ والعبارات التي يسمعونها من اهل الزبير.
ختاما لابد ان نذكر بأن من حكموا الزبير خلال قرون هم مجموعة من العائلات الكبيرة التي تقاتلت مع بعضها واستنجدت بالعشائر لمساندتها وهذا هو سبب اخر لافول تلك المدينة وضياع مركزها وهجرة التجار منها وهجرة اهلها بعد ان ضاقت بهم السبل.
ضريح الزبير بن العوام في قلب المدينة
إعداد: غازي الجاسم
لكل مدينة من مدن العالم قصة نشوء، وأسباب ادت الى ظهور هذه المدينة أو تلك. هنالك مدن تنشأ لأنها تتمتع بمواصفات محددة مثل طرق المواصلات او لوقوعها على الانهار. وفي الاغلب الاعم فإن اسبابا اقتصادية تقوم خلف نشأة المدن.
وعندما نتمعن في اسباب نشوء مدينة الزبير على التخوم النجدية العراقية فإن ذلك يفسر لنا اسباب النشوء والتطور اللاحق. فلقد تمتعت الزبير بشخصية خاصة بها تختلف الى حد كبير عن البصرة التي لا تبعد اكثر من 25 كيلو مترا عنها. فاللغة الزبيراوية المحكية تختلف تماما عن مثيلاتها في البصرة شرقا او في الناصرية شمالا وتختلف عن لهجات الجزيرة العربية رغم ان معظم سكانها جاء اليها في ازمنة متفاوتة من هناك. فلم تنشأ المدينة دفعة واحدة، بل ان كل عشيرة او مجموعة من الناس تفد اليها تضع بصماتها على المدينة.
لقد كان السبب الاساسي لنشوء مدينة الزبير هو وجود عدد من آبار الماء العذب مما استدعى توقف القوافل التجارية عندها خاصة تلك التي تكون قد قطعت مسافات في الصحراء الرملية فتضطر للتوقف للتزود بالماء، خاصة وان الزبير مفصولة عن البصرة بسباخ ممتد على طول المسافة بينهما. مما يضطر قوافل الحجاج والتجار للعسكرة في منطقة الزبير.
كان العقيلات هم سادة الصحراء بلا منازع، وهم الذين اخذوا على عاتقهم نقل البضائع عبر الصحراء لقرون مديدة حتى اوائل القرن العشرين عندما حلت طرق المواصلات الحديثة وتم شق الطرق وعندما امتدت شبكة القطارات في العراق بعد الحرب العالمية الاولى.
وكلمة عقيلات مشتقة من العقلة التي يعقل بها الجمل عند توقف القافلة للراحة والتزود بالماء لكن ما ان تفك العقلة عن البعير حتي يربطها العقيلي على رأسه ومن هنا اشتقت كلمة 'عقال' الذي يرتدى في الشرق الاوسط.
لقد بنى العقيلات مراكز عدة لهم على طريق القوافل مثل الزبير والخميسية، كما ان لهم حيا في بغداد وحلب وغيرها من المدن ونقلوا المتاجر من حلب الى نجد ومن الكويت الى حلب والعكس وتسمى القافلة القادمة من حلب - الحدرة - الحادرة، والذاهبة الى هناك - المشومه ويمكن القول بأن معظم العقيلات تعود اصولهم الى نجد ما عدا بعض الجماعات التي قطنت في الزبير في اوقات متفاوتة تعود اصولها الى جنوب العراق ولجأ الى الزبير عدد من الاحسائيين.
وشارك اهل الزبير في العمل مع اهل الكويت في مغاصات اللؤلؤ وفي السفر التجاري على متن السفن الكويتية. وارتبط اهل الزبير قديما بوشائج متينة مع اهل الكويت، ولجأ الى الكويت عدد كبير من الزبارة هربا من الصراعات الطاحنة التي كانت تدور في الزبير بين العائلات الحاكمة. وكان الصراع طاحنا بين آل - الزهير وآل - الثاقب وهما عائلتان حاكمتان هناك. وقد تحالف آل - الثاقب مع قبائل المنتفق. بينما استعان آل - الزهير بالسلطات العثمانية. ولقد ادى ذلك النزاع الى حصار الزبير من قبل عشائر المنتفق واوقعوا مذبحة في آل - الزهير مما ادى الى فرار من تبقى منهم الى الكويت. كما كان هنالك صراع مرير بين آل - الراشد وآل - سميط.
وكان بعض اطراف النزاع يلجأون دائما الى المنتفق وهم عشائر ثائرة منذ قرون مديدة ويثيرون الاضطرابات في المنطقة الجنوبية في العراق وعلى تخوم الكويت، وهم تحالف عشائري كبير يضم مئات افخاذ القبائل ويسيطرون على الفرات الادنى ونهر الغراف وصولا الى سوق الشيوخ في الناصرية الحالية، وكانت الزبير تتعرض لضغوط اخرى من قبائل الصحراء مثل الضفر التي هي تجمع لقبائل اخرى تضافرت فأخذت اسمها من ذلك التضافر، وكان آل السعدون زعماء المنتفق يمتلكون السطوة داخل المدينة، بل ان لهم مندوبين يعتبرون ذوي كلمة مسموعة داخل المدينة، وذلك الأمر اخل بالامن والاستقرار وادى الى هجرة العديد من التجار الى مواقع امنة ومستقرة مثل الكويت او البصرة.
الأحياء والشاحنات
كانت الطريق بين الزبير والبصرة موحلة طوال ايام السنة وعندما يفيض هور الحمار في فصل الربيع فإن سكان الزبير يستخدمون الابلام للوصول الى البصرة، وتم تعبيد طريق من الزبير الى البصرة في اربعينات القرن الماضي، وتنقسم الزبير الى احياء مثل 'الديره' و'الزهيرية' و'محلة الشمال' و'الرشيدية'، كان نشوء الزبير بفضل الماء والعقيلات وطريق التجارة، وبافتتاح الطرق الحديثة واستخدام الشاحنات، فقدت الزبير مكانتها التجارية مما اضطر العديد من سكانها للبحث عن اعمال في العديد من البلدان خاصة المملكة العربية السعودية والكويت.
وعندما قمت بعدد من الزيارات للزبير في عام 2003 و2004 لم اجد احدا من سكان الزبير القدامى وحل محلهم اناس قدموا من كل فج وصوب، ولابد ان نقول ان تزايد عدد سكان الزبير جاء نتيجة لسنوات القحط في نجد وعدم نزول المطر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مما ادى الى نزوح مجموعات كبيرة من السكان باتجاه الكويت والزبير، مثل آل العبدالكريم والفضل والعنيزي والقرطاس والسميط والضاحي، ثم تبعهم في اوقات لاحقة السويدان والزهير وآل وطبان وال جويسر وال الفداغ والذكير والبسام، ولم يكن القحط وحده السبب في تلك الهجرات، بل كان عدم الاستقرار والحروب في قلب الجزيرة العربية هي سبب آخر لتلك الهجرات.
ولابد من الاشارة الى ان السلاح الذي تبرم به الكويتيون للفلسطينيين وللحاج امين الحسيني في اوائل الثلاثينات من القرن الماضي هربه الزبيريون عبر الصحراء الى فلسطين.
يتبقى ان نقول ان نشوء الزبير قبل قرون من الزمن وباقي امارات العقيلان قد اخذت في الربع الاول من القرن العشرين تتراجع، واندثرت حتى اللهجة الزبيرية وهي لهجة احبها اهل الكويت وقلدوها، ومازال العديد من الكويتيين يرددون بشغف بعض الالفاظ والعبارات التي يسمعونها من اهل الزبير.
ختاما لابد ان نذكر بأن من حكموا الزبير خلال قرون هم مجموعة من العائلات الكبيرة التي تقاتلت مع بعضها واستنجدت بالعشائر لمساندتها وهذا هو سبب اخر لافول تلك المدينة وضياع مركزها وهجرة التجار منها وهجرة اهلها بعد ان ضاقت بهم السبل.