المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيعة السعودية ممنوعون من اقامة شعائرهم الدينية ولا يُسمح لهم بكثير من الوظائف



زهير
04-29-2007, 08:36 AM
يشكّل الشيعة ٢٠% من مجموع سكان المملكة السعودية التي يغلب عليها طابع الإسلام السنّي، تحت عباءة مذهب الشيخ محمد عبد الوهّاب الذي رافق تأسيس الدول السعودية الثلاث، ويوجد الشيعة في ناحيتي القطيف والاحساء شرق الرياض العاصمة، وتعتبر المحافظتان وفقاً للتعريف الحكومي للمناطق السعودية شريان النفط والثروة للعائلة المالكة والدولة السعودية الحديثة، كما يوجد الشيعة أيضاً في المدينة المنوّرة وجدّة ومكّة وحائل وإقليم نجران، ويعتنق سكان الأخير المذهب الشيعي الإسماعيلي الذي استثني من إعلان مكّة الأخير القاضي بإسلام المذاهب السنّيّة الأربعة والمذاهب الجعفري والزيدي والأباضي.

يعاني الشيعة تمييزاً طائفياً يشمل كافة مناحي الحياة في المملكة، وذلك منذ تأسيسها في أوائل القرن العشرين، وقد سبق أن كانت المناطق الشيعية في شرق الجزيرة العربية جزءاً من الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وقد عانى في عهدهما السكان المحلّيون التمييز والاضطهاد. في أواخر القرن التاسع عشر، وأثناء ما كانت الواحتان تحت الحكم العثماني الضعيف، عرضت أجهزة المخابرات البريطانية على السكان أن يخضعوا البلاد للانتداب البريطاني على غرار الإمارات المجاورة، على أن تتحوّل القطيف والاحساء فيما بعد إلى دولة مستقلة، إلا أن السكان بقيادة علماء الدين رفضوا العرض البريطاني، وبقيت الواحتان تحت السيادة العثمانية، إلى أن استطاع الملك السعودي عبد العزيز آل سعود عام ١٩١٣ الاستيلاء على المنطقة الشرقية من دون وقوع خسائر تذكر في صفوف قوّاته، وهكذا امتلكت الدولة السعودية الوليدة شرياناً حيوياً مطلاًّ على الخليج، ولم يكن في حسبانها أنه يحتوي على أكبر مخزون نفطي في العالم.

ومنذ دخول الواحتين وبقيّة المناطق الشيعية في الجزيرة العربية تحت حكم عائلة آل سعود، والشيعة يعانون تهميشاً واضطهاداً وتمييزاً منقطع النظير، تغذّيه العصبية الدينية المستشرية في النظام الديني الرسمي والذهنية الاجتماعية العامة. ورغم الانفتاح الواسع على العالم بحكم التطوّر الهائل في نظم الاتصالات والبث التلفزيوني والاذاعي الفضائي، علاوة على انتشار قيم المواطنة وحقوق الإنسان ودولة المؤسّسات، والانفتاح من خلال الاتصال الواسع النطاق بالعالم الخارجي، إلا أن ذلك لم يدفع بحكومة المملكة الى إعادة النظر في سياستها الداخلية. وبذلك ظلّ الشيعة السعوديون، رغم التقدّم السياسي في العراق والاصلاحات السياسية في البلدان المجاورة، عرضة لنظام تفضيل مذهبي وقبلي منظّم. ومن خلال النقاط التالية نرصد معاناة الأقلّيّة الشيعية ومستوى تقدّمها في نيل حقوقها المشروعة وفقاً لمقرّرات وقواعد النظام الحقوقي العالمي:

الحقوق الدينية:

يعاني الشيعة تمييزاً طائفياً يشمل كافة مناحي الحياة في المملكة، وذلك منذ تأسيسها في أوائل القرن العشرينرصد خلال هذا العام تقدّم إيجابي تمثّل في السماح المتثاقل للمواطنين الشيعة في القطيف والاحساء ببناء مراكزهم الدينية وممارسة شعائرهم التقليدية.

في العهود السابقة درجت الحكومة السعودية بين فترة وأخرى، على فتح المجال لمواطنيها الشيعة لبناء المساجد والحسينيات. يتحدّث الأهالي هنا عن عشرات المساجد التي بنيت في عهد الملك خالد، قبل أن يتم تقييد البناء في القطيف والاحساء مجدّداً.

ونظراً لافتقار البلاد الى دستور واضح المعالم، وحكمها من خلال أكثر من تيار في العائلة المالكة، فإن العديد من المواطنين يشكّكون في جدّية الحكومة في سنّ نظام دائم يسمح من خلاله للمواطنين الشيعة بتشييد مراكزهم العبادية والاجتماعية بحرّيّة.

لا تزال الحكومة السعودية تفرض شبه حظر على بناء صالات الأفراح في المناطق الشيعية، خوفاً من استثمارها في أنشطة معارضة للحكومة، وقد تسبّب هذا الحظر في عام ١٩٩٦ في نشوء حريق في بلدة القديح بالقطيف، مما تسبّب في مقتل عشرات النساء والأطفال.

عقب الحادثة سمحت الحكومة ببناء بعض صالات الأفراح، وأمر ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله ببناء صالة أفراح على نفقته الخاصة وتقديمها هديّة لأهالي القديح. أما النشاط الديني غير التقليدي، والذي يأخذ طابع العصرنة، فما زالت الحكومة السعودية تمنعه بشكل دائم. في شهر محرّم لعام ١٤٢٦ هـ حظّرت السلطات إقامة عمل مسرحي ديني خاص بموسم عاشوراء. وفي شهر صفر من العام نفسه، منعت السلطات مهرجاناً دينياً بمناسبة ذكرى أربعينية الإمام الحسين.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أبلغت السلطات الى مجموعة دينية شيعية في جزيرة تاروت ـ إحدى نواحي القطيف ـ قرار منع السلطات مهرجان أنوار العروج ـ بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني، أحد مراجع الشيعة وصاحب نظرية ولاية الفقيه ومؤسّس الجمهورية الإسلامية في إيران ـ من دون توضيح الأسباب، كما تم إغلاق مركز ديني اجتماعي في المدينة المنوّرة من دون أسباب مقنعة.

علاوة على ذلك، يفرض تقييد وحظر تام على أي نشاطات عبادية لشيعتي المدينة المنوّرة وحائل، إذ لا يزال شيعة حائل يقيمون عباداتهم الدينية التقليدية كالصلاة في سراديب تحت الأرض! كما ويحظّر على شيعة المدينة بناء المساجد والحسينيات في مناطقهم.

أما شيعة نجران، فيعانون تقييداً شديداً مماثلاً، كما وتفرض السلطات حظراً تامّاً على المواطنين الشيعة في ممارسة أية أنشطة عبادية علنية أو سرّيّة في غير مناطقهم المعروفة، وبخاصة في مدن البلاد الرئيسية كالرياض وجدّة، ولا تزال حكومة الرياض تفرض حظراً على المواطنين الشيعة في الدمّام والخبر في بناء المساجد والحسينيات، وأغلب مراكز التجمّع العبادية عبارة عن بيوت عادية، وتتغاضى السلطات عن النشاط الديني فيها ما دامت غير بارزة.

وقد دأبت أجهزة الأمن السعودية خلال السنوات العشر الماضية، على معاقبة المواطنين الشيعة وبخاصة في القطيف والاحساء، بالسجن لفترات تمتد من أسبوع إلى شهرين، بأمر من أمير المنطقة الشرقية محمد بن فهد، بتهمة إقامتهم شعائر مقتل الإمام الحسين وأئمة أهل البيت الآخرين، والقيام بالأنشطة المتعلّقة بموسم عاشوراء الذي يبدأ من مطلع السنة الهجرية القمرية ويمتد لغاية شهرين تقريباً، حيث يتم استدعاء المواطن المحكوم عليه بالسجن، وإحاطته بأمر إمارة المنطقة الشرقية، ومن ثم إرساله إلى السجن العام لقضاء العقوبة المستحقة من دون أية إجراءات قانونية على الاطلاق.

الحقوق الثقافية:

لا تزال الحكومة السعودية، عبر وزارة الاعلام وأجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية، تفرض حظراً كلّيّاً على النشاط الثقافي للمواطنين الشيعة، حيث تمنع وزارة الاعلام الكتب الشيعية بمختلف أنواعها وتصانيفها، كما وتفرض حظراً على عدد من دور النشر التي تطبع الكتب الدينية الشيعية، لأنها تنشر كذلك مطبوعات تندّد بالمذهب السلفي وسياسات الحكومة السعودية، كما ويشمل الحظر المواد السمعية والإلكترونية.

وتمارس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية دوراً رقابياً بارزاً على مواقع الإنترنت ذات التوجّهات الشيعية، سواء تلك التي تبث من داخل المملكة أو خارجها، وقد تعرّض للحجب مئات المواقع الشيعية، ومن ضمن المواقع المحجوبة التي تعمل من داخل المملكة ما يلي:

ـ شبكة راصد الإخبارية
ـ شبكة الجارودية الثقافية
ـ ملتقى القطيف الثقافي
ـ أنصار المنسيين

ومن الخارج:

ـ شبكة الحرمين
ـ منتدى منابر الجزيرة العربية
ـ شبكة الشاعر
ـ شبكة الأبحاث العقائدية

وغيرها الكثير مما لا يمكن إحصاؤه في هذا التقرير.

كما وتفرض الحكومة السعودية حظراً على النشاط الثقافي الجماهيري للمواطنين الشيعة، إذ منعت السلطات لقاء جماهيرياً بين مثقّفين من السنّة والشيعة في إحدى الحسينيات لأسباب مجهولة، وذلك في منتصف عام ٢٠٠٥. كما وتخضع معارض الكتاب إلى شروط حكومية معقّدة، مما جعل آخر معرض كتاب في المنطقة يرجع إلى منتصف تسعينيات القرن المنصرم، إلا أن الاجراءات الحكومية تشمل كافة أنحاء المملكة بشكل عام ولا تختص بالمواطنين الشيعة وحدهم.

وبطبيعة الحال، تمنع الأنظمة إصدار الكتب والصحف والدوريات الأسبوعية والشهرية ونصف السنوية ذات الطابع الشيعي من داخل البلاد، حتى وإن كانت لا تحمل هويّة مذهبية واضحة، إذ لم يسبق أن افتتحت صحيفة سعودية في المناطق الشيعية، رغم تمتّعها بكفاءات صحفية وأدبية عالية المستوى، وقد تقدّم بالفعل عدد من المثقّفين والكتّاب في العهود السابقة بطلبات من هذا القبيل، إلا أنها رفضت من دون تقديم مبررات.

الشيعة والتهميش:


صورة جوية لحقل القطيف النفطي والذي يبلغ طوله 50 كم وعرضه 10كملا يزال المواطنون الشيعة عرضة للتهميش والتمييز في الدوائر الحكومية. لا تزال شركة آرامكو النفطية التي تعتبر عماد الاقتصاد السعودي، ترفض توظيف المواطنين الشيعة بشكل عام، رغم رصد بعض التراجع الايجابي في هذا المضمار، حيث أقدمت الشركة على توظيف القليل من المواطنين الشيعة، إلى جانب الأغلبية الساحقة من المواطنين السنّة، كما ويعاني الشيعة استبعاداً شبه تام في الوظائف الأمنيّة، حيث لم يسبق وأن وصل مواطن شيعي إلى مجلس الوزراء.

نسبة تمثيل الشيعة في المجلس الوزاري ٠% ومجلس الشورى ٤% والمجلس الأعلى للقضاء ٠%، إلا أن للشيعة محكمتين شرعيتين للأوقاف والمواريث وشؤون الزواج ذات صلاحيات محدودة، وذلك في كل من القطيف والاحساء فقط.

جميع رؤساء البلديات والمستشفيات وبقيّة الدوائر الخدمية في المناطق الشيعية، ومعظم الوظائف القيادية والاشرافية في دوائر الدولة، هم من الأغلبية السنّيّة، ويستبعد الشيعة من الوصول إلى هذه الوظائف لأسباب طائفية بحتة، كما وتقتصر خدمات العسكريين الشيعة في الجيش السعودي على الخدمات المساندة، ويمنعون تماماً من الوصول الى المراكز القيادية والحسّاسة في السلك العسكري.

لا يزال المواطنون الشيعة يتعرّضون لسوء المعاملة والاقصاء في الدوائر الخدمية كالصحّة والتعليم، إذ لا تقارن الخدمات المقدّمة في المناطق الشيعية بغيرها، نظراً لتكثيف الاهتمام الحكومي بالمناطق السنّيّة.

ويغلب على الدوائر الحكومية المحسوبية والفساد، مما مكّن المواطنين من غير الشيعة، والذين يرتبطون بشاغلي الوظائف الاشرافية والقيادية بروابط المذهب والقبيلة، من إنجاز معاملاتهم الحكومية بيسر وسهولة، بينما تطبّق الأنظمة وبصرامة على المواطنين الشيعة وغيرهم ممن لا يمتلكون نفوذاً في هذه الدوائر.

ورغم تمتّع الشيعة بكفاءات علمية جيدة من العنصر النسائي، إلا أن وزارة التربية والتعليم السعودية تفرض حظراً مستمراً لأكثر من ثلاثين عاماً على المعلّمات الشيعة، ويقضي الحظر على حرمانهن من تقلّد منصبي «الادارة والوكالة» لأسباب غير معلنة، ورغم توجيه العشرات من الرسائل والخطابات وكتابة بعض المقالات في الصحف المحلّيّة، والتي تطالب بتفسير واضح لعدم تعيين المعلّمات المنتميات لمحافظتي القطيف والاحساء، في المناصب العليا في المدارس وعموم وزارة التربية والتعليم، إلا أن الوزارة لم تعلن موقفها العلني ولم تقم بإجراءات لإنهاء هذا الحظر.

كما وقد تم رفض طلبات العشرات من الطلبة الشيعة من الجنسين للالتحاق بكليّات الطبّ، رغم حصولهم على معدّلات مرتفعة جداً تصل إلى ٩٩% من النسبة الكلّيّة، مما دفع بهم إلى الدراسة خارج المملكة.

علاوة على ذلك، لا تزال الأنشطة المناوئة ضد المذهب الشيعي، سواء عبر شبكة الإنترنت أو من خلال المطبوعات المصرّحة من وزارة الاعلام والمواد المسموعة والإلكترونية، تنال من المواطنين الشيعة عقيدة وفقهاً وتاريخاً من دون أن تسعى الأجهزة المختصة إلى حظرها.

في نهاية تشرين الثاني «نوفمبر» تناقل المواطنون في محافظة القطيف، أنباء تفيد أن أشخاصاً مجهولين قاموا بتوزيع مطبوعات تندد بالشيعة، وذلك في مدينة سيهات، كما كتب بعض الطلبة بتوجيه من معلمّيهم بحوثاً قصيرة، تنال من المذهب الشيعي، وتصفه بالخروج من دائرة الإسلام وبالمذهب المبتدع، كما ويتعرّض الشيعة لاتهامات مماثلة في بعض القنوات الفضائية المرتبطة بالحكومة.

ورغم دعوات علماء الشيعة ومفكّريها الحكومة السعودية لحظر هذه النشاطات، إلا أنها لم تبادر بعد إلى سنّ القوانين اللازمة، لكبح أنشطة الكراهية ضد مواطنيها من الشيعة.

في شهر كانون الأول «ديسمبر» انعقدت قمّة منظّمة المؤتمر الإسلامي، وانبثق عنها إعلان هام للغاية يقضي بأن أتباع المذهب الجعفري إلى جانب الزيدي والمذاهب الأربعة السنّيّة من المسلمين، محقونو الدم والعرض، ويأمل المواطنون الشيعة هنا إضافة أتباع المذهب الإسماعيلي الذي يشكّل أغلبية سكان إقليم نجران جنوب المملكة، إلى إعلان القمّة، وأن تبادر حكومة الملك عبد الله إلى إصدار الأنظمة اللازمة لتفعيل إعلان مكّة.

الشيعة والقضاء

ظلّ سلك القضاء في المملكة يمارس اضطهاداً وتعدّياً على الإنسان الشيعي، والمعروف أن قضاء المملكة يستند الى المبادئ الفقهية للمذهب الحنبلي، ويتغاضى في قوانينه وأنظمته عن مبادئ وأصول العدالة السائدة في العالم، حيث أن نظام المرافعات القضائية لم يعتمد سوى مؤخّراً، ويشوبه العديد من الشوائب والاشكالات القانونية، كما أن أمن الدولة، قضائياً، لا يخضع لنظام المرافعات، حيث يعتبر أطراف القضايا الأمنيّة والسياسية خصوماً للعائلة المالكة مباشرة.

وتعتبر السلطة القضائية جزءاً من السلطة التنفيذية ولا تتمتّع باستقلال حقيقي، وكثيراً ما يتدخّل أطراف في العائلة المالكة في شؤون القضاء، كما تفتقر الاجراءات القانونية السائدة في الدوائر الأمنيّة والقضائية، الى قيم العدالة واحترام الإنسان وحقوقه الأساسية.

ثمّة تحسّن في القضايا المدنيّة والجنائيّة والمالية، ولكنه ضئيل جداً لا يفي بمتطلّبات العدالة واحترام حقوق الإنسان. بالنسبة للمواطن الشيعي يتعامل القضاء السعودي معه من منطلقات طائفية بعيدة كل البعد عن روح المساواة، فشهادة المواطن الشيعي غير مقبولة باعتباره منتمياً لمذهب مبتدع، ولا يسمح للمواطنين الشيعة بالركون في قضاياهم الجنائيّة والأمنيّة والاجتماعية والماليّة الى الفقهاء الشيعة، حتى أن محكمة الأوقاف والمواريث الشيعية أحكامها غير مقبولة لدى العديد من القضاة الشرعيين في المحاكم الكبرى.

لا يجوز للفقهاء الوهّابيين الزواج بالشيعة إلا إذا غيّر الطرف الشيعي مذهبه، ومن هذه الفتاوى الثابتة في المذهب السلفي، تستصدر المحاكم الشرعية السعودية أحكامها ببطلان زواج المواطن السنّي، أو غيره من المواطنين المسلمين والعرب المقيمين في المملكة، من معتنقي المذهب الشيعي.

محسن التركيكما وأن لإمارات المناطق صلاحيات إصدار أحكام بالسجن دونما الرجوع للمحاكم، ودونما الخضوع لقانون واضح المعالم، وقد استغلّ العديد من الأمراء هذه الصلاحيات وأصدروا أحكاماً بالسجن على المواطنين، ومنهم مواطنون من الشيعة.

لم يرصد خلال هذا العام في المنطقة الشرقية إصدار أحكام من هذا القبيل على مواطنين شيعة، إلا أن أمير المنطقة الشرقية أصدر العديد منها في السنوات الماضية.

لا يزال المواطن «محسن التركي» عرضة لتنفيذ عقوبة السجن ثمانية شهور و٣٥٠ جلدة، تنفّذ في موطنه في جزيرة تاروت بتهمة سبّ الصحابة، إلا أنه وبسبب الثُّغُر القضائية والفوضى القانونية التي تنخر في دوائر ومؤسّسات الدولة، ومنها المؤسّسة القضائية الهشّة، استطاع تأخير تنفيذ الحكم. كما وتعرّض شاب شيعي لعقوبة الجلد في شهر حزيران «يونيو» الماضي لإدانته بحمل طلاسم.

وتعرّض أيضاً مواطن من بلدة العوامية للطرد من عمله والسجن والجلد، لإدانته بالنقد العلني للنظام القضائي والاجتماعي في المملكة. وفي آب «أغسطس» الماضي اعتقل مواطن يعمل مدرّساً في إحدى المدارس الحكومية، بتهم طائفية، واتّخذت بحقّه سلسلة من الاجراءات العقابية، منها وقْفه عن التدريس ومنعه من السفر.

الحقوق الاجتماعية

جانب من مظاهرات القطيف التضامنية مع لبنان العام الماضي «أرشيف»ترتبط الحقوق السياسية للمواطنين الشيعة بحق الشعب السعودي ككل، إذ إن المواطن السعودي محروم تماماً من حقوقه السياسية، ويخضع لسيطرة نظام ملكي مطلق. يحرّم النظام السياسي للحكم، الذي صدر في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، تكوين التجمّعات والأحزاب والجمعيات السياسية، وتقمع التظاهرات بشدّة وتعتبر أعمال شغب.

وتسيطر العائلة المالكة على كافة أوجه الحياة في البلاد، ولا وجود لمؤسّسات المجتمع المدني. لذلك، فإن حقوق الشيعة مرتبطة بإصلاح سياسي واجتماعي عميق، من خلاله تتاح الفرصة للشعب ومن ضمنه الأقلّيّات الطائفية كالشيعة، من تكوين مؤسّساته المدنية وأحزابه السياسية والمشاركة في الانتخابات البلدية والتشريعية، إلا أن الشيعة في ظلّ النظام الملكي المطلق محرومون تماماً من أي مشاركة في شؤون الدولة، إذ لم تعيّن الحكومة أي شخصية شيعية في منصب رفيع عدا منصب «سفير»، الذي منح للدكتور جميل الجشّي، وهو من أهالي القطيف لمدة ٤ سنوات لم تجدد.

ويحرم الشيعة أيضاً من العمل في السلك الديبلوماسي والوظائف الادارية في السفارات، ويشمل هذا التمييز النساء السعوديات أيضاً، كما أن الشيعة في مناطقهم محرومون من تولّي مناصب عليا في الدوائر الخدمية كالمستشفيات والبلديات، فكيف إذن بمناصب رفيعة في الدولة؟؟!

في عام ١٩٨٠، قام الشيعة السعوديون بتظاهرات ضد العائلة المالكة، عقب سقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وكان من ضمن دوافع وأسباب اندلاع التظاهرات التي راح ضحيّتها العشرات من المواطنين الشيعة، سوء الخدمات في المناطق الشيعية، إلا أنه خلال العشر سنوات الماضية رصد تقدّم «مقبول» في مستوى الخدمات، إلا أنها لا تقارن على نحو الاطلاق بالرياض العاصمة أو المدن المجاورة، وبمداخيل النفط الهائلة التي تستخرج من المناطق الشيعية في المقام الأول، فالمدن المجاورة لمحافظتي القطيف والاحساء شيّدت مع انبثاق عهد النفط في المملكة، وسكانها خليط من مناطق متعدّدة من البلاد، ولم يكن في المنطقة الشرقية قبل عصر النفط، سوى الواحتين ومجموعة من الهجر البعيدة عن الساحل.

من ناحية أخرى، لا يزال أفراد من العائلة المالكة يستولون على الشواطئ، ويوقّعون عقوداً مع شركات متخصّصة لردمها وتحويلها لمخطّطات سكنية، ومن ثم يبيعونها للسكان المحلّيين بأسعار ضخمة. ورغم صدور قرار ملكي بعدم الردم، إلا أن ذلك لا ينطبق سوى على المواطنين العاديين. آخر السواحل المستولى عليها كان ساحل الرامس المحاذي لمنطقة الرامس الزراعية، وقد استولى عليها ولي العهد الحالي سلطان بن عبد العزيز أيام الملك فهد، بحجّة كونها منحة ملكية، وباعها الى شركة ضخمة حوّلتها إلى مخطّط راقٍ، عارض أهالي العوامية المشروع إلا أنهم أبرموا اتّفاقاً يقضي بمنح المتضرّرين أراضي مجانيّة ومميّزات أخرى. ومن غير الواضح ما إذا كانت الشركة المرتبطة بالأمير السعودي، ستفي ببنود هذا الاتفاق.

وينتاب المواطنين الشيعة غبن شديد لكون مناطقهم تزخر بالثروة المائية، إلا أنها استنزفت في مشاريع أرامكو النفطية، ورغم أن المواطنين في القطيف يحصلون على المياه المحلاّة للشرب، إلا أنهم من ناحية أخرى يحصلون على مياه مالحة لاستخداماتهم الإنسانية والمنزلية، بينما يقطع الصحراء أنبوب ضخم يمتد من مدينة الجبيل الصناعية إلى الرياض والقصيم، لينعم المواطنون هناك بالمياه المحلاّة لكافة حاجاتهم.

من ناحية أخرى، يعاني أهالي الاحساء من عدم توفّر المياه المحلاّة ويضطرون الى شراء المياه من الشركات الأهليّة، وقد جفّت عشرات العيون التاريخية في الاحساء نتيجة الاهمال الحكومي، وتحويل مسار ينابيعها الى آبار البترول المحيطة بالمحافظة.

مستقبل الشيعة

من أحداث محرم 1400هـ في المنطقة الشرقية «أرشيف»ناضل الشيعة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عبر انضمامهم الى فروع حركات التحرّر العالمية، وقدّمت الطائفة الشيعية العديد من الشهداء، إلا أن انحسار مدّ التيارات والتنظيمات العروبية والاشتراكية والشيوعية، وإقامة علاقات ديبلوماسية بين الأنظمة السياسية التي تدعم حركات المعارضة، وبين الأنظمة التي تناضل ضدها تلك التشكيلات، ومن ضمنها المعارضة السعودية، مهّد الطريق لبروز الحركة الإسلامية واستفرادها بالساحة، وبخاصّة مع قيام الثورة الإيرانية، إلا أنه سرعان ما تخلّت إيران عن دعم التنظيمات الإسلامية المعارضة للنظام السعودي، وشرعت في إقامة علاقات ديبلوماسية مع المملكة، ممّا جعل غالبية رجال الدين والمناضلين الإسلاميين يفضّلون إنهاء المعارضة والعودة الى الوطن، وتوّج هذا التوجّه بإعلان الحركة الاصلاحية في الجزيرة، وهو المسمّى الجديد لمنظّمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، بإنهاء المعارضة والعودة الطوعية الى المملكة، بعدها فتحت صفحة جديدة في العلاقة بين القيادات الدينية والشعبية والدولة السعودية، أساسها العمل من الداخل لنيل الحقوق المشروعة للطائفة الشيعية، التي تعتبر أقلّيّة مذهبية وسط أغلبية سنّيّة كاسحة.

يتوجّه الشيعة الآن عبر قيادتهم الدينية والشعبية إلى الحضور المكثّف في دوائر اتّخاذ القرار وعلى رأسها الديوان الملكي، وإثبات أن المواطنين الشيعة ليسوا سوى مجرّد مواطنين عاديين، وإن اختلفوا مع الأغلبية في بعض التفاصيل، وأن ولاءهم هو للوطن ورموزه العليا المتمثّلة في الملك والعائلة المالكة.

واستغلّت القيادات الشيعية أحداث الحادي عشر من أيلول «سبتمبر»، وتولّي الشيعة الحكم في العراق بعد سقوط نظام صدّام حسين، والاصلاحات السياسية في البلدان المجاورة، وتقدّم وسائل الاتصالات، من أجل مخاطبة الرأي العام المحلّي ومسؤولي الحكومة، كما بدأ الشيعة في الظهور في وسائل الاعلام المختلفة والمشاركة الفاعلة في لقاءات «الحوار الوطني»، الذي أمر بإنشائه الملك عبد الله عندما كان وليّاً للعهد.

لقد تخلّى الشيعة عن نظرية المواجهة بشكل عام، وبدأوا عهداً جديداً قاعدته الرئيسية العمل في الاطار الوطني من أجل نيل الحقوق المشروعة، ولا يخفي بعض القادة الدينيين أمنيته بأن يرى المملكة، وقد تحولت إلى مملكة دستورية يتمتّع شعبها بمجلس تشريعي منتخب ذي صلاحيات، والفصل بين السلطات، وترشيد استهلاك المال العام، وهو مصطلح مهذّب يطالب في حقيقته بمنع أفراد العائلة المالكة من التصرّف بالميزانية العامّة، ومحاربة الفساد والمحسوبية والرِّشى، والعمولات الضخمة على صفقات أسلحة الجيش السعودي.

ليس من الواضح بعد، ما إذا كان هذا التوجّه سيؤدّي في النهاية إلى حصول الأقلّيّة الشيعية على حقوقها المسلوبة، منذ دخول مناطقها تحت سلطة آل سعود في عام ١٩١٣، وبخاصّة أن البلاد لا تزال تحت قبضة نظام ديني واجتماعي وثقافي متشدّد، لم يسالم المذهب الشيعي منذ نشوئه، فقد صدرت من أعلام المذهب السلفي عشرات الفتاوى التي تطالب بقتل المواطنين الشيعة.

في نهاية الأمر، تبقى قضية الأقلّيّة الشيعية مرتبطة ارتباطاً مصيرياً بمستقبل المملكة السعودية ذاتها، فالبلاد حتى هذا العام لا تحكم من خلال دستور ناجز ينظّم مسيرتها الداخلية والخارجية ويحفظ للمواطنين حقوقهم، إنما تدار من خلال أقطاب العائلة المالكة، وهذا الأمر يعطّل مسيرة المطالبة بالحقوق وحلّ القضايا العالقة. إن حلّ مشكلة الشيعة كأقلّيّة دينية، والشعب السعودي كشعب يحكم من خلال نظام ملكي شمولي استبدادي، يكمن بإقرار دستور شامل يشترك الشعب عبر ممثّليه المنتخبين، ومن ضمنهم الشيعة بنسبتهم الواقعية، في كتابته، وحينها فقط ستنتهي كافة مظاهر التهميش والتمييز والقمع الديني والسياسي والاجتماعي في المملكة، ليبدأ عهد جديد هو عهد الحرّيّة والعدل والمساواة، في ظلّ نظام دستوري يكون مركز اهتمامه ورعايته الإنسان، بغض النظر عن انتماءاته القبلية والدينية والطائفية


من موقع براثا